ليكون ذلك باعثا لأولي الهمم العلية ؛ على نيل تلك الرتب السنية
وسائقاً للمتقين ؛ إلى جوار رب العالمين -
وإنما حدا بي على ذلك الانتظام في سلك الأدلاء على الخيرات +
والمعونة لأخ مسلم شمر لرقي تلك الدرجات ؛ عسى الله أن يلحقني به في
أعلى الغرفات ؛ فيما قصرت عنه همتي الدنية من القربات ؛ فالفضل
لديه لا يضاهى ؛ والخير بيديه لا يتناهى . (مقتبس من مقدمة كتاب
قال رب العزة والجلال : ( والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت
موازينه فأولئك هم المقلحون» (الأعراف : 4) ؛ أوالوزن؟» أي للأعمال
يوم القيامة (الحق» أي لا يظلم تعالى أحدا ؛ كقوله تعالى : #ونضع
الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال
وقال تعالى : إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت
من لدنه أجرا عظيما 6 (النساء : 40) ؛ وقال تعالى : «( فأما من ثقلت
أدراك ما هيه نارحامية (القارعة :4-3) -
وقال تعالى ؛ ف فإذا نفخ في الصور فلا أنساب يومئذ ولا
فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون4 (المؤمنون )1١7-1١٠:
(ذكره ابن كثير رحمه الله في تفسيرة )1١7/1 +
0 عن عباددانه يعدو عن عبد كتما
«(ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير (الشورى: :»).
قال ابن كثير رحمه الله 117/4 : رأي مهما أصابكم أيها الناس من
كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة 6 (الفاطر : 40).
على عباده أن جعل الحسنة بعشر أمثالها
والسيئة بمثلها ؛ قال تعالى : (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن
جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون6(الأنعام : )11٠ +
عز وجل رحيم : من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ؛ فإن
فلم يعملها كتبت له حسنة ؛ فإن عملها كتبت له واحدة أو يمحوها الله
عز وجل ولا يهلك على الله إلا هالك» ( رواه البخاري ومسلم واحمد والنسائي
كما في التفسير لابن كثير 7/9ا14) -
فإنه يقول : #فأولئك يبدل الله
سيئاتهم حسنات6 (الفرقان : )7٠ وذلك بأن يثبت له بدل كل سيئة
حسنة ؛ وبدل كل عقاب ثوابا .
فعن أبي ذر تكن قال هال رسول الله لع : «يؤتى بالرجل
يوم القيامة فيقال : اعرضوا عليه صغار ذنوبه ؛ ويخباً عنه كبارها +
فيقال : عملت يوم كذا وكذا ؛ وهو مقر لا ينكر ؛ وهو مشفق من
الكبائر ؛ فيقال : اعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة ؛ فيقول : إن لي
إن شاء الله .
# ولكن مع كل ذلك يدخل كثير من الناس النارء وتمتلئ النار
وتشتعل بهم يوم القيامة قال تعالى : أوتمت كلمة ربك لأملان جهنم
من الجنة والناس أجمعين» (هود : 114). (نعوذ بالله من عذاب النار) +
قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون
يعني ليس ينتفهون بشيء من هذه الجوارح التي جعلها الله سببا
للهداية كما قال تعالى وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى
© قوله تعالى : (أولئك كالأنعام» أي هؤلاء الذين لا يسمعون الحق
الحواس منها إلا في الذي يقيتها في ظاهر الحياة الدنيا كقوله تعال
ونداء# (البقرة :191) ؛ أي ومثلهم في حال دعائهم إلى الإيمان كمثل
الأنعام إذا دعاها راعيها لا تسمع إلا صوته ؛ ولا تفقه ما يقول (وهذا
هو حال أكثر المسلمين اليوم ونعوذ بالله من ذلك) ولهذا قال في هؤلاء :
بل هم أضل . (ذكره ابن كثير رحمه الله)
© واعلم يا أخي ! أن لدخول الجنة أسباب كثيرة ؛ ولا نستطيع
التحدث عنها جميعا في هذه العجالة ؛ ولكن سنتحدث عن سبب واحد
فقط وهو كسب الحسنات وجمعها وثقلها في الميزان قال تعالى ؛ «( فأما
وسوف أقوم بضرب بعض الأمثلة على طرق كسب الحسنات
الناتجة عن أعمال يسيرة ؛ لا تحتاج إلى أي جهد ولا وقت يذكرء وسوف
اعتبر مضاعفة الحسنات عشر مرات ؛ وذلك اتباعا للآية الكريمة
أعلاه؛ وسوف أقوم أيضا بأخذ معدل لعمر الإنسان (70) سنة ؛ وذلك
ستين سنة» . (رواه البخاري كما في المشكاة رقم الحديث : 0177) -
وقال رسول الله (ع) : «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين +
وأقلهم من يجوز ذلك» . (رواه الترمذي وابن ماجه وإسناده حسن كما في المشكاة
رقم الحديث 5 +098) .
© و/ عأ أن الكتاب مشتمل على بابين رئيسين ؛ فالباب الأول
مشتمل على أهمية الوقت وحياة الإنسان ؛ وتحليل عمر الإنسان ؛ وفي
التشجيع والترغيب في الأعمال الصالحة والاستعداد للآخرة .
والباب الثاني مشتمل على بعض الأعمال الصالحة التي
لا تأخذ منك إلا الثواني والدقائق ؛ وتجعل لك جبال الحسنات بدقائق
معدودات وما ذلك على الله بعزيز يا عبد العزيز .
© وجمعت هذه الرسالة خاصة للذين لا يجدون الوقت الكاقي
التي يستطيع المرء أدائها في وقت بسيط للغاية مع عظم الأجر الجزيل
والثواب الكثير لقائلها . قال تعالى : أوإن تك حسنة يضاعفها ويؤت
من لدنه أجرا عظيما © النساء : 56
الإنسان واستغرا هه في الغفلة جعل الله له سبلا عديدة وبسيطة +
يستطيع من خلالها الحصول على أكبر قدر ممكن من الأجر والثواب
لا يستطيع الإنسان حتى تصوره كما ستراه إن شاء الله +
والأحاديث التي نقلتها في الباب الثاني استدلالا على الأعمال
والأذكار فهي كلها إما صحيحة أو حسنة ؛ وتجنبت كل الإجتناب عن
الأحاديث الضعيفة ؛ راجيا من الله الجزاء الأوفى ؛ والحمد لله على ذلك
وسلام على المرسلين
أبو طلحة
الفصل الأول : أهمية الوقت في حياة الإنسان
الفصل الثاني : تحليل عمرالإنسان
الفصل الثالث : الترغيب في الأعمال الصالحة
الفصل الرابع : بعض الجواهر والنصائح الفريدة
في الاستعادد للآخرة
قيل : إن إضاعة الوقت أشد من الموت ؛ لأن إضاعة الوقت تقطع عن الله
والدار الآخرة (أي جنات عدن ونعيمها الأبدية) ؛ والموت يقطع عن
الدنيا وأهلها . وقيل : من علامة المقت إضاعة الوقت .
وقال العلماء : إن الوقت هو الحياة ؛ وهو اللحور الذي يتحكم في
مسار حياة الإنسان ؛ فمن اغتنم وقته في الصالحات : أفلح وسعد ؛ ومن
أضاع وقته وعمره خاب وخسر .
ومن تأمل واقع الناس عرف أنهم ينقسمون في مواقفهم تجاه
(اغتنام الوقت) إلى أقسام متعددة :
'# فقسم كبير من الناس لا يشعر بأهمية الوقت ؛ ولا يدرك
خطورة إضاعته والتفريط فيه .
© وقسم ثان : يعرف أهمية الوقت وقيمة الزمن لكنه مصاب
بالفتور والكسل عن اغتنام وقته ؛ فهمته لحفظ أنفاسه في الطاعات
'# وقسم ثالث : يعرف أهمية الوقت وقيمة العمر ؛ ولديه همة
ورغبة في استغلاله ؛ ولكنه لا يعرف كيف يحول هذه الهمة والحماسة
إلى واقع عملي مؤشر ؟!! لا يدري أين يصرف وقته !! وكيف يقضيه ؟!
ليكون من أصحاب اليمين بجوار رب العالمين ٠
© وقسم رابع : يعرف أهمية الوقت والقصد من الحياة وقيمتها
مادام في قيد الحياة ؛ فيصرف نفسه وأنفاسه في أنفس الأعمال
الفوز الكبير والفضل العظيم عند رب العرش العظيم . قال رب العزة
والجلال : لأثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم
لنفسه ؛ ومنهم مقتصد ؛ ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو
الفضل الكبير» [القاطر )0
في (مدارج السالكين) الجزء
الثالث صفحة (174) وقال :
قال أبو علي الدقاق : الوقت ما أنت فيه ؛ فإن كنت في الدنيا
كان الغالب على الإنسان من حاله .
وقد يريد : أن الوقت ما بين الزمانين الماضي والمستقبل ؛ وهو
اصطلاح أكثر الطائفة . ولهذا يقولون : الصوفيٍ والفقير ابن وقته ٠
يريدون أن همته لا تتعدى وظيفة عمارته بما هو أولى الأشياء به +
وأنفعها له ؛ فهو قائم بما هو مطالب به في الحين والساعة الراهنة :
الاشتفال بالوقت الماضي والمستقبل يضيع الوقت الحاضر ؛ وكلما
حضر وقت ؛ اشتغل عنه بالطرفين ؛ فتصير أوقاته كلها وات ٠
بكلمتين ؛ سمعتهم يقولون : الوقت سيف فإن قطعته وإلا قطعك ؛
'# قال ابن القيم رحمه الله : قلت : يالهما من كلمتين ؛ ما أتقفعهما
الشافعي على طائفة هذا قدر كلماتهم +
وقد قسم بعضهم الصوفية أربعة أقسام : أصحاب السوابق +
وأصحاب العواقب ؛ وأصحاب الوقت ؛ وأصحاب الحق ٠
© قال : فأما أصحاب السوابق : فقلوبهم أابدا فيما سبق لهم
من الله لعلمهم ؛ أن الحكم الأزلي لا يتغير باكتساب العبد ٠
ويقولون : من أقصته السوابق لم تدنه الوسائل ؛ ففكرهم فيْ هذا
أبدا . ومع ذلك فهم يجدون في القيام بالأوامر واجتتاب التواهي
والتقرب إلى الله بأنواع القرب غير واثقين بها ؛ ولا ن إليها
ويقول قائلهم :
من أين أرضيك إلا أن توفي
هيهات هيهات ما التوفيق من قبلي
إن لم يكن لي في القدور سابقة
فليس ينفع ما قدمت من عملي
© وأما أصحاب العواهب : فهم متفكرون فيما يختم به أمرهم ؛ فإن
الأمور بأواخرها ؛ والأعمال بخواتيمها ؛ والعاقبة مستورة كما قيل :
لاا يقفرزنك صفا الأوقات
شان تحتها غوامض الآفات
أن أصابته جائحة سماوية قصار كما قال الله عز وجل : لأحتى إذا
فخر صريعا لليدين وللقم
وقيل لبعضهم : وقد شوهد منه خلاف ما كان يعهد عليه : ما الذي
أصابك ؟ فقال : حجاب وقع ؛ وانشد :
ولم تخف سوء ما يأتي به القدر
وعند صفو الليالي يحدث الكدر
ليس العجب ممن هلك كيف هلك ؟ إنما العجب ممن نجا كيف نجا ؟
الناكصون على أعقابهم أضعاف أضعاف من اقتحم العقبة د
خحذ من الألف واحدا
© وأما أصحاب الوقت : فلم يشتغلوا بالسوابق ولا بالعواهب ؛ بل
اشتغلوا بمراعاة الوقت ؛ وما يلزمهم من أحكامه ؛ وقالوا : العارف ابن
وقته ؛ لا ماضي له ولا مستقبل .
له : كن ابن وقتك +
© وأما أصحاب الحق : فهم مع صاحب الوقت والزمان ومالكهما
ومدبرهما مأخوذون بشهوده عن مشاهدة الأوقات ؛ لا يتفرغون
لمراعاة وقت ولا زمان ؛ كما قيل :
لسث أدري أطال ليلي أم لا
كيف يدري بذاك من يتقلى
لو تفرغت لاستطالة ليلي
ولرعي النجوم كنت مخلى
إن للعاشقين عن قصر الليل وعن طوله من العشق شغلا ٠
فأنشاً يقول :-
ماقي النهار ولا في الليل فرج
فلا أبالي أطال الليل أم قصرا
ثم قال : ليس عند ربكم ليل ولا نهار . يشير إلى أنه غير متطلع إلى
الأوقات ؛ بل هو مع الذي يقدر الليل والنهار ٠
(انتهى ما ذكره ابن القيم رحمه الله)