ومن هنا كانت الحاجة ماسة إلى الاهتمام بالمؤلفات التي تنير
نفعًا كل ما يُعنى بقواعد الدعوة وضوابطها .
وإن البحث في طريقة العلماء الربانيين - وهم كُتُر ولله الحمد - في
الدعوة إلى الله من خلال مؤلفاتهم وسيرهم لاستخلاص قواعدها
أحسب أن هذا العمل - إن شاء الله من أهم الأعمال العلمية
وأكثرها نفعًا .
ومن هؤلاء العلماء شيخ الإسلام ابن تيمية كِلل؛ فقد جمع بين
- والمصيبة في الدين لا يعدلها مصيبة -:
مصائب الدين أنكى ما نُصاب به وما عداهن فيه الأجر يغتثم
فنذر نفسه للدعوة إلى الله والجهاد فيه بيده ولسانه وقلمه.
وقد قام الشيخ الفاضل عابد بن عبد الله الثبيتي - وفقه الله بدراسة
مؤلفات شيخ الإسلام دراسة فاحصة متأنية؛ واستخرج منها قواعد فقه
وأناة ودقة نظر ومراجعة للنصوص المرة تلو المرة.
كتب الله له الأجر والثواب» وجعل ما سطره في ميزان حسناته.
بارك الله في الجهود وسدد الخُطى» ورزقني وإياه وجميع المسلمين
الإخلاص في القول والعمل؛ وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كم أحمد بن عبد الله بن حميد
المدرس بقسم الدراسات العليا الشرعية بكلية الشريعة
عضو مجلس المجمع الفقهي في رابطة العالم الإسلامي
الحمد لله؛ والصلاة والسلام علي رسول الله وعلى آله وصحبه ومن
ومعدة
الاختلاف والتفرق عنه؛ فقال سبحانه: فإيا: ٌ
وأمرهم بزفلان الدعوة الإسلامية والعناية بهاء
ولا ريب أن المجتمع الإسلامي قاعدته الإسلام ونظامه الشريعة؛
والاختلاف فيها هو اختلاف يضر بالمجتمع؛ والتفرق عنها اضطراب في
كيانه؛ ولهذا نهى الله عن الاختلاف والنزاع في المواضع التي ورد فيها
ذكر الخلاف في القرآن وأمر بالاعتصام بشرعه والاجتماع عليه
والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة.
ولهذا لما وقعت الفرق الصألة في الخلاف المذموم افترقت» وزاد
وأصبحت الآراء الشاذة؛ والمناهج البدعية تغيِّر محكمات الدين وتنفي
ثوابته؛ تمامًا كما تشاهد في هذا العصر نفاة الثوايت يسعون في مخالفة
وتشريعاته المخالفة للإسلام؛ ويحاولون إقناع الأمة أنها لا خصوصية
ولا يزال المنهج الإسلامي بما يتضمنه من حجة بالغة؛ وأسلوب
حواري يتسم بالحكمة والموعظة الحسنة يُحاصر خطر الخلاف
المذموم؛ ويدعو نفاة الثوابت والمحكمات إلى مراجعة أنفسهم»
والحفاظ على وحدة المجتمع الإسلامي» وتوحيد المسلمين على كلمة
والنزاع والتفرق.
وقد حذر العلماء ومنهم الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية من خطر
الخلاف المذموم؛ ودعا الأمة إلى الاجتماع على محكمات الشريعة؛
وإشاعة الألفة والموالاة بين المؤمنين» ونبذ النزاع والخلاف والشقاق
والتفرق في الدين.
وأكبر دليل على صحة هذا المنهج هو ثبات أصول أهل السنةء
ومما تميِّزْ به أهل العلم والاجتهاد إحياء السنن في مسائل
الخلاف؛ فكما أنهم حذروا من الخلاف المذموم فقد بينوا موقف المسلم
من الاجتهاد السائغ وهو: الاجتهاد في المسائل التي لا نص فيها ولا
إجماع» وقد دلت السنة على أن لهذا النوع من الخلاف في المسائل
الاجتهادية أحكامًا تخصه؛ كما جاء ذلك في حديث عبد الله بن عمرو بن
فأصاب فله أجران» وإذا اجتهد ثم أخطأ فله أجر».
وكما أن الحوار وسيلة لمعالجة الخلاف المذموم ودرء خطره؛
فكذلك الحوار والمناقشة وسيلة لتفهم السبب في الاجتهاد السائغ»
والاستفادة من آراء المجتهدين» وتوجيهها حسب مقتضى الدليل؛ وبيان
الراجح منهاء وهذا يؤدي إلى استمرار الاجتهاد وإدخال المسائل
المستجدة تحت أحكام الشريعة؛ وعلى المجتهدين العمل» والله سبحانه
يأجرهم في حال الصواب والخطأ» وهذا من سماحة الشريعة المباركة؛
وهو من أعظم الوسائل لاستمرار الاجتهاد ونشاط المجتهدين.
ومن لم يفقه حديث ابن عمرو وتوجيه الرسول عليه الصلاة والسلام
المذموم هو حماية للأمة من التفكك والشقاق والنزاع والتفرق عن
محكمات الدين.
وقبول الاجتهاد السائغ هو استمرار للاجتهاد وتكريم للمجتهدين؛
ولقد وضع شيخ الإسلام القواعد والضوابط في فقه الدعوة وحررها
وبين أدلتها وفع عليها في هذا المجال تأصيلًا وتأكيدًا لأهداف الدعوة
وأخونا الأستاذ: عابد بن عبد الله الثبيتي جمع في رسالته
للماجستير: قواعد وضوابط فقه الدعوة عند شيخ الإسلام ابن تيمية
- دراسة فقهية - كثيرًا من القواعد والضوابط الفقهية الدعوية التي تبين
منطلقات الدعوة؛ وتوضح مقاصدها وتضبط الاجتهاد فيهاء وتربط ذلك
بالاعتصام بالجماعة ونبذ التفرق والاختلاف.
وقد أحسن وفقه الله في اختيار هذا الموضوع+ كما أحسب أنه بذل
جهذًا كبيرًا في جمع مادته العلمية من كتب شيخ الإسلام ورتبهاء حيث
يذكر القاعدة والضابط في فقه الدعوة؛ ثم يحرر الكلام فيها وفي أدلتهاء
ثم يفرع عليها في مسائل الدعوة وفي فقه الخلاف. ..
وهذا البحث بين يدي القراء والعلماء والدعاة منهم خاصة يقدم
إغفاله؛ والواجب التعاون على إظهاره وإحيائه وبيانه بجميع الأساليب
الممكنة؛ ومنها أسلوب البيان والحوار والمجادلة بالتي هي أحسن.
إن هذه الأمة لا يحفظها إلا قوة المنهج والثبات عليه؛ كما لا
يحقق الشمولية لها إلا الاجتهاد واستمراره» ولا تحفظ الأمة في هذا
وهذا إلا إذا أشاعت الأحكام الخاصة بالخلاف المذموم وبيان خظره؛
والأحكام الخاصة بالاجتهاد السائغ وبيان أهميته» وإقامة كيان الدعوة
الإسلامية على هذا التوازن الذي يحقق الثبات والشمول في المنهج.
عابد بن محمد السفياني
عميد كلية الشريعة بجامعة أم القرى سابقًا
وعضو مجلس الشورى
الحمد لله رب العالمين؛ والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء
فإن العقود المتأخرة من تأريخ الأمة الإسلامية قد شهدت عودة
صادقة إلى الدين» وظهر جهد العلماء والدعاة واضحًا في الدعوة إلى
الإسلام ورد الناس في كل أمور حياتهم إلى الأصول الشرعية ومنهج
وكان من ثمار تلك الجهود إحياء جذوة العمل للدين في نفوس
المؤمنين الذين تسابقوا في إبراز معالم المنهج الإسلامي الأصيل النابع
من الكتاب والسنة؛ والمعتمد على فهم سلف الأمة لهماء فصارت
محاولات العلماء وطلبة العلم لا تتوقف عن البحث والتحري من أجل
التجديد والتصحيح» وما ذاك إلا لضبط مسيرة الدعوة حتى لا تتنحرف
عن المنهج الوسط العدل؛ وحتى تكون منسجمة انسجامًا كاملًا في
العملي من جهة أخرى.
ولعل هذا الكتاب الذي بين يديك إحدى تلك المحاولات التي
تهدف إلى ضبط الدعوة بالقواعد والضوابط الفقهية التي صحّت الأدلة
على اعتبارها والعمل بمدلولها .
المناقشة ما عدا بعض التغيير البسيط والذي لم يمس صلب الكتاب؛
كل المؤلف
الطائف ص ب :19
يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله؛
شاملة؛ تتسع آفاقها لتستوعب كل مستجدات العصور» لتنظمها في مسلك
بأولهاء وجديدها بقديمها في تناسق واتفاق. . . وقد هياً الله لذلك
رجالاء وكشف لهم من مكنونها علومّا؛ هي بمثابة الروابط التي تميز
مقاصد الشريعة» وأنها شريعة ربانية منزلة من حكيم حميدء قال الله
ومن تلك العلوم علم القواعد الفقهية؛ الذي انقدح في أذهان علماء
الإسلام من فهمهم لنصوص الكتاب والسنة؛ وممارستهم للفروع الفقهية
حفظ كثير من الفروع والأحكام الجزثية؛ وما زال العلماء يستخرجون
القواعد والضوابط الفقهية في كل باب من أبواب الفقه حتى اكتمل
نظامهاء وألفت في ذلك الكتب المستقلة التي زُتبت على الأبواب الفقهية.
والسنة والإجماع والنظر الصحيح» فليس لقضرها على أبواب الفقه
المشهورة معنى؛ بل هي قواعد كلية يمكن توسيع دائرة عملها لُطبق على
غير الأبواب الفقهية المعروفة.
باستخراج القواعد الفقهية؛ وتطبيقاتها في جانب من جوانب العبادة؛ بل
في أحسن ما تكلم به المتكلمون ألا وهو: الدعوة إلى الله تعالى»؛ كما
يجمع بين علمين مستقلين هما: علم القواعد الفقهية؛ وعلم فقه الدعوة.
وبما أن العمل في الدعوة إلى الله تحمّه كثير من التوججهات
والأفكار والنظريات» فتدفع بعض الدعاة إلى رد كل الآراء والأفكار
الدعوية التي لا توافق ما يراه؛ كان لا بد من جعل هذا البحث في فقه
إمام يحظى بالقبول عند الدعاة من أهل السنة والجماعة عامة» لتكون
فوقع الاختيار على إمام له أكبر الأثر في الدعوة إلى اللهء ورد
الإسلام قولًا وعملًاء تعلْمًا وتعليمًا؛ ودعوة وجهاًاء ألا وهو: شيخ
الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني؛ والذي تعتبر تجربته
هذا البحث بعنوان: «قواعد وضوابط فقه الدعوة عند شيخ الإسلام
ابن تيمية - دراسة فقهية -.