162 الموسوعة الكونية الكبرى/ آيات الله في الإعجاز اللغوي والبياني في القرآن الكريم ١
له كار
ففي الحديث عن ثواب المؤمنين الطائعين جمع (خالدين) رس
وذلك ليجمع الطائع لذتين؛ لذة الخلود في الجنة ولذة أنس» وأفرد هذا
الجمع في الحديث عن عتاب العاصين ليتجرع العاصي مرارة الانفراد» تأمل
أبو السعود في تعليقه على الآيتين بقوله: «ولعل إيثار الإفراد ههنا نظراً إلى
دار الثواب بصفة الاجتماع أجلب للأنس؛ كما أن الخلود في دار العذاب
بصفة الانفراد أشد في استجلاب الوحشة)''
وتأمل الإفراد وهو يبرز معنى الوحشة والإحساس بها وذلك في قوله
فذلك الكافر الفاجر الذي كان متمرداً على الإيمان» متعالياً على
الانقياد لخالقه» ظناً منه أنه متفرد فى الشرف والعزة والمنعة والسيادة كما
أنواع العذاب البدني والنفسي وحده» فكان جزاؤه من جنس عمله؛ ولنتأمل
واستخفاف وازدراء» ثم تأمل كيف عدل عن الإفراد إلى الجمع في قوله:
كان السياق أن يقال : «كل واشرب هئيئاً بما أسلفت » ولكن النظم في
94/7 إرشاد العقل السليم )١(
163 الموسوعة الكونبة الكبرى/ آيات الله في الإعجاز اللغوي والبياني في القرآن الكريم ١7
القرآن الكريم عدل عن هذا الإفراد إلى الجمع في التمة بالأكل والشرب في
بخير» ولم يستأثر بمصلحة في دنياه»؛ بل كان مثل النبع الفياض يفيض بالخير
العظيم» والخير العميم عليه وعلى إخوانه من قافلة الإيمان والطاعة الذين
بالخطاب الرباني بصيغة الجمع والإقبال على المؤمن المطيع بين الخطاب
الإلهي بصيغة الإفراد في قوله: دن تلك آنَ الْكَيِرٌ الكَرءُ >
فيا أهل الباطل والطغيان والفساد في الأرض تمتعوا قليلاً فإنكم عائدون
د محش شد كنا حلفت أل مز وَلكْ ما عتم ون ررحم نا ترك عَم
[سورة الأنعام الآية: 0116
)١( د عادل أحمد الرويني - جامعة الأزهر
الفصل الثالث
تقديم الإعجاز البياني في القرآن الكريم
- صور من الإعجاز البياني في آيات القرآن الكريم
صور من الإعجاز البيانفي في مفردات القرآن الكريم
77 > الموسوعة الكونية الكبرى/ آبات الله في الإعجاز التشريمي والغيبي في القرآن الكريم 392
وفي صحيح البخاري أيضاً عن أبي هريرة عن النبي كَيَةِ قال: «من اطلع
في بيت قوم بغير إذنهم ففقأوا عينه فلا دية لها
ومن خلال العرض السابق للأدلة القرآنية والنبوية التي تظاهرت على
حرمة دخول البيوت بغير إذن أصحابها يتبين لنا تحريم الإسلام للتجسس
والنهي الصريح عن ذلك ولم يستثن المستأذن من ذلك فإن استأذن وقيل له
ارجع فليرجع وإن ما حدث مع عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه أثناء تجواله
وتعسسه بالليل وذلك حين شعر بجماعة يجتمعون على مجون فتسور عليهم
منزلهم وفاجأهم في لهوهم ومجونهم ففزعوا ولكن كان لديهم على ما هم
فيه قدر من الشجاعة وقدر من العلم بالإسلام جعلهم يحاكمون عمر أمير
المؤمنين حتى جعلوه في موقف المدافع لا موقف المهاجم: قالوا يا أمير
من ربا > وقد تسورت وقال تعالى : فألا تَدْخْْا ًا عر يتح حَقَ
فهذه هي الحرية الشخصية حقاً ألا يتجسس أحد عليك ولوكان أمير
على اللّه تعالى» أما أن تطل المعصية برأسها ويخرج المنكر إلى ظاهر
المجتمع يقترفه من يشاء فهذا باب واسع لفساد عريض وانحلال كبير» ل
يقره دين من قواعده سد الذرائع إلى كل شراء وخلاصة القول فيما سبق -
أن الإسلام فرض الاستئذان من أجل صيانة حرمة البيوت ومن ثم فلا يجوز
393 الموسوعة الكونية الكبرى/ آيات الله في الإعجاز التشريعي والغيبي في القرآن لكريم “47 ؟
دخول البيوت بغير إذن أهلها ثم إن الإسلام حرم التجسس بين الناس -
على نحوما تقدم وجعله وسيلة من الوسائل غير المشروعة وذلك من أجل
صيانة الحرية الشخصية والتأكيد على حرمة المسكن!!
حرية التنقل والسفر
وإذا كان الإسلام قد منح للفرد الحرية الداخلية (حرية الذات حرمة
المسكن وحق الأمن) وأردف ذلك بالحرية الخارجية ليحدث الانسجام في
حياة الفرد بيد أن الإسلام لم يكتف بالتقدير والمنح بل تكفل بالضمان
والكفالة التى تحمى تلك الحريات» وحرية التنقل والسفر لا تقل شأناً عن
ومن ثم فقد منح الإسلام تلك الحرية للفرد فله حتى السفر إلى خارج البلاد
والعودة إليها لأن الإسلام أمر الإنسان بالسعي في الأرض» من أجل التمة
بحريته ونعى على الذين يخاذلون ويخلدون إلى الظلم والاستبداد مؤثرين
السلامة مما يدفع بهم في مغبات الفقر فقال تعالى متوعدهم : «إَّ الِنَ ته
وحث على الهجرة ورغب فيها توسعة في الرزق فقال تعالى : #وَمَن
وأود أن أقول إن هذه الأهمية البالغة لحرية الغدووالرواح ومكانتها في
الإسلام لم تأت من فراغ بل أتت من حاجة الأفراد إلى الحركة والتنقل والتي
تعد من أهم عوامل استمرار الحياة ولنا أن نتخيل لوحدث حظر تجول في
جميع بقاع الأرض ترى ما النتيجة المتوقعة؟
فمن أجل استمرارية الحياة وتبادل المنافع والخبرات قرر الإسلام حرية
التنقل والسفر والتمس من الضمانات ما يكفل حمايتها فأنزل عقوبة قاسية
4 الموسوعة الكونية الكبرى/ آبات الله في الإعجاز التشريعي والغيبي في القرآن الكريم 394
ورادعة لكل من تسول له نفسه ترويع أمن الطريق ومن أجل المحافظة على
تعالى : لالت قال 0 بول وَيَعَوَ فى الأ فسا أن يكنا او
395 الموسوعة الكونبة الكبرى/ آبات الله في الإعجاز التشريعي والغيبي في القرآن لكريم 48 ؟
التكافل الاجتماعي في التشريع الإسلامي
عندما نتحدث عن التكافل الاجتماعي في الإسلام يجب أن نعلم أننا
نعالج عضواً في جسدء وجزءاً من كل فالتشريع الإسلامي بينما يعالج قضايا
تنفصل عن الإسلام (كله) وبالتالي لابد للتشريعات أن تقوم فوق عقيدة نقية؛
وأن ترتبط بالجوانب الأخلاقية والعبادية ولعل هذا الارتباط بين الجزء
والكل أهم الفروق بين الإسلام والفلسفات الاجتماعية والاقتصادية الوضعية
التي تعالج قضايا الإنسان بطريقة تمزيقية؛ وقد يدفع هذا إلى تضخيم الجانب
الذي تعالجه على حساب الجوانب الأخرى كما أنه يدفعها بالتأكيد إلى
التعامل مع الإنسان في إطاره الشامل بطريقة خاطئة والتكافل الاجتماعي
نوع من التقعيد النظري الرحيم للأسس الصالحة لقيام المجتمع البشري
المتماسك الذي لا تقوم العلاقة فيه على أساس القواعد التشريعية فحسب -
حتى مع شمولية هذه القواعد وسمؤها - بل قد توجب بعض حالات الارتفاع
فوق هذه القواعدء وذلك مثلما فعل الأنصار مع المهاجرين عندما شاركوهم
في دورهم وأموالهم بل قد عرض الأنصار على إخوانهم المهاجرين أن
يقتسموا معهم هذه الأموال والعقارات مناصفة فهذا نوع من الإيثار
ظل معاني الرحمة والأخوة الإسلامية
نوع غريب من الحب!!
ومن العجيب أن الأنصار لم يعطوا ما أعطوا استشعاراً منهم بواجب
شرعي تمليه عليهم قواعد تشريعية وإنما فعلوه بنوع غريب من الحب ودرجة
كبيرة من الإيثار خالية تماماً من مشاعر الأثرة والشح قال تعالى في تصوير
95 الموسوعة الكونية الكبرى/ آبات الله في الإعجاز التشريعي والغيبي في القرآن الكريم 396
ومن السياق السابق نعلم أن التعامل مع الجوانب الاجتماعية في الإسلام
يقف فوق أرضية عقيدية وفكرية ونفسية وأخلاقية معينة وأن المسلم يعالج هذه
القضايا في إطار مفاهيمه الإيمانية الكلية فهو لا يقوم بها لأنها أوامر قانونية ولا
قضايا مصلحية عامة يتبادل فيها الفرد والمجتمع الخدمات بطريقة جدلية
تبادلية وقد تنتهي هذه العلاقة بمجرد الشعور بانقضاء المصلحة أو بالتحايل
على القانون فالأصل العقدي والعبادي للقضايا الاجتماعية في الإسلام والمنهج
الذي يجعلها جزءاً من كل لا تنفصل عنه هذا الأصل وهذا المنهج يجعلان
للتكافل الاجتماعي في المجتمع المسلم قسمات خاصة ينفرد بها عن كل
أنه مجرد تنظيم للعلاقة التي تربط الفرد بالمجتمع وتمنع طغيان أحدهما على
الآخرء وتضع الأسس التي تضمن تساند المجتمع أفراداً وطبقات وتتيح للجميع
قدراً متكافثاً من الفرص والحقوق وتلزم الجميع بقدر عادل من الواجبات وهذه
النظرة (كما نرى) تضع التكافل الاجتماعي بعيداً عن الشعور الروحي -
منحصراً في مستوى قانوني ومصلحي بحت!! بينما تؤكد لنا الحقائق
الموضوعية والتجارب الإنسانية أن الإنسان كفرد أو كأسرة أو كمجتمع صغير
أو كبير - لا يمكن أن يحافظ على كيانه الروحي بالقانون
الإسلام وخصوصيته:
إِنَّ التجارب الاجتماعية الحديثة قد سقطت في هذا التصور حين
غلبت النزعة المادية عليها فماتت فيها الروح الإنسانية وذبلت القيم الدينية
وأصبحت الحياة حلبة سباق من أجل تحقيق مزيد من الترف والرفاهية
والاستهلاك ولولا قوانين الضرائب الصارمة التي يفرضها القانون
والشرطة لتعرضت هذه المجتمعات لانهيار كامل
397 الموسوعة الكونية الكبرى/ آبات الله في الإعجاز التشريعي والغيبي في القرآن الكريم 791
وفي المقابل نجد الدول الإسلامية (عبر التاريخ الإسلامي) قد تعرضت
لنكسات كبيرة وقد عجزت مؤسسات الدول في كثير من الظروف عن توفير
الحاجات الأساسية للمجتمع - من غذاء وكساء ودواء وتعليم فقامت الأمة
المسلمة بدوافع الإيمان والعقيدة بسد الاحتياجات التي عجزت عنها مؤسسة
الدولة
إن التكافل الاجتماعي يعني تضامن أبناء المجتمع وتساندهم سواء
تهدف إلى غايات كريمة تنتهي إلى تحقيق الرعاية الاقتصادية والاجتماعية
والأخلاقية لجميع أبناء المجتمع وذلك بتوفير الاحتياجات الأساسية من
مأكل ومشرب ودواء وكساء وتعليم بالإضافة إلى مقاومة كل من يحاول
خرق سفينة المجتمع كالمترفين والمحتكرين والآكلين للأموال بالباطل
بشتى الصور!!
وهذا التكافل الاجتماعي بهذا المفهوم الإسلامي تقرره الآيات القرآنية
وقال تعالى : ءانا يلل ورَسوله وَأَنِقُا كا جَمَلَكرٌ مُتَحْلَفينَ يه فلي اموا
كر ثرا أب كر
ابن حبان
ويقول جَيةٍ «مثل القائم على حدود اللَّه والواقع فيها كمثل قوم استهموا