مقدذمة
لكلّ إنسان تساؤلات تدفعه إلى البحث المستمرٌ للتوضّل إلى إحابات لها وفي رحلة
مؤلفات (نحيي الدين بن عربي)" » وهو البحر المحيط في العلوم وفي فلسفة الأخحلاق
والوجود ومعرفة النفس الإنسانية .. وأنا أحاول أن أشرح بعضها تارة وأوجز بعضها تارة
لأن كل إنسان يبحث عن السعادة » فالسعادة شعور جميل يغمر الإنسان أحياناً ثم يغهب
عنه » فيحار في البحث عنها. قد يجدها في بسمة طفل » أو في اقتناء الأشياء الشميئة » أو في
محادثة ممتعة مع شخص آخر » أو في اجتماع مع الأصحاب » أو في الانغماس في اللذات
بأنواعها .. إلى غير ذلك من الأسباب .
! - راجع ترجمة حياته وأهمّ مؤلّفاته في آخر هذا الكتاب.
ولكي ييبحث الإنسان عمّ ييبحث عليه أن يضع مفهوم السعادة تحت
شعور يتبع من أعماقي فيغمرني بالفرح للحظات قد تطول أو تقصر » وعندما أبحث عن
الحدث ؛ ولكن عند تكراره لا يعطي الأثر المطلوب والمنتعظر منه » فَأيقتُ أن الأسباب
سطحيّ يختلف مدى عمقه بتأثير عوامل مختلفة » أمّا الأعماق الحقيقية إنها ثابتة » كالبحر
الذي يتغيّر مظهر سطحه وأمواجه بتأثير الرياح بينما أعماقه بعيدة عن هذا التأثير.. إذن +
وحدتث أن في الأعماق نور ذائياً بِدّدٌ الظلام الذي يتزاكم نتيجة تحارب الإنسان
الوميض زائف » بل هو حقيقيّ يطالبه بالكشف عنه والتعرّف إليه » إنّه نور الفطرة الموحود
في أعماق كل فرد من البشر » النور الذي أضاء به تعالى باطن الإنسان وجعله مرشداً له
للتعرّف إليه سبحانه » نما تتزاوح نسبة الشعور به حسب صفاء القلب والنفس . فمن
ومن تكذّر قلبه بالمشاعر المتناقضة لا ينفسح له المجال للإحساس بشعاع هذا الدور » ويقى
وقد أوجد الله تعالى هذا النور في نفوسنا ليشعرنا بوجودة سبيحائه وممحبّه لاء
بضعفه وعيوبه الخاصّة » وتكون بينهما أُلفة وبّة وتفاهم ؟ وإذا وجد الإنسان بعض هذه
الصفات في رفيق حياته فإنه يحصل على أكبر سعادة يتمنّاها. وقد قلت "بعض" لأنه من
جميعها - وهناك أكثر منها جمالاً وإيجانيّة وتكاملاً وأكبر تأثيراً - موجودة في متناول الجميع
يتعرّف إلى الجزء اليسير يسعى إلى الحصول على الأكثر » فا
تعالل جسراً يعبر بها البشر إلى حب الله تعالى الحبّ الحقيقيّ الصادق الذي لا يمكن أن
يدخله زيف أو خداع. ومن يعتبر أنّ العلاقات الفيزيولوجية بين البشر هي وحدها الحب
بين الشاس أوجدها الله
له كدر ذن
مشاعر سعادة لم تكن تشعر بها من قبل
أعمالك » بل هو القوّة الي تلمسها في أعماقك ؛ وتعيش بها فتجعلك ترى وتسمع وتدرك
للعاني ؛ ومن ثم تدرك معنى وجودك وما هو مطلوب متك .
! - سورة (ق) » الآية 16
- سورة البقرة ؛ الآية 186+
وقد طلب الله منكٌ أن تعرف نفسك لتعرفه (من عرف نفسه عرف ريم
ومن هنا جاء الطلب المتكرر للإنسان أن يعبّر ويغوص يفهمه وإدراكه من الشكل الظاهري
فهم الحكمة الموجودة ضمن الأشياء وأمور الحياة. ولكلّ إنسان وبحسب إمكانياته واجتهاده
المحدّد له حسب استعداده. فمعظمهم يكتفون بالبقاء قرب السطح » بينما الكدوز موجودة
في الأعماق » ولا يلزم الإنسان لبلوغها سوى الرغبة والإرادة » ثم الجهد والدراسة. وقد
معظم الناس لا يستفيدون منه الاستفادة اللازمة ؛ فمعرقتكٌ لنفسكَ ومعرفة إمكانيّاتك
وَُسْعَهَا *2, ولا تتقاعس عمّا هو مطلوب منك » بل تتعرّف إلى حقيقة مسووايتك.
كما أنّ الله سبحانه وتعالى أوجد عدد الإنسان بعض الصفات والمشاعر لتكون
حافزاً واستفزازاً للعقل على العمل بطاقة أكبر » مثل : الطموح والتدافس والطمع والحسد
جعلها الإنسان غايةً انحرفت به عن الطريق السليم باستخدامها في غير موضعها ؛ فأعطته
بهذا الانحراف الكثير من التعب والأذى. وقد بيّن الله سبحانه وتعالى الطريق السويّ الذي
يوصله إليه » أو يوصله إلى سعادته » وسمّاه "الصراط المستقيم" - وسيأتي تعريف له في
فقرة خاصة آتية - وقد قال ابن عربي : ( إن الله أودع أنوار الملكوت في أصناف
-١ حديث نبوي شريف.
2 سورة البقرة ؛ الآية 286
إليه » كما إنّه سبحانه وتعالى وضع له الميزان لكي يزنٌ الأسور » فلا إفراط ولا تفريط »
فالمبالغة في كلّ شيء شطط » بل التوازن في الوسط هو طريق السعادة.
ونعود إلى الحبّ الذي يربط الإنسان بربّه ؛ فتقول : إن الإنسان يخاف من المجهول
هو بجهول بالنسبة إليه » ولذلك أيضاً وجبت عليه محاولة التعرّف إليه لإزالة الخوف وتقوية
رابطة الحبّ » وهي الرابطة الحقيقيّة.
ويشرح ابن عربي مفهوم الحبّ شرحاً مفصّلاً جره هنا بقدر الإمكان » فهو يرى
الصورتان نسختين متشابهتين تماماً » فإنٌ إحداهما تفنى في الأخرى ؛ وتكون النتيحة
صورة واحدة لكلتيهما منطبقة.
مشتركة متطابقة. وكلّما ازداد عدد نقاط التطابق بينهما يكون الحبّ أكبر. ومن الواضح
نفسه » فتغمره هذه المشاعر وذلك خلال لحظات ذلك الفناء » ولولا وجود تلك البقيّة غير
المتفانية لما شعر بالحبّ وتعرّف إليه. ولهذا يعتبر ابن عربي أن الحبّ الحقيقي بين البشر هو
البداية للتعرّف إلى الله سبحانه وتعالى والشعور محبّته وبفيض عطائه وكرمه ؛ يقول ابن
© - الفترحات لمكي .
عربي : (لا يمكن أن يكون بين إثنين من الحبٌ إلا إذا كانت بينهما مناسبة .. وإ معرفة
الإنسان الكامل لربّه معرفة حب وفناء فيه - وقد أعطانا الله مثالاً على ذلك في الطبّة
والعشق حيث يفنى كل جزء في مقابلة الجزء المناسب له. فعدد مقابلة الإنسان لشيء
هذا الكلام أنقله عن ابن عربي لتوضيح تعبير (منامسبة) ؛ وهي الصفات المشتركة
لا إننين. فلا بِدّ من وجود الاختلاف حتّى يكون بينهما فرق واضح ويكونا إثدين. إن
والإنسان هي أنّ الله خلق الإنسان الكامل على صورته (وهناك تعريف للإنسان الكامل
الحيوان الناطق » هو ظلٌ أو هو جزء من الإنسان الكامل. وبقدر ما يقرب هذا الإنسان في
الاختلاف في أنّ الأَوَّلَ ربٌ” والآخرٌ عبدٌ .. وبالنسبة للصويٌ : فإنّ غاية الصو الفداء في
والتحلّي بصفات الله سبحانه وتعالى الظاهرة في أسمائه الحستى ( الغفور - الرحيم ...)
وبقدر همّته واجتهاده في ذلك قد يتمكّن من الوصول » والله أعلم .
إنما
- الفتوحات الك
ويمكننا من خلال شرح ابن عربي لكثير من الأمور الي غابت عن أذعاننا أن نتعلّم
كيف يمكن للعلاقة أن تتعّز بين الإنسان والله سبحانه وتعالى » وكيف تزداد معرفتنا به
ونزيل من نفوسنا الخوف من المجهول ونتعلّم كيف نبادره بالمحبّة ونشعر بالتحاوب معه »
ولا يكون ذلك إلا بالتعرّف إلى معنى الإنسان الكامل وصفاته معرفة روحانية للإنسان
العاديّ » وكذلك معرفة بعض العاني البهمة الي ورد ذكرها في كتاب الله وتعال ووقف
الإنسان حائراً أمامها » مثل : البرزخ » والأعيان الثابتة » والممكنات » والروح » والنفس »
والتسبيح » والعبادة » والتكليف » والمشيعة اللّهيّة ؛ والاقتدار » والصراط المستقيم...الخ +
وعن طريق المعرفة يمكن للإنسان أن يرقى في حياته للتقرّب من الكمال » والوصول إلى
السعادة الحقيقيّة. ويشرح ابن عربي أنواع المعرفة المطلربة من الإنسان والطرق المختلفة
وقد كنتُ أُعتبر الإيجاز في إعطاء المعنى كانياً من يستوعب المعاني ويفهمها من لمر
الأولى » ولكن اتضح لي أن التكرار في كثير من الأحيان ضروريً » فعندما تكرّر شرح
معنى ما وبأسلوب جديد قد تفهم المعنى الأصلي أكثر ؛ أي قد تضيف إلى المفهوم الأزّل
المعنى من زوايا مختلفة » فيكون الإدراك له أكبر. فالتكرار وارد في كثير من بحالات ال ءة
ليعطينا إدراكاً أوسع لا. ويمكن أن مل ذلك بالرياضة » فعندما نقوم بأيّ تمرين رياضيٌ -
لتقوية عضلات الظهر مثلاً - لا يمكن أن يكون مفعوله يدا إلا إذا كرّرناه عدداً من
أكثر » كما في تعلّمنا لغةّ حديدة علينا » فإ تكرار الكلمة نفسها في جمل مختلفة يوضّح لا
معتى الكلمة ومدلولها. ولذا نقد يجد القارئ تكراراً لبعض الأفكار توضيحاً للمعنى
الطلوب » إنّما من يريد الشرح مفصّلاً فإنّ عليه قراءة ما كتبه ابن عربي » شيخ مشايخ
للوصول إلى بغيته. ومن خلال هذا الشرح للتقط الأفكار الديّرة وأنواع العلوم واللعارف
المي وقد توصّل إليها بعد حياة كاملة في المجاهدة والعبادة وسلوك طريق الله. ويعلّق على
فهي نفحات قدسيّة تَحلَى الله بها على الإمام الأكبر » وفيها علوم وفائدة لكلّ مؤمن يريد
أن يزكّي نفسه ويصفي قلبه ويتعرّف إلى طريق السعادة . يقول ابن عربي عن كتابه
الفتوحات المكَيّةِ ما يلي: ( وسمّيتها رسالة الفعوحات المكّية في معرفة الأسرار المالكيّة
والملكيّة ؛ إذ كان الأغلب فيما أودعتُ هذه الرسالة ما فتح الله به علي عند طوافي ببيته
المعاني اللطيفة ؛ فإنّ الإنسان لا تسهل عليه شدائد البداية إلا إذا عرف شرف
وإ من طلم على هذا الكتاب ويفهمه ويستوعبه يشكر الله تعالى على نعمة
الإسلام » ويتفهّم حقيقة الدين الإسلامي الحنيف ٠
ولقد كانت غايي من هذا الكتاب ليست دراسة شخصيّة لابن عربي » فأنا لا أجرز
فالكتاب ليس دراسة لابن عربي بقدر ما هو رؤية شخصيّة لمفهوم سعادة الإنسان من
لال معرفته لحقيقة الأمور ؛ وكان ابن عربي المنهل الذي مدّني بهذه الأفكار.
٠ - الفتوحات لمكي + ج2 ؛ ص6ء
2 - الفتوحات للكيّة
روحانيّة الإنسان
من المعروف أن الإنسان يتكوّن من حسم وروح» فالروح من عالم الغيب »
والجسم من عالم الشهادة. فهو يجمع عالّمي الغيب والشهادة. وقد قال تعالى : بع
الخاصّة. وللإنسان أيضاً ملكوت هو روحانيته ؛ وهو أشبه بالسموات السبع » وهي
بالترتيب بعد الجسم :
1.العقل .
#الروج »
! - سورة (يس) » الآية 83.