بين
النذير الهادي السراج المنير » الذي أخرج به الناس من الظلمات إلى النور » وهداهم إلى
صراط العزيز الحميد » الله الذي له ما في السموات وما في الأرض وويل للكافرين من
عذاب شديد . بعثه بأفضل المناهج والشرع: وأحبط به أصناف الكفر والبدع؛ وأنزل عليه
أفضل الكتب والأنباء » وجعله مهيمنًا على ما بين يديه من كتب السماء
وجعل أمته خير آمة أخرجت للناس » يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون
بالله » يوفون سبعين أمة هم خيرها وأكرمها على الله . هو شهيد عليهم وهم شهداء على
الناس في الدنيا والآخرة » بما أسبغه عليهم من النعم الباطنة والظاهرة ؛ وعصمهم أن
يجتمعوا على ضلالة » إذ لم ببق بعده نبي يبين ما بدل من الرسالة + وأكمل لهم دينهم +
وأتم عليهم نعمه ؛ ورضى لهم الإسلام دينا » وأظهره على / الدين كله إظهارا بالنصرة
والتمكين » وإظهارًا بالحجة والتبيين © وجعل فيهم علماءهم ورثة الأنبياء 6 يقومونث
مقامهم في تبليغ ما أنزل من الكتاب ؛ وطائفة منصورة لا يزالون ظاهرين على الحق لا
وحفظ لهم الذكر الذي أنزله من الكتاب المكنون كما قال تعالى : إن نَحْنْ نزْلنَا
الذكر ون له لحافظُون > [الحجر :]. فلا يقع في كتابهم من التحريف والتبديل كما وقع
من أصحاب التوراة والإنجيل
وخصهم بالرواية والإسناد الذي بميز به بين الصدق والكذب الجهابذة النقاد. وجعل
هذا الميراث يحمله من كل خلف عدوله أهل العلم والدين؛ ينفون عنه تحريف الغالين»
وانتحال المبطلين » وتاويل الجاهلين » لتدوم بهم النعمة على الآمة + ويظهر بهم النور من
الظلمة؛ ويحبي بهم دين الله الذي بعث به رسوله » وبين الله بهم للناس سبيله» فأفضل
الخلق أ لهذا لبي الكريم المنعوت نف
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له » رب العالمين + وإله المرسلين + وملك
يوم الدين +
وأشهد أن محمذا عبده ورسوله » أرسله إلى الناس أجمعين + أرسله والناس من
الكفر والجهل والضلال في أقبح خيبة وأسوأ حال. فلم يزل كله يجتهد في تبليغ الدين
وهدى العالمين وجهاد الكفار والمنافقين» حتى طلعت شمس الإيمانء وأدبر ليل البهتان»
وعز جند الرحمن وذل حزب الشيطان » وظهر نور الفرقان ؛ واشتهرت تلاوة القرآ»
وأعلن بدعوة الأذان » / واستنار بنور الله أهل البوادي والبلدان » وقامت حجة الله على
والتابعين لهم بإحسان » صلاة يرضى بها الملك الديان» وسلم تسليمًا مقرونًا بالرضوان
أما بعد :
فإنه لا سعادة للعباد» ولا نجاة فى المعاد إلا باتباغ رسوله: لوس بطع الله سا
قطب السعادة التى عليه تدور » ومستقر النجاا الذى عه لا ورد
[الذاريات: 97]. وإنما تعّدهم بطاعته وطاعة رسوله؛ فلا عبادة إلا ما هو واجب أو
عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» أخرجاه ف فى الصحيحين )١( © وقال َه فى حديث العرياض
الحديث الصحيح الذى رواء مسلم وغيره أنه كان يقول فى خطبته : د خير الكلام كلام
الله؛ وخير الهدى هدئ محمد + وشر الأمور محدثاتها » وكل بدعة ضلالة » 00 .
وقد ذكر الله طاعة الرسول واتباعه فى نحو من أربعين موضعا من القرآن ؛ كقوله
تعالى : « من يُطع الرُول فق َع الله » [النساء: ٠ 8] » وقوله تعالى : / ( وم رسلا من
أنقسهم حَرَجا مم فَضَيتَ وَيُسَلَمُوا تَسْليمَا [النساء : 4 19] » وقوله تعالى ل
)١( البخارى فى الاغتصام بالكتاب والسنة معلقًا ( الفتح ١# / 217 ) وفى الصلح (1187) بلفظ آخر ؛ ومسلم فى
الاقضية 17140 / 18) ؛ كلاهما عن عائشة رضى الله عنها
0 أب داود فى السنة 43-10) + والترمذى فى العلم (17177) وقال: 3 هذا حديث حسن صحيح 8 © وابن ماجه
فى المقدمة (49) » والدارمى فى المقدمة 44/1 + وأحمد 2117/4
(©) ملم فى الجمعة 837/9 / 17 ) + واين ماج فى المقدمة (40) ؛ وأحمد 7 / 271 » كلهم عن جابر بن عبد
الله رضى الله عنه +
الكَافرين» [آل عمران: 7©] » وقال تعالى +
1*١ 0 0 2 فجعل
محبة العبد لربه موجبة لاتباع الرسول ؛ وجعل متابعة الرسول سيبًا لمحبة الله عبده ؛ وقد
فا أضل عَلَئ في وَإن اميت قم يُوحي لي ري [سبا: »]8٠ وقال تعالى : فق
جام م الله نور وكاب شين . يدي به الله مي اع روا َل الام وبْرمُم عن
بإذنه وَيَهْديهم إلى صراط مُتَقيم [ المائدة :016 116
فبمحمد كله تبين الكفر من الإيمان » والربح من الخسران » والهدى من الضلال؛
والنجاة من الوبال » والغى من الرشاد » والزيغ. من السداد » وأهل الجنة من أهل الثارء
والمتقون من الفجار ١ وإيثار سبيل من أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين؛ من سبيل اللغضوب عليهم والضالين +
فحق على كل أحد بذل جهده واستطاعته فى معرفة ما جاء به وطاعته؛ إذ /. هذا
طريق النجاة من العذاب الأليم والسعادة فى دار النعيم. والطريق إلى ذلك الرواية والنقل+
إذ لا يكفى من ذلك مجرد العقل » بل كما أن نور العين لا يرى إلا مع ظهور نور قدامه»
فكذلك نور العقل لا يهتدى إلا إذا طلعت عليه شمس الرسالة » فلهذا كان تبليغ الدين من
أعظم فرائض الإسلام » وكان معرفة ما أمر الله به رسوله واجبًا على جميع الأنام»
والله سبحانه بعث محمد بالكتاب والسنة 1 نرقم انر حا
لمنة ؛ قال تعالىي
وقال تعالى عن الخليل : « رَبُنَا و م[
من آيات الله والْحكْمة > [الاحزاب: 4 » وقد قال غير واحد من العلماء » منهم يحى
كان الرسول يتلوه هو السئة
عن النبى كه من عدة أوجه من حديث / أبي رافع وأبي ثعلبة وغيرهما أنه
الله أمر أزواج نبيه
ولا كان القرآن متميرًا بنفسه - لما خصه الله به من الإعجاز الذي باين به كلام الناس
وان بَعْضْهُمْ لَعْضٍ ظَهِيرا » [الإسراء : 448] وكان منقولا بالتواتر - لم يطمع أحد في
تغيير شىء من ألفاظه وحروفه + ولكن طمع الشيطان أن يدخل التحريف والتبديل في
معانيه بالتغيير والتأويل » وطمع أن يدخل في الأحاديث من النقص والازدياد ما يضل به
بعض العباد.
فاقام الله - تعالى الجهابذة النقاد » أهل الهدى والسداد » فدحروا حزب الشيطان»
وفرقوا بين الحى من البهتان » وانتدبوا لحفظ السنة ومعاني القرآن من الزيادة في ذلك
والقصان
وقام كل من علماء الدين بما أنعم به عليه وعلى المسلمين مقام أهل الفقه الذين ففهوا
معاني القرآن والحديث - بدفع ما وقع في ذلك من الخطأ في القديم والحديث» وكان من
ذلك الظاهر الجلي » الذي لا يسوغ عنه العدول ؛ ومنه الخفي » الذي يسوغ فيه الاجتهاد
للعلماء العدول
)١( أبو داود في السئة ( 4108 ) ١ والترمذي في العلم (1378) وقال : 3 هذا حديث حسن صحيح 8 © وابن
وقام علماء النقل والتقاد بعلم الرواية والإستاد + فسافروا في ذلك إلى البلاد +
وهجروا فيه لذيذ الرقاد + وفارقوا الأموال والأولاد » وأنفقوا فيه الطارف واللاد )١( +
المشهورة؛ والقصص الأثورة؛ ما هو عند أهله معلوم » ولمن طلب معرفته معروف مرسوم؛
بتوسد أحدهم التراب وتركهم لذيذ الطعام والشراب»؛ وترك معاشرة الأهل والاصحاب»
والتصبر على مرارة الاغتراب» ومقاساة الأهوال الصعاب» أمر حببه الله إليهم وحلاه
ليحفظ بذلك دين الله . كما جعل البيت مثابة للناس وأمنًّا ؛ يقصدونه من كل فج عميق+
ويتحملون فيه أمورًا مؤلة تحصل في الطريق» وكما حبب إلى أهل القتال الجهاد بالنفس
والمال حكمة من الله يحفظ بها الدين ليهدى المهتدين + ويظهر به الهدى ودين الحقء الذي
بعث به رسوله ولو كره المشركون ٠
فمن كان مخلصًا في أعمال الدين يعملها لله » كان من أولياء الله المتقين؛ أهل النعيم
وقد فسر النبي َيه البشرى في الدنيا بنوعين :
الثاني : الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح ؛ أو ترى له +
عاجل بشرى المؤمن » 099 . وقال البراء بن عازب : سئل النبى َه عن قوله : لهم
() الطارف : امال المستحدث » والتلاد خلافه . انظر : المصباح المنبر + مادة 3 طرف 4 و اتلدة
(1) مسلم في الب والصلة (113/134) » وابن ماجه في الزهد (4175)» وأحمد 0107/8 4181 عن أبى فر
رغى الله عنه
(©) الترمذى فى الرؤيا ( 177/8) وقال: « هذا حديث حسن » ؛ وابن ماجه فى تعبير الرؤيا لم288 ؛ والحاكم فى
المستدرك فى التفسير 3 / 340 وفال : 8 هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاء » ووافقه الذهبى. كلهم من
حديث عبادة بن الصامت ؛ ولم أقف على رواية البراء بن عازب رضى الله عنه.
والقائمون يحفظ العلم الموروث عن رسول الله كَل الربان » الحافظون له من الزيادة
والنقصان» هم من أعظم أولياء الله المتقين وحزبه/ المفلحين بل لهم مزية على غيرهم من
أهل الإيمان والأعمال الصالحات» كما قال تعالى: ير الله الذين آمنُوا منكم وَالّذِين وتوا
العلم رجات 6 [المجادلة ]١١: قال ابن عباس: يرفع الله [الذين أوتوا العلم من المؤمنين
وعلم الإسناد والرواية مما خص الله به أمة محمد كَل » وجعله سلما إلى الدراية.
الضلالات» وإنما الإسناد لمن أعظم الله عليه المئة ؛ أهل الإسلام والسئة © يفرقون به بين
الصحيح والسقيم ؛ والمعوج والقويم.
وغيرهم من أهل البدع والكفار » إنما عندهم منقولات يأثرونها بغير إسناد؛ وعليها من
دينهم الاعتماد» وهم لا يعرفون فيها الحق من الباطل » ولا الحالي من العاطل +
وأما هذه الأمة المرحومة؛ وأصحاب هذه الآمة المعصومة » فإن أهل العلم منهم
والدين هم من أمرهم على يقين » فظهر لهم الصدق من المين 19 ؛ كما يظهر الصبح لذي
عصمهم الله أن يجمعوا على خطأ في دين الله معقول أو منقول + وأمرهم إذا
فإذا اجتمع أهل الفقه على القول بحم لم يكن إلا حقا » وإذا اجتمع أهل/ الحديث
على تصحيح حديث لم يكن إلا صدقاء ولكل من الطائفتين من الاستدلال ٠ على
مطلوبهم بالجلي والخفي ما يعرف به من هو بهذا الامر حفى ( » والله تعالى يلهمهم
بالتجربة الوجودية ؛ فإن الله كتب في قلوبهم الإيمان؛ وأيدهم بروح منهء لما صدقوا في
الله ورسوله ؛ ومعاداة من عدل عنه © قال تعالى : ( لا تجد قوما
(1) بياض بالاصل» والزيادة من الحاكم في التفسير 841/5 وقال: لهذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاء» ووافقه
لين : الكذب . انظر : لسان العرب ؛ مادة 3 مين »
© حت : عالم . انظر : لسان العرب + مادة 3 حفا ».
ولك كب في قُوبِهِمْ لجان يدهم بروح مَنب [لمجادلة : ؟؟]
وأهل العلم المأثور عن الرسول أعظم الناس قيامًا بهذه الأصول؛ لا تأخذ أحدهم في
الله لومة لائم؛ ولا يصدهم عن سبيل الله العظائم» بل يتكلم أحدهم بالحق الذي عليده
ويتكلم في أحب الناس إليه؛ عملاً بقوله تعالى : يا أَيُّهَا الذين آمنُوا كُونُوا قوَامينَ بالط
التعديل والتجريح؛ والتضعيف والتصحيح © من السعي المشكور» والعمل المبرون ما كان
من أسباب حفظ الدين ؛ وصيانته عن إحداث المفترين » وهم في ذلك على درجات: منهم
المقتصر على مجرد النقل والرواية؛ ومنهم أهل المعرفة بالحديث والدراية » ومنهم أهل
الفقه فيه؛ والمعرفة بمعانيه ٠
/ وقد أمر النبي َه الأمة أن يبل عنه من شهد لمن غاب؛ ودعا للمبلغين بالدعاء
الوداع : « آلا ليبلغ الشاهد الغائب» غرب مبلغ أوعى من سامع» 09 +
غير فقيه؛ ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ؛ ثلاث لا بقل عليهن قلب مسلم:
إخلاص العمل لله » ومناصحة ولاة الأمر » ولزوم جماعة المسلمين ؛ فإن دعوتهم تحيط
كلهم عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما. ٠٠
البخارى فى الحج (1741) + واين ماجه فى المقدمة (117) » كلاهما عن أبى بكرة رضى الله عنه» )(
187/8 الترمذى فى العلم ل1788): وابن ماجه فى المقدمة (130) » والدارمى فى المقدمة 9/1ل1؛ وأحمد )©(
1/1/8 وقوله : «نضره من النضارة وهى حسن الوجه » وإنما أراد : حَسّن خلقه وقدر. انظر: النهاية
أفقه من المبلغ ؛ لما أعطى المبلغون من النضرة ؛ ولهذا قال سفيان بن
احدا من أهل الحديث إلا وفي وجهه نضرة ؛ لدعوة الب َي » يقال : نر + وِنَضَرَ
والفتح أفضصح ٠
ولم يزل أهل العلم في القديم والحديث يعظمون نقلة الحديث + حتى قال الشافعى -
رضى الله عنه : إذا رأيتٌ رجلا من أهل الحديث فكاني رأيت رجلاً من أصحاب البي
كل ونا قال الشافعي هذا ؛ لأنه في مقام الصحابة من تبليغ حديث الي كِلةٍ وقال
)١( هو أبر محمد سفيان بن عيينة بن أبي عمران الكوفي» ولد سنة ١ه » قال عنه ابن وهب: ما رايت احداً
أعلم يكتاب الله من ابن عبينة ؛ وتوفى سنة 148ه . [ تهذيب التهليب 117/4]
/ وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى :
قاعدة فى الجماعة والفرقة » وسبب ذلك ونتيجته
0171 قالع :
والموحى» وهو: فَأقيمُا اين أقيموا الدين مفسر / للمشروع لثاء الموصى به الرسل؛
والموحى إلى محمد ؛ فقد يقال : الضمير فى ل أَقيمُوا عائد إلينا . ويقال : هو عائد إلى
أن أطع الله » ووصيتكم بما وصيت بنى فلان » أن افعلوا . فعلى الأول : يكون بدلا من
بدل أيضًا » وذكر ما قيل للاولين . وعلى الثالث : شرع الموصى به « أَقيمُوا »
فلما خاطب بهذه الجماعة بعد الإخبار بأنها مقولة لناء ومقولة لهم» عُلم أن الضمير
إلى هذاء فإن الذى شرع لناء هو الذى وصى به الرسل . وهو الأمر بإقامة الدين + والنهى
عن التفرق فيه ؛ ولكن التردد فى أن الضمير تناولهم لفظه » وقد عُلم أنه قيل لنا مثله؛ أو