تسعى الامة لتحقيقها فى هذه الحياة فقد قال فَهُ : عليكم بسنتى وسنة الخلفاء
إن تاريخ عصر الخلفاء الراشدين ملىء بالدروس والعبر وهى متناثرة فى بطون الكتب
والمصادر والمراجع سواء كانت تاريخية أو حديثية أو فقهية أو أدبية أو تفسيرية؛ فتحن
فى أشد الحاجة لجمعها وترتيبها وتوثيقها وتحليلهاء فتاريخ الخلافة الراشدة إذا احسن
عرضه يغذى الأرواح ويهذب النفوس وينور القلوب ويبنى العقول» ويشحذ الهمم»
ويقدم الدروس»؛ ويسهل العبر؛ وينضج الافكار ويوضح معالمهاء وصفات قادتهاء ونظام
حكمهاء وأخلاق جيلها؛ وعوامل ازدهارهاء وأسباب زوالها فنستفيد من ذلك فى إعداد
لحيل السلم اذى يشيى على منهاج النيرة
وفقه الخلافة الراشدة» ونتعرف على حياة
وقال فيهم رسول الله َه : «خير أمتى القرن الذى بعشت فيهم ...6(
عليه الفتنة أولفك أصحاب محمد قَن؛ كانوا والله أفضل هذه الامة» وأيرها قلوبَاء
وأعمقها علمًاء وأقلها تكلفًاء قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه؛ فاعرفوا لهم
على الهدى المستقيم( ). فالصحابة قاموا بتطبيق أحكام الإسلام ونشروه فى مشارق
والآثار عن رسول الله تله ؛ فتاريخهم هو الكنز الذى حفظ مدخرات الامة فى : الفكر
والثقافة والعلم والجهاد: وحركة الفتوحات والتعامل مع الشعوب والانم؛ فتجد الاجيال
(؟) شرح السنة لليقوى ( 4314/1 118
فى هذا التاريخ ا مجيد ما يعينها على مواصلة رحلتها فى الحياة على منهج صحيح»
وهدى رشيد وتعرف من خلاله حقيقة رسالتها ودورها فى دنيا الناس.
التاريخ الإسلامى أصبح غرضًا ومرمى لسهام أعداء الإسلام على مختلف مذاهبهم
وعفائدهم؛ ويحاولون أن يوجدوا فجوة فى الإسلام وتاريخه الزاهر» حتى يتسنى لهم
عزل الأجيال عن الإسلام وعقيدته وشريعته وقيمه وتراثه العلمى» ولذلك يبذلون
قصارى جهدهم لنفث السموم فى المجتمع الإسلامى .
لقد حاول المسعشرقون ومن قبلهم الروافض أن ينشروا كل رواية باطلة تنقص من
شان الصحابة الكرام؛ وتطعن فى تاريخ الأمة المجيد؛ وتصور تاريخهم بانه صراع على
السلطة والسيادة والتفوذ» ولذلك يجب الحذر من كل رافضى كاذب» ومستشرق
حاقد؛ وعلمانى جاهل وكل من سار على نهجهمء ولابد من الدفاع المستميت عن
تاريخنا الخالد والهجوم الشجاع على مناهج الكذابين والمتحرفين. ويكون هذا الهجوم
المبارك بقذائف الحق العلمية المملوءة بالحقائق الساطعة والأدلة القاطعة والبراهين الدامغة.
إن صياغة التاريخ الإسلامى بمنهج أهل السنة والجماعة ضرورة ملحة لابناء الآمة؛ وقد
بدات أقلام الباحثين والكتاب تصوغ التاريخ من هذا المنظور وهم لم يبدأوا من فراغ» لأن
الله حمى دينه وحمى أمة الإسلام فقيض لتاريخ الصحابة من يحقق وقائعه ويصحح
أخباره؛ ويكشف الستر عن الوضاعين والكذابين من ملفقى الأخبار ويرجع الفضل فى
ذلك التصحيح إلى الله ثم أهل السنة والجماعة من أئمة الفقهاء والمحدثين الذين حفلت
مصادرهم بالكثير من الإشارات والروايات الصحيحة التى تنقض وترد كل ما وضعه
هذا وقد سرت على أصول منهج أهل السنة؛ فعكفت على المصادر والمراجع القديمة
والحديثة ولم أعتمد فى دراسة عصر الخلفاء الراشدين على الطبرئ وابن الأثير والذهبى
وكتب العقائد والفرق» وكتب التراجم والجرح والتعديل» وكتب الفقه؛ فوجدت فيها
مادة تاريخة غزيرة يصعب الوقوف على حقيقتها فى الكتب التاريخية المعروفة
والمتداولة؛ وقد شرعت فى هذا الكتاب بالحديث عن الخليفة الراشد عثمان بن عفان
)١( المنهج الإسلامى
ب التاريخ» د. محمد محزونت» ص( )+
رسول الله َل فى غزوة تبوك بعد تقديمه النفقة العظيمة: ما ضر عثمان بعد اليوم؛ ما
ضر عثمان بعد اليوم! ")؛ وقد بشره رسول الله َه بالجنة على بلوى تصيبه! ")؛ وحث
الناس عند وقوع الفتنة أن يكونوا مع عشمان وأصحابه؛ فعن أبى هريرة رضى الله عنه
وقد كان الصحابة رضى الله عنهم فى زمن النبى غَنهُ لا يعدلون بأبى بكر أحداء ثم
بابى بكر احداء ثم عمر؛» ثم عثمان» ثم نترك أصحاب النبى غَن لا نفاضل بينهمل*).
وقد قال فيه الشاعر النميرىئ:
عشية يدخلون بغي إذن
على متوكل أوفى وطابا
خليل محمد ووزيرصدق
وقال فيه أبو محمد القحطانى:
الى دوق الحسد تيه
دفع الخلافة للإمام العانى
أعتى به الفاروق عنوة
بالسيف بين الكفر الإمان
)١( فضائل الصحابة لابى عبد الله احمد بن حتبل 104/11 ) إسناده صحيح ء
(1) سنن الترمذى رقم ( 71086
(©) البخارى رقم (3748).
() فضائل الصحاية (1/+88 ) إسناده صحيح .
(ه ) البخارى؛ كتاب فضائل أصحاب النبى رقم (3+44)
(6 ) البداية والنهاية (305/17)
هواظهرالإسلام بعد خفائه
وبحالظلام وباح بالكتكمان
ومضى وخلى الأمر شورى بينهم
وترأفيكمل ختسة لقرآن
إن حياة ذى النورين عثمان بن عفان رضى الله عنه صفحة مشرقة فى تاريخ
لكى تصبح فى متناول أبناء أمتى على مختلف طبفاتهم من علماء ودعاة وخطباء؛
ومكانته فى الجاهلية وإسلامه وزواجه من رقية بنت رسول الله ف ؛ وابتلاءه وهجرته
للحبشة وعن حياته مع القرآن الكريم وملازمته للنبى ف وعن مواقفه فى غزوات
عهد الصديق والفاروق وبينت قصة استخلافه؛ وما قام به عبد الرحمن بن عوف من
عمل عظيم فى إشرافه على إدارة الشورى» ورددت على الأباطيل الرافضية التى دست فى
وذكرت أقوال أهل العلم فى أحقية عشمان بالخلافة وانعقاد الإجماع على خلافته؛
.) 76-7١ نونية القحطانى» ص( )١(
وشرحت منهج عثمان رضى الله عنه فى نظام الحكم من خلال رسائله للولاة وأمراء الجند
وعامة الناس ومواقفه فى الحياة» فقد وضح رضى الله عنه المرجعية العليا للدولة» وحق
الامة فى محاكمة الخليفة؛ وقواعد الشورى والعدل والمساواة والحريات واهمية الامو
بالمعروف والنهى عن المنكر فى حياة المجتمعات» وقد أشرت إلى أهم صفات عثمان رضى
وذكرت تسع عشرة صفة من صفاته مع المواقف الدالة على تلك الصفات
الرفيعة؛ والاخلاق الحميدة. وتحدثت عن المؤسسة المالية فبينت معالم السياسة المالية
مرتبات الولاة والجنود» والإنفاق على الحج؛ وتمويل إعادة السجد النبوى؛ وتوسعة
السجد الحرام» واتشاء أول اسطول بحرى؛ وتحويل الساحل من الشعيبة إلى جدة؛
وتمويل حفر الآبار؛ ورواتب المؤذنين؛ وأشرت إلى أثر تدفق الأموال على الحياة
الاجتماعية» والاقتصادية؛ وإلى حقيقة العلاقة بين عثمان وأقاربه والعطاء من بيت المال+
المدارس ١! فيما بعد؛ وجمعت فتوحات عثمان المتناثرة فى كتب التاريخ» وقمت
بترتيبها وتنظيمها وفق حركة الجيوش فى المشرق» وبلاد الشام» وفى الجبهة المصرية»
والشمال الأفريقى» واستخرجت من حركة الفتوح دروا وعبرا وفوائد؛ كتحقق وعد الله
للمؤمنين؛ وتطور فنون الحرب والسياسة؛ والاهتمام بحدود الدولة والحرص على وحدة
الكلمة فى مواجهة العدو» وجمع المعلومات على الاعداء؛ وترجمت لبعض قادة الفتوح»
كالاحنف بن قيس؛ وعبد الرحمن بن ربيعة الباغلى» وسلمان بن ربيعة؛ وحبيب بن
مسلمة الفهرى رضى الله عنهم .
وأشدت باعظم مفاخر عشمان فى توحيده للأامة على قراءة لصحف العشمانى»
ووضحت المراحل التى مرت بها كتابة القرآن الكريم» وتحدثت عن الباعث على جمع
الأمصار؛ وفهم الصحابة لآيات النهى عن الاختلاف؛ وعن مؤسسة الولاة؛ وأقاليم الدولة
والاطلاع على أخبارهم وبينت حقيقة ولاة عشمان رضى الله عنهم وماذا لهم وماذا
عليهم؛ وحقيقة علاقة عشمان بأبى ذر» وابن مسعود وعمار بن ياسر رضى الله عنهم
جميعا؛ وفصلت فى أسباب فتنة مقتل عثمان وأهمية
عن كل سبب من الأسباب فى فقرة مستقلة؛ كالرخاء وأثره فى المجتمع؛ وطبيعة التحول
الاجتماعى؛ ومجىء عثمان بعد عمر رضى الله عنهماء وخروج كبار الصحابة من
المدينة؛ والعصبية الجاهلية؛ وتوقف الفتوحات؛ والورع الجاهل؛ وطموح الطامحين»
وتآمر الحاقدين» والتدبير المحكم لإثارة اللآخذ ضد الخليفة الراشد المظلوم» واستخدام
الاساليب والوسائل المهيجة للناس» وعن أثر السبية فى إحداث الفتنة والخطوات التى
اتخذها عثمان رضى الله عنه لمعالجتهاء كإرسال لجان تحقيق وتفتيش؛ وإرساله لكل
الأمصار كتابًا شاملاً بمشابة إعلان عام لكل المسلمين؛ ومشورته لولاة الأمصار وإقامة
الحجة على المتمردين» والاستجابة لبعض مطالبهم؛ وبينت ضوابط التعامل مع الفن من
خلال فقه عشمان رضى الله عنه؛ كالعشبت» ولزوم العدل الإنصاف» والحلم والأناة»
والحرص على ما يجمع؛ ونبذ ما يفرق» ولزوم الصمت والحذر من كشرة الكلام؛
واستشارة العلماء الربانيين؛ والاسترشاد باحاديث رسول الله َه فى الفتن؛ ووصفت
احتلال أهل الفتنة للمديتة؛ وحصارهم لعشمان ودفاع الصحابة عنه ورفضه لذلك»
وذكرت مواقف الصحابة من مقتل عثمان رضى الله عنه وما ورد من أقوالهم فى الفتنة .
وبالجملة إن هذا الكتاب يبرهن على عظمة ذى التورين ويثبت للقارئ الكريم بأنه
للإسلام وصلته العظيمة بالله واتباعه لهدى الرسول الكريم تن
إن عشمان رضى الله عنه من الأثمة الذين يتأسى الناس بهديهم وباقوالهم وأفعالهم فى
هذه الحياة؛ فسيرته من أقوى مصادر الإيمان» والعاطفة الإسلامية الصحيحة والقهم
هذا وقد انتهيت من هذا الكتاب الساعة الثانية من فجر يوم الأربعاء بتاريخ 8 من
شهرربيع الشانى لعام ١477 ه الموافق ٠07/59/18 1م والفضل لله من قبل ومن بعد
إخوانى الذين أعانونى بكل ما يملكون من أجل إتمام هذا الجهد المتواضع» ليسول
مسلم يطلع على هذا الكتاب أن لا
أشهد أن لا إله إلا أنت
أستغفرك وأتوب إليك
على محمد محمد الصلابى
الأخوة القراء الكرام يس المؤلف أن تصله
خلال دار التوزيع والدشر الإسلامية؛ ويطلب من
إخوانه الدعاء فى ظهر الغيب بالإخلاص والصواب
إٍ ومواصلة المسيرة فى خدمة تاريخ أمتنا امجيدة.
الفصل الأول
ذو النورين عثمان بن عفان رضى الله عنه بين مكة والمديدة
المبحث الأول
-١ هو عثمان بن غفان بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى
ابن كلاب(" )؛ ويلتقى نسبه بنسب رسول الله ل فى عبد مناف . وأمه أروى بنت
كُرَير بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى” "), وأمها أم حكيم
غلام سماه عبد الله واكتنى به؛ فكنّاه المسلمون أبا عبد الله( ).
*- لقبه: كان عشمان رضى الله عنه يلقّب بذى النورين وقد ذكر بدر الدين
١ ) الطبقات لابن سعد ( © / 7ه )1 الإصابة ( 1017/4 ) رقم ( 8477 )
(؟) التمهيد والبيان فى مقتل الشهيد عثمان» محمد يحيى الاندلسى» ص( 614+
(©) الخلافة الراشدة والدولة الأمرية؛ د. يحيى اليحيى» ص( 384 )
(4 ) التمهيد والبيان فى مقتل الشهيد عثمان؛ ص( ١4 )
(ه ) هو محمود بن احمد بن موسى العيتى؛ أبو محمد : من علماء التاريخ والحديث والفقه» له تآليف كثيرة
توفى 855ه. انظر: شذرات الذهب (4)183/17 الضوء اللامع .)171/1٠(
( ) هو اللهلب بن امى صفرة الأزدى العقلى : من الامراء الأبطال غزا المهلب الهند -فى خلافة معاوية- وولى
الجزيرة لابن الزبير وحارب الخوارج فى عهد عبد الملك بن مروان؛ ثم ولي خراسان من قبله سنة 4لاه <
لعشمان ذو التورين؟ فقال : لانّا لا نعلم أحدا أرسل سترًا على بنتى نب غيره! )١ + قال
عبد الله بن عمر بن آبان الجعفى : قال لى خالى حسين الجعفى : يا بنى» أتدرى لم سمى
كان يكثر من تلاوة القرآن فى كل ليلة فى صلاته؛ فالقرآن نور وقيام الليل نور( ؟).
فى الطائف؛ فهو أصغر من رسول الله ل بنحو خمس سنين(*).
الرجلين! ")) وأقنى(*)؛ خدل الساقين!" )؛ طويل الذراعين قد كسا ذراعيه؛ جعد
الشعرء أحسن الناس ثغراء ممه( ١ ) أسفل من أذنيه» حسن الوجه والراجح أنه أبيض
اللون» وقد قيل: أسمر اللون! 2٠١ .
تزوج عشمان رضى الله عنه؛ ثمانى زوجات كلهن بعد الإسلام وَهْن: رقي
رسول الله وقد أنجيت له عبد الله بن عشمان ثم تزوج أم كلشوم بنت رسول الله بعد وفاة
* وترجع شهرته إلى حرب الموارج» توفى #فه. وقيات الأعياة (5/+35)) سير اعلام النبلاء
داعي
)101/16( عمدة القارى شرح صحيح اليخارى ) ١(
(1 ) سنن البيهقى (77/17): قال الدكتور عاطف ماضة: خبر حسن.
(7 ) عثمان بن عفان ذو النورين -عباس العقاد ص(4؟ ).
) الإصابة ( /7197) رقم (5474)
(- ) عثمان بن عفان؛ صادق عرجون» ع( 45 )
(3 ) الكراديس: جمع كردوس» وهو كل عظمين التقيا فى مفصل
(1) تاريخ الطبرى ( 440/5 )1 أروح الرجلين: مثفرج ما بينهما.
8 ) أفنى : طويل الأنف مع دقة أرنيته» وحدب فى وسطه.
() خدل الساقين: أى ضخم السافين.
+) ١# صفة الصفوة (1/ 185 )؛ صحيح التوثيق فى سيرة وحياة ذى النورين؛ ص( )١١(