تتديم
الحمد لله الذي علم بالقلم؛ علم الإنسان ما لم يعلم. والصلاة والسلام
على عبده ورسوله محمد الذي أنقذ الله به من الضلالة» وهدى به إلى الحق
لتصور تلك العلاقات» وإنما بينها لهم بوساطة الأنبياء والرسل الذين هم
مبلغون عنه عز وجل. ومن أعظم ما بينه الرسل للناس أمور العقيدة التي
وقد شهد تاريخنا الإسلامي صراعا حادا بين مختلف الفرق حول قضايا
عقدية ونشات من أجل ذلك علوم من أشهرها أصول الفقه وأصول الحديث
وعلوم الكلام ومن أهدافها تحقيق النصوص ووضع ضوابط للاستدلال بها.
ولعلماء أهل السنة جهود في هذا السبيل. إذ قيض الله لحفظ دينه
منهم رجالا نذروا أنفسهم لبيان الحق والدفاع عنه وتبيينه للناس.
ومن أعلام العلماء المشار إليهم بالبنان عبدالملك بن عبدالله بن يوسف
الجوبني الملقب ب«إمام الحرمين» المتوفي سنة 8417/8ه رحمه الله الذي يعد علما
من أعلام المدرسة الأشعرية. وقد اشتهر إمام الحرمين بجهوده العلمية
وبمؤلفاته العديدة التي أشار إليها الدكتور أحمد بن عبدالله آل عبداللطيف
في الجزء التمهيدي من هذا الكتاب: «منهج إمام الحرمين في دراسة العقيدة».
وقد تصدى الدكتور أمد آل عبداللطيف لدراسة جانب مهم من حياة
ذلك المنبج من خلال مؤلفات الجويني في المقام الأول. من غير إهمال لما
كتبه سابقوه. وقد وفق المؤلف في تتبع مسارب الفكر العقدي للإمام الجويني
مقارنا ذلك با أثر عن المدرسة الأشعرية أو ما عليه المتكلمون من غيرهم+
مبينا ذلك وناقداً له في ضوء النصوص الشرعية وما صح من مذاهب
أبرز ذلك موقفه من تأويل بعض الصفات في الفصل الثالث من الباب
وقد رغب مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في نشر هذا
الكتاب لما رآه فيه من جهد علمي متميز اتسم بالصبر على تتبع الأقوال
والأراء وتمحيصها ونقدهاء وبيان لمذهب أهل السنة من السلف في مسائل
الاعتقاد المطروحة للبحث في الكتاب.
نأل الله أن الدكتور أحمد آل عبداللطيف خير الجزاء على ما بذل
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالين
الأمين العام
د. زيد بن عبدالمحسن آل حسين
المقدمة
فلقد أخبر النبي ك8 أن هذه الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها
في النار إلا واحدة. وهي ماكانت على مثل ماكان عليه فق هو وأصحابه
ولقد وقع ما أخبر به يم فوجدت فرق كثيرة لها آراء متعارضة في مسائل
فيا هي الأسباب التي.أدت إلى هذا الاختلاف والتباين في قضايا لا تقبل
التغير والتبديل مع تغير الزمن وتبدل الأحداث ولا مجال للاجتهاد فيهاء فهي
ريف
(©) سورة الأحزاب
(4) خطبة الحاجة ألني كان رسول الله في يعلمها لأصحابه؛ سنن ابن ماجهج ١ ص 4
(ه) رواه ابن ماجه في سلته ج 7 ص 1771 - 1777؛ وقال المحقق محمد فؤاد عبذاا
إسناده صحيح ورجاله ثقات؛
مسال ثابتة وتوقيفية؟ لا شك أن هذا الاختلاف هو نتيجة حتمية للابتعاد
فكلا ابتعد الإنسان عن هذا الخط المستقيم ازداد ضلالاء
فنسبة ضلاله في الأفكار والمعتقدات إنما تكون بمقدار انحرافه عن الخط
المستقيم؛ الذي رسمه في والمتمثل في الكتاب والسنة وفهمهما في ضوء ما
وبهذا يتبين لنا أن دراسة الآراء الاعتقادية لفرقة من الفرق أو عالم من
العلماء لمعرفة مدى صحتها وصوابها يتوقف أساسا على دراسة المنهج الذي
وغاية القول إن أخطاء المدارس الكلامية في بعض ما تقرره من العقائد
بينها وبين العقيدة السلفية. وإنما يرجع إلى اختلاف مناههجها عن المنبج
السلفي في إثبات العقائد الدينية. كما يرجع الخلاف بين تلك المذاهب
ويتمثل هذا الخلاف المنبجي بين المذاهب الكلامية بعضها مع بعض
وبينها وبين المدرسة السلفية في اختلاف موقف كل منها من العقل والنقل
في إثبات العقائد. فهل هما طريقان متساويان في قيمة الاستدلال. أم أن
العقل هو المقدم» أم أن النقل هو القدم.
وهل تثبيت جيع العقائد بكل منماء أم يثبت بعضها بالعقل ويثبت
البعض الآخر بالنقل؟
وهل يمكن أن يتعارض العقل والنقل فيها يثبت بها من العقائد أم لا؟.
وما هو الموقف الصحيح إذا وقع هذا التعارض المفروض» هل نتوقف
في قبول دلالة العقل» أم نلجأً إلى تأويل النقل للتوفيق بينها؟ .
وهل يتساوى الموقف من النصوص النقلية في القرآن مع النصوص النقولة
من الحديث النبوي؟.
واذا لم يكن فهل نستطيع أن نرد الأحاديث باعتبارها أخبار أحاد- عن
الدلالة في باب العقائد؟ أم لا؟.
هذه أسئلة كثيرة تختلف إجابة المذاهب الكلامية فيا بينها عنها.
كما تختلف إجابة المدرسة السلفية عما تقرره المذاهب الكلامية في شأنها
مذهب ومذهب؛ فموقف كل مذهب من هذه الأسئلة وغيرها يجدد منهجها
في تقرير العقائد الدينية والاستدلال عليها والدفاع عنها.
ومن هنا تبدو أهمية دراسة المناهج المختلفة في إثبات العقائد. ولا سيا
الدراسة المقارنة التي يتناول فيها الباحثون بالدراسة المناهج الكلامية عرضا
ونقدا في ضوء المنبج السلفي؛ فبهذه الدراسة نستطيع أن نحدد أسباب
الأخطاء العقدية التي يقع فيها مذهب من المذاهب؛ وطريقة تصحيح
مقررات المذاهب بتصحيح مناهجها طبقا للمنبج السلفي الصحيح.
وقد اخترت لدراستي هذه علما من أعلام المتكلمين» وهو إمام الحرمين
من علائها ولا سيا فيا يتعلق بتأصيله لقاعدة التأويل في ثلك المدرسة -
للظواهر النقلية المخالفة للمقررات العقلية في نظرهم.
كما كانت له اتجاهاته الخاصة في الاستدلال العقلي. عارض فيها أدلة
لقد تناول بعض الباحثين قبلي إمام الحرمين بالدراسة؛ إما بدراسة
مستقلة؛ أو ضمن دراسات أخرى
مستفيضة.؛ لتوضيح ملامحه وبيان منبج إمام الحرمين في دراسة العقائد
درس الدكتور علي جبر في رسالته (إمام الحرمين وأثره في بناء المدرسة
الأشعرية)؛ درس آراءه الكلامية وخصص أحد فصول هذه الرسالة لدراسة
منهجه؛ ولكنه اقتصر في هذا الفصل على تسجيل رجوع إمام الحربين في
الغائب على الشاهد؛ وبناء النتائج على المقدمات؛ والاستدلال بالمتفق عليه
على المختلف فيه.
هذا إلى جانب ماحكم به من استعيال إمام الحرمين للمنطق الأرسطي
في إثبات العقائد. الأمر الذي سيظهر لنا خلافه فيه فيا بعد.
ول يتناول بالدراسة طرقه العقلية الأخرى في إثبات العقائد؛ ولا منبجه
في الاستدلال السمعي عليها بالقرآن والحديث والإجماع. ولا استدلاله
الجويني والمعرفة على بيان مصادر المعرفة ودرجاتها عنده.
ثم قَرّرتْ أنه لا يقبل من الأدلة إلا النفي والإثبات؛ ول تبين في أي
المراحل كان ذلك هل كان في مرحلته الأولى أم الأخيرة؛ وما دليلها على
ثم بينتٌ مدركات العقول عنده؛ فبينت أنها أضرب: ما يدرك بالعقل
ظاهر لا يخفى على اللبيب.
ومن ثم لم تتعرض في كتابها لبج إمام الحرمين في دراسة العقائد.
أما الدكتور عبدالعظيم الديب فقد عني في كتابه عن إمام الحرمين
بدراسته كفقيه واقتصر في الحديث عن منهجه على تقرير ما رآه من التزام
ومن ذلك: تحديد الهدف والمطلوب من كل مؤلف. وتحديد معاني الألفاظ
والمصطلحات. وعرض آراء المخالفين وأدلتهم ومناقشتها والتحرر من كل
فكرة سابقة قبل البحث. وعدم التعصب والتنبه واليقظة لأسباب الزلل في
الأبحاث وإعطاء القرائن كل اعتبار» ومع الأهمية الخاصة ة التي
لحياته ومع قيمة ما قدمه في تلك الدراسة عن منهج إمام الحرمين في التأليف
وظاهر من هذا أنه لم يتعرض لبيان منهج إمام الحرمين في الاستدلال
العقلي على العقائد ولا منهجه في الاستدلال السمعي عليها وهو ما عنيت
التأريخ لحياته وعصره والتعريف بمؤلفاته دون أن يتناول منهجه بالعرض
والتحليل .
بالدراسة من جوانبه المختلفة؛ مع تقديرنا لهاء لا تغني عن دراسة الجانب
المتهجي عنده دراسة مستفيضة عرضا ونقدا في ضوء ماستقوم به في هذه
وقد التزمت في دراستي المنبج العلمي الدقيق وذلك بالرجوع إلى المصادر
ال هذا الموضوع؛ وتحرير المذاهب المختلفة من مراجعها تحريرا
دقيقاء وتوثيق النصوصس والتجرد في البحث؛ وبناء النتائج على مقدمات
قسمت الرسالة إلى مقدمة وباب تمهيدي وستة أبواب.
أما الباب التمهيدي فهو عن إمام الحرمين وقد اشتمل على سبعة فصول:
الفصل الأول عن عصره سياسيا واجتاعيا وعلميا وتأثير هذا العصر في
والفصل الثاني عن نشأة إمام الحرمين وأطوار حياته.
والفصل الثالث عن شيوخه وتلاميذه.
والفصل الرابع عن ثقافته ومؤلفاته.
والفصل السادس عن مذهبه الكلامي .
أما الفصل السابع والأخير من هذا الباب فهو عن طرق دراسة إمام الحرمين
وقد كان الباب الأول عن منهج إمام الحرمين في تحديد المصطلحات العقدية
وفيه فصلان. تناولت في الفصل الأول دراسة الحد وبيان منيج إمام الحرمين
وني الفصل الثاني تناولت بالنقد متبج إمام الحرمين في تحديد المفاهيم
العقدية في ضوء المنبج السلفي.
أما الباب الثاني فموضوعه منهجه في الاستدلال العقلي على العقائد وفيه
ثمانية فصول. وقد تناولت في هذه الفصول الثانية: موقفه من الطرق العقلية
المختلفة في إثبات العقائد وهي الاستدلال بقياس الغائب على الشاهد»
والاستدلال بإنتاج المقدمات التتائج والاستدلال بالسبر والتقسيم والاستدلال
بالمتفق عليه على المختلف فيه والاستدلال بقاعدة: (ما لا دليل عليه يجب
نفيه). والاستدلال بصحة الشيء على صحة مثله وباسئحالته على استحالة
مثله والاستدلال بقياس الأول والاستدلال بالقياس المنطقي.
وقد عقبت على كل فصل من الفصول الثانية بهذا الباب ببيان الموقف
السلفي من الاستدلال بكل طريق من هذه الطرق العقلية اي مدو
هذا الموقف مدى صحة استدلال إمام الحرمين على العقائد بيا يرتضيه منهاء
أما موضوع الباب الثالث فهو منهجه في الاستدلال السمعي بالقرآن.
وقد تناولت بالدراسة في فصول ثلاثة منه منهجه في الاستدلال على ذلك
بالنص والظاهر والمفهوم ؛ أما الفصل الرابع من هذا الباب فكان عن متهجه
في تأويل الظواهر القرانية
وختمت هذا الباب بفصل خامس فيه نقد لمنهج إمام الحرمين في التأويل
وبيان موقف السلف منه ومن التفويض.
وفي الباب الرابع تناولت بالدراسسة منهجه في الاستدلال السمعي بالسنة
على العقائد
فكان موضرع الفصل الأول والثاني منه منهجه في الاستدلال بالحديث
المتواتر وحديث الآحاد. أما الفصل الثالث فكان نقدا لموقف إمام الحرمين
من الاستدلال بالسنة في إثبات العقائد في ضوء المنبج السلفي..
وقد تناولت في الباب الخامس منهج إمام الحرمين في الاستدلال لني
بالإجاع على العقائد فبينت في الفصل الأول منه رأيه في الإجماع وحجيته
في إلبات العقائد
أما في الفصل الثاني فبينت استدلال علماء السلف بالإجاع على العقائد
أما الباب السادس والأخير فموضوعه منهجه في الاستدلال بالمعجزة على
العقائد وفيه فصلان: أوفما: عن استدلال إمام الحرمين بالمعجزة وحدها على
صدق النبي دون غيره من العقائد. وثانيهما: نقد مايذهب اليه إمام الحرمين
في الفصل السابق من الاقتصار في الاستدلال على صدق النبي على المعجزة
وحدها ثم في الاقتصار في دلالة المعجزة على صدق النبي فقط دون غيره
من العقائد الأخرى.
وغني عن البيان أن كل فصل من فصول هذه الرسالة يتضمن فقرات
عدة تناولت فيها بالدراسة رأي إمام الحرمين في جميع جوانب الدليل الذي
أدرسه فيه ومنهجه في الاستدلال به مسبوقا ببيان موقف المتكلمين قبل إمام
الحرمين من الاستدلال به ومختوما بذكر نياذج كثيرة من مذهب إمام
الفقرات التفصيلية خلال عرضنا لخطة الرسالة حتى لا تتحول إلى فهرس