وبحمد الله فإن منهج هذا الدين واضح كل الوضوح؛ فقد تركثا على
المحجة البيضاء؛ ليلها كنهارهاء فلا طلاسم ولا غموض فيه؛ سواء في
جانب العقيدة والإيمان» أو الدعوة والعبادة» أو السلوك والأخلاق. أو
- وحيث إن الحوار [وهو مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين أو أكثر
بصورة متكافثة ويغلب عليه الهدوء والرغبة في الوصول إلى الحتى والبعد
عن التعصب والخصومة"؟
أصولاً وضوابط وآداباً تدخل ضمن منهج السلوك والأخلاق» ونظراً لدور
-١ وسيلة ناجحة في دعوة الناس إلى هذا الدين القويم.
7- طريق مختصر لتوحيد الأمة الإسلامية» وتقريب وجهات نظر علمائها
*- سبيل للقضاء على كثير من الخلافات والحزازات القائمة بين فثات
4 فرصة سانحة للدفاع عن الدين ورد شبهات الطاعنين .
أن نجنيها عن طريق الحوار.
وحيث إن كل تلك المهام لا يمكن تحقيقها إلا بقواعد وأصول
عامة؛ وآداب وأخلاق رفيعة؛ مستنبطة من الكتاب والسنة تساعد في نجاح
. سيأتي مبحث مستقل للتعريفات وشرحها - بإذن الله تعالى )(
الحوار» وتحافظ على جوهره» وتضمن استمراره - بإذن الله تعالى - وتقضي
تعصف به فتعطله عن سيره؛ أو تهوي به في مكان سحيق.
وحيث إن جانب «منهجية الحوار: أي الأصول والقواعد الرثي
العامة» التي تضبط مسار الحوار» سواء كان ذلك بالنصوص الشرعية؛ أو
قديماً وحديثاً ضمن موضوعات وكتب أصول الفقه والمنطتق ونحوهاء أو
في بحوث مستقلة تتعلق بمناهج الجدل وأصول الاستدلال أو غيرهال'".
لذا فقد آثرت أن يكون موضوع رسالتي هو : «آداب الحوار في ضوء
الكتاب والسنة» ليحقق الجانب الآاخر في قضية الحوارء إذ هو موضوع
يعنى بطريقة إدارة الحوار» والقواعد السلوكية والصفات الخلقية التي ينبغي
مراعاتها قبل وأثناء وبعد الحوار» والتي تساهم مساهمة فعالة في تحقيق
جانبين -» فقد يكون من الأصول العامة والقواعد المنهجية؛ ما يصلح أن
خاصة» ليقدم من خلالها للطرف الآخرء في قالب من الأدب الرفيع؛
والخلق الفاضل» فيكون أدعى لقبوله واقتناعه)» وعند ذلك بي
التأثير على العقل بالأصول والمناهج؛ والتأثير على العاطفة بالآداب
والأخلاق والسلوكيات.
أفردته بالتأليف فمنها: (استخراج الجدال من القرآن لابن الحنبلي؛ وكتاب الجدل
لأبي الوفاء بن عقيل الحنيلي» تاريخ الجدال لأبي زهرة؛ آداب البحث والمناظرة
للشنقيطي» مناهج الجدل للالمعي» ضوابط المعرفة للميداني» وغيرها) .
وحيث إنه قد كثرت في الآونة الأخيرة وسائل طرح موضوع أدب
الحوار» واختلفت في ذلك المناهج والطرق؛ وتعددت الوسائل
التفصيل فيها-. فقد أيقنت أن الطريق الأقوم»؛ والسبيل الأفضل
ولاشك - هو منهج الكتاب والسنة: «إِنَ هذا أل
لهذا الغرض فقد حرصت على استقراء وتتبع حوارات القرآن» والتدبر
والنظر في آياته» ويسرالله لي قراءة «الكتب الستة» كاملة تقريباً -» وأن
أجمع ما وجدته من الآثار والسير مما له علاقة بأدب الحوار» وبحمد الله
فإنه إن شاء الله - لم يفتني مما التزمت به القرآن والسنة «الكتب الستة» -
إلا القليل النادر» أو ما تركته عمداً لضعفه أو تكراره أو وجود ما يغني عنه
ولكثرة النصوص والأدلة في الكتاب والسئة في هذا الموضوع»
ولكثرة نماذج الحوارات فيهماء فقد آثرت القرب الشديد من نصوصض
الكتاب والسنة ومعانيهاء والبعد عن التفصيلات والتفريعات» والفلسفات
من كلام البشر والتي ربما تذهب بروح النص ورونقه؛ إلا ما لزم من
التعليقات اليسيرة والبيان المختصر» وشرح العلماء واستنباطاتهم.
آي عدا المكرر- وقد تكرر عدد لا بأس به منهاء حسب مناسياتها
بدون المكرر - وأكثر من (تسعين) أثراً؛ ومن مجموع تلك الآيات
والأحاديث والآثار أكثر من (مائتين وأربعين) نموذجاً تتضمن صوراً للحوار
وأمثلة له وهي تنسم بالآداب التي هي موضوع البحث؛ لله الحمد
وإتماماً للفائدة فقد ذكرت عدداً من القصص والأحداث والأقوال في
سير السلف» مما له علاقة بأدب الحوار .
ولكون «أدب الحوار» موضوعاً معاصراً - يمد إلى الواقع بصلة
المراجع المعاصرة؛ ففي التفسير مثلا: «تفسير السعدي»» «في ظلال
القرآن»؛ ونحوهماء كما استفدت من عدد من الأشرطة والمقالات وبعض
كتابات وتجارب مفكرين غربيين» حسب ما يقتضيه المقام.
أما عن منهجي في الرسالة فألخصه في النقاط الآنية:
-١ أجمع واستزيم اصرق المتشابهة» المتفرقة في كتاب هذه الأمة
(وأعني بالسنة هنا: «الكتب الستة» وقد أذكر شيئاً من
غيرها كالموطأ والمسند وغيرهماء إن لم يكن في هذه الكتب)؛
وأضيف إليها بعض السير والأحداث والمواقف»؛ مما له علاقة
بموضوع الرسالة.
"- ثم أرتب هذه النصوص ترتيباً موضوعياً حسب الآداب التي تضمتها
*- ومن ثم أدرس هذه النصوص وأحللها وأستخرج منها ما ظهر لي فيها
من «آداب الحوار» مستنيراً بشروح العلماء وأقوالهم في تلك
4- ولما كانت النصوص بتلك الكثرة؛ فقد كثرت علي الآداب المستنبطة
منهاء حتى زادت على «أربع وخمسين» أدباً؛ فرأيت اختصارها وجمع
مبحثاً إضافة إلى أربعة مباحث عامة - فاحترت في تقسيمها وتصنيفها
على الأبواب» حتى أشار علي بعض الفضلاء بتقسيم الآداب إلى أربعة
وتعلقه بأقرب صنف من هذه فألحقه به مع وجود تداخل واشتراك
كبير بينها - فقد يكون الأدب له تعلق بأكثر من جانب؛ وعندها أذكره
قسمت الأبواب إلى مباحث» بحيث جعلت كل أدب من الآداب «مبحثاً
مستقلاً»؛ وفي كل مبحث: أذكر المقصود بالأدب وأهميته؛ ومن ثم
أدلته مرتبة بذكر نصوص القرآن أولاً» ثم السنةء ثم الآثار والأقوال
والقصص هذا في الغالب - وأحياناً قد أخالف هذا الترتيب» مراعاة
لدلالة النص وصراحتهاء وقربها من القضية التي أكون بصددها .
لما وجد بعض التداخل في الأبواب» وشيء من المنازعة في الأدلةء إذ
يصلح الدليل أن يكون شاهداً في أكثر من موضع» فقد آثرت أن أبسط
الكلام في الأبواب المتقدمة: بذكر النصوص كاملة بتخريجها وأقوال
العلماء فيهاء وذلك لأكتفي بعد ذلك بالإشارة إلى ما أحتاجه منها في
الأبواب المتأخرة.
ما أستدل به من أحاديث - غالباً - هو صحيح مقبول غير مطعون فيه
بتخريجه هنا من الكتب المذكورة» بدون تفصيل أو إطالة
الهوامش بذكر الأقوال في كل حديث أو الحكم على الرجال - إلا ما
لزم منها واحتاج إلى زيادة بيان -؛ وقد اعتمدت في اختياري لهذه
الأحاديث المقبولة على تصحيح الأئمة المعتبرين من أصحاب الكتب
أنفسهم؛ وغيرهم كابن حجر والذهبي والهيثمي والحاكم والنووي
وغيرهم» ورجعت أيضاً إلى حكم بعض المعاصرين كالألباني وأحمد
شاكر والأرناؤوط وغيرهم + جزاهم الله عن الأمة خير الجزاء.
أما عن أبواب الرسالة بعد هذه المقدمة - فهي خمسة أبواب: الأول
منها تمهيدي» وأربعة للآداب وما يتعلق بهاء وتفصيل ذلك على النحو
الباب الأول: مدخل إلى الحوار:
المبحث الثاني: أهمية الحوار وأهدافه.
أ- أصول وقواعد في موضوع الحوار.
ب حكم الجدل والحوار.
اج - أركان الحوار. ويدخل تحته الكلام عن:
-١ شروط المحاور المسلم.
١ شروط المحاور غير المسلم.
المبحث الرابع: الكلمة الطيبة وعلاقتها بالحوار.
المبحث الخامس: في الكلام عن الخلاف وأنواعه وعلاقته بالحوار+؛
-١ علاقة الخلاف بالحوار» وبيان أنه لا حوار إلا مع وجود خلاف
حقيقي أو صوري.
"- أنواع الخلاف.
*- أسباب الاختلاف.
4 ضرورة وجود الخلاف مع التحذير منه شرعاًء والتوفيق بين
القسم الثاني : «آداب الحوار»؟
الباب الثاني : آداب الحوار النفسية :
المباحث الأول: تهيثة الجو المناسب للحوار.
المبحث الثاني: الإخلاص وصدق
المبحث الثالث: الإنصاف والعدل. والتفريق بين الفكرة وصاحبها .
المبحث الرابع: التواضع وحسن الخلق.
الببحث الخامس: الحلم والصبرء
المبحث السادس: الرحمة والشفقة بالخصم؛ والحرص على إقناعه.
المبحث السابع: العزة والثبات على الحق.
المبحث الثامن: حسن الاستماع.
المبحث التاسع: المحبة رغم الخلاف.
المبحث العاشر: الهدوء والثقة بالنفس.
المبحث الحادي عشر: احترام الطرف الآخر.
المبحث الثاني عشر: الجرأة والغضب لنصرة الحق.
الباب الثالث: آداب الحوار العلمية
المبحث الأول: العلم.
المبحث الثاني : البدء بالنقاط المشتركة وتحديد مواضع الاتفاق.
المبحث الثالث: التدرج والبدء بالأهم.
المبحث الرابع: الدليل -
المبحث الخامس: الوضوح والبيان.
المبحث السادس: الصدق الأمانة.
المبحث السابع: التثبت.
المبحث التاسع: ضرب الأمثلة.
المبحث العاشر: العدول عن الإجابة باستخدام المعاريض وأسلوب
المبحث الحادي عشر: تأكيد القضية وتقريرها
المبحث الثاني عشر: الرجوع إلى الحق والتسليم بالخطأء
المبحث الثالث عشر: الاحتمالات.
المبحث الرابع عشر: التحدي والإفحام وإقامة الحجة على الخصم.
الباب الرابع: آداب الحوار اللفظية.
المبحث الأول: العبارة المناسبة وحسن العتاب.
المبحث الثاني : التذكير والوعظ .
المبحث الثالكث: التعريض والتلميح بدل التصريح
المبحث الرابع: أدب السؤال.
المبحث الخامس: ذكر المبررات عند الاعتراض +
المبحث السادس: طلب الإنظار وعدم الاستعجال
المبحث الثامن: مباغتة الخصم وقطع الطريق عليه.
المبحث التاسع: محاذير لفظية.
الباب الخامس: آداب ومباحث عامة تتعلق بالحوار .
المبحث الأول: الوقت المناسب.
المبحث الثاني : التزام المحاور بما يدعو إليه.
المبحث الثالث: الفراسة وحسن التصرف.
المبحث الرابع: مراعاة الأفهام والعقول.
المبحث الخامس: الحذر والمداراة.
المبحث السادس: توقع المخالفة برغم الاقتناع.
المبحث السابع: أساليب وطرق في الاستدلال.
المبحث الثامن: محاذير عامة.
المبحث التاسع: مناظرات وحوارات: (نماذج تطبيقية).
وبذلك تنتهي مباحث الرسالة؛ ويتلوها الخاتمة وأهم النتائج
والأحاديث والأعلام والموضوعات. وبعدء فإني - من خلال بحثي هذا -
مدين لأناس كُثرء أجد نفسي عاجزاً عن شكرهم؛ فمنهم من أعانني برأيه
ومشورته واقتراحاته؛ ومنهم من ساعدني بجهده ووقته؛ ومنهم من ساهم
واسأل الله أن يجعل ما قدمتموه لي في موازين حسناتكم» وبارك الله في
وأخيراً: فإني لا أدعي - في بحشي العصمة والبشر محل
النقصان» إلا من عصم الله - والخطأ والنسيان من لوازم الإنسان”'"» قما
كان من صواب فبتوفيق الكريم المنانء وما كان من خطأ فمني ومن
)١( هاتان العبارتان مقتبستان من مقدمة الكرماني في شرحه للبخاري: (1/1) بتصرف