وهكذا تفرض نفسّها ضرورةٌ رفعها إلى مستوى الحقيقة العلا وفي آخر
المطاف تأليهها بصفة ماء كما فعل «بارمنيدس» من قبل الذي أعتبر أنّ
الكائن الكلّي أَحَدٌ صَمَدٌ كما سيقول القرآن أعتقد هنا أنّ الإشكال
يكمن في إجحاف شخصنة الكائن الإلهي في الأديان التوحيدية
إن الفرق واضح بين النبوّة - الرسالة المؤسسة (موسى - عيسى -
محمّد) وبين المتصوّفة والزّهاد هؤلاء الآخيرون مهذّدون بالجنون الأنهم
مُسْتَشْهَداً به من طرف «فوكوء””*“ إنْ حكمة الله بالنسبة للباحث عنه
قد تحميه برعايتها؛ لكنّ رؤية إشعاع نورها هي العمق اللأمتناهي
بعينه؛ فتبدو هذه الحكمة وكأنّها الجنون الأعظم في لانهايتها وعُمقها
سواء آمن الإنسان بألوهية الوحي أم لم يؤمن
إنّ الروحانيات تقود في كثير من الأحيان إلى الجنون لطغيان الضّور
القوية واستفحال الأهواء كالعشق عند المتصوّفة ودخول الفكر في الذات
وانقطاعها عن العالم إلا أن القديسين يضعون بحثهم في إطار دين أتى به
غيرهم» فهم إنما أتباعٌ لا أكثر وإذا ما أراد الفكرٌ التحرْرّ من هذا القيدء
أصابه الجنون كما حصل للحلاج ولالتاس» 88 ع1 وغيرهما إن من
جملة ما أثاره اللآهوتيون المسيحيون هو ما أسموه ب«جنون الصليب؟)؛
ويقصدون مشيئة الله أن يُجِرّب ليس فقط الموت الزؤام؛ ولكن أيضاً
فقدان العقل للوصول إلى أدنى درجة من الحالة الإنسانية فيعيشها
لقد وُجد في العصر الرومانسي عددٌ من الأدباء والفلاسفة والفانين
ولعلّ الجنون هنا أتى من انتزاف الوجدان إلى درجة قصوى ومن قوة
الإفصاح عن الأعماق ويقول «فوكو» في هذا الصدد: لا جنون ما دام
العمل والأثر قائماً يُعمل» وإنما يأتي من بعد فيخرسٌ صوت العبقري
الحوار مع الإله أساسي في النبّة؛ إنه يُمرج النبي من عزلته ويملأه
ثقة بل النبوّة هي التي تخلص الباحث عنها من التساؤل والحيرة» ولذا
كثيراً ما يجري الكلام عن عبقرية محمد عند المسيحيين والمسلمين
المْحْدَئين على السواء باستثناء المستشرقين الذين في أغلبهم لا يفهمون شيئاً
أن الإصلاح الاجتماعي والسياسي ثانوي جدذاً في النبوّة عامَة بل المهمٌ
هو الاستجابة إلى النداء لذاخلي حتى ينبلج الوحي والوحي هو تعريف
الله بذاته» وإنذار الإنسانية باليوم الآخر عن طريق بشر يُدخله في عالم
روحاني هو عالم آخر تاماً لكي يرجع إلى الناس فيما بعد ويبلغهم هذا
هو يتلقى الوحي بلهفةٍ ومبّةٍ؛ ويعرف حقّ المعرفة من هو
آمر
"7 والوحي فتح إيجابي لندائه الباطن القديم؛ وليس هذا معطى لكل
قدّيس وباحث عن الله ولم يكن التي من أصحاب الصوامع الذين
» - تواضع النبي أمام الوحي وعدم أذعائه أيّ إعجاز ولا مقدرة
خارقة ولا وضعية خاصّة بين مواطنيه من قريش إنما هو بشير ونذير وداع
على الأذى في مجتمع «جاهل)؛ وفي آخر المطاف تعارض رسالته والوضع
وللوحي المنزل وهي الحقيقة فكان يدعو بنشاط كبير في الواقع الاجتماعي
بدون أمل كبير وكان في الوقت نفسه يبتمٌ بنجاح الدّعوة حيث يريد إنقاذ
من هذا كان يتألم من عدم أستماع قومه لقوله كان من الممكن أن يعاملوه
فحسب وإنما يستهزثون به بسلاح الشخرية الفظة ولي إلى ذلك رجعة
في الأجزاء اللاحقة بحيث يجدر بنا أن نتحدّث عن ألم التبي الطويل
المدى وإذا كان ألم المسيح في الملوت الخسيس الاحتقاري» فألم النبي كان
7 لكنّ النبي صبوزٌ ولا يعرف الاهتياج ويتحصّن بالمنطق ويستسلم
سيدركه بالضرورة» فسيبقى كتاب الله؛ وإنْ آنقلب الناس «على أعقابهم)؛
١ - ومن هذا الوجه وليس فقط لتفسير أصل الوجود ونظام العالم
ومصير الإنسانية؛ تحنم ضرورةٌ الدعوة إلى الإله في الأديان لبقائه وتجاوزه
حت أن آل ليرعى العالم من فوق و١البوذا» نفسه أله تقريباً على مر
للوجود ففي الوقت الذي يقرّر فيه الناس تعظيم الموؤسّس بدون استثناء
الآخرة» فهم يتوسّلون إليه لكي يُسهّل عليهم بؤس الحالة الإنسانية
8 - لكنهم يتوسّلون أيضاً إلى النبي ويتوسلون بصفة ما ل «جاهه»
هذا منطق خفي وعميق فالمؤْمنُ لا يؤمن بالله إلا بوساطة محمّد؛ والله لا
يُرى فهو الروح الأسمى التي تتجاوز الإنسان ومحمّد أو المسيح - كان
فالإسلامُ لم يغْبْ في الأساطير والضبابية كأديان كثيرة؛ بل هناك شخص
قريب منّا زمنياً متموضع في المكان والزمان لا ريب في وجوده خلافاً
فالإيمان الشعبي يرفع كثيراً من شأن النبي
والعقلانيون الأكثر تفهّماً في أوروبا العصر الحديث ضحّموا من
دور مؤسّسي الأديان لأتهم اعتبروهم مُبدعي هذه الأديان والشعائر
حتّى الإسرائيليون القدامى؛ والإنجيل من المسيح في أغلبه وهو قد أله
بتأثير من الثقافة اليونانية أو الشرقية؛ والقرآن أثر من صُنع محمّد وقد
القرن العشرين تبلورت فيها العلوم الإنسانية؛ فاعثبر الوحي - التكشف
ظاهرةٌ فعلية وتجربة دينية لا ريب فيها هناك رجال دين تلقّوا وحياً؛
أن نُشككك فيما قالوه أو أن ندخل في مشاكل ميتافيزيقية ولاهوتية
٠ هذا هو الوضع الحالي في التفكير يبقى أنّ الوحي ظاهرةٌ دينية
فحسب مُعطاة من التاريخ؛ والعقلانيون لا يؤمنون بواقعيته الفعلية: هذا
شأن المؤمن وليس شأن العالم أو الفيلسوف فيكون الإسلام دِينَّ وخي
وكتاب مقدّس يدخل في نمط معينٌ» بينما يدخل المسيح في نمط النبي
صانع المعجزات 11807181786 وحقيقة الذين روحانية وتاريخية
القديمة كانت أدياناً وطنية مرتبطة بمجتمع معيّن وفي تطوّر مستمرّ؛
وهي تندثر عندما تُعرّض بدين كبير أكثر جاذبية لكنْ الحداثة فى
كحقيقة لازمنيّة
بمثابة التنزيل والذكر والوحي فهل يختفي بذلك دور النبي تماماً؟ اعتقادٌ
المسلمين هو أنّ القرآن كلامُ الله لفظاً ومعنى ولا ضحم دور الإسلام زمن
الخلافة وبالتالي تعاظم دور القرآن؛ انكبٌ عليه المسلمون دراسة وتمحيضاً
لأنّه هو ما تبقّى بعد مر القرون من هذه العلاقة الفريدة بين الله خالق كل شيء
وبين البشر عبر النبي فحدث نوعٌ من الاندهاش أمام النصٌ الذي خلّفه الله
التاريخ الواقعي أعطاه ضمائَة وفي تلاقحهم مع الأديان الأخرى» افتخر
عرب تسر ل ل وبانتشار الإسلام في شعوب
متعدّدة تين أن النبي بُعِث للناس كافة كما أراد ذلك القرآن
وحصل جدل حول ماهية الكتاب: هل هو قديم أي من الذات
الإلهية أم خلق من الله؟ وبصفة عامّة؛ الإيمان القوي بألوهية القرآن إلى
الآن هو شكل ما من التجسيد» ولا عجْبٌ فقد جاء الإسلام بعد المسيحية
«كلمة» الله 05ع108» فالقرآن هو «كلام الله» بحذافيره» أَوْ هو بالأحرى
كتاب الله وهذه العبارة (كلام الله) لا ترد إلا ثلاث مرات بخصوص
اليهُوْدَ والثوراة والمشركين والأعراب!*)؛ ؛ والعبازة المستعملة في
الإسلام المبكر هي «كتاب الله» (مثلاً في صفين أنظر كتابنا: الفتنة)
وما يطغى على توصيف الكتاب هى العبارات المذكورة آنفاً ومن
المكن أن يتساءل أصحاب الاتجاء العقلاني اليوم هل أن الوحي نزل
باللّفظ» وإذن ماذا يكون دور النبي هنا؟ فالحجّة بالإعجاز غير واردة لأنها
تعبر عن تصوّر مبسّط للشخصية الإلهية بمعنى أنَّ الله فصيح بدرجة تفوق
الإنسان ولماذا لا يكون النبي عبقرياً ذا في التعبير وهو على كلّ حال ذو
عبقرية لا تدانى؟
إنّما مرورُ التجربة التوحيدية على المسيحية في الشرق الأوسطء
وكذلك الرّفعٌ من قيمة الفصاحة الشكلية في البيئة العربية؛ واحتياجٌ
المسلمين إلى معجزة ضخمة لدعم الحقيقة: كل هذا في رأيي - وقد أكون
على غير الصواب رسّخ فكرة ألوهية القرآن حتى في الفظ على أنّ هذا
الله الله وحده مقدّس حسب التقليد العبري الذي استرجعه القرآن ووقفه
على الله وما ينبشق عنه خلافاً للمسيحية المتأخرة
عليه؛ وقرنه الإسلام في الشهادتين بالله فهو يدخل في عالم القداسة
وإذا كان محمَّدٌ تمن بنى الضمير الإنساني الداخلي ومن ثم الحضارة
والثقافة والأخلاق» وكان ممن أسهم بقوّة في قفزة كبيرة في مسار الإنسانية
التوحيدية أرقى تعابيرها من الوجهة الأنطولوجية على الأقل؛ فهذا النبي
وجوهرها في الأعماق
متأخرة باليابان
إِنّ الصيغة التأكيدية الحامية في القرآن واعتباره ككتاب الله الْمَزّل
في حياته على حقيقة الوحي؛ إن كل هذا أعطى الإسلام قوة داخلية كبيرة
عظيماً ومعنى مطلقاً فالتناقضات موجودة في كل الأديان الكبرى ؛ وهي
حاجاتهم ورؤاهم؛ ومع تناقض عقولهم وأهوائهم
إن المسيحية والإسلام لعبا دوراً كبيراً في المجتمعات الإنسانية وما
لاقتهاء وهي أمر يكاد يكون حتمياً النجاح حصل في كلتا الحالتين بوسيلة
أعداداً مهمّة من الاتباع؛ وحصل للإسلام أيضاً الشيء نفسه في المدينة
ولا أشك في أنّ الإسلام حتّى بدون خلق الدّولة كان مؤْهّلاً لاستيعاب
الكثير من الثامن
والدولة الرومانية كانت مؤسّسة قويّة وصلبة ومنفتحة على كل
الفلسفات والأديان والشعوب وبسبب امتدادها وتراثها السياسي» كان
من الضروري التمسّك بمؤسّسة الإمبراطور ولو زاغ عن الجادّة لكنْ