وقد آمن جماعات من علماء أهل الكتاب قديما وحديشا ؛ وهاجروا
الى الله ورسوله ؛ وصنفوا في كتب الله من دلالات نبوة النبي خاتم
المرسلين » وما في التوراة والزبور والانجيل من مواضع لم يدبروها ؛
وكذلك الحواريون؛ فلما اختلف الأحزاب من بينهم هدى الله الذين آمنوا
لما اختلفوا فيه من الحق باذنه ؛ فبعث النبي الذي بشر به المسيح ومن قبله
من الأنبياء » داعيا الى ملة ابراهيم » ودين المرسلين قبله وبعده ؛ وهو عبادة
لله وحده لا شريك له ؛ واخلاص الدين كلّه لله ؛ وطهر الأرض من عبادة
الأوثان ؛ ونزه الدين عن الشرك : دقه ؛ وجله ؛ بعد ما كانت الأصنام تعبد
نصارى » وأمر بالايمان بجميع كتب الله المنزلة ؛ كالتوراة ؛ والانحيل ؛
والزبور » والفرقان ؛ وبجيمع أنبياء لله من آدم الى محمد
أنزل الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى
شقاق فسيكفيهم الله وهو السميع العليم صبغة اللّه ومن أحسن من الله
صبغة ونحن له عابدون 9#"
() سورة البقرة : الآيات ١748 - ١78
وأمر الله ذلك الرسول بدعوة الخلق الى توحيده بالعدل؛ فقال تعالى:
قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد إلا الله ولا
أشهدوا بأنا مسلمون 0# ؛ وقال تعالى : وما كان لبشر أن يكلمه
الله إلا وحيا » أو من وراء حجاب ل" وقال تعالى : أ ما كان لبشر
أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من
ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم
مسلمون 6 ©
شفعاء ؛ ولم يجفوا جفاء من آذاهم ؛ واستخف بحرماتهم ؛ وأعرض عن
طاعتهم ؛ بل عزروا الأنبياء - أي عظموهم ونصروهم - وآمنوا بما جاءوا
14 سورة آل عمران : الآية )١(
8١ سورة الشورى : الآية )7(
(7) سورة آل عمران : الأيتان ١4 - 8
حنفاء
أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون » 9
وتوسطت هذه الأمة في الطهارة والنجاسة » وفي الحلال والحرام ؛
وفي الأخلاق ؛ ولم يجردوا الشدة كما فعله الأولون » ولم يجردوا الرأفة
كما فعله الآخرون » بل عاملوا أعداء الله بالشدة وعاملوا أولياء الله بالرأفة
وقد أخبر الحواريون عن خاتم المرسلين أنه يبعث من أرض اليمن
وأنه يبعث بقضيب الأدب ؛ وهو السيف ؛ وأخبر المسيح أنه يجيء
بالبينات والتأويل » وأن المسيح جاء بالأمثال » وهذا باب يطول شرحه
وانما نبه الداعي لعظيم ملته وأهله ؛ لما بلغنى ما عنده من الديانة
والفضل ؛ ومحبة العلم وطلب المذاكرة » ورأيت الشيخ أبا العباس
[ * عزّة المُسلم وكرامته في حمل لواء الدعوة , ]99
ونحن قوم نحب الخير لكل أحد ؛ ونحب أن يجمع الله لكم خير
الدنيا والآخرة ؛ فان أعظم ما عبد الله به نصيحة خلقه ؛ وبذلك بعث اللّه
الأنبياء والمرسلين ؛ ولا نصيحة أعظم من النصيحة فيما بين العبد وبين
تعالى : يل فلنسألن الذين أرسل اليهم ؛ ولنسألن المرسلين # ©
وأما الدنيا فأمرها حقير ؛ وكبيرها صغير ؛ وغاية أمرهئا يعود الى
الرياسة والمال » وغاية ذي الرياسة أن يكون كفرعون الذي أغرقه الله في
اليم انتقاما منه » وغاية ذي المال أن يكون كقارون الذي خسف الله به
الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ؛ لما آذى نبي الله موسى
)١( وإن من الحكمة أن يذكر الداعي الصفات الحسنة عند المدعو حتى ولو كان
كافراً ؛ فإنَّ ذلك من باب تأليف القلوبه
(7) ما بين المعكوفتين إضافة من المع
() سورة الأعراف : الآية 6
وهذه وصايا المسيح ومن قبله ومن بعده من المرسلين ؛ كلها تأمر
بعبادة الله ؛ والتجرد للدار الآخرة » والاعراض عن زهرة الحياة الدنيا
ولما كان أمر الدنيا خسيسا رأيت أنّ أعظم ما يهدي لعظيم قومه
المفاتحة في العلم والدين : بالمذاكرة فيما يقرب إلى الله ؛ والكلام في
الفروع مبنى على الأصول ؛ وانتم تعلمون أن دين اللّه لا يكون بهوى
النفس ولا بعادات الآباء وأهل المدينة » وإنما ينظر العاقل فيما جاءات به
- بينه وبين الله تعالى - بالاعتقاد الصحيح ؛ والعمل الصالح » وان كان لا
القدر
وإن رأيت من الملك رغبة في العلم والخير كاتبته ؛ وجاوبته عن
مسائل يسألها ؛ وقد كان خطر لي أن أجيء الى قبرص لمصالح في الدين
والدنيا ؛ لكن إذا رأيت من الملك ما فيه رضى الله ورسوله عاملته بما
يقتضيه عمله ؛ فإن الملك وقومه يعلمون أن الله قد أظهر من معجحزات
رسله عامة ومحمد خاصة : ما آي به دين » وأذّل الكفار والمنافقين
ولما قدم مقدم المغول غازان واتباعه الى دمشق » وكان قد انتسب
الى الاسلام ؛ لكن لم يرض الله ورسوله والمؤمنون بما فعلوه ؛ حيث لم
يطول شرحها ؛ لا بد أن تكون قد بلغت الملك ؛ فأذله الله وجنوده لنا ؛
سيس مثل أصغر غلام يكون » حتى كان بعض المؤذنين الذين معنا يصرخ
الساحل ؛ وأخبرني التتار بالأمر الذي أراد صاحب سيس أن يدخل بينكم
وبينه فيه ؛ حيث مناكم بالغرور وكان التشار من أعظم الناس شتيمة
اليهم » والذب عنهم
وأطلقهم غازان » وقطلوشاه ؛ وخاطبت مولاي فيهم فسمح باطلاق
المسلمين » قال لي : لكن معنا نصارى أخذناهم من القدس ؛ فهؤلاء لا
على الله
وكذلك السبي الذي بأيدينا من النصارى يعلم كل أحد احساننا
ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيماً وأسيراً 0
الاسلام الموحب لجهادهم ل" » وأن جود الله المؤيدة ؛ وعساكره
التتار مسلمون » أمسك العسكر عن قتالهم ؛ فقتل منهم بضعة عشر ألفاء
ولم يقتل من المسلمين مائتنا ؛ فلما انصرف العسكر الى مصر » وبلغة ما
عليه هذه الطائفة الملعونة من الفساد » وعدم الدين : خرحت جنود الله
وللأرض منها وئيد ؛ قد ملأت السهل والجبل ؛ في كثرة ؛ وقوة ؛ وعدة ؛
وايمان » وصدق » قد بهرت العقول والألباب » محفوفة بملائكة الله التي
ما زال يمد بها الأمة الحنيفية ؛ المخلصة لبارثها : فانهزم العدو بين أيديهاء
ولم يقف لمقابلتها » ثم أقبل العدو ثانيا ؛ فأرسل عليه من العذاب ما أهلك
8 سورة الإنسان : الآية )١(
)١( فالتتار كانوا يدعون الإسلام ولكنهم يعطون الولاء لجنكيس خان وبتحاكمون
إلى شبريعته ؛ ويفضلون اليهود والنصارى والملحدين والباطنية المنحرفين على المسلمين
ويدعون أن الأديان كلها طرق توصل إلى الله ؛ تعالى الله عما يقول الظالمون علماً كبيراًء
وقد ظهرت أفكارهم ثانية في هذه الأيام ؛ يحملها ويتشدق بها مثقفون من أبناء جلدتنا ؛
يتسلمون وللأسف مناصب رفيعة في مجتمعاتنا الإسلامية ؛ ويحسبون أنهم مهتدون
النفوس والخيل ؛ وانصرف خاسئا وهو حسير » وصدق الله وعده » ونصر
به؛ والاسلام في عز متزايد وخير مترافد ؛ فان النبي صلى الله عليه وسلّم
قد قال :
« إن الله يعث لهذه الأمة في رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر
وهذا الدين في اقبال وتجديد » وأنا ناصح للملك وأصحابه - واللّه
الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة والانحيل والفرقان
ويعلم الملك ان وفد نجران - وكانوا نصارى كلهم » فيهم الأسقف
ورسوله » والى الاسلام : خاطبوه في أمر المسيح » وناظروه ؛ فلما قامت
عليهم الحجة جعلوا يراوغون » فأمر الله نبيه أن يدعوهم إلى المباهلة ؛
)١( رواه أبو داوود والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الشيخ الألباني
في « صحيح الجامع » ( لايجا ) ؛ نسأل الله تعالى أن يبعث لهذه الأمّة من يجدد لها
ثم إن الصلاة الى المشرق لم يأمر بها المسيح ولا الحواريون ؛ وإنما
وأما المسيح والحواريون فلم يأمروا بشيء من ذلك
والدين الذي يتقرب العباد به الى اللّه لا بد أن يكون الله أمر به
الأوثان إلا بالبدع
وكذلك ادخال الألحتان في الصلوات لم يأمر بها المسيح ؛ ولا
وبالجملة فعامة أنواع العبادات والأعياد التي هم عليها لم ينزل بها
لله كتااً ؛: ولا بَحنث بها رسولاً © لكن فيهم رأفة ورحمة » وحذا من فين
لكن الأولون لهم تمييز وعقل مع العناد والكبر ؛ والآخرون فيهم ضلال
عن الحق وجهل بطريق الله ؛ ثم إن هاتين الأمتين تفرقتا أحزابا كثيرة في
أصل دينهم ؛ واعتقادهم في معبودهم ورسولهم ؛ هذا يقول : إن جوهر
وهم النسطورية » وهذا يقول بالاتحاد من وجه دون وجه وهم الملكانية