كل حاجة» فهي الروح والنور اللذَيْن لا يستغني عنهما الإنسان»
فالروح سبب الحياة؛ والنور سبب الهداية في هذه الحياة:
حال العالم قبل البعثة:
وكلما تنبت البشرية الطريق وشردت عن دين الله ومنهجه؛
الحقيقي» وانقلبت الحياة إلى فوضى» والإنسانية إلى بهيمية. .
للعالم عندئذء لوجدنا اللون المظلم القاتم يظلّل مساحتهاء إلا
جعفر بن أبي طالب حال العرب قبل بعثة نبيّنا محمد ييه في
نعبد الأصنام» ونأكل الميتة؛ ونأتي الفواحش» ونقطع الأرحام؛
«سيرة ابن هشام»: 779/1؛ وانظر: «البداية والنهاية»؛ لابن كثير: /4/اء )7(
ويتحدّث العلامة أبو الحسن علي الحسني التّذوي عن العصر
الجاهلي فيرسم صورة للإنسانية في حال الاحتضار فيقول: «كان
القرن السادس والسابع (لميلاد المسيح) من أحط أدوار التاريخ بلا
خلاف؛ فكانت الإنسانية متدئية منحدرة منذ قرون؛ وما على وجه
الأرض قوة تمسك بيدها وتمنعها من التردي؛ وقد زادتها الأيام
سرعة في هبوطها وشدة في إسفافهاء وكان الإنسان في هذا القرن
بين الخير والشرء والحسن والقبيح؛ وقد خفتت دعوة الأنبياء من
بعدهم؛ أو بقيت ونورها ضعيف ضئيل لا ينير إلا بعض القلوب
فضلاً عن البيوت فضلاً عن البلاد؛ وقد انسحب رجال الدين من
ميدان الحياة؛ ولاذوا إلى الأديرة والكنائس والخلوات» فراراً
بدينهم من الفتن وضتاً بأنفسهم؛ أو رغبة إلى الدعة والهدوء؛
وفراراً من تكاليف الحياة وجدّهاء؛ أو إخفاقاً في كفاح الدين
والسياسة والروح والمادة؛ ومن بقي منهم في تيار الحياة اصطلح
مع الملوك وأهل الدنياء وعاونهم على إثمهم وعدواتهم» وأكل
أموال الناس بالباطل؟!".
وبكلمات موجزة: «جاء الإسلام وفي العالم كله ركام
هائل من العقائد والتصورات؛ والفلسفات والأساطير» والأفكار
الح بالباطل» والصحيح بالزائف والدين بالخرافة؛ والفلسفة
بالأسطورة. . والضمير البشري - تحت الركام الهائل - يتخبط في
ظلمات وظنون؛ لا يستقرز فيها على يقين. والحياة الإنسانية -
بتأثير هذا الركام الهائل - تتخبط في فساد وانحلال وفي ظلم
وذُلَ وفي شقاء وتعاسة؛ لا تليق بالإنسان؛ بل لا تليق بقطيع
من الحيوان! وكان التيه الذي لا دليل فيه؛ ولا هدى ولا نور
ولا قرار ولا يقين. .. هو ذلك التيه الذي يحيط بتصور البشرية
الإنسان ومركزه في هذا الكون؛ وغاية وجوده الإنساني؛ ومنهج
تحقيقه لهذه الغاية؛ ونوع الصلة بين الله والإنسان على وجه
كله في الحياة الإنسانية» وفي الأنظمة التي تقوم عليه»!".
أثر الإسلام في الأمة:
ومن ثم كانت رحمة الله تعالى بالإنسانية وهدايته لهاء
رسالة الهداية والتوحيد التي أشرقت شمسها من غار حراء؛
الأمّةٌ كلها بعد تفرق وتمزق وشتات؛ ومنحثها العزة والكرامة
() انظر: «خصائص التصور الإسلامي؛ لسيد قطبء ص(؟)
في مهاوي الضلال والضياع؛ واستقامت على الجادة من الطريق+
تسعى إلى هدف أعلى»؛ بعد أن كانت تائهة لا تعرف غاية ولا
هدفاً إلا ما هو قريب لا ترفع به رأساً؛ فكانت الأمةٌ القائدة
الرائدة للأمم كلهاء الشاهدة عليها بالحق» أمّة العدل والخير
أثر العقيدة في تكوين المجتمع وإصلاحه:
هذه الإلماعات السريعة الموجزة إلى أثر الإسلام في العرب
تكوين المجتمع الإنساني المسلم النظيف الذي يخطو الإسلام
كلهاء وذلك أن الإسلام يبدأ بإصلاح الفرد أولاً» حيث يغرس فيه
ينطلق إلى دائرة أوسع هي دائرة البيت والأسرة؛ فيقيم دعائمها
الجميع بظلّها؛ فيشعرون بالأمن والطمأنينة والسعادة والاستقامة؛
سلوك الأفراد والمجتمع» وعندئذ تكون العلاقة
فالفرد المسلم الصالح يؤثّر في المجتمع لأنه يتكون من مجموعة
من الأفراد؛ والمجتمع الصالح أيضاً يؤثر في تكوين الفرد تنج
في تكوين الأسرة أيضاً.
موضوع البحث:
وفي ضوء هذه المعاني» ولأهمية العقيدة الإسلامية وأثرهاء
المنورة» للكتابة في موضوع «أثر العقيدة في اختفاء الجريمة» في
إطار جائزة البحث العلمي لعام (١147ه). والله وليّ التوفيق"'".
هذاء وفي حدود علمي» ورغم البحث والتفتيش لم أجد
من الكتب والمؤلفات ما تناول هذا الجانب بالذات» إلا بحوثاً
مُدمت في «الندوة العلمية لدراسة تطبيق التشريع الجنائي
الإسلامي وأثره في مكافحة الجريمة» في المملكة العربية
السعودية؛ الرياض 15 - 1١ شوال عام (1383ه) وقد نشرها
مركز أبحاث مكافحة الجريمة بوزارة الداخلية بهذا العنوان في
مجلّدين اثنين» وطبعت بمطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب عام
(14م) بمصر. ثم صدرت لها طبعة أخرى مع بعض أبحاث
وزيادات في سلسلة «التشريع الجنائي الإسلامي» التي أصدرتها
)١( كانت دعوة الأمانة العامة للترشيح للجائزة؛ فكان ذلك إشارة لفتت النظر
إلى أهمية الكتابة في هذا الموضوع الذي نضعه بين أيدي القراء آملاً أن
يكون فيه شيء من النفع والفائدة.
وزارة الداخلية في عام (1468ه) في الرياض. وهي كما يتضح
من العنوان ومن استعراض البحوث تتناول أثر التشريع الإسلامي
(أولهما) "أثر الإيمان والعبادات في مكافحة الجريمة» لفضيلة
الشيخ ماع القطان؛ كان نصيب أثر الإيمان منه أربع صفحات؛
و(الثاني) «أثر التربية الإسلامية في مكافحة الجريمة» لفضيلة الشيخغ
محمد قطب؛ وفيه بعض اللمحات عن موضوعناء ويتصل بهما
بحث (ثالث) بعنوان «أثر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في
مكافحة الجريمة» لمعالي الشيخ ناصر بن حمد الراشد.
وقد نجد إشارات عابرة لهذا الموضوع في «بحوث تطبيق
الشريعة الإسلامية» التي صدرت عن جامعة الإمام محمد بن سعود
الإسلامية بالرياض عام (1401ه) وأحياناً في الكتب والمؤلّفات
الخاصة «بالتشريع الجنائي الإسلامي»؛ وفي الكتب التي تناولت
«الإيمان وأثر في الحياة» أو «التوحيد وآثاره» و «الإسلام وأثره في
الجهود التي بُذلت سابقاً. ولأصحابها فضل السبق والريادة.
يفرده - فيما أعلم - أحد من الباحثين بكتابة علمية خاصة؛
نبذله فيه من جهد صادق متواضع .
خطة البحث:
وستكون خطة البحث إن شاء الله تعالى - في إطار
التوصيف التالي الذي طرحته الأمانة العامة الموقرة حيث جاء
أثر عن السلف الصالح؛ وهي منهج حياةٍ عمق جذورها في
نفوس الأمّة الإسلامية الرسول كي منذ أن حمل لواء الدعوة؛
فأشرقت الأرض بنور ربها الذي بدّد ظلمات الجهل والغواية
نفسه وتزكو من أوضار المادة ورغبات الهوى والشيطان.
فما معالم العقيدة الصحيحة؟ وما المنهج الذي يعمل على
غرسها في نفوس الناس؟ وما أثر الالتزام بالعقيدة في مكافحة
الجرائم على اختلاف أشكالها وألوانها؟ والتزام المملكة العربية
السعودية بما تقتضيه العقيدة وأثر ذلك»؟
وتحديد موضوع البحث وخطّته بن على ذلك سيكون في
تمهيد؛ وخمسة فصول وخاتمة.
التمهيد: مفردات العنوان وتحديد المصطلحات.
الفصل الأول: الإسلام منهج كامل.
الفصل الثاني: معالم العقيدة الإسلامية.
الفصل الثالث: منهج بيان العقيدة وغرسها في النفوس٠
الفصل الرابع: أثر الالتزام بالعقيدة في مكافحة الجرائم.
الفصل الخامس: أثر التزام المملكة بما تقتضيه العقيدة.
الخاتمة: في نتائج البحث والتوصيات.
ولم نجد ضرورة لتقسيم كل فصل من هذه الفصول إلى
مباحث ومطالب»؛ كعادة الباحثين في الجوانب الجنائية من الفقة؛
جرضاً ما على إعطاء صورة كاملة مترايظة دون تجزكة أن
ت لذهن القارئ من خلال كثرة التفريعات والتقسيمات»؛ كما
حرّرنا موضوع البحث وخلّصناه من الاستطرادات والمسائل التي
تطبيق الحدود في اختفاء الجريمة ومحاربتهاء ونحو ذلك...
يحقق هدفاً تصبو إليه؛ وتوجّه إلى أن معالجة الموضوع ينبغي
أن تكون من خلاله.
منهج البحث وطريقته:
وتقتضي طبيعة البحث أن نسلك إن شاء الله تعالى -
التحليل باستقراء الجزئيات وتصنيفها وترتيبهاء مع التوثق والتأكد
من صحة نسبة الأقوال وما يكتنفها من شروح وتفسيرات. وهو
أيضاً منهج استنباطي يستخدم القواعد اللغوية والشرعية؛ وينطلق
من النصوص الشرعية والأدلة الفطرية والعقلية؛ ويتخذ من الواقع
العملي شاهداً لما يذهب إليه!".
وفي ضوء هذا المنهج كانت طريقة البحث بتع المسائل
التوثيق من المصادر الأصلية والمراجع المعتمدة أمر في غاية
الأهمية لا يجوز لنا إغفاله. ولن نثقل الحواشي بمعلومات الطبع
بهاء وقد تدعو الحاجة إلى شرح بعض الألفاظ والمفردات»؛
والإحالة على بعض المصادر في الحاشية لما له صلة بالمتن
أحياناً. ونأمل أن تكون هذه الطريقة سليمة مجدية؛ وأن تحقق
الهدف من المنهج الذي سلكناه. كما نأمل أن يكون أسلوب
البحث متوازناء بعيداً عن التعقيد والجفاف من جهة وبعيدا عن
السطحية من جهة أخرى»؛ فلا ينبو عن أذواق العلماء
المتخصصين؛ ولا يستعصي على القارئ العادي.
إلى تصويب هنا وتعديل هناك» وتكرار نظر في هذا وذاك!. فهو
صورة عن الضعف البشري والعجز والتقصير. وأنا راجع عن كل
)١( انظر في معتى المنهج وأقسامه: «المعجم الفلسفي؛ إصدار مجمع اللغة
د.سعيد الصينيء (31)؛ «أصول البحث العلمي» أحمد بدزء ص(37؟)
وما بعدها