والقول بأن الدين شىء من خرافات الأولين ضرب من الجرأة التى يتسم بها سفهاء
كل عصر يرمون بها المرسلين » كأن الإلحاد فى آيات الله ذكاء وتقدم والاستجابة لهديه
جمود وتأخر!! وذلك هو الضلال البين ٠
سفاهة قديمة
وأكد الشيخ الغزالى أن اتباع الدين والانقياد لتعاليمه يقتضى تفتحًا ذهنيًاً يتجاوب
مع آيات الله فى كونه » كما يقتضى عزيمة قوية لفطام النفس عن المظالم والآثام ؛
وهذا الجهاد يجعل كفة المؤمنين فى اية موازنة ارجح ويجعلهم احقى بالاحترام فى
الدنيا والآخرة ِ
وإذا كان اتهام الدين بأنه فكرة متأخرة ليس إلا سفاهة قديمة فكذلك ماينضم إلى
هذا الاتهام من تبجح أهل الزيغ وتطاولهم كأنهم ورثوا ذلك الكبر بالإلحاد عن فسقة
الجاهلية الأولى الذين كانوا يلقون رسول الله ل فيسخرون مله ويستعجلون العقاب
المعد للجاحدين » ويصف الله تبارك وتعالى ذلك بقوله : ف وَإذَا َآك اللذين كَفَرُوا إن
أضاف الشيخ الغزالى : إن القوم هم القوم » حذو النعل بالنعل » وإن المرء ليتفرس
ف وجوه عشاق الإحاد في هذا الزمان فلا يرى ص ملامحهم البدنية والنفسية إلا
ملامح المفتونين الصغار الذين تلى نبأهم من أعداء النبيين المكرمين الدعوى هى
الدعوى » والسيرة هى السيرة أما الثرثرة باسم العلم وتقدمه فهى شكل ليس له
تنقض الاعتقاد فين وحدانية الله ووجوب طاعته وصرورة ة الإعداد للقائه «( يوم يقوم
١7 - 31: الأنعام : 15 () الأنبياء )١(
الإسلام مع تعدد الأحزاب
ويرقض شطط الاجتهاد
ويهذب فوضى حريةالفكر
الداعية الإسلامى الكبير الشيخ/ محمد الغزالى حفظه الله بعد
مسيرة حافلة قضاها فى حقل الدعوة الإسلامية المملوء بالألغام والمفروشض
بالأشواك وهو يتنقل من قطر إلى قطر ومن بلد إلى آخر ناصحخًا وموجها
والإسلامية » ولقى الشيخ فى سبيل تبليغ رسالته كثيرًا من العقبات التى ما
والتقت به رسالة الإسلام ؛ لتستلهم رأيه فى كثير من القضايا الإسلامية الشائكة
وما يتعرض له المسلمون فى مختلف أنحاء المعمورة وغير ذلك من المسائل الفقهية
والعقائدية التى لم ينته الحديث فيها بعد
* باعتباركم من العاملين فى حقل الدعوة » فكيف تواجهون جبهة أعداء الإسلام ؛
** الصحوة الإسلامية تشق طريقها وسط هذا الظلام الدامس » ومهما طال الليل
فلابد من طلوع الفجر وإننا أمة تمرض ولا توت
إن أعداء هذه الصحوة المعاصرة ما هم إلا امتداد لأعداء الإسلام منذ بزوغ فجره ؛
وهؤلاء لم تزدهم الأيام إلا قسوة قلب » وغباء فكر
إنهم يريدون الخلاص من الإسلام على أية حال » لكنهم إلى اليوم فاشلون » إن
الجماهير المسلمة لم تنس دينها على كثرة المنسيات »؛ ولم يضعف حنينها إلى العيش
فى ظله ؛ برغم ما صنع الغزو الثقافى بعد الغزو العسكرى
ولم يقف خصوم الإسلام عند هذا الحد أبدًا فإن محاولاتهم لهدم أركان الإسلام
دين علمى
الثقافة وعلى دوام الصلة بعمل القدرة العليا يافى مجال العالم الرحب ؛ وأولو العلم فى هذا
المضمار قرناء لملائكة الله فى التايق؛ وليه والشهادة بعدالته وفى ذلك يقول تعالى :
«( شهد اللَُ َه ا َِهَ لا هو والملائكَة وأولُوا العم قَائمًا بالقسط والمتأمل فى القرآن
الكريم يوقن بأن الكون مدرسة الإيمان الح وأن العلم مدده الموار ونبعه الفوار ً وأن كل
خطوة إلى الأمام فى دراسته إنما هى زيادة جديدة فى دلائل التصديق وأسباب اليقين ٠
المعرفة كما يغلظ النبات على الشعاع والماء فياعجبًا ؛ كيف يزعم زاعم بأن الإسلام
ضد العلم أو أن الإسلام ذهب أوانه لأن العلم قد توطدت أركانه؟؟
ووصف الغزالى هذا القول بأنه انتكاس ف الفهم وانطماس فين البصائر وهذا ما
ثم تساءل الغزالى قائلاً : لننظر أى كمال تبلغه الإنسانية بعيدًا عن منطق الإيمان
وإيحاء الدين؟! إن دسائس النفس لبلوغ مآربها لاحصرلها وما لم يحكمها ضمير
موصول بالله فإنه يستحيل أن تخلص للخير أو أن تتجرد من الشر
سيظل الإسلام ملتقى العقول السليمة رغم أنف الحاقدين والعلمانيين
جبروت المتفوقين
وأضاف : لقد حصل المستعمرون فى هذا العصر على أنصبة ضخمة من العلم النظرى
الفاح الغالب سلاحًا للنهب والغصب وأداة للجبروت والكبرياء ووسيلة لقهر الأنم وتكبيل
عقولها وضمائرها بالأغلال » إن الحياة التى يستهدفها الإلحاد لسكان هذا الكوكب المرهق
حياة لا صواب فيها ولا رحمة »«حياة يوخ فيتها مدل بتفوقة صرخة ة الزعيم الصهيونى
علكم بحيد هود 87 قَالُوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما : تقول وَإِنَّ رَاكٌ فينا
وهذا - دمار اجتماعى يقوض أمسس الشرف ويرد منابع العفاف ويطلق ألسنة العاهرين
بمطاردة أهل الطهر وأولى النهى قائلين © أخرجوهم مَن قريتكم إنهم أناس يتطهرون 6"
واستطرد الشيخ الغزالى وصفه لبعض مظاهر الانحلال والضلال التى بدأت تتفشى
فى المجتمع الإسلامى قائلاً : إن الحياة بعيدًا عن فضائل الدين وشعائره انطلاق
حيوانى محضصض ولا يجوز ز أن ينخدع العقلاء بمظاهر الارتقاء الى تلوح أحيانًا بين أقوام
متحللين من شعب الإيمان وتعاليم الدين 6 فإن أزمات العالم التى تتهدده بالويل
والعذاب الأليم إنما تنشأ من غرائز السوء التى تمت فى ظلال الإلحاد وانطلقت من
عقالها انطلاق السباع من غابها
وماترجع البركة إلى الأرض إلا إذا عاد الناس إلى ربهم منيبين رأشدين
مهمة الدعاة
وبلسان حال الدعاة يؤكد الشيخ الغزالى المهمة الرئيسية التى تنتظر أن يقوموا بها فقال : إن
مهمتنا نحن هي تعريف الإسلام لأهله حتى يعودوا مسلمين » فمن شأن جمال الإسلام إذا
تحلى به أهله حقا أن يكون عملهم به وسيرتهم القائمة على أخلاقه وسيلة لمعرفة الآخرين به
فمن عرف شيئًا صار صديقًا له ومن جهل شيئًا عاداه » وإن تسعة أعشار عداوة غير
المسلمين للإسلام ناشئة فى هذه العصور عن فقدان القدوة » وعن تقصير المسلمين فى
أن تكون معاملاتهم وأخلاقهم وتصرفاتهم بمثلة لإسلامهم فخيل إلى غير المسلمين أن
معاملاتنا وأخلاقنا وتصرفاتنا المخالفة للإسلام من الإسلام فكرهوه لذلك
)١( القصص : 18 (7) هود : )٠©( 1١ الأعراف : 87
إن الإسلام الذى تطمره الآن عواصف متتابعة الهبوب وأمته التى انفرد الخصوم بكل
جزء منها كما يتفرد فطاع الطريق برجل ملىء فى مكان موحش هذا الإسلام من حقه
واستطرد الشيخ الغزالى حديثه بقوله : أنا أعتقد من عشرات السنين أن الإنسانية
فى حاجة إلى البعث الإسلامى ؛ لأنها تتخبط فى أنظمتها الحاضرة ولا تجد لها
مخرجًا من هذا التخبط إلا بأنظمة الفطرة القائمة على أسس الأخلاق » وأنظمة الفطرة
القائمة على أبس الأخلاق لاتحتاج إلى من يخترعها من جديد ؛ ذلك أنها موجودة
بالفعل فى نظام الإسلام الذى أهمله المسلمون فصاروا حجابًا بين الإنسانية وبين
معرفة هذا النظام » فاضطر الغرب إلى أن ينزلق فى أنظمة أملى عليه اليهود بعضها ؛
وأغروه ببعضها أو جعلوه منها أمام أمر واقع » أو كانت لهم يد فى تعديل البعض الآخر
أو توصل غير اليهود إلى بعض المبادئ ؛ فوجدها اليهود داخلة فى برامجهم فأيدوها
فغشى دواوين حكمنا وأسواق تجارتنا وساد فى مجامعنا ؛ وسابق نساؤنا رجالنا إليه
فى الأزياء والآداب والمعاشرة حتى آمنا به وكفرنا بما سواه » وأصبح الرجل المستقيم منا
هو الذى يمدحه الناس بأنه ملتزم لذلك النظام الأجنبى وغير مخلّ بشىء من أصوله
ولو أن المسلمين انتفضوا انتفاضة حكيمة يرجعون بها إلى أنفسهم ويعيدون تنظيم
مواريثهم ويتعاونون على إقامة نظامهم الفطرى الذى يتعاملون فيه بمقاييس الإيثار لابمقاييس
الأثرة فإنهم لايلبثون أن يوجد فيهم من أبنائهم جيل ترى فيه الإنسانية جمال الإسلام
ويتبين لها أنه ضالة الإنسانية التى كانت تنشدها فيتجدد بذلك تاريخ الإنسانية جميعًا
وكشف الشيخ الغزالى عن أن هناك سباقًا قائمًا بين عدة أديان كى يثبت كل منها
أنه أولى بالحياة وأجدر بالبقاء » وقال : الغريب أن بعض المنتمين إلى الإسلام يجهل
متعجبًا : لحساب من يتحدث بعض الناس عن الإسلام ويصورونه بعيدًا عن مقررات
الفطرة وأشواق الإنسانية الكاملة؟! ولحساب من يعلو صوت الإسلام فى قضايا
جهازعامى لدعم الأخلاق والقيم
جاءتنى رسالة من الأمين العام لمؤسسة كبرى تعمل على دعم الفضائل والقيم بين
الناس » عقدت مؤتمرها الأول فى شيكاغو » وتستعد لعقد مؤتمرها الثانى بمناسبة مرور 9٠
تضم رجالا من كل دين سماوى أو أرضى » بل تضم أعضاء لايؤمنون بأى دين المهم
أنهم يدعمون الأخلاق الفاضلة » ويحترمون المثل العليا التى يجب أن تحكم الم وأنا
رجل شرقى » الأول والأخير أنى أقول وراء محمد ل : قل إن صَلاتي ونُسكِي
الذى وضع اللقمة فى فمى وحين أفكر بأن الله هو الذى أسرج مصباح عقلى إنه
يستحيل أن أفكر أو أسوى بين مؤمن وكافر أو أشترك مع عابد عجل أو عابد نفسه
وحدها فى عمل ما لرفع مستوى البشر !! شعرت بأن أهل الأديان تلاحقهم تهمة
خطيرة » أنهم لايهتمون بتزكية الروح » وأنهم قد يدفعون المظالم عن أنفسهم ؛ لكنهم
شعرت بالرضا وأنا أقرأ عن إنشاء جهاز عالمى لدعم الأخلاق والتسامى بالبشر
وقلت : إن الفطرة الإنسانية لاتزال طيبة تعشنى الكمال وتسعى إليه » وتقاوم السعار
أبناء آدم أمسوا أسرة تستطيع التقارب والتحاور ودراسة مايثور من مشكلات ؛ والتعاون
على حلها لكنها ستعجز عن بلوغ أهدافها إلا فى ظل الاكتمال الخلقى وكبت غرائز
الأثرة والكبرياء فهل نقصر فى توفير الوسائل المنشودة لتحقيق مانصبو إليه؟
مكارمالأخلاق
إن نبى الإسلام يقول : «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» ؛ ويقول لعلى بن أبى
طالب : «ألا أدلك على أكرم أخلاق الدنيا والآخرة؟ أن تصل من قطعك ؛ وتعطى
ويقول لأصحابه : «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟
قالوا : بلى! قال : إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هى الحالقة ؛ لا أقول
تحلق الشعر ولكن تحلق الدين»!!
إننا نحن المسلمين يسعدنا تأليف هيئة أخلاقية تساند هيئة الأنم » وتسدد خطاها ؛
وتحصنها من ال محاباة والهوى َ
الأخلاقى فتح الباب للمؤمن والكافر » للموحد والمشرك ؛ لمن يعتقد خلود الروح ولن
يرى انتهاء الوجود بالموت! قد تقول : هذه هى الدنيا وهؤلاء أبناؤها وقد تكونت الأنم
المتحدة من ملل متناقضة » وتجاورت فى مقاعدها لتدرس قضاياها امختلفة وماتستطيع
إن النظر إلى الإيمان بالله على أنه قضية ثانوية أو قضية لاصلة لها بالأخلاق أمر
مستنكر عندنا نحن المسلمين » أو هو أمر د يثير الاشمئراز ء لماذا يخلق الله ويعبد غيره؟
ولماذا يعطى ويشكر غيره؟ هل العقوق رذيلة إلا فى معاملة الله؟!
تقوية المفضائل ومحارية الرذائل
فكيف أرضى وجود أفراد أو جماعات تطعم من خير الله صباحًا ومساءً ثم تتجرأ عليه
وتنكر وجوده وحقوقه ؟! أعتقد أننا لاينبغى أن نعترف بهم » وإذا اضطررنا إلى
مجالستهم فلنرسم لذلك سياسة خاصة توفق بين عقائدنا وحقهم فى الحياة ؛ من
نلتقى بأتباع الديانات السماوية التى سبقتنا فى مؤتمر جامع لتحسين الحسن وتقبيح
القبيح وتقوية الفضائل ومحاربة الرذائل إن لدينا الكثير الذى نود أن نقوله » والتراث
الذى تركه لنا محمد كَيْخٍ لم يترك خطوة إلى الكمال إلا دعمها » ولا رغبة فى
لتسامي إلا ذكاها وشجع عليها إنه تراث ضخم تضمن مثات الصفحات الحافلة
مكان الأخلاق » ولا أعرف رسولاً سماويًا ولا فيلسوفًا أرضيًا خلف مثل هذه التركة!!
ومن أراد الاطلاع أو الترجمة دللناه على المراجع التى يحتاج إليها شخ ثم إننا نحن
فإن الله لم يخلق الأرض لنتهارش عليها ؛ ولنسفك الدماء » بل خلقها لنرتفق خيره
المعاملة بالمتل
ونحن نعتب على اليهود والنصارى أنهم لم يبادلوا المسلمين المعاملة نفسها! قرأت
أن يهوديًا فى مدينة الخليل استولى على بيت عربى » ثم قال لرب البيت : «هذا البيت
ملكى من بضعة آلاف عام وقد عاد إلى » ولست أطلب منك أجر سكناه طوال هذه
ولا تعد هنا وإلا » هل تستقيم علاقة إنسانية مع هذا المنطق؟!
والسياسة الاستعمارية التى سيرت العالم فى العصور الأخيرة كان هذا المنطق يكمن وراءها
الرومانية التى كانت تحتل الأناضول وشرق البحر المتوسط ووادى النيل وشمال إفريقية
بداهة !! وورثة الرومان ينظرون إلى مستعمراتهم القديمة كأنها أملاكهم الضائعة
يجب أن يستعيدوها وإلى ملايين المسلمين كأنهم عبيدهم الأقدمون
ولاشك أن قيام هيثة الأنم المتحدة على أسس إنسانية مجردة فتح صفحة جديدة
ص تاريخ العالم »وكفكف من غلواء الاستعمار السابق » لكن هل المنتصرون الذين بنوا
هذه الهيئة النبيلة برثوا من مسورات الحقد القديم وحاربوا التعصب والجشع؟
لعل إنشاء جهاز أخلاقى عالمى يساند الخصائص الإنسانية العليا ؛ وينشط الجهود
المبذولة لدعمها » ويصل بالهيئة إلى مانريد ويقى العالم شرور الانقسام والخصام
تحريم الظلم
ويستريح للعدل و يعلم أن النزق والجور من صفات السباع لا من خلائق الإنسان
ويؤسفنى أن الإنسانية فى تاريخها الطويل احتالت على ارتكاب المظالم » ورأت فى
اختلاف البشر - قوة وضعفًا وغنى وفقرً » وإيمانًا ا لسع اط ٠
وقد رفض القرآن الكريم أن يعترض العدالة شىء ماديًا كان أو أدبيًا ج يا يها الّذين آمنوا
لقد وهل الناس أن اختلاف الدين يبيح التظالم ويترك المجال رحبا للمشاعر المنحرفة
والأهواء الجامحة » وهذا كذب على رب الدين وباعث المرسلين إن الله يمَرْ بلْعَدْل
والإحسان »'" » وأذكر ثلاثة أحاديث مروية عن محمد عليه الصلاة والسلام ترد
هذه الفرية وتبرئ الإسلام من هذه التهمة
الحديث الأول : «دعوة المظلوم مستجابة » وإن كان فاجرًا ففجوره على نفسه»
الحديث الثالث : «عن أبى ذر قلت يارسول الله ماكانت صحف إبراهيم؟ قال :
كانت أمثالاً كلها : أيها الحاكم المسلط المبتلى المغرور إنى لم أبعثك لتجمع الدنيا
من كافر »!!
ما أثر اختلاف الدين هنا؟
إن اليهودى التائه عاش قرير العين موفور الدم والعرض والمال فى عاصمة الإسلام!