واعتبار العمق الذي يتطلب رسوخاً في العلم وبصيرة؛ لأن الخليط الفكري الذي شاب
الدين» لا يُتجاوز بالمقولات السطحية الجاهزة
فالمطلوب في التعليم الديني أمران أساسيان: متانة في عرض الأصول وتثبيتها في
مواجهة أنواع الفكر الطاغية؛ واختزال للفقه في الضروري منه والثابت أي تجاوز التفريعات
السقيمة التي لا تزيد المتدين إلا حيرة ونفوراً ومن أجل التوصل إلى هذين الأمرينء لا بد
مجالاً خاصاً لا يخوض فيه إلا الفقهاء المتمرسون ونحن هنا لا نسلب علماء الدين مرتبتهم
بقدر ما ندعو إلى إشراك الناس في الأمر الديني فقد يفضل العا العاميّ علماً وتحقيقاً؛ لكن
قد يفضل العاميٌ العالم إيياناً في بعض الأحيان وإدراكاً والكل جسد واحد ينبغي أن يؤدي
مهمته خدمة للدين وعلى هذا النحو كان الدين في بدايته؛ ونعني بالبداية هنا عصر الصحابة
رضي الله عنهم لم تكن لحم طبقات علماء أو فقهاء علية؛ بل كانت من الناس وإليهم مشركة
علمية متميزة كما أسلفناء متعمقة في ١ الفكر الديني »؛ فهو أمر ليس من روح الدين
-٠ التعامل مع الدين عبر الحجاب الزماني
يكون عمودياً بين العبد والرب أما الدين الموروث داخل الاعتبار الزماني» فيقطع فيه
المتدين كل العصور من عصره هو نفسه إلى عصر النبوة ثم منها إلى ربه؛ اتجاهه
أفقي/ عمودي وأفقيته أحياناً تغلب على عموديته ودين كهذا مالف لمعنى الدين الحق
البقرة:1861] والدين باعتبار البعد الزماني محاكاة للمعاملة أكثر مما هو معاملة وهو أمر
أيضاً أدى إلى التعسيرء بمعنى أن المعاملة في أصلها يشرء والمحاكاة عسر لأنها تكلف
والعسر معلوم أنه مخالف لروح الدين» لقول الله تعالى: « بٌُيدُ أنه بِحكُمْ الث ولا يرِيدُ
وإن من يرومون إعادة قراءة التراث» لا شك أنهم لا يعرفون من الدين إلا ما سميناه
صور أخرى للدين عبر العصور» هي له كفرع الفرع ! فلا شك أن ذلك سيزيد من صعوبة
الإدراك له التي تؤدي بدورها إلى البعد عن التدين بمعناه الحقيقي والأصلي المراد للشارع
وعلى العكس ممن يريد إعادة قراءة التراث» الذين يرومون العودة إلى أصول الدين التي
الديني التراكمي» في الضروري منه؛ على سبيل الاستتناس فحسب؛ لأن ذلك الموروث
المتزايد من حيث الكم مع مرور الزمان قد أصبح عائقاً للمتدين في مجال المعاملة بسبب
تضارب الآراء واختلاف المذاهب اللذين لم يعودا محتملين في عصر العولمة
وهذا الاختزال الذي نقترحه؛ إنما هو روح التجديد الديني المذكور في حديث: « إن الله
عز وجل يبعث لمذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها 7(8 والتجديد في
الحقيقة مخالف للتراكمية؛ لأنه صور للدين متعاقبة كل صورة منها لها مميزاتها دون الإخلال
"' - أخرجه أبو داود في مننه عن أي هريرة رضي الله عنه وقال السخاوي في المقاصد الحسنة: وقد أخرجه الطيراني في الأومظط
بالأصول والثوابت وإن جانب التجديد في الإسلام المحمدي لحو من خصائصه التي ليست
لسواه؛ وذلك لأنه يقوم مقام الرسالات السابقة بالنسبة إلى أزماها فحيث أنه لا نبي بعد
سيدنا محمد صل الله عليه وسلم» وبما أن الدين لو بقي على صورة واحدة؛ لما ساير محتلف
العصور والأزمان» كان لزاماً أن يكون متجدداً والتجديد بهذا المعنى حياة للدين؛ كما أن
الجمود موت له
ولنبسط الأمر» فيا يتعلق بالحجاب الزماني وتراكمية المعرفة الدينية فنقول: هل كان
مثلاً من الضروري لدى الصحابة رضي الله عنهم» أن يطلعوا على فقه الأئمة من بعدهم؛
حتى يصح تدينهم؟! وهل كان من الأساسي عندهم التمذهب أصلاً؟! الجواب حتياً يكون
العلماء مثلنا! قلنا: إن نور النبوة لم ينقطع قط! وما فقه الفقهاء وعلم العلماء إلا بعضه فهذا
النور لا يزال كما كان؛ بل زاد على ما كان عليه وانتقال شخص الرسول صل الله عليه وسلم
ربانياً بالدرجة الأولى ألا ترى أن بعضهم كان ينطق بالأمر قبل الوحي أو قبل ظهور ذلك
الأمر في الحس( الواقع )؛ كعمر وأبي بكر وبلال رضي الله عن الجميع؟ فهل ذلك إلا من
عما نقول با لديك من مقولات جاهزة ومقلدة ثم إن كان نور النبوة محجوباً عنا كما يُظنء
فكيف نكلف شرعاً با كلف به الصحابة؟ بل يح لنا وقتئذ أن نخالفهم في التدين أصلاًء
على الأقل في جانبه التشريعي إن سلمنا بسلامة جانبه العقدي والتعريفي فيكون الدين دينين
بذلك وهو ما لا يقول به أحد
وسلم وهذا خلاف ما جاء به الوحي من عند الله كما هو معلوم وقد نبهنا صل الله عليه
وسلم إلى أن الأمة لا يدرى أيها خير أولها أم آخرها في قوله: ١ مثل أمتي مثل المطر لا يدرى
بذلك النور والصمد إليه و بين الأمرين فرق جلي
7- حصر الدين في صورة الشعائر وفي مناسبات معينة
لا يخفى أن حصر الدين في صورة أداء الشعائر» يخرج به عن مفهوم الدين الذي هو
معاملة الله كما أسلفنا مراراً؛ لأن ذلك يدخل ضمن العادة والطشوس الجوفاء فالصلاة مثلاً
دون مراعاة روحهاء والصيام لمجرد موافقة الناس» والحج للفوز باللقب مما هو شائع عندنا
حق الله وأنه متدين بصورة صحيحة على الأقل بالنسبة إلى الظروف السائدة الآن فيعيش
حالة من التخدير الوجداني الذي يمكنه من مسالمة نفسه في نظره؛ فلا يعود يطلب التدين
يتوب في يوم من الأيام
؟؟ - أخرجه التردذي في سنه واللفظ له وأحمد في مسنده عن أنس رضى الله عنه قال السخاوي في المقاصد الحسنة: أخرجه
البزار بسند حسن» وقال: إنه لا يروى عن الني صلى الله عليه وسلم بإسناد أحسن من هذاء وعن ابن عمر عند الطبراي» وعن
عبد الله بن عمرو عند الطيراي أيضاء وأخار إليه ابن عبد البر» وقال: إن الحديث حسن
وإذا كان الدين كله معاملة الله تعالى» فإن الشعائر من أخص تلك المعاملة ولكل شعيرة
بذلك تميزها بعضها عن بعض كل هذا يقتي أداء للشعائر بحضور وأدب أما الإتيان
لنفسه وأهوائهاء وطواغيته الذين يسعى لمرضاتهم ولا يخفى ما في مثل هذه الحال من
الشرك! فكأن الإنسان يعبد الله ويعبده معه غيره والدين هو معاملة لله على كل حال وفي
كل آن؛ حتى في حال المعصية إن جرى القدر بها على العبد إذ الإنسان ليس معصوماً عن
المعصية! ومن معاملة الله في المعصية مثلاً: أن لا يسعى إليها قبل وقوعهاء ولا يرضى با أثناء
ويتوب إليه بصدق فهذه الأمور كلها عبادة لله ( باطنة في المعصية ) ومعاملة له وعلى هذا
فقس جميع أحوال العبد من نشاط وكسل» واجتهاد وملل وأداء للحق وتقصير» وإصابة
وخطإ وغيرها فهذا هو التدين» لا أن تعامل الله في حال فإن طراً عليك نقيضهاء انقطع بك
الناس بالبر» لكن لا يعلمونهم كيف يعاملون الله تعالل إن صدر منهم خلاف ذلك باستثناء
ما يبينونه لمهم من الوعيد» الذي يوفر شق الصورة للمتدين ويحجبه عن الشق الآخر ونحن
إذ نقول ما نقول» لا ندعو إلى المعاصي كما يفهم بعض من قد يتصيد مثل هذاء ولكن ندعو إلى
وصف العلاجات المناسبة لكل حال وندعو إلى تكميل التذكير بالوعيد بإظهار ما للمعاملة
من أدب في مختلف الأحوال وبين الأمرين فرق واضح لمن عقل
4 - بين الأمر والإرادة
لقد وقع خلط كبير على مدى الأزمانء لكثير من الناس» خصوصاً منهم العامة من
يعتمد الفكر كوسيلة للإدراك؛ في إدراك الفرق بين الأمر والإرادة الإغيين حتى تحيروا
مثل ما يعانون فعدوا استجلاء هذا الأمر من قبيل المحال حتى ترى بعضهم ينكر على من
يخوض فيه من دون تريث
وما نقصده بالأمر هناء هو ميزان الشرع الذي أنزله الله للناس» حتى تتميز الأحكام
وبالتالي حتى يتميز الناس فيا بينهم»؛ فمن سعيد وشقي؛ ومن مطيع وعاص؛ إلى غير
بالفعل» أو أمر بالترك ( النهي ) وهما معاً تكليف وزيادة على ما قلناه؛ فإن في التكليف حك
العقل من حيث الإدراك الحسي والفكري وهو الشيء الذي يمكنه من الاعتماد على نفسه في
تدبير أمره والتكليف هنا اختبار له: فهل يعتمد على ما يجده من قوة في نفسه أم يعود في
" - التعجيز: لا بد للمكلف المريد القيام بالتكليف من أن يعجز لعدم دوام التوفيق على
مواضع أخرى» في حق عدة أنبياء»؛ وليس هذا أوان التفصيل فيه لكن ليست معاصيهم
كمعاصي غيرهم؛ لأن مرتبة النبوة مجهولة عند الغير فلا سبيل إلى القول بما يقول القاصرون
والاشتراك هنا إنما هو في الاسم لا في المسمى وإنما ذكرنا هذا في هذا الموضع لإبراز هذه
الأصلي الذي قد يغيب عنهم؛ خصوصاً مع دوام الطاعة ظاهراً عند الغافلين فإذا وقع العبد
راجع إليه من نفسه؛ عند تبين عجزه وانقطاع حوله وقوته لكن هذا في حق المعتثى بهم أما
غيرهم فعدم التوفيق بالنسبة إليهم إبعاد وحجاب وعلى هذا المعنى يجب أن تفهم قوله صلى
؛- إقامة الحجة لله: على من غلبه شهود نفسه» فيرى لا فعلاً من دون الله تعالى؛ لأنه لن
أما الإرادة؛ فهي تعلق خاص بمعلوم ماء من أجل إبرازه من العدم إلى الوجود وهو ما
[87] وعلى هذاء فإن كل ما يظهر على صفحة الوجود فإنما هو مراد لله؛ بصرف النظر عن
تف - أخرجه البخاري في صحيحه عن أي هريرة رضي الله عنه
*' - أخرحه مسلم في صحيحه عن صهيب رضي الله عنه
سثل: ما مراد الله من الخلق؟ قال: ما هم عليه يتبين من هذاء أن السعيد من وافقت الإرادة
الأمر فيه؛ فظهر منه ما هو مطالب به؛ والشقي من خالفت الإرادة الأمر فيه فصدر عنه المنهي
تعاقب الطاعة والمعصية ولو بقدر ماء كم بينا سابقاً
لم تفهم معنى الإرادة بعد إذ قلت ما قلت ذلك أن الإرادة ما تعلقت إلا بمعصية معلومة
ثابتة في العلم الإضي» وهي لم تُلحق المعصية بذلك الشخص بعينه؛ فذلك لصفة أخرى» هي
المشيئة أما الإرادة فإنها تابعة للعلم غير سابقة له في المرتبة لكن لا بد أن ننبه إلى أمر هام؛ و
هو أن مراد الله لا يعلم إلا بعد بروزه إلى الوجود أما قبل ذلك فلا يعلم إلا بإعلام منه على
سبيل الوحي في حق الأنبياء عليهم السلام أو على سبيل الكشف في حق الأولياء استثاء
هذاء حتى لا يسعى المرء إلى المعصية ثم يقول إن الله أرادها فهذا بلاء ومكر! وقد قال
هي تابعة له ولو تتبعت آيات المشيئة والإرادة في القرآن الكريم لظهر لك ما قلناه وقد
يستعاض في الدلالة على المشيئة بالإرادة أو العكس» من قبيل إطلاق الخاص على العام أو
العكس لكن ذلك لا يخالف ما ذهبنا إليه