المباركة)» وكتاب الذب عن مذهب مالك لابن أبي زيد القيرواني ات386ه)؛ وكتاب
التنبيه على شذوذ ابن حزم لأبي الأصبغ ابن سهل(ت6 48ه).
وكتاب الانتصار الذي بين أيدينا يعود تأليفه إلى فترة زمنية زاهرة في تاريخ الفقه
المالكي بالأندلس وهي أوائل القرن الخامس الهجري التي عرفت فيها حركة التأليف
نشاطا ملحوظاء ونبغ فيها ثلة من كبار العلماء الذين اشتهروا بسعة العلم» وجودة
الفهم؛ ومعرفة الخلاف» والجمع بين الرواية والدراية» والناظر في سيرة الإمام ابن
الفخار مؤلف هذا الكتاب يجده منعوتا بقوة الحفظ» والبراعة في الفقه؛ والمعرفة
عمرو الداني: «هو آخر الفقهاء الحفاظ» الراسخين العالمين بالكتاب والسنة بالأندلس
رحمه الله»ء ويقول عنه الإمام القاضي عياض: «آخر أئمة المالكية بقرطبة؛ وأحفظ
وبالنظر إلى مضمون الكتاب نجد مؤلفه حريصا في المسائل التي عرض لها من
العبادات والبيوع عل التأصيل والتحقيق؛ وصحة الاستشهاد والنقل؛ وتوجيه الأقوال
وزاد هذا الكتاب قيمة؛ الخدمة الجليلة التي أسداها فيه فضيلة الدكتور محمد
التمسياني الذي لم يأل جهدا في تنقيح الكتاب وتذليل العقبات نحو تيسير الإفادة المثلى
منه؛ فقد عرّف بموضوع الكتاب وتحدث عن الاختلاف الفقهي مبينا المحمود منه
والمذموم؛ ومنبها إلى ظاهرة التأليف في الانتصار للمذاهب عموما والمذهب المالكي
خصوصاء وأفاد في ذلك فوائد نوعية؛ ثم بذل جهدا مباركا في تحقيق النص» وتنظيم
أضاء الكتاب بتعليقات مفيدة؛ معرفا الأعلام؛ ومحيلا المسائل التي ذكرها المؤلف إلى
مصادرها أو نظائرهاء ثم ختم عمله بفهارس فنية نافعة من شأنها تقريب الاستفادة من
ومن نافلة القول أن نشر هذا الكتاب يمكننا من الاطلاع على نموذج حي من
الحوار الفقهي الذي كانت تمور به البيئة العلمية بالأندلس في القرن الخامس الهجري؛
ويعرفنا بأثر مهم من آثار عالم أندلسي كبير وفقيه مالكي نحرير تشوف الباحثون إلى
إلى نشر هذا الكتاب؛ وأن يكتبه في سجل الأعمال الخالدة لراعي العلم والعلماء مولانا
أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله وأعزه والله الموفق والحادي إلى
سواء السبيل.
أحمد عبادي
الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء
الحمد لله المنعم المنانء المتفضل عل عباده بنزول القرآن» هدى للناس وبينات من
الهدى والفرقان والصلاة والسلام على الحادي الأمين والسراج امير سيدنا محمدين
عبد الله خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين» ورضي الله عن الصحابة
أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فإن الفقه: وسيلة السعادة الأبدية؛ ولباب الرسالة المحمدية؛ وجامعة للأمة
الإسلامية؛ هو عمدة العلوم الدينية ورأسهاء ومبنى الفنون الشرعية وأساسهاء هو
عماد الحقء ونظام الخلق.
أرسيت دعائمه في عصر النبوة» إذ كان الرسول الأكرم صل الله عليه وآله وسلم في
حياته المرجع للأحكام الشرعية؛ شرعها لأمته؛ وألقاها على أصحابه؛ ومهد لهم قواعد
الاجتهاد والاستنباط» ساعد على ذلك تنزل الأحكام منجمة على فترات؛ حسب
الوقائع والأحداث.
وبعد انتقال المصطفى صل الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى» سار على طريقته
الصحابة رضوان الله عليهم» فقاموا با من الله به عليهم من صحبة نبيه الكريم» وبما
كانوا عليه من فطرة سليمة؛ وعقول راجحة؛ وقلوب طاهرة؛ وُربة على النظر
صادفتهم» بتطبيق النص حين يجدونه واضحاً أو بالاجتهاد في فهمه بمعرفة مدلوله
حين يكون فيه بعض خفاء» أو بالنظر فيما تقرر عندهم من أصول كلية وقواعد عامة.
واختلفت آراؤهم» وتنوعت مدارسهم» وتعددت مذاهيهم» نتيجة اختلاف
البيئات التي عاشوا فيهاء والظروف والأحوال التي مروا بهاء لكن نطاق الاختلاف في
زمانهم رضوان الله تعال عليهم ظل ضيقاً نسبياً مقارنة بيا سيؤول إليه بعد ذلك» وقد
كانت الأمة تنظر إلى اختلافهم على أنه اختلاف تنوع وسعة ورحمة.
ثم أخذ الاختلاف الفقهي يتسع مجاله؛ وتتعدد أسبابه نظراً لتجدد التوازل
والوقائع؛ وتعدد المناهج والمسالك؛ حتى انتهى الأمر إلى أثمة المذاهب الفقهية الذين
اقتفوا أثر من سلفهم» و أثروا الفقه باجتهاداتهم وآرائهم» وأغنوه بتشوع مناهجهم
منطلق أنها وجهات نظر محترمة» من أصاب له أجران ومن أخطأ له أجر واحد.
ولقد اعتنى أئمة المذهب المالكي منذ القدم بموضوع الاختلاف الفقهي تأصيلا”
وناظروا المعترض عليهم؛ واشتهروا بتفانيهم في الذب عن إمام المذهب» ومناصرة
في طليعتها كتاب الانتصار لأهل المدينة للإمام أبي عبد الله محمد بن عمر ابن الفخار»
الذي يتعبر بحق أوسع وأشمل كتاب مالكي وصلنا في الموضوع على الإطلاق.
يسر الله لي الاطلاع عليه في مكتبة الشيخ الفقيه العلامة السيد محمد بو
(1) وهو في الأصل كان يوجد في مجلد ضخم يشتمل على كتب أهمها:
الإقناع في مسائل الإجماع لأبي الحسن ابن القطان الفاسي» ومقدمة أبي الحسن ابن القصار البغدادي في
أصول الفقه؛ والانتصار وهو الثالث في المجموع؛ والحق بكتاب الانتصار: مناظرة الأوزاعي لغيلان
القدري» وقصة ابن أبي ليل وأبي حنيفة مع جعفر الصادق.
بالدراسة والنشرء وذلك:لجلالة قدر مؤلفه؛ وما للكتاب من قيمة علمية في القديم
والحديث؛ لا تخفى على أهل الشأن» يمكن تلخيصها فيما يأتي:
*» أنه يعد: النص العلمي الوحيد الفريد من نوعه؛ الذي يكشف لنا عن مرحلة
متقدمة من مراحل المذهب المالكي في الأندلس والصراع الذي خاضه مع
البيئة الأندلسية.
* يكشف لنا الكتاب عن معالم شخصية الفقيه في العصور الزاهرة؛ وماكان
يتمتع به من أهلية النظرء وقوة الحجة» واستقلال في الفكر والرأي.
٠» يعد الكتاب مرجعاً هاماً في التفريع الفقهي والبناء الأصولي لأحكام الشرعية
*» يقدم الكتب صورة متميزة عن المنهجية المتبعة عند الفقهاء المالكية من
سلوكهم مسلك النظر والحجة في مواجهة المخالف المعترض»
* يجد الدارس للفقه في الكتاب ما ينشده من منهج رصين؛ وأسلوب حكيم؛
ومثال حسن في التعامل مع المخالف.
إخراج هذا السفر الجليل الذي ظل حبيس الخزائن على النحو المطلوب. فاللهم لك
الحمد حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك.
وقسمت عملي قسمين:
1- الاختلافات الفقهية؛ تحدثت عن أهميتهاء؛ وفوائدهاء ونبهت على الفرق
الحاصل بين نوعيها: الاختلاف الاجتهادي والاختلاف التقليدي.
2 مسألة الانتصار للمذاهب والترجيح بينهاء فذكرت أنواعهاء وميزت بين
قضية خلاف الإمام الشافعي لشيخه الإمام مالك
3- ترجمة الإمام ابن الفخار مؤلف الكتاب
4- التعريف بالكتاب» من خلال:
* تحقيق الكلام في النسبة
+ ترجيح القول في المقصود بالرد
+ منهج المؤلف في الكتاب
5- عملي في التحقيق.
٠ القسم الثاني: النص المحقق
وحاولت التغلب على جميع العوائق التي واجهتني - وما أكثرها فيسر الله السبل
أسأل الله العلي القدير الوهاب الحكيمء أن يبنا الإخلاص والسداد فيما قصدناه؛
و هو اهادي إلى سواء السبيل.
* الاختلافات الفقهية.
* الانتصار للمذاهب والترجيح بينهاء
* ترحمة الإمام ابن الفخار مؤلف الكتاب.
* التعريف بالكتاب.
* عملي في التحقيق.
* نماذج من المخطوط.
ه الاختلافات الفقهية:
إن من المعلوم المقرر عند أثمة الفقه أن: الفقه الحتق هو تحصيل الملكة؛ واكتساب
القدرة على النظر والاجتهاد والاستنباط» ولا يحصل ذلك إلا بامتلاك أدوات النظر؛
وآليات الاستنباط» والتمرن على الدراسات المقارنة؛ والتمرس بالاختلافات الفقهية.
فالأمة اليوم هي أحوج ما تكون إلى الفقيه المحصل الملكةٌ الاستنباطية» المبتكر الذي
يحكم النظر البصير بأصول المذاهب» العارف بمراتب الأدلة ودلالاتهاء الخبير بمسالك
العلل وقوادحهاء المدرك لمرامي النصوص ومقاصد الشرع,» العليم بمواقع الإجماع
[ أهمية الاختلاف الفقهي:
يمتاز علم الاختلاف الفقهي بكونه أدق وأرحب طريق للنظر والرأي؛ وهوفي
نفس الوقت من أهم وسائل الرقي والتمدن والتطور. إذ هو: علم يفتح للفقيه باب
الاجتهاد. ويجعله أقدر على الحكم بالصوابء وهذا ما أشار إليه الأثر: «أعلم الناس
أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس؟!"".
ومن هنا فقد حرص العلماء عليه؛ وجعلوه العلامة المميزة للفقيه دون غيره»؛
ونصوصهم في ذلك كثيرة ومعروفة؛ نذكر بعضها: قال سعيد بن أبي عروبة رحمه الله:
امن لم يسمع الاختلاف» فلا تعده عالاً»؛ وقال عطاء رحمه الله: «لا ينبغي لأحد أن
(1) جامع بيان العلم وفضله: (2// 53).