كانت بداية هذا الكتاب فكرة أراد الله لها أن تصبح حقيقة؛ فأخذ الله بيدي
وسهل لي الأمور وذلل الصعاب؛ وأعانني على الوصول للمراجع والمصادر»
إن تاريخ عصر الخلفاء الراشدين مليء بالدروس والعبر» وهي متناثرة في بطون
تفسيرية أو كتب التراجم والجرح والتعديل» فقمت بدراستها حسب وسعي وطاقتي+؛
المعروفة والمتداولة؛ فقمت بجمعها وترتيبها وتوثيقها وتحليلهاء وقد طبع الكتاب
الأول عن الصديق فاه » وقد سميته: (أبو بكر الصديق شخصيته وعصره).
وبفضل الله انتشر هذا الكتاب في المكاتب العربية والمعارض الدولية؛ ووصل
إلى كثير من القراء والدعاة والعلماء وطلاب العلم وعوام المسلمين؛ فشجعوني على
الاستمرار في دراسة عصر الخلفاء الراشدين ومحاولة تبسيطه وتقديمه للأمة في
أسلوب يلاثم العصر .
إن تاريخ عصر الخلفاء الراشدين مليء بالدروس والعبر» فإذا أحسنا عرضه
وابتعدنا عن الروايات الضعيفة والموضوعة وعن كتب المستشرقين وأذنابهم من
العلمانيين والروافض وغيرهم؛ واعتمدنا منهج أهل السنة في الدراسة -نكون قد
الَْظِيمْ انوي وقال تعالى : محمد رَسُولٌ اله ولَذِينَمَمَهُ َمدَءُ على
وقال فيهم رسول الله ْم «٠: خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم)!.
وقال فيهم عبد الله بن مسعود فللكه: من كان فليستن بمن قد مات؛ فإن
الحي لا تؤمن عليه الفتنة؛ أولئك أصحاب محمد لِك كانوا -والله- أفضل هذه
الأمقء وأبرها قلوبًا وأعمقها علمًا وأقلها تكلقًاء قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة
ودينهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم!".
فالصحابة قاموا بتطبيق أحكام الإسلام ونشروه في مشارق الأرض ومغاربها؛
فعصرهم خير العصور؛ فهم الذين علموا الآمة القرآن الكريم ورووا السنن والآثارعن
رسول الله م ؛ فتاريخهم هو الكنز الذي حفظ مدخرات الآمة في الفكر والثقافة
والعلم والجهاد وحركة الفتوحات والتعامل مع الشعوب والأمم » فتجد الأجيال في هذا
التاريخ المجيد ما يعينها على مواصلة رحلتها في الحياة على منهج صحيح وهَدي
رشيدء وتعرف من خلاله حقيقة رسالتها ودورها في دنيا الناس » وتستمد من ذلك
العصر ما يغذي الأروا » ويهذب النفوس»؛ وينور العقول» ويشحذ الهمم؛ ويقدم
الدروس» ويسهل العبرء وينضج الأفكار» ويجد الدعاة والعلماء والشيوخ وأبناء الأمة
ما يعينهم على إعداد الجيل المسلم وتربيته على منهاج النبوة؛ ويتعرفون على معالم
الخلافة الراشدة وصفات قادتها وجيلها وخصائصها وأسباب زوالهاء
فهذا الكتاب الثاني عن عصر الخلفاء الراشدين يتحدث عن الفاروق عمر بن
الخطاب ويتناول شخصيته وعصره + فهو الخليفة الثاني وأفضل الصحابة الكرام بعد
أبي بكر الصديق ع جميمًا وقد حثنا رسول الله لم وأمرنا باتباع سنتهم
والاهتداء بهديهم» قال رسول الله ليم : «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين
المهديين من بعدي»"" فعمر ناه خير الصالحين بعد الأنبياء والمرسلين وأبي بكر
الصديق له وقد قال فيهما رسول الله لم : «اقتدوا باللذين من بعدي» أبي بكر
+ )918-114/1( شرح السنة للبغوي )١(
مصددصدصدصهصههصهدهدهه عمربنالخطاب هه
وقد وردت الأحاديث الكثيرة والأخبار الشهيرة في فضائل الفاروق انه ؛ فقد
قال رسول الله لك : «لقد كان فيمن قبلكم من الآمم مون فإن يك في أمتي
أحد فإنه عمر»لا"» وقال رسول الله بكم : «اريت في المنام أني 2 دلو بكرة
وضربوا بعطن»"*) وقد قال عمرو بن العاص فاه يا رسول الله أي الناس
ثم من؟ قال: عمر بن الخطاب . ثم عد رجالا ©
إن حياة الفاروق عمر بن الخطاب فقت صفحة مشرقة من التاريخ الإسلامي الذي
والمجد والإخلاص والجهاد والدعوة في سبيل الله؛ ولذلك قمت بت أخباره وحياته
وعصره في المصادر والمراجع » واستخرجتها من بطون الكتب ؛ وقمت بترتييها
وتنسيقها وتوثيقها وتحليلها ؛ لكي تصبح في متناول الدعاة والخطباء والعلماء والساسة
ورجال الفكر وقادة الجيوش وحكام الأمة وطلاب العلم وعامة الناس؛ لعلهم يستفيدون
منها في حياتهم ويقتدون بها في أعمالهم؛ فيكرمهم الله بالفوز في الدراين.
الغزوات وفى ي المجتمع المدني في حياة اه الرسول قم والصديق فته وبينت قصة
استخلافه ووضحت قواعد نظام حكمه: كالشورى وإقامة العدل والمساواة بين الناس
3744 البخاري رقم 3744 ؛ مسلم )١(
() والله يغفر له ؛ هذه عبارة ليس فيها تنقيص لابي بكر وإنما هي كلمة كان المسلمون يدعمون بها كلامهم
(8) ملم رقم 1740
(ه) الإحسان في صحيح ابن حيبان (4/18 20
هه عبرين الطاب 05ههه0000ه مهد ( وه
وتربيته لبعض زعماء المجتمع؛ وإنكاره لبعض التصرفات المنحرفة؛ واهتمامه بصحة
الرعية ونظام الحسبة وبالأسواق والتجارة؛ وحرصه على تحقيق مقاصد الشريعة في
المجتمع كحماية جانب التوحيد؛ ومحارية الزيغ والبدع؛ واهتمامه بأمر العبادات+؛
وحماية أعراض المجاهدين -
وتحدثت عن اهتمام الفاروق بالعلم» وعن تتبعه للرعية بالتوجيه والتعليم في
المدينة؛ وجعله المدينةٌ دار للفتوى والفقه ومدرسة تخرج منها العلماء والدعاة والولاة
والقضاة الأثر العمري فى مدارس الأمصار كالمدرسة المكية والمدنية والبصرية
إلى الأمصارء وأرشد القادة والأمراء -مع توسع حركة الفتوحات- إلى إقامة المساجد
في الأقاليم المتوحة؛ لتكون مراكز للدعوة والتعليم والتربية ونشر الحضارة
خلالها تحرك علماء الصحابة لتعليم الشعوب الجديدة التي دخلت في الإسلام طواعية
بدون ضغط أو إكراه». وقد وصلت المساجد التي تقام فيها الجمعة في دولة عمر فاه
قامت بفتح العراق وإيران والشام ومصر وبلاد المغرب» وقد قاد هذه المؤسسات كوادر
استفاد الفاروق من هذه الطاقات فاحسن توجيهها ووضعها في محلهاء فأسست تلك
وتكلمت عن اهتمام الفاروق بالشعر والشعراء؛ فقد كان عمر فاه أكثر الخلفاء
الخطاب لا يكاد يعرض له أمر إلا أنشد فيه بيثًا من الشعر. وقد برع الفاروق في النقد
المعاضلة والتعقيد؛ والوضوح والإبانة؛ وأن تكون الألفاظ بقدر المعاني؛ وجمال
اللفظة في موقعهاء وحسن التقسيم؛ وكان يمنع الشعراء من قول الهجاء أو ما يتعارض
مع مقاصد الشريعة الإسلامية؛ واستخدم أساليب متعددة في تأدييهم» منها: أنه
أشترى أعراض المسلمين من الحطيثة بثلاثة آلاف درهم حتى قال ذلك الشاعر :
وأخذت أطراف الكلام فلم تدع شتمًا يضر ولا مديحً ينفع
ومتعتتي عرض البخيل قلم يَف شتني فاصبع آنا لا يفزع
وتحدثت عن التطور العمراني وإدارة الأزمات في عهد عمر؛ فبينت اهتمام
الفاروق بالطرق ووسائل النقل البري والبحري وإنشاء الثغور والأمصار كقواعد
عسكرية ومراكز إشعاع حضاري؛ وتكلمت عن نشأة المدن الكبرى في عهد عمر
كالبصرة والكوفة والقسطاط وسرت» وعن الاعتبارات العسكرية والاقتصادية التي
وضعها الفاروق عند إنشاء المدن» وعن الأساليب التي اتخذها عمر في مواجهة عام
السنة؛ وعن الاستعانة بأهل الأمصارء والاستعانة بالله وصلاة الاستسقاء؛ وعن
بعض الاجتهادات الفقهية في عام الرمادة: كوقف إقامة حد السرقة؛ وتأخير دفع
وأشرت إلى عام الطاعون وموقف الفاروق من هذا الوباء الذي كان سبًا في
وفاة كبار قادة الجيش الإسلامي بالشام؛ وقد مات أكثر من عشرين ألقا من المسلمين
بسبب الطاعون» واختلت الموازين وضاعت المواريثء فذهب الفاروق إلى الشام
وقسم الأرزاق. وسمى الشواتي والصوائف» وسد ثغور الشام ومسالجهاء وولى
الولاة؛ ورتب أمور الجند والقادة والناس» وورّث الأحياء من الأموات.
ووضحت دور الفاروق في تطوير المؤسسة المالية والقضائية؛ فتحدثت عن
ده عمربنالخطاب دهده ) ١ هه
المؤسسة المالية؛ وعن مصادر دخل الدولة في عهد عمر فاته : كالزكاة» والجزية»
والخراج» والعشور» والفيء والغنائم»؛ وعن بيت مال المسلمين» وتدوين الدواوين+
وعن مصارف الدولة في عهد عمر» وعن اجتهاد الفاروق في مسألة أرض الخراج+؛
وعن إصدار التقود الإسلامية» وبينت دور الفاروق في تطوير المؤسسة القضائية؛
القاضي+ وعن اجتهادات الفاروق القضائية: كحكم تزوير الخاتم الرسمي للدولة؛
ورجل سرق من بيت المال بالكوفة» ومن جهل تحريم الزنى؛ وغيرها من الأحكام
القضائية والفقهية» وعن فقه عمر في التعامل مع الولاة» فبينت أقاليم الدولة في
عهد عمر وأسماء من تولى إمارة الأقاليم في عصره» وعن أهم قواعد عمر في تعيين
وعن متابعة الفاروق للولاة ومحاسبتهم» وعن تعامل الفاروق مع شكاوى الرعية في
الولاة؛ وعن أنواع العقوبات التي أنزلها الفاروق بالولاة وعن قصة عزل خالد بن
الوليد ته وعن عزله في المرتين الأولى والشانية؛ ومجمل أسباب عزله؛ وعن
موقف المجتمع الإسلامي من قرار العزل» وعن موقف خالد بن الوليد من ذلك
القرار» وماذا قال عن الفاروق وهو على فراش الموت.
ووصفت فتوح العراق وإيران والشام ومصر وليبيا في عهد الفاروق ووقفت مع
الدروس والعبر والفوائد والسئن في تلك التوحء وسلطت الأضواء على الرسائل
التي كانت بين الفاروق وقادة جيوشه»؛ واستخرجت منها مادة علمية تربوية في توجيه
الشعوب وبناء الدول» وتربية المجتمعات وترشيد القادة » وفنون القتال» واستتبطت
من رسائل عمر إلى القادة حقوق الله: كمصابرة العدو» وأن يقصدوا بقتالهم نصرة
دين الله » وأداء الأمانة وعدم المحاباة في نصر دين الله وحقوق القادة: كالتزام
طاعتهم» وامتثال أوامرهم» وحقوق الجند: كاستعراضهم؛ وتفقد أحوالهم» والرفق
هه بس اتحوحوجد صوصو وصهدههه عمربنالخطاب صه
وتكلمت عن علاقة عمر مع الملوك» وعن نتائج الفتوحات العمرية؛ وعن الأيام
لقد حاولت في هذا الكتاب أن أبين كيف فهم الفاروق الإسلام وعاش به في
المجتمع لا كان أحد رعاياه وبعد أن تولى الخلافة بعد الصديق» وركّزت على دوره
إن هذا الكتاب يبرهن على عظمة الفاروق + ويثبت للقارئ أنه كان عظيمًا
فقد جمع الفاروق العظمة من أطرافهاء وكانت عظمته مستمدة من فهمه وتطبيقه
للإسلام وصلته العظيمة بالله واتباعه لهدي الرسول الكريم لك .
إن الفاروق من الأئمة الذين يرسمون للناس خط سيرهم ويتأسى بهم الناس
بأقوالهم وأفعالهم في هذه الحياة» فسيرته من أقوى مصادر الإيمان والعاطفة الإسلامية
الصحيحة والفهم السليم لهذا الدين» فما أحوج الآأمة الإسلامية إلى الرجال الأكفاء
الناس محياق. بها! إن تاريخ الخلفاء الراشدين والصحابة الكرام؛ يظل مذكرً للأمة
عبر الأجيال» ويكون الانتفاع به بالتأسي بأولئك العظماء؛ وتطبيق تلك المواقف
الكريمة من عظماء الرجال الذين يشاركون أفراد الأمة في ظروف الحياة المعاصرة؛
لوجودهاء وأن تكرارها يتطلب ظروفًا حياتية مشابهة؛ والحقيقة تقوا
المحرك الإيماني واتضح فقه القدوم على الله وحرص المسلمون على العمل به- فإن
الله يتكفل بنصر أوليائه وتسخير ظروف الحياة لصالحهم .
هذاء وقد اجتهدت في دراسة شخصية الفاروق وعصره حسب وسعي وطاقتي»
ده عمربنالخطاب 9-225 د<دد دددمدوههه نت وه
هذاء وقد انتهيت من هذا الكتاب يوم الأربعاء الساعة السابعة وخمس دقائق
صباحًا بتاريخغ ٠ رمضان 477١ه الموافق 18 نوفمبر ١٠ ٠7م؛ والفضل لله من
قبل ومن بعد؛ وأسأله -سبحانه وتعالى- أن يتقبل هذا العمل+ ويشرح صدور العباد
ولاييعني في نها هذه المقدمة إلا أن أقف بقلب خاشع منيب بين يدى الله
-عز وجل- معترفًا بتقله وشرمه وجوده» فهو المتفضل وهو المكرم وهو المعين وهو
يملكون كاف من أجل إتمام هذا الجهد المتواضع» وأرجو من كل مسلم يطلع على هذا
سبحانك الله وبحمدك» أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك» وآخر
غلق متمد مقيد الصلابع
« الفصل الأول «
هو عمر بن الخطاب بن تفيل بن عبد العزّى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن
رسول الله تك في كعب بن لزي بن غالب!"؛ ويكنى أبا حفص!"'؛ ولقب
بالفاروق*)؛ لانه أظهر الإسلام بمكة فرق الله به بين الكفر والإيمان!.
ولد عمر فاته بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة!""؛ وأما صفته ١
فلئئه أبيض أمهق تعلوه حمرة؛ حسن الخدين والأنف والعينين» غليظ القدمين
طويل السبلةل" وكان إذا مشى أسرع» وإذا تكلم أسمع» وإذا ضرب أوجم!.
)١( الطبقات الكبرى (3 / 716): محض الصواب لابن عبد الهادي (1 / 131)
(؟) محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (171/1).
© المصدر نقسه (191/1).
(4) صحيح التوثيق في سيرة وحياة الفاروق عمر بن الخطاب ص١١
0 تاريخ الخلفاء للسيوطي عى*؟١
(ه) الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب للعاني ص١١
(4 السبلة: طرف الشارب» وكان إذا غضب أو حزنه أمر يمك بها ويفتلها -
)٠١( تهذيب الأسماء )١8/9( للنووي» أوليات الفاروق