إنها الجماعة جماعة أهل السئة التى حث القرآن الكريم والسنة
المطهرة على المحافظة عليهاء وصون وحدتها؛ والعمل على تماسكها
وائتلافهاء وحرم كل عمل ينتج عنه المساس بوحدة هذه الجماعة أو شق
عصاهاء أو خلخلة صفها .
لقد دلت وفرة من الآيات والأحاديث على فرضية إقامة هذه الجماعة فى حياة
أو تهاون فى العمل على إيجاد هذه الجماعة والمحافظة عليها .
ولقد أدركنا الزمان الذى تنباً به رسول الله تِته» فمنذ إسقاط الخلافة الإسلامية
وتنحية شرع الله عن الحكم» وتحكيم القوانين الوضعية فى حياة المسلمين: دمائهم
فيها أكبر عروة من عرى الإسلام؛ انهدمت أكبر وأهم دعامة من دعامات الجماعة
المسلمين؛ وتغلب الكفرة وحكم الزنادقة» وتمكن الفجرة والفسقة والمرتدون» وافتتن
- فتنة العصر
بما أنزل الله من خلال حككومة إسلامية تمثل جماعة المسلمين فى الأرض؛ تلك
الجماعة | تثبت عند المحنة وتصبر عند البلاء الى أن يمكنها الله ويفتح عليها» فتثبت
عند الضراء وتشكر عند النعماء
حماهاء وتحفظ وحدتهاء وتنشر عقيدتهاء وتربى ناشئتها. لابد من هذه الحكومة التى
ترد المارقين» وتقهر المرتدين» وتنبه الغافلين وتعلى كلمة الحق والدين؛ وتخضع له
الكفرة والمشركين؛ وتعلن نفير الجهاد؛ وتجيّش كتائب الموحدين.
( هذا العصر) حتى تقوم هذه الحكومة التى يغطى سلطانها كافة أطراف الجماعة
ولكن هذا العمل الضخم لا يمكن أن يتم وفق
جهود فردية أو جماعية مبعثرة أو صغيرة و.
إن الأمر أجل من هذا والخطر أشد وأدهى من مثل هذه المواجهات التى لا
إن الأمر يحتاج إلى جهود كل الأفراد والتجمعات من المسلمين المخلصين الواعين
بحقيقة وحجم الصراع الذى يخوضونه ضد قوى الشر مجتمعة فى هذا العصر من
أجل إعادة ترثيب وتنظيم الجماعة المسلمة الواجبة.
ولكن - وللأسف الشديد فقد اضطرب كثير من المنتنسبين إلى العمل
الإسلامى المعاصر فى تحديد مدلول هذه الجماعة الواجبة اضطرابا عظيما. وتفاوتت
اجتهاداتهم فى ذلك مابين من يرى الجماعة أصلا من أصول الدين لا تثبت صفة
الإسلام ابتداء إلا باستيفائه؛ إلى مبدع لكافة صور التجمعات الإسلامية المعاصرة»
قاصرا معنى الجماعة على الاجتماع على الخليفة المتمكن الذى يقيم الحدود ويستوفى
التكفير أو التبديع فى أحسن الأحوال! إلى من يرى أنه لا وجود للجماعة على
الإطلاق إلا بعد قيام الدولة ونصب الإمام وانقياد الأمة له.
وعلى الرغم من أن جمهور العمل الإسلامى المعاصر على أن هذه التجمعات
القائمة تجمعات مشروعة باعتبارها محاضن للعمل الإسلامى تقى منتسبيها من الضياع
فى جاهلية المجتمعات المعاصرة» وأنها أجزاء من جماعة المسلمين وخطوات فى الطريق
فى التعامل مع الآخرين والدعوة إلى تجمعه يشى بأنه هو الجماعة وأن غيره مفارق
للجماعة؛ فنتج عن ذلك مانتج من آفات التعصب والتدابر وفساد ذات البين.
ومن هنا مست الحاجة إلى تحعديد حقيقة المراد بالجماعة التى جاءت النصوص
بلزومها؛ وكيف يتحقق لزومها فى واقعنا الملعاصر .
الفصل الأول
لزوم الجماعة أصل من أصول
أهل السنة والجماعة
وتوعد الخارج عليهاء وبيان أن من شذ عنها فقد شذ فى النار» وأن من خرج عنها
فمات فميتته جاهلية؛ على النحو الذى يأتى ذكره إن شاء الله
وإن من أحاديث الجماعة التى تعد من أعلام النبوة فى هذا العصر ما أخرجه
الشيخان من حديث حذيفة بن اليمان قال: «كان الناس يسألون رسول الله حت
عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركنى . فقلت يارسول الله: كنا فى
يهدون بغير هدبي تعرف منهم وتنكر . قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال
نعم. دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها . قلت: يارسول الله:
صفهم لنا؛ قال : هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتا. قلت : فما تأمرنى إن أدركنى
1876/١ فتح البارى 75/13 صحيح مسلم )١(
فيه إلى دعاة على أبواب جهنم ببسط فيه سلطائهم وتعلو فيه راياتهم» وأخبر
ثم أخبر تنه عن المخرج من هذه الفتن يوم فقال : «تلزم جماعة المسلمين
ولقد أظلنا لعمر الحق هذا الزمان» ووقف هؤلاء الدعاة على أبواب جهنم»
يدعون الناس إليها باسم العلمانية تار
وباسم الرأسمالية تارة» وقد اتفقوا جميعا على الكفر بشرائع الإسلام والتمرد على
وباسم الشيوعية تارة؛ وباسم الاشتراكية تارة»
ولا مخرج من هذه الفتن المطبقة إلا بما جعله رسول الله ل مخرجا لأمته
فما معنى هذه الجماعة إذن؟ وكيف يتحقق لزومها فى هذه الأيام؟.
معنى الجماعة في اللغة:
مأخذ الجماعة من الاجتماع وهو ضد التفرق
وههداء وأجمع أمره أى جعله جميعا بعد ماكان متفرقاء وفلاة مجمعة أو مجمعة
ومنه جمع للمزدلفة سميت بذلك لاجتماع الشاس بها ومئه المسجد الجامع ويوم
الجمعة لاجتماع الداس فيهماء والجمع اسم لجماعة الناس» والجماعة والجميع والمجمع
كالجمع» وقد تستعمل الجماعة فى غير الناس حتى قالوا جماعة الشجر وجماعة
النبات .)١(
فالجماعة إذن من الاجتماع: وهذا الاجتماع قد يكون حسياً كاجتماع الناس فى
المسجدء أو اجتماعهم بعرفة ومزدلفة أثناء الحج؛ وقد يكون مغنويا كاجتماع الأمة
على الإيمان الله ورسوله؛ وتحيم الفواحش ماظهر منها ومابطن أو اجتماع أمرها على
خليقة رايد قوم على حراسة الدينبوبيامة الدقيا ب
معنى الجماعة فى النصوص الشرعيا
لم يرد لفظ الجماعة فى القرآن الكريم» وإنما كثر وروده فى السئة المطهرة :
لمتتبع لمواضع ورود هذه الكلمة فى السنة يجد أنها تأنى دائما فى مقابلة التفرق
المذموم؛ وذلك فى مثل قوله تَتهِ فيما أخرجه أحمد عن النعمان بن بشير « الجماعة
رحمة والفرقة عذاب»ل" ) وما أخرجسه أحمد والترمذى أيضاً من قوله تله :
كما أنه يستطيع أن يميز هنا بين طائفتين من النصوص تشير كل واحدة منهما إلى
المنهج والتمكين له فى واقع الحياة» فإذا جمع بينهما تحقق المدلول المتكامل والنهائى
لمعنى الجماعة على النحو الذى سنبينه فيما يلى؛
-١ الطائفة الأولى (من النصوص ):
وفيها يفهم معنى الجماعة أنه من الاجتماع على الأصول الثابتة بالكتاب
17//8/4 راجع لسان العرب لابن منظور: 8 / 1-87 (1) مسند أحمد: )١(
( ) سند أحمد: 7178/4 صحيح الترمذى 7137/7» وأخرجه ابن ماجة أيضا بإسناد صحيح:
والسنة والإجماع» واتباع ماكان عليه السلف الصالح من لزوم الحق واتباع السنة
ومجانبة البدع والمحدثات؛ ويقابل الجماعة بهذا المعنى التفرق فى الدين»
والمخالفون لها هم الفرق الضالة وأهل الأهواء.
ومن هذه النصوص
يعنى الأهواء كلها فى النار إلا واحدة وهى الجماعة».
( ) وما أخرجه البخارى ومسلم عن ابن مسعود من قوله تن : ١لا يحل دم
امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس
بالنفس» والثيب الزانى» والمفارق لدينه التارك للجماعة؛0١).
(7) مارواه أحمد عن أبى هريرة من قوله تل : «الصلاة المكتوبة إلى
- يعنى رمضان كفارة لما بينهما قال بعد ذلك : إلا من ثلاث ؛ قال : فعرفت أن
ذلك الأمر حدث : إلا من الاشراك بالله. ونكث الصفقة؛ وترك السنة قال : أما
نكث الصفقة أن تبايع رجلا ثم تخالف اليه تقاتله بسيفك ؛ وأما ترك
السسنة فالخروج عن الجماعة(7).
وواضح أن مفهوم الجماعة فى هذه التصوص يرجع إلى معنى لزوم الحق واتباع
السنة؛ ومجانية الأهواء والبدع» وهى بهذا المعنى تقع فى مقابلة الفرق الضالة.
134/11 صحيح مسلم بشرح النووى: )710٠/ 1١ فتح البارى؛ )١(
(1) سند أحمد: 3 7741
: أبو بكر وعمر. فلم يزل بحسب حتى انتهى إلى محمد بن ثابت والحسين بن
وقد حدث اسحاق بن راهويه بحديث: «إن الله لم يكن ليجمع أمة
محمد على ضلالة؛ فإذا رأيتم الاختلاف فعليكم بالسواد الأعظم » فقال رجل:
ثم قال رحمه الله: لو سألت الجهال عن السواد الأعظم لقالوا: جماعة الساس» ولأ
يعلمون أن الجماعة عالم متمسك بأثر النبى نَل وطريقته؛ فمن كان معه وتبعه فهو
الجماعة (").
أبا يعقوب» من السواد الأعظم ؟ فقال محمد بن أسلم وأصحابه ومن تبعهم! *).
وقد حدث عمرو بن ميمون الأودى أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول:
55/7 6 الاغتصام للشاطبى )١(
(* ) ولعل من نافلة القول هنا أن نذكر أن هؤلاء الذين نحلوا وصف الجماعة لا يمشلون الجماعة
بدليل قوله فى البداية: ( ابوبكر وعمر) وقد كان الصحابة جميعا مع الجماعة» ومن ناحية
أخرى فإ من ذكر من الأشخاص قابلا للتقييد بالمكان فتمثيل هؤلاء للجماعة فى أماكنهم
أخرين لها فى بقاع أخرى» إذا دانوا بما يدين به هؤلاء» والله أعلم .
لاينقى
(1) الاعتصام: 751//1. (7) إغاثة اللهفان لابن القيم: : 170/1-
الفريضة» وصلوا معهم فإنها لكم نافلة» قال قلت: ياأصحاب محمد ماأدرى
ماتحدثونا؟ قال وماذاك؟ قلت: تأمرنى بالجماعة وتحضنى عليهاء ثم تقول صل الصلاة
الجماعة؛ وإن الجماعة ماوافق طاعة الله عز وجل 9064
كان المخمسك بالحق قليلا والمخالف كثيراء لأن الحتى الذى كانت عليه الجماعة الأولى
القبلة بالذنب» ولا يترك المسح على الخفين» ولا يترك الجماعة خلف كل وال جار أو
)١( المرجع السابق : 184/1 - 6لا () الباعث لأبى شامةء
( ) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي: 187/1