مدخل هام لا ب منه ؟"
إنما المهم على كل حال؛ أن يعلم المسلمون أينما كانواء أنهم ف
اليوم الذي يتحققون فيه بمعاني الإسلام على وجهه الصحيح؛ بدءا
من أعماق أفئدتهم إلى ظواهر أحوالهم -: ستفتح أبواب الإسلام على
مصاريعها أمام شعوب أوربة وأمريكة وغيرها وسوف يدخلون في
فأماء والمسلمون على هذه الحالة التي هم عليهاء فإن جهود
الدعوة كلها يجب أن تنصرف إلى إصلاح حالهم وكل حديث يصطنع
التباكي قبل ذلك على الإسلام خارج بلاد المسلمين» دون التفات
جاد إلى واقع المسلمين أنفسهم» لا بد أن يكون مرده إما إلى سذاجة
متناهية في معالجة الأمور المترابطة بعضها ببعضء وإما إلى كيد
يستهدف شغل المسلمين عن البلاء المستشري فيما بينهم؛ وصرف
طاقاتهم لتتبدد في الفضاء؛ ثم لا تعود إلى أصحابها بشيء
الشرط الثالث: أن تتلاق متناسقة على طريق الدعوة الإسلامية؛
جهود الأفراد والشعوب مع الطاقات التنفيذية التى يملكها القادة
والحكام
فلا قيمة لما قد تنفرد به فئات أو أفراد من المسلمين؛ في نطاق
العمل الإسلامي؛ إذا لم يكن للدولة الحاكمة في ذلك دور أسامي
فعال ولئن ظهر بعض الفوائد والآثار فهي لا تعدو أن تكون آثاراً
جزئية؛ ويغلب أن تكون مع ذلك سطحية وموقوتة
ويتجل دور الدولة الحاكمة على صعيد العمل الإسلاميء ف
النهوض بمجانبين اثنين»؛ إن هي تهاونت فيهماء لم يصلح أن ينوب
بن التعرف على الذات
أحدهما جانب داخلي يتعلق بحال المسلمين أنفسهم ثانيهما جانب
خارجي يتناول علاقة المسلمين مع غيرهم
(أما بيان الجانب الأول)؛ فيتلخص في أن نجاح الدعوة الإسلامية
في صفوف المسلمين» في ظل الواقع الذي أوضحناه؛ يتطلب مع
وسائل الإرشاد والبيان» قوة التنفيذ والحماية وتهبيء المناخ المناسب
ومعلوم أن الإرشاد والبيان وتوابعهماء من وظيفة الأفراد
بقاسم مشترك من هذه الوظيفة» وهو ما قد تساووا في معرفته من
حقائق هذا الدين وأحكامه
ولكن الذين يرشدون ويوجهون؛ إنما يجتازون بالناس عقبة نظرية
فقط وتبقى من بعدها مرحلة السعي إلى التنفيذ وهي مليثة بالعقبات
عن مواصلة السير في الطريق ولا يقوى على تذليل تلك العقبات
أعرضوا عن القيام بهذا الواجبء لم ينب عنهم في النهوض به أحد
رب إنسان أيقن منه الفكر واللب بحقائق الإسلام وأحكامه؛
ولكنه مشدود بحبال نفسية إلى الانحراف وسلوك مسالك الضياع؛
الذي يعانيه؛ من الملهيات والمغريات والمهيجات؛ غير الحاكم المسلم
الذي إليه تصريف الشؤون وإدارة أحوال البلاد؟
ورب أناس يصغون إلى كلمة الحق مفعمة بالروح والبرهان؛
فتستقر في عقوهم وتشرق في قلوبهم ولكنهم ما يكادون يشعرون بنعيم
مدخل هام لا بذ منه 9
يهن من خلال المنشورات والمجلات والأندية والإذاعة؛ نذا الذي
يملك أن يحرس الكلمة (مكتوبة كانت أو مسموعة) أن لا تجعل مطية
ورب مؤتمرات وندوات عقدت على عرض البلاد الإسلامية
وطواء لخدمة الإسلام وإبلاغ دعوته» طرحت فيها الآراء السديدة
أكثر مما فعلوا ولكنها مسؤولية من قد عهد إليهم بأمر التنفيذ؛ ممن
يملكون أسباب ذلك ثم لم يفعلوا ولم ينفذوا
القائل : إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن
المسلمين (كما قد أصبح واضحاً من الأمثلة التي ذكرتها) مجرد تلك
المسؤولية التقليدية الق تتمثل في رسم القوانين الإسلامية؛ ثم
اعتمادها في نطاق السلطة القضائية فهذا جزء يسير جداً من مجموع
وجماعات بل ربما كان موقع هذا الجزء من الأجزاء والجوانب
الأخرى موقع النتائج من الأسباب والمقدمات بل رب حاكم خبيث
الطوية عميق المكيدة؛ يتشاغل بوضع القوانين الإسلامية في نطاق
الحكم والقضاءء ليصرف نفسه»؛ وليصرف أنظار الناس معه؛ عن
ب التعرف على الذات
واجب النهوض بالحقيقة الإسلامية المتكاملة؛ والمتمثلة في اليقين الذي
السلوك؛ والنظام الذي يجب أن تنضبط به أصول المعايش والحياة
كلها
فأنا أعني بمهام الحاكم المسلم هذا الجوانب المتلازمة كلها
(وأما بيان الجانب الثاني)» فيتلخص في أن شطراً كبيراً من مهام
المتسلل من خارج حدود البلاد الإسلامية؛ والذي بمارسه أولئك
الأعداء التقليديون الذين سبق الحديث عنهم فهؤلاء يكيدون
للإسلام والمسلمين خارج بلاده ولا يعجزهم بطبيعة الحال أن
التبشير والاستشراق»؛ وأن ينفقوا في سبيله الأموال الطائلة؛ وأن
يملك أن يجابه عدوانهم هذا بوسائلهم هذه؛ غير قادة المسلمينء وأولي
السطوة والسلطان فيهم؟!
نعم إن للشعوب الإسلامية دوراً كبيراً في صد العدوان الخارجي
على الإسلام والمسلمين»؛ ولكن لا بد أن يكون ذلك بوساطة قادتهم
وأولي الأمر فيهم» إذ إنهم» دون غيرهم» الذين يشكلون أداة
الاتصال بين شعوبهم وقادة الغزو الفكري
فإذا تبين من خلال هذا الكلام مدى أهمية الدور الذي يتحمله
قادة المسلمين في نطاق العمل الإسلامي والدعوة الإسلامية؛
مدخل هام لا بد منه 5١
شعبية فقط» دون أن تقد من أزرماء بشكل متناسق وبالمعيى الذي
أوضحناه» أي سلطة حكومية فلا ريب أن عمل هذه الفئات الشعبية
نفسها لتصفق بمفردهاء أو يشبه حالة من قد فتح صنبور ماء على
والبلل
ولعل من الخير أن نبحث عن السبب الذي أفقد روح التعاون
الحقيقى بين المتحرقين على الدعوة الإسلامية من آحاد المسلمين»؛
إن السبب؛ بكلمة جامعة مختصرة؛ هو السياسة! نعم السياسة
أن يدخل في غمارهاء ويستسلم لتيارها!!'
لقد كانث كلمة «السياسة» تمي فيما مفي؛ سلوك سبيل الحكمة
والتعقل إلى المهدف المنشود فكانت مطية ذلولا وسبيلا معبدة إلى بلوغ
الغايات السامية ولما كانت إقامة سلطان الدين على المجتمع وفي
هذاء إذا فرضنا أن هؤلاء القادة لا يضمرون مواقف سلبية تجاه الإسلام» فأما إذا
نتحدث عنه يغدو عندئذ سلاحاً في أيديهم لتنفيذ مآربهم وآمالهم
1 التعرف على الذات
النفوس أسمى الغايات وأنبلهاء فلا غرو أن تكون السياسة هي
الخادم الأمين لتحقيق هذه الغاية
ولكن هذه الكلمة غدت اليوم عنواناً على ألوان معقدة من
المناورات والمحاولات ووجوه التعامل بين القادة والحكام بعضهم مع
بعض وفي ظل هذا المعنى المتشابك المعقد» الذي آلت إليه الكلمة؛
مجرد وسيلة وطريق»؛ إلى أن أصبحت في أكثر الأحوال والظروف غاية
بجد ذاتهاء أو - بتعبير أدق -: غاية ووسيلة بآن واحد!
وما ينبغي أن نستغرب هذاء فإن الطريق إذا كثرت تضاريسه؛
وتعقدت منافذه واشتدت عقباته» يوشك أن يتحول الجهد الدائب
للتغلب عليها أخياً؛ إلى حركة مستمرة ضمن نطاق محدود لا تهدف
بمجموعها إلى شيء آخر غير ذاتها
المحور الثابت؛ وتحولت الأهداف والغايات الأساسية إلى وسائط
تدور في فلكها وتقوم على خدمتها!
ونظرنا» فإذا الدين ذاته واحد من هذه الوسائط الخادمة! فما أكثر
ما يستنطق الدين بما تهواه السياسة أو يقتضيه أسلوبها وما أكثر
ما تسخر الفتاوى لتسويغ مواقفها عندما تعوزها البراهين
متناقضة ومواقف متعارضة ما بين سياسة وأخرى:
إن عليه أن يدافع عن مواقف الرضا والاستسلام للعدو الغاصمب
مدخل هام لا بذ منه 2
المنُّلء وعن مد يد الموالاة والتعاون إليه؛ بكل وجه وعلى أي
تخطط له رعونات الثأر والانتقام» ويتطلبه غليل القلوب الحاقدة
ورغبات النفوس الهائجة؛ دون أي تفريق بين ما شرعه الله من
ثم على الدين ألا يتخلى عن وظيفة التأييد لكل ما يقتضيه الورضع
أو قضايا الأخلاق والاجتماع؛ أو مقاييس التطرف والإرهاب
هذا كله؛ مع العلم بأن الله جل شأنه؛ ما أنزل الدين على عباده
القلوب وسخائم النفوس فمعاذ الله أن تكون له وجوه متعددة يصانع
بها أرباب السياسة وأبطال الكرّ والفر» ليفوز برضوان الجميع!
وإن المصيبة هنا لم تعد واقفة عند مشكلة انصراف القادة عن رعاية
الدين وإهمال مبادئه فذلك أمر يسير بالنظر إلى ما هو أدهى وأمر
إذ إن أمر الدين عندما يصبح مسرا بي السيامنة أمياناة
ويتجل ذلك لكل متأمل ومتدبر يتكون من ذلك برهان وأي برهانء
فرض أفكارهم عل أكبر قدر من الناس خلال أطول حقبة من
ويجعلوا من هذه المظاهر المؤسفة أبين شاهد عملي على ما يقولون
ونحن وإن كنا على يقين بأن هذا اللغو في تفسير الدين الحق
31 التعرف على الذات
وتصوره؛ لا يمكن أن يعلق بذهن أي إنسان عاقل يريد أن يتعرف
يستعيضون عن دراسته بإلقاء نظرة على بنيانه الخارجيء وبالإصغاء
الت تجعل - في كثير من الأحيان - من الدين مطايا لتحقيق المآرب
والمطامع الشخصية والنفسية ذات الدوافع المتنوعة
الموازين الإنسانية الصافية؛ والتي تهيج في نطاق المدافعات السياسية؛
ترتدي في كثير من الأحيان كسوة الإسلام وتنطق بلسانه -: فإن
بإمكاننا أن نتصور مدى النكسة التى يصاب بها كثير ممن تفتحت
عقوطم ونفوسهم لدراسة الإسلام وفهمه؛ قٍِ تلف الأقطار
ينكمثوا على أعقاهمء وقد تعقدت نف مهم تجاه الإسلام بجملته
عليه من قبل فما تكاد آذانهم تتفتح بعدها لسماع كلمة عن الإسلام
وما يتعلق به !
وهكذاء فإن بوسعنا أن نتصور بُعد الفجوة الفاصلة بين ما ينهمك
فيه الكثير من أفراد المسلمين وفشاتهم في سبيل العمل الإسلامي
وتقريب الإسلام إلى عقول الناس وتحبيبه إلى قلوبهم» وما قد ينجرف
فيه كثير من الساسة من قادة المسلمين وأولي الأمر فيهم وليتها ظلت
مجرد فجوة إنها تتحول في كثير من الحالات إلى تشاكس في السعي
وتناقض بين عمليتي البناء والهدم والتقريب والتبعيد!
مدخل هام لا بذ منه 1
يفرض نفسه اليوم» تحمل تأثيراً يشبه أن يكون سحرياً؛ على كل من
قد ينجرف في تيارها فهي تعدمه القدرة عل تمييز الوسائل عن
الغايات» كما تعدمه القدرة على إعطاء كل منهما حقه من الرعاية
والاهتمام
في دوامة العمل السيامي؛ لنسي كل هذا الكلام التوجيهيء
ولأعجزته المشكلات المتسارعة عن أن يعالجها بصفاء ذهني وقدرة
ذاتية على تسخير سلسلة الأحداث كلها في سبيل رعاية الحق الذي
يتمثل في الإسلام عقيدة وأخلاقاً وحكماً؛ ولتمزّق بين المتطلبات الي
تفرض نفسها عليه من كل صوب
ولكن مهما يكن» فإن المسألة لا تعدو أن تكون مشكلة تحتاج إلى
ضمن حدود الوسائل والأسباب؛ كما أن عليهم أن يفعلوا كل
ما يمكنهم للتحرر من دوامتهاء وامتلاك ناصيتها ؛ ثم السير في الطريق
إلى خدمة هذا الدين ورفع مناره وترسيخ سلطانه
إن علينا جميعاً أن ندرك بأن العمل السياسى في أيدي قادة الأمة
الإسلامية؛ ليس إلا سلاحاً لخدمة الإسلام وإقامة المجتمع الإسلامي
فوق أرفع ذرى الأرض فإن هم عجزوا أن يتخذوا من السياسة
والحكم سلاحاً لذلك» فقد تحول كل منهما في أيديهم إلى باطل من
السعي وعبث من الجهد والعمل!