والوجدان والكشف والإلهام < فتحوا بابًا واسعًا للزيغ والانحراف
والتأويل والتحريف. ثم تعدّوا إلى تقسيم الدين إلى شريعة وطريقة»
وعلم الظاهر وعلم الباطن» وقرّروا أن الأول حجاب دون الآخرء حتى
صار التصوف في بعض صوره دينًا مناهضًا لدين رسول الله كَل .
ومن ثم لم يكن شيخ الإسلام ابن تيمية وصاحبه الإمام ابن القيم
رحمهما الله ليصرفا النظر» في المهمة العظيمة التي قاما بها لإصلاح
الأمة وتجديد معالم الدين» عن الردّ على مزاعم الصوفية؛ والكشف عن
انحرافاتهم» وبيان هدي النبي كَل في التزكية والإحسان.
وقد أوتي الشيخان الربّانيّان قدرةً عجيبةً على الخوض في غوامض
علوم العارفين ودقائق أحوالهم والكلام عليها. وذلك لما فتح الله عليهما
من علوم الكتاب والحكمة؛ ثم وفقهما للظهور على معارج العبودية
في التصوف والسلوك؛ الجامعة بين خطر الموضوع» وسلفيّة المنهج في
الخوض في الدقائق» وقوّة البياذ ووضوح التعبير أصبحت منظومةٌ
نادرةً في المكتبة الإسلامية الزاخرة.
«بباب الفقر والعبودية» إذ هو باب السعادة الأعظم وطريقها الأقوم الذي
الإنابة ودرجاتهاء وقاعدة في الابتلاء» وقاعدة في ذكر طريق قريب
موصل إلى الاستقامة في الأحوال والأقوال والأعمال» وقاعدة في أقسام
العباد في سفرهم إلى الدار الآخرة. وختم الكتاب بباب جامع في مراتب
المكلفين في الدار الآخرة وطبقاتهم فيها .
وقد تطرّق الكلام في أثناء البابين والقواعد إلى مباحث عظيمة
ومسائل مشكلة اقتضت أهميتها إشباع القول فيهاء كمبحث القضاء
والقدر الذي استغرق أكثر من مائتي صفحة. ولكن أهمّ أقسام الكتاب
وأنفسها وهو من صميم الموضوع فلا يعدّ استطرادًا هو القسم الذي
تكلم فيه المؤلف رحمه الله على علل مقامات السلوك . وقد اختار لبيان
غلط المشايخ في هذا الباب كتاب محاسن المجالس لأبي العباس ابن
العريف الصنهاجي من أكابر صوفية الأندلس . فتناوله فصلا فصا بالنقد
والنقض» وبيّن ما له وما عليه فتكلم على ما قاله في منزلة الإرادة مثا
من اثني عشر وجهًّا؛ وعلى التوكل من خمسة عشر وجهّا؛ وعلى الخوف
من ثلاثة عشر وجهّا؛ وهكذا.
ومما يستغرب أن المستشرق الإسباني الذي نشر محاسن المجالس
في باريس سنة 1477م لم يكن على علم بنقد ابن القيم إياه في طريق
الهجرتين» مع كونه مطبوعًا قبل المحاسن بأكثر من ثلاثين سنة .
وقد صدرت أول طبعة من كتابنا عن المطبعة الميمنية سنة 7١8 7ه د
7م على حاشية كتاب آخر لابن القيم» وهو إغاثة اللهفان. ثم
طبعته إدارة الطباعة المنيرية سنة 17088ه» وتلتها طبعة المكتبة السلفية
سنة 177/0ه. ولكن لم تتهياً لهذه الطبعات نسخة موثقة عالية من
منها باجتهاد المشرفين عليها؛ غير أن اجتهادهم قد أدّى في أحيان كثيرة
إلى مزيد من الأخطاء.
وعن هذه الطبعات الثلاث وبخاصة طبعة المكتبة السلفية -
منها وهما طبعة دار ابن كثير بتحقيق يوسف علي البديوي؛ وطبعة دار
البيان بتحقيق بشير محمد عيون أنهما اعتمدتا على نسخة الظاهرية»
وأئبتت الأخيرة أرقام أوراقها أيضًا في الحواشي» ولكن مقارنة متن
الطبعتين بالنسخة المذكورة لا تصدّق دعواهما العريضة. ولو اعتمدت
تزيدا على مراجعتها في مواضع متفرقة تحلَةٌ للقسم!
وكان من فضل الله سبحانه أن وفقني لإخراج هذه النشرة التي هي
المصنف» والأخرى نسخة منقولة من نسخة المصتف حب تصريح
ين لي أنّ المؤلف رحمه الله قد ترك الكتاب مسوّدة مع إضافاته
من السهو وسبق القلم شيء كثير . وقد ضاع بعض كلامه أيضًا لكونه في
أطراف الأوراق التي أكل منها البلى. وكان في خطه كذلك من السرعة
وإهمال النقط وتداخل الكلمات وغيره ما يؤدي إلى صعوبة واختلاف في
القراءة. وقد اجتهدت في قراءة النص بالنسخة المنقولة من
وقد ميّدت للكتاب بدراسة اشتملت على الفصول الآتية:
١ -توثيق نسبة الكتاب.
؟7_عنوان الكتاب.
“٠_تاريخ تأليف الكتاب.
؛ _ مقصد الكتاب.
٠ ترتيب الكتاب وبعض مباحثه المهمة؛ وفيه إشارة إلى بعض
طرائق التأليف اللطيفة عند المصنف .
+ - أهمية الكتاب.
٠ _ منهج التحقيق» مع نماذج مصورة من النسخ المعتمدة.
وأشكر الأخ الشيخ زائد بن أحمد النشيري الذي تولّى تخريج
الأحاديث الواردة في الكتاب ماعدا أحاديث الصحيحين» فجزاه الله خير
والنسيان ما هو! وخدمة هذا التراث العظيم لا تتم عندي إلا بتعاون
المحقق الخبير والناقد البصير؛ وإني إذ لم أكن بذاك» أرجو أن لا أعدم
ويجزيه عنا خير ما يجزي العلماء الربانيين. وصلى الله وسلم على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الرياض محمد أجمل أيوب الإصلاحي
توثيق نسبة الكتاب
لم يكن هذا الكتاب بحاجة إلى توثيق نسبته إلى الإمام ابن القيم
نسخة منه؛ وهي محفوظة في مكتبة الدولة في برلين برقم 81/46
وناقصة من أولها بقدر ستين ورقة تقريبًا؛ فكتب بعضهم في أعلى الورقة
الأولى: «كتاب نهج العمل لابن حجر»»؛ وفي ورقة أخرى قبلها كتب:
«نهج العمل لابن حجر في السلوك». ولعل من كتب هذه العبارة قصد
ابن حجر المتوفى سنة 07هه» فهي على هذا قد نسخت في حياة
جدًا! ولكن لا أدري من أين جاء هذا الكاتب بعنوان انهج العمل»؛ إذلم
أره عنوانًا لكتاب مطلقًا في كشف الظنون وذيله؛ فضلاً عن أن يكون
عنوانًا لكتاب من كتب الحافظ ابن حجر رحمه الله. والجدير بالذكر أن
في بداية بعض الكراريس تصريحًا بكونه «حادي عشر من طريق
وبعدء فإن الشواهد على نسبة الكتاب إلى ابن القيم كثيرة جدًا
بخط المؤلف. وفي صفحة العنوان كتب اسمه واسم الكتاب مصرّحًا بأنه
() أن المؤلف نفسه ذكره أربع مرّات في كتابه مدارج السالكين»؛
والمباحث التي أحال فيها على كتابنا كلها موجودة فيه. فذكر في
الموضع الأول (199/1) مذهب نفاة الحكمة والتعليل الذين لا فرق
عندهم بين المأمور والمحظور في نفس الأمر» والمشيئة هي التي
نحو ستين وجهًا في كتابه مفتاح دار السعادة» وأنه ذكره أيضًا في كتابه
المسمى بسفر الهجرتين وطريق السعادتين. وهذا المبحث موجود في
وفي الموضع الثاني (1/ 480 ) أورد فصلا في مشاهد الخلق في
المعصية وقال: «ولعلك لا تظفر به في كتاب سواه إلآ ما ذكرناه في كتابنا
المسمى سفر الهجرتين في طريق السعادتين». وهذا الفصل يوجد في
وفي الموضع الثالث (9717//1) عندما فسّر ابن القيم كلام صاحب
منازل الساثرين في رياضة خاصة الخاصة » وأن منها «قطع المعاوضات»
نبّه على أن سؤال المحبٌ الصادق أن يثيبه الله سبحانه الجنة والقرب منه
والتنعم بحبه ليس قادخًا في عبوديته» ثم قال: «وقد استوفينا ذكر هذا
الموضع في كتاب سفر الهجرتين عند الكلام على علل المقامات».
ولعل المؤلف يشير إلى المسألة الخامسة من المسائل الخمس في المحبة
وأشار في الموضع الرابع (74/7) إلى مسألة في الشوق؛ هل يبقى
عند لقاء المحبوب أو يزول» فقال: «ولقد ذكرنا هذه المسألة مستقصاة
المسألة هي المسألة الثالثة من المسائل الخمس المذكورة. انظر
() ومنها أن ابن القيم أحال في هذا الكتاب على مؤلفات أخرى له
نحو قوله في ص(83): «وقد ذكرنا في كتاب الكلم الطيب والعمل
الصالح من فوائد الذكر استجلاب ذكر الله لعبده» وذكرنا قريبًا من ماثة
فائدة تعلق بالذكر» وكل فائدة منها لا خطر لهاء وهو كتاب عظيم النفع
جدًا». والكتاب المذكور معروف مطبوع؛ وقد صدرت منه نشرة جديدة
ضمن هذا المشروع أيضًا بعنوان «الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب».
وهو من الكتب التي ذكرها الحافظ ابن رجب وغيره من مؤلفات ابن
القيم. وقد أشار ابن القيم أيضًا إليه في عدة مواضع من كتابه بدائع
الفوائد .
وأحال أيضًا على كتاب كبير له في المحبة قائلاً: اوقد ذكرنا مجموع
هذه الطرق في كتابنا الكبير في المحبة الذي سميناه «المورد الصافي
ونقلاً وفطرةٌ وقياسًا واعتبارًا وذوقًا ووجدًا تدلّ على إثبات محبة العبد
الكبير في المحبة». وهو غير كتاب «روضة المحبين» المطبوع .
وقد أشار أيضًا إلى كتابين آخرين لم يستهماء فقال في موضع:
«وقد ذكرنا مائتي دليل على فضل العلم وأهله في كتاب مفرد» (0107/0.
ولا يخفى أن المقصود كتاب فضل العلماء الذي ذكره ابن رجب في
ترجمة ابن القيم!'.
وفي موضع آخر تطرق الكلام إلى الأنفع والأفضل من النخيا
0 ). والظاهر أن المؤلف رحمه الله يشير إلى كتابه مفتاح دار السعادة
الذي تضمن هذا المبحث ١ )1١١7/1(
(؟) ومنها المباحث المشتركة بين هذا الكتاب والكتب الأخرى
للمؤلف؛ ولا خلاف بينها إلا في الاختصار والتفصيل أو التقديم
والتأخير . أما نفسه وبيانه ومنهجه في ذكر الأقوال والمذاهب والموازنة
ومن أمثلتها مبحث طويل في مذاهب الناس في أطفال المشركين
(87-/890). وقد ورد المبحث نفسه في كتاب أحكام أهل الذمة
٠١ 5( - 1176 وفي حاشية المؤلف على سنن أبي داود
ومن ذلك أيضًا تفسير المؤلف لدعاء النبي كَيةٍ: «اللهم إني أعوذ بك
من الهم والحزن؛ والعجز والكسل» والجبن والبخل؛ وضلع الدين
وغلبة الرجال» (105). وقد فسره أيضًا في بدائع الفوائد (16) ومفتاح
الذيل على طبقات الحنابلة (175/5). وانظر: ابن قيم الجوزية للشيخ بكر بن
عبدالله أبوزيد (187).