يؤتيه من يَشَاء الله ذو الْفضلٍ العظيم ١0
لكن الفضل الإلهى لا يتنزل على من لا يترشح له » ولا ينسحب عن أمة دون
سبب واضح! فلم عزل الله اليهود وأحل مكانهم العرب؟
إنك لا تأمن على تأديب ولدك معلمًا سيئ الأخلاق ردىء الطبائع! فكيف يكل
الله تربية العالمين لشعب قاسى القلب » مظلم السريرة » جامح الشهوات؟
لقد عزل اليهود عن مكانتهم القديمة لأنهم برذائلهم ومعاصيهم هبطوا دونها! إن
صلتهم بالوحى الإلهى تشبه صلة الدابة بما تحمل من كتب
ومن ثم جردوا من أمجادهم الأولى وقلد العرب هذه الأمجاد » فالعرب بابتعاث
محمد منهم أصبحوا الشعب المختار الجديد المكلف بحمل أمانات الوحى المؤتمن على
اليهود فأزلتهم عما كانوا فيه من فضل رفيع
إن موالاة الله تقتضى حتمًا البذل فيه ؛ والتضحية من أجله ؛ وإيثار ما عنده على
وموالاة الله تجعل ذويها يحبون الآخرة أكثر مما يحب غيرهم الدنيا » وتطهرهم تطهيرًا
من الجبن والإخلاد إلى الأرض
ولكن اليهود بلغوا فى حب المال حد الشره » وفى حب الحياة حب التشبث بها
والحرص عليها
)١( المفعة ا - (؟) الجمعة : ه
إن الأمة العربية لما اختارها الله لحمل رسالته الخاتمة كانت أنقى جوهرًا » وأعمق
أثرا » من بنى إسرائيل!
ويبدو أن العرب حتى فى جاهليتهم الأولى - كانوا يحسون فتك الأمراض النفسية
والاجتماعية بأهل الكتاب المجاورين لهم » وأن هؤلاء الكتابيين يفقدون الصلاحية
المفروضة فيمن يتصل بالله عنه!
وتأمل قوله تعالى وهو يتحث العرب على الإيمان ف( وَهَذَا كتاب أَنزلْنَاه مبَارَكُ
منهم 6(" !!
بواطنهم وظواهرهم ما يسوء
والواقع أن التدين الفاسد لعنة على الحياة » وأن تحول الدين إلى كهانة واحتراف
واحتكار يخلق طائفة من المرضى المستكبرين أو الموجهين المنخورين يفسدون فى
الأرض ولايصلحون » تتأخر بهم الحياة ولا تتقدم » وتشقى بهم ولا تسعد
من أجل ذلك اصطفى الله العرب بعدما آتاهم رشدهم 1 وأقام عوجهم » فخرجوا
على الناس وهم أسلم قطرة وأعذى سبيلا :
ضرباتهم للباطل حاسمة شافية » وما ندرى أى درك كانت الدنيا جمعاء سوف تهوى
إليه لو لم ينطلق العرب شرقا وغربًا بهذا الدين الحنيف
)١( الجمعة :763 2 )١( الأنعام: فت 167167
أي انتطلق وحده دوا إشراف أو توجيه » وقلت أنا : بل أطلقه عقل مشرف مدبر!
إن الافتراض العقلى ليس سواء » إنه بالنسبة إلى الحق الذى لامحيص عنه ؛
وبالنسبة إليك الباطل الذى لاشك فيه ؛ وإن كان كفار عصرنا مهرة فى شتمنا نحن
المؤمنين ورمينا بكل نقيصة » فى الوقت الذى يصفون أنفسهم بالذكاء والتقدم
والعبقرية » إننا نعيش فوق أرض مفروشة » وتحت سماء مبنية ؛ ومفلك عقلا نستطيع
به البحث والحكم » وبهذا العقل ننظر » ونستنتج » ونناقش » ونعتقد
عليهم أن يهزءوا كذلك بمن يميتون العقل باسم العقل » ويدوسون منطق العلم باسم
العلم وهم للأسف جمهرة الملاحدة!!
لكنا نحن المسلمين - نبنى إيماننا بالله على اليقظة العقلية والحركة الذهنية ؛
ونستقرئ آيات الوجود الأعلى من جَولانَ الفكر الإنسانى فى نواحى الكون كله
فى صفحة واحدة من سورة واحدة من سور القرآن الكريم وجدت تنويها بوظيفة
العقل اتخذ ثلاث صور متتابعة فى سلم الصعود
هذه السورة هى سورة الزمر » وأول صورة تطالعك هى إعلاء شأن العلم ؛ والغض
الأنباب ١0
ثم تجىء الصورة الثانية لتبين أن المسلم ليس عبد فكرة ثابتة » أو عادة حاكمة
بل هو إنسان يزن مايعرض عليه ويتخير الأوثق والأزكى « فشر عباد © الذي
الألباب 6"
ثم يطرد ذكر أولى الألباب للمرة الثالثة فى ذات السياق على أنهم أهل النظر فى
وفى الموازنة بين الأمة الجديدة حاملة الرسالة الخاتمة وبين أهل الكتكاب
والأنم تصلح للحياة والسيادة بمقدار كثرة الخير وقلة الشر فيها
إن مادة الشر يستحيل أن تنحسم من بين الناس ولو كان الأنبياء رعاتهم » ولكن
وشعر فاعلوه بمجده كانت أجدر بالبقاء » وأحق برعاية الله
أما إذا قل الأخيار » وبرز الفجار فإن البلاء يعم » والاتكسار يحيق » ما يغنى فى
دفعه سلاح نادر وتقوى ضئيلة!!
والأمر بالمعروف يجىء إثر الإحساس بحقه فى الظهور والسيادة » والنهى عن المنكر
يجىء إثر الإحساس بضرورة استخذائه واستخفائه
وهذا وذاك يلدهما الإيمان النابض بالقدرة والنشاط
وقد كان ذلك الإيمان سمة الأمة الفتية الناشئة من قلب الصحراء
أما بقايا أهل الكتاب فإن العفن الفكرى أو النفسى كان ضاربًا فى أحوالهم وأعمالهم
تحت أقدام الطغاة والفساق
ما فعله أبناء القرآن الكريم الذين نفخ فيهم محمد من روحه وتعهدهم بحكمته
وفى سورة ال جمعة » أو سورة العروبة » نرى ال ب بهذه
الرسالة فقال : ف( ذلك فَضْلَ الله يؤتيه من يَشَاءُ "
ثم شرع يذكر مآسى , بنى إسرائيل وغدرهم بما أخذ عليهم من عهود أما فى سورة
آل عمران فإن الله جل شأنه ذكر أولاً انحراف اليهود وفسقهم عن أمر الله ثم أعلن
عزله لهم ؛ ونزع الملك منهم » واختيار العرب دونهم لقيادة العالم
بينهم لم يتولّئ فريق مهم وهم معرضون 6"
وبعد أن رفض هذا السلوك » وبنى عليه طرد أصحابه » وجه الخطاب إلى نبيه
أن ذلك فى إيثار محمد وأمته العربية على بنى إسرائيل!
قد تقول : ما علاقة هذا كله بقصة الإسراء؟ والجواب أن ليلة الإسراء كانت تقريرًا عملي
الرحلة إلى بيت المقدس » ولم تبداً من المسجد الحرام إلى سدرة المنتهى مباشرة؟
إن هذا يرجع بنا إلى تاريخ قديم فقد ظلت النبوات دهورًا طوالا وهى وقف على
بنى إسرائيل ظل بيت المقدس مهبط الوحى » ومشرق أنواره على الأرض » وقضية
الوطن المحبب إلى شعب الله المختار
فلما أهدر اليهود كرامة الوحى وأسقطوا أحكام السماء ؛ حلت بهم لعنة الله » وتقرر
تحويل النبوة عنهم إلى الأبد» ومن ثم كان مجىء الرسالة إلى محمد قَيْ انتقالاً
بالقيادة الروحية فى العالم » من أمة إلى أمة ومن بلد إلى بلد » ومن ذرية «إسرائيل»
وقد كان غضب اليهود مشتعلاً لهذا التحول ؛ مما دعاهم إلى المسارعة بإنكاره
لكن إرادة الله مضت وحملت الأمة الجديدة رسالتها » وورث النبى العربى تعاليم :
إبراهيم » وإسماعيل ؛ إسحاق » ويعقوب » وقام يكافح لنشرها وجمع الناس عليها فكان
من وصل الحاضر بالماضى » وإدماج الكل فى حقيقة واحدة » أن يعتبر المسجد الأقصى
الث الحرمين فى الإسلام » وأن ينتقل إليه الرسول فى إسرائه فيكون هذا الانتقال
)١( آل عمران : ا )١( آل عمران : 77 )٠( البقرة : 6
احترامًا للإيمان الذى درج قديمًا - فى رحابه ثم يجمع الله المرسلين السابقين من
حملة الهداية فى هذه الأرض وما حولها ليستقبلوا صاحب الرسالة الخاتمة
إن النبوات يصدق بعضها بعفضًا » ويمهد السابق منها للاحق وقد أخذ الله الميثاق
وحكمة أ ثم جاءكم رسول مُصدق ]ا معكم نو به وَتَصْرنَه قال أَرَرتُوخََتُم على
وفى السنة الصحيحة أن الرسول صلى بإخوانه الأنبياء ركعتين فى المسجد
ال فكانت هذه الإمامة إقرارًا مبيئا بأن الإسلام كلمة الله الأخيرة إلى خلقه
أخذت تمامها على يد «محمد» بعد أن وطأ لها العباد الصالحون من رسل الله الأولين
والكشف عن منزلة محمد كَيٍْ ودينه ليس مدحًا يساق فى حفل تكريم ؛ بل هو بيان
حقيقة مقررة فى عالم الهداية ومنذ تولت السماء إرشاد الأرض » ولكنه جاء فى إبانه
لماذا سردت هذا القصص الغابر؟ إنه ليس سرد تاريخ مضى » وخبر كان !!
إنه تعريف أمة تائهة بحقيقتها ورسالتها وقدرها المكتوب وحسابها الدقيق !!
إن العرب ينبغى أن يعرفوا : من هم؟ ويم أوثروا؟ وما المطلوب منهم لليوم الحاضر
والغد القريب
آياتها تستعرض الحكم » وتسوق العلى: هذه السورة أكدت للعرب مثل ما أكدت
لغيرهم أن الله يعامل شتى الأجناس بقانون موحد لا مكان فيه لححاباة أو فوضى
منها أما الآخرة فلا بد لكسبها من شروط ثلاثة :
© أن تكون إليها الوجهة
© أن يقترن الاتباه بالسعى الجاد
© أن يقترن السعى بالإيمان الخالص
الأرض والتسمناء » فهل يريدون أن يتنكروا لوحى الله لديهم » ومواريشه بينهم ؛ ثم
يتجاوز عنهم » ويبسط يده عليهم بالخير والنصر ؟
وإقام الصلاة فإذا وفينا بحق الله انتشرنا فى الأرض لننال من خيرها ما يعيننا على
أسباب الفلاح
ياللرجال بفيردين
الله جل جلاله رب محمدا ليربى به العرب
ورب العرب بمحمد ليربى بهم الناس
ويتكشف فيها ما فاتهم من خشوع وأدب فيكون تعليق القرآن الكريم على هذا النوع
أو العوج المذكور ف وما قَدَرُوا الله حَقْ قَرِه إن الله لقي عَزِيرٌ»('! أو ما أشبه ذلك من
التعليقات التى تبرز بعد الشقة بين ما يجب لله ؛ وما يقع من الناس
والنقائض فى أفعال البشر كثيرة ولعل أخسها بعد الإساءة إلى الله ما يلقاه
محمد يل من جماهير العرب فى هذا العصر الأنكد ! إنهم ما أحسنوا إلى تراثه ؛
الناس » فإن معنى التجهم محمد وتراثه أن العرب ينتحرون الميدان العالمى » وأنهم
يحاولون أن ينأوا بأنفسهم فى ركن من الأرض » فقير إلى عناصر الشرف والسيادة
ومقومات الحق فى الدنيا والآخرة !!
إننى أسأل نفسى بإلحاح فى هذه الأيام العجاف : هل يشعر العرب بأن محمدا : مرسل
للعالمين؟ وأن هذه (العالمية) فى دعوته تفرض عليهم بعد إذ عرفوه أن يعرفوا الناس به » وهم
متاعب للإسلام ونبيه الكريم » وشاهد زور يجعل الحكم عليه لا له!! قد تقول:
حسبك حسبك إن الناس بخير » ومحبتهم لرسولهم فوق التهم فلا تطلق هذه
الصيحات الساخطة » فما تحب الجماهير أحدًا » كما يحب أتباع محمد محمد ا
وأقول لك : سوف أغمض العين عن ألوف من المتعلمين ضلل الاستعمار الثقافى
سعيهم » وشوه بصائرهم وأذواقهم » مع أن وزنهم ثقيل فى قيادة الأمة العربية فما قيمة
الحب الرخيص الذى تكنه جماهير الدهماء؟
إنه حب غايته صلوات تفلت من الشفتين مصحوبة بعواطف حارة أو باردة » وقلما
تتحول إلى عمل كبير وجهاد خطير » والترجمة عن حب محمد بهذا الأسلوب فى
أذكر أنى ذهبت يومًا لأحد التجار كى أصلح شيئًا لى » فاحتفى بى وقدم بعض
الأشربة » وأفهمنى أنه أتم ما أريد بعد أن وفيته ما أراد
والشأن كذلك مع أقوام قد تموج أحفال المولد النبوى بهم » أو قد يصرخون بالصلاة
على رسول الله كَيْغٍ فى أعقاب الأذان » أو قد يؤلفون صلوات من عند أنفسهم يحار
وقد يكون حبهم تمسكا شديدًا ببعض النوافل » وهروبًا تام من بعض الفرائض ؛
لا ألفينك بعد الموت تندبنى وفى خياتى ما قدمنت لى زآذا
أى حب هذا 8 العرب لا يعرفون أى شرف كتب لجنسهم ولغتهم وأمسهم
وغدهم عندما ابتعث الله محمد منهم » وأن التقدير الحتقى لهذا الشرف لايكون
بالسلوك المستغرب الذى يواقعونه الآن » ومنذ بدءوا يعبثون برسالة الله بينهم ٠
عبارتين مبينتين :