مستقلة. وكان من أعظم هذه التصانيف إن لم يكن أعظمها مطلقًا -
كتاب «الصارم المسلول على شاتم الرسول يِل»؛ لشيخ الإسلام أبي
العباس ابن تيمية )7780 رحمة الله عليه - وكان تصنيفه له عام 147
لحادث اقتضى ذلك
وقد نثر رحمه الله كتانته في جميع مباحث الكتاب ومسائله؛
فحقق وحرّر» وناقش ودلّل؛ وتوسّع في نقل المذاهب واستطرد» وأتى
بما أعجز العلماء عن الدفع والرد؛ فرح واختار واحتج؛ فحدّث عن
وعليه؛ فالكتاب بحاجة إلى شيء من التهذيب والانتقاء حتى يتسَّى
لعموم الناس الانتفاع به والإفادة منه بأقرب طريق؛ وذلك بتقريب
مسائله؛ وإبراز مقاصده؛ وتقليل صفحاته!"".
فآعتنى بهذا الأمر الشيخُ العلامة الفقيه محمد بن علي بن محمد
البعلي الحنبلي المتوفى سنة (778). والبعليٌ أدرك من حياة شيخ
الإسلام بضع عشرة سنة على أقل تقدير» بل تتلمذ لمن توفي قبله مثل
ذلك إلا أنه قد أخذ عن تلاميذ شيخ الإسلام مثل ابن القيم وابن عبد
الهادي - كما سيأتي - فهو سليل تلك المدرسة المباركة.
45-744 انظر الخبر مفضّلاً في «الجامع لسيرة شيخ الإسلام»: (ص/ )١(
وللبعلي - أيضًا - عنايةٌ خاصة يكتب شيخ الإسلام واختصارهاء
فقد اختصر أربعة من كتبه هي «الفتاوى المصرية»؛ و«الصارم»؛
وقد وقفت بحمد الله على مجموع نفيس يضمٌ هذه المختصرات
«المنهج القويم في اختصار الصراط المستقيم». وثلنت بلمختصر
الإبطال» المسمّى: «شفاء العليل في اختصار إبطال التحليل»؛ أما
«مختصر الفتاوى» فهو مطبوع وإن كان بحاجة إلى مُعارضته بأصل
وقد قدمت له بمقدمة لحَضْتُ فيها فصلا في تكفير السابة
وترجمث للمؤلف؛ وعرّفت بالكتاب وعملي فيه؛ أسال الله أن ينفع
عليٌ بن محمد العمران
في مكة المكرمة حرسها الله تعالى
في كفر الساب والمستهزىء بالله أو رسوله
من المسائل المهمة التي حرّرها شيخ الإسلام في «الصارم» مسألة
تحريم ذلك أو استحلاله؛ أو كان ذاهلاً عن اعتقاده.
قال شيخ الإسلام: «وهذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنةء
القاثلين بأن الإيمان قولٌ وعمل».
ثم ذكر بعض نصوصهم في إثبات ذلك؛ ثم أجابة عن شُبُ من
والمرجئة القائلين بأن الإيمان هو مجرّد التصديق بالقلب وإن لم يُقارنه
ولأهمية هذه المسألة» ولانزلاق بعض العصريين فيهاء ومتابعتهم
لقول أهل البدع من المرجثة والكرّامية؛. وعدم فهمهم لمذهب أهل
السنة والجما ب هوى أو شبهة- لص ما ذكره الشيخ في الأصل
قال الشيخ ما ملخصه مع بعض التصرؤف”': 'وهذا موضع لابدّ من
477-436 البحث في «الصارمة: (؟/ )١(
في هذه المهواة ما تلقو من كلام طائفةٍ أخري المتكلمين الذين
وليس الغرض استيفاء الكلام» وإنما الغرضٌ التنبيه على ما يخ
أحدها: أن الحكاية المذكورة عن الفقهاء: «أنه إن كان (أي:
هذا التفصيل آلبتة.
الوجه الثاني: إذا كان سبب الكفر هو الاستحلالٌ» فلا فرق في
إلى غير ذلك من الأقوال المعلوم تحريمهاء ٠ فإن من فعل شيئًا من ذلك
وهذا خلاف ما أجمع عليه العلماء؛ إذ أجمعوا على كفر السابة استحلٌ
كاعر رتب
أن مذهب سلف الأمة ومن اتبعهم من الخلف أن هذه المقالة
أدلة بي على أن نفس أذى الله ورسوله كُفْر»؛ مع قطع النظر عن اعتقاد
التحريم وجودًا وعلمًا.
ثم ذكر الشيخ رحمه الله منشأ هذه الشبهة عند المتكلمين أو من
حذا حذوهم» فذكر شبهتين:
١ أنهم رأوا أن الإيمان هو التصديق» وأن اعتقاد صدقه (أي:
ليس في قلبه؛ فإذا كان فيه التعظيم والتوقير للرسول لم يقدح إظهار
وجواب الشبهة الأولى من وجوه:
الأول: أن الإيمان أصله تصديق القلب؛ وهذا التصديق لابد أن
لازم كالتألم والتنُم عند الإجساس بالمؤلم والمنعم» كالثفرة والشهوة
التصديق شيئًا ٠ وإنما يمنع حصوله وجودُ المعارض من حَمَّد الرسول أو
حال القلب» فيزول التصديق الذي هو العلّة؛ فيذهب الإيمان بالكلية من
القلب؛ وهذا الموجب لكفر من حَسَد الأنبياء أو تكبّر عليهم.
الثانفي: أن يقال: كلام الله خَبَرَ وآثرء فالخبر يستوجب التصديق»
والأمر يستوجب الانقياد والاستسلام؛ فإن حصل التصديق والانقياد
حصلٌ أصلُ الإيمان في القلب وهو الطمأنينة والإقرار.
أو يستخف بمن انقاد له وخضّع واستسلم؛ فإذا حصل في القلب
هو لم يُكذِّب خبرًاء ولكنه لم ينقد للأمر بل استكبر عن الطاعة.
قال شيخ الإسلام: وهذا موضع زاغ فيه خليٌ من الكُلّف!
فإذا تقرّر أنه لابذّ من اجتماع التصديق بالخبر والانقياد للأمر الذي
مكذب له أو ممتنع عن الانقياد لربَه؛ وكلاهما كفر صريح. ومن
استخفٌ به واستهزاً بقلبه امتنع أن يكون منقادًا لأمره» فالانقياد إجلال
وإكرام والاستخفاف إهانة وإذلال. وهما ضدانء فمتى حصل في
القلب أحدهما انتفى الآخرء فَعْلِمَ أن الاستخفاف والاستهانة والسبّ
تنافي الإيمان منافاة الضدٌ للضدً.
الثالث: التفريق بين من يفعلُ الذنبّ تشهّيًا من غير معاندة أو
وقدرته؛ فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفةٍ من صفاته؛ وقد يكون مع
ومُشْتهاه؛ ويقول: أنا لا أ بذلك ولا التزمه» وأبغض هذا الحق وأنفر
لم يهن من كان الانقياد له والإكرام شرطًا في إيمانه؛ وإنما أهان من
أما جواب الشبهة الثانية فمن ثلاثة أوجه:
والتكذيب والجحود يجوز أن يكون مؤمنًا في نفس الأمر! وهذا لا يقوله
ثاني : أن الذي عليه أهل السنة والجماعة أن ما في القلب من
في صحة الإيمان؛ فأهل السنة مطبقون أن الإيمان قي
: قال الله تعالى: ِ سن
الإسلام من غنقه .
شرح بالكفر صدرا من المُكْرَهين فإنه كافرٌ أيضًاء فصار كن من تكلم
بالكفر كافرًا إلا من أ فقال بلسانه كلمة الكفرء وقلبُه مطمئن
الرجل» وإنما يُكره على القول فقط .
فبين أنهم كفار بالقول.
بالحق؛ والقول يصدق ما في القلب؛ والعمل يصدّق القولّ؛ والتكذيب
إذ أعمال الجوارح تؤثر في القلب كما أن أعمال القلب تؤَثِّر في
)١( راجع لمزيد من التأصيل والاستدلال؛ والمناقشة والرد» وتفصيل ما أجل كتابة
«الإيمان الأوسط» لشيخ الإسلام رحمه الله تعالى -.