القسم الأول
المعتزلة والأشاعرة
علم الكلام
تعريفه والدواعي إليه
تعريفات علم الكلام
أوسع ما لدينا من تعريفات هو ما أورده التهانوي في « كشاف اصطلاحات الفنون' »
« علم الكلام؛ ويسمى بأصول النين أيضاً؛ وسماه أبو حنيفة رحمه الله تعالى
بالفقه الأكبر. وفي « مجمع السلوك »: ويُسمى بعلم النظر والاستدلال أيضاً؛ ويسمى أيضاً
بعلم التوحيد والصفات.
وفي « شرح العقائد » للتفتازائي: العلم المتعلق بالأحكام الفرعية؛ أي العملية؛ يسمى
علم الشرائع والأحكام؛ وبالأحكام الأصلية؛ أي الاعتقادية: يسمى علم التوحيد والصفات.
وهو علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية على الغيرء بإيراد الحجج ودفع الثنبة.
فالمراد بالعلم: معناه الأعم؛ أو التصديق مطلقاً؛ ليتناول إدراك المخطئ في المقائد ودلائلها.
به؛ الخ. وفي صيغة الاقتدار تنبيه على القدرة التامة. وبإطلاق المعية
١ « كشاف اصطلاحات الفنون » للشيخ المولوي محمد أعلى بن علي التهانوي طبع بالاوفست. بيروتء ص
على المصاحبة الدائمة. فينطبق التعريف على العلم بجميع العقائد؛ مع ما يتوقف عليه إثباتها
من الأدلة؛ ورد الشبه؛ لأن تلك القدرة على ذلك الإثبات إنما تصاحب هذا العلم؛ دون العلم
بالقوانين التي تستفاد منها نور الدلائل فقط؛ ودون علم الجدل؛ الذي يتوسل إلى حفظ أي
وضع يراد؛ إذ ليس فيه اقتدار تام على ذلك؛ وإن سْلَمء؛ فلا اختصاص له بإثبات هذه العقائد»
والمتبادر من هذا الحدٌ ما له نوع اختصاص به؛ ودون علم النحو المجامع لعلم الكلام مثلاًء
إذ ليس تترتب عليه تلك القدرة دائماً على جميع التقادير؛ بل لا مدخل له في ذلك الترتشب
العادي أصلاً.
وفي اختيار: « يقتدر »؛ على: « يثبت » إشارة إلى أن الإثبات بالفمل غير لازم
وفي اختيار « معه » على « به » مع شيوع استعماله تنبيه على انتفاء السببية الحقيقية
المتبادرة من « الباء »؛ إذ المراد الترتب العادي.
وفي اختيار « إثبات العقائد » على « تحصيلها » إشعار بأن ثمرة الكلام إثباتها على
يجوز حمل الإثبات هنا على التحصيل والاكتساب؛ إذ يلزم منه أن يكون العلم بالعقائد خارجاً
عن علم الكلام ثمرةٌ اله؛ ولا خفاء في بطلانه. والمتبادر من « الباء » في قولنا: « بإيراد »:
هو الاستعانة دون السببية. ولئن سْلّمِ وجب حملها على السببية العادية دون الحقيقة؛ بقرينة
وليس المراد بالحجج والشبّه ما هي كذلك في نفس الأمرء بل بحسب زعم من تصدذى
للإثبات بناءً على تناول المخطئ.
لم يبق اقتدار على إثباتها قطعاً؛ فيخرج المحدود عن
قدرة تامة على إثبات العقائد الدينية على الغير؛ والزامها اياه بإيراد الحجج إشارة إلى وجود
ثم المراد بالعقائد: ما يقصد به نفس الاعتقاد؛ كقولنا: الله تعالى عالم قادر سميع
والمراد: بالدينية: المنسوب إلى دين محمد عليه الصلاة والسلام؛ سواء كانت صواباً
أو خطأً؛ فلا يخرج علم أهل البدع الذي يقتدر معه على إثبات عقائده الباطلة عن علم
الكلام. ثم المراد: جميع العقائد؛ لأنها منحصدرة مضبوطة؛ لا يزاد عليها فلا تتعذر الإحاطة
بها والاقتدار على إثاتها؛ وإنما تتكثر وجوه استدلالاتها وطرق دفع شهياتهاء بخلاف
العمليات؛ فإنها غير منحصرة فلا تتأتى الإحاطة بكلها؛ وإنما مبلغ من يعلمها هو التهيؤ
وموضوعه هو المعلوم من حيث أن يتعلق به إثبات العقائد الدينية تعلقاً قري
وذلك لأن مسائل هذا العلم: أما عقائد دينية
عليها تلك العقائد؛ كتركب الأجسام من الجواهر الفردة؛ وجواز الخلاء؛ وانتفاء الحاله وعدم
ات القدم والوحدة للصانع؛ وأما قضايا تتوقف
تمايز المعدومات المحتاج إليها في المعاد؛ وكون صفاته تعالى متعددة موجودة في ذاته.
والشامل لموضوعات هذه المسائل هو المعلوم المتناول للموجود والمعدوم؛ والحال.
فإن حكم على المعلوم بما هو من العقائد تعلق به إثباتها تعلقا
١ الوتر (بكسر الواو وتفتح): الفردء وفي الشرع: اسم صلاة مخصوصة مثميت به لأن عدد ركعاتها ور لا
شفع
قريباً؛ وإن حكم عليه بما هو وسيلة إليها تعلق به إثباتها تعلقاً بعيداً؛ وللبعد مراتب متفاوتة.
وقد يقال المعلوم من الحيثية المذكورة يتناول محمولات مسائله أيضاً. فأولى أن يقال:
من حيث يثبت له ما هو من العقائد أو وسيلة إليها.
عليه تعالى؛ أو لا؛ والذواب والعقاب في الآخرة من حيث أنهما يجبان عليه؛ أم لا-
وأيضاً: كيف يجوز كون أعلى العلوم الشرعية أدنى من علم غير شرعي؟ بل احتياجه
إلى ما ليس علماً شرعياً مع كونه أعلى منه مما يستذكر جداً؟!
وقال طائفة ومنهم حجة الإسلام [- الغزالي] : موضوعه الموجود بما هو
موجود؛ أي من حيث هو هو غير تُقيد بشيء. ويمتاز « الكلام » عن « الإلهي » باعتبار
الباطلة خارجة عن قانون الإسلام قطعاً مع أن المخطئ من أرباب علم الكلا» ومسائله من
علم الكلام.
أن الإسلام ما هو الحق من هذه المسائل الكلامية؛ إذ المسائل
وغايته الترقي من حضيض التقليد إلى ذروة الايقان؛ وإرشاد المسترشدين
بإيضاح الحجة لهم وإلزام المعائدين بإقامة الحجة عليهم؛ وحفظ قواعد الدين عن أن تزلزلها
مكلف اسل للرسل مُنزل للكتب لم يتصور علم تفسير؛ ولا علم فقه؛ وأصوله؛ فكلا متوقفة
الفوز بسعادة الدارين.
دلائله « يقينية » يحكم بها صريح العقل؛ وقد تأيدت بالنقل؛ وهي - أي شهادة العقل مع
ها بالنقل هي الغاية في الوثاقة؛ إذ لا تبقى حينئذ شبهة في صحة الدليل.
النظري من العقائد الدينية؛ أوايْ عليه إثبات شيء منهاء
والكلام هو العلم الأعلى؛ إذ تنتهي إليه العلوم الشرعية كلهاء وفيه تثبت موضوعاتها
ها فليست له مبادئ تبين في علم آخرء شرعياً أو غيره. بل مبادؤه أما مب
إثبات العقائد أصلاً؛ ولا دفع الشبه عنها فذلك من خلط مسائل علم آخر به تكثيراً للفائدة في
بنفسهاء أو
رئيس العلوم الشرعية على الإطلاق بالجملة.
فَعْلمَاءِ الإسلام قد دونوا لإثبات العقائد الدينية المتعلقة بالصانع وصفاته وأفعاله وما
يتفرع عليها من مباحث النبوة والمعاد علماً يتوصل به إلى
إعلاء كلمة الحق فيهاء ولم يرضوا أن يكونوا محتاجين فيه على علم آخر أصلا. فأخذوا
موضوعه على وجه يتناول تلك العقائد والمباحث النظرية التي تتوقف عليها تلك العقائد. سواء
وأما وجه تسميته بالكلام فإنه يورث قدرة على الكلام في الشرعيات؛ أو لأن أبوابه
غنونت أولاً بالكلام في كذا؛ أو لأن مسألة الكلام أشهر أجزائه؛ حتى كثر فيه التقائل.
وأما تسميته بأصول الدين فلكونه أصل العلوم الشرعية لابتنائها عليه.
وعلى هذا القياس في البواقي من أسمائه.
هذا كل ما في « شرح المواقف »
في هذا التعريف يثير التهانوي عدة أمور:
-١ هل علم الكلام علم للدفاع عن العقائد الدينية؛ أو لإثباتها ابتداء؟
" - هل علم الكلام يشمل الدفاع عن عقيدة أهل السئة والجماعة فقط أو يشمل أيضاً
كل العقائد المتعلقة بأصول الدين؛ سواء منها الموافق والمخالف؟
؟ ما الفارق بين علم الكلام وعلم الإلهيا:
ذلك أن العقائد ثابتة في القرآن؛ وأوضحتها السنة النبوية؛ فما الحاجة إذن إلى إثباتها؟
يأخذ العقائد عن الكتاب الكريم؛ ولا يحصلها ابتداءً كما يفعل علم الإلهيات.
ويبدو أن النظر إلى مهمة علم الكلام قد اختلف في القرون الأربعة الأولى عنه فيما
تلا ذلك؛ وفيما بين المذاهب المختلفة.
قفي المرحلة الأولى غلب النظر إلى علم الكلام على أنه علم تحصيلي؛ وليس مجرد
دفاع. ويتبين هذا من التعريف الذي أورده أبو حيان التوحيدي في كتابه « ثمرات العلوم' »؛
« وأما علم الكلام فإنه باب من الاعتبار في أصول الدين يدور النظر فيه على محض
العقل في التحسين والتقبيح؛ والإحالة والتصحيح؛ والايجاب والتجويز؛ والاقتدار؛ والتعديل
والتجوير؛ والتوحيد والتفكير. والاعتبار فيه ينقسم بين دقيقٌ ينفرد العقل به؛ وبين جليل يفزع
إلى كتاب الله تعالى فيه. ثم التفاوت في ذلك بين المتحلّين به على مقاديرهم في البحث
والتنقير؛ والفكر والتحبير؛ والجدل والمناظرة؛ والبيان والمناضلة. والظفر بينهم بالحق سجال»
يخدم العقل ويستضيء به. »
ومعنى هذا التحديد لموضوع علم الكلام أنه يبحث ابتداءً في أصول الدين على أساس
عقليء ويتطرق من ذلك إلى البحث في أمهات المسائل الدينية. وعلى هذا فهو يرمي إلى فهم
مضمون الإيمان؛ وليس فقط إلى مجرد نصرة العقيدة.
ولهذا فلا معنى لما يقوله جارديه' من أنه « لا يوجد في الإسلام
١ المطبوع مع كتاب « الأدب والإنشاء في الصداقة والصديق »» المطبعة الشرقية بمصر سنة ؟177 هص