ولكن السؤال الراهن : هل تراجع الشيخ الغزالى عن آراء أوردها هذا الكتاب ؟
هذه الإجابة تحتاج لأولى البصيرة والألباب ؛ وإنما الواقع أن الشيخ لم يلغ رأيا أر
ربما أخذ شكل الحماس حينا والهدوء حينا آخر ولكن الأمر المستفاد أنه لم يسكت
يقول الدكتور يوسف القرضاوى فى عرضه كتاب الإسلام المفترى عليه
ومن أبرز النماذج : حديثه عن الملكية : هل تقييد أولا ؟
فلنقرأ ما يقول الشيخ فى كتابه «الإسلام المفترى عليه» » 01
ويقرر الشيخ الغزالى نفسه هذا الأمر حين يقول : « إذا كان فى هذه الكتب -
وهى بعض ما ألفت قبل الثورة - عيب فهو حماس الشباب ؛ وغلوه فى تشخيص
الداء وتركيب الد واء وهو عيب تتطاول به أعناق اليوم وتزعمه مجدها التالد »
وسبب تقييد بعض الأراء لا انكارها - أن الأمال المتعلقة بالثورة باءت بالخيبة وكما
يقول الدكتور عبد الحليم عويس : تبين أن سيثات الإقطاعيين اذكى من حسنات
الثوريين ! وأن خطيثة الأقطاع وإفقار البشر كانت أقل فداحة من لوثات الثوريين فى
ولما أظهرت الأيام ما يخفيه الغيب ووضحت أغراض الاشتراكيين ونيّاتهم قال
الشيخ فيما بعد :
«لابد من كشف لأولئك الاشتراكيين العرب ! فقد كان فهمهم وتطبيقهم
للاشتراكة موضع التندر للعدو والصديق وكانت النهاية التى أوصلوا إليها الأمة إفقار
الأغنياء ؛ واتعاس الفقراء » واعزاز من أذل الله وإذلال من أعز الله
٠ ١7 الغزالى كما عرفته - مرجع سبق ذكره ص )١(
فإذا انتصر الدين حينا ؛ سجل التاريخ له صحائف بيضاء ؛ بما تضمنت من عدالة
ومساواة وإخاء
انطلقت فيها سحب الشهوات » وملأت الآفاق بغيوم ؛ حجبت عن الناس الضحوة الكبرى
ثم ما أسرع ما جاء الليل ؛ وفى الليل تظهر الأشباح ؛ وتنطلق المردة » وتولد
الأشاطير
وكان من الأساطير التى راجت عن الإسلام ؛ أن الدين الذى يدعو للأخوة العامة ؛
أصبح حملته يتعصبون لقبيلة من القبائل » أو جنس من الأجناس » وأن الدين الذى
يكن لهم هذا الدين إلا البغض والاحتقار
فقيل له : وكيف ؟ !
قال : قصر واحد مشيد ؛ وأكواخ مبعثرة مهدمة » إن لهذا دلالته الصارخة
ومن عجب أن تكون هذه الصورة المزرية » صورة الأنانية المتفردة ؛ واللجماعة البائسة
المنكودة ؛ هى الصورة التى يراد أن تسود » فى ميدان السياسة والاجتماع والاقتصاد » وأن
يكون ذلك فى حماية من الدين ذى المناهج الاشتراكية » التى لا ينكرها ذوعينين !
الفصل الرابع
2 ور الاقتصادى
لا شيوعية فى الإسلام
أصدرت لجنة الفتوى بالأزهر هذه الفتوى
الخطيرة؛ نثبتهاهناء مع تعليق لناعليها؛
« إن من مبادئ الدين الإسلامى ؛ احترام الملكية ؛ وأن لكل امرئ أن يتخذ من
الوسائل والسبل المشروعة لاكتساب المال وتنميته ؛ ما يحبه ويستطيعه » ويتملك
بهلاء السبل ما يشام
هذا وقد ذهب جمهور الصحابة وغيرهم من الفقهاء المجتهدين ؛ إلى أنه لا يجب
فى مال الأغنياء » إلا ما أوجبه الله من الزكاة والخراج ؛ والنفقات الواجبة بسبب
الزوجية أو القرابة
وما يكون لعوارض مؤقتة وأسباب خاصة كإغاثة ملهوف وإطعام جائع مضطر ء
وكالكفارات » وما يتخذ من العدة للدفاع عن الأوطان » وحفظ النظام ؛ إذا كان ما
فى بيت مال المسلمين » لا يكفى لهذا
وكسائر المصالح العامة المشروعة ؛ كما هو مفصل فى كتب التفسير » وشروح
السّنة وكتب الفقه الإسلامى
هذا هو الواجب غير أن الإسلام يدعو كل قادر من المسلمين ؛ أن يتطوع بما شاء
قال الله تعالى مز ل بل قرول حل رلا نظا 0 بنط فقا
3٠ الإسراء : الآية 19 (؟) الفرقان : الآية )١(
عن حاجته ؛ من أى مال مجموع عنده فى سبيل الله أى فى البر والخير - وأنه
يحرم ادخار مازاد عن حاجته ؛ ونفقة عياله
هذا هو مذهب « أبى ذر » ؛ ولا يعلم أن أحدا من الصحابة وافقه عليه
وقد تكفل كثير من علماء المسلمين برد مذهبه ؛ وتصويب ما ذهب إليه جمهور الصحابة
والتابعين » بما لا مجال للشك معه ؛ فى أن « أبا ذر » يَبَخ ٠ مخطئ فى هذا الرأى
والحق أن هذا مذهب غريب من صحابى جليل « كأبى ذر » ؛ وذلك لبعده عن
مبادئ الإسلام ؛ وعما هو الحق الظاهر الواضح » ولذلك استنكره الناس فى زمنه ؛
قال الأالوسى فى تفسيره بعد ما بين مذهبه ما نصه :
« وكثر المعترضون على « أبى ذر » فى دعواه تلك وكان الناس يقرءون له آية
لمواريث ؛ ويقولون : لو وجب إنفاق كل المال ؛ لم يكن للآية وجه
ومن هذا يتبين أن هذا الرأى خط ؛ وصاحبه مجتهد مخطئ ؛ مغفور له خطؤه ؛
إلى مأجور على اجتهاده
ولكنه لا يتابع فيما أخطأ فيه » بعد أن تبين أنه خطأ لا يتفق وما يدل عليه كتاب
الله ؛ وسلنة رسوله ؛ وقواعد الدين الإسلامى
رالى الشام من الخليفة « عثمان » باد أن يستدعيه إلى المدينة
0 طلب « معاوية ٠
مذهبه ؛ ويفتى به ؛ و يذيعه بين الناس
فطلب منه « عثمان » أن يقيم بجهة بعيدة عن الناس ؛ فأقام «بالربذة» (مكان بين
قال ابن كثير فى تفسيره : كان من مذهب « أبى ذر » يَبَةٍ تحريم اخار ما زاد
على نفقة العيال وكان يفتى بذلك ؛ و يحشهم عليه ؛ ويأمرهم به ويغلظ فى
بالربذة وحده ؛ وبها مات رضى الله عنه فى خلافة عثمان
وجاء فى فتح البارى للحافظ ابن حجر ؛ ما خلاصته : «إن دفع المفسدة مقد 1
على جلب المصلحة
ولذلك أمر « عثمان » « أبا ذر » » أن يقيم بالربذة ؛ مع أن فى بقائه بالمدينة مصلحة
كبيرة لطالبى العلم ؛ لما فى بقائه بالمدينة من مفسدة ؛ تترتب على نشر مذهبه»
يحتاج إلى شرح يمنع عنه التأويل المغرض ٠
شرح يقى الإسلام ظنون دعاة العدل الاجتماعى ؛ ويقلق طواغيت المال من أرباب
الضياع وأصحاب الإقطاع
إن هذه الفتوى صورة صادقة ؛ للتفكير الذى يسود الشرق الإسلامى منذ قرون
وهو تفكير يحتضنه الأزهر » والمدارس الإسلامية الأخرى
وتكاد الجماعات الشعبية العاملة للإسلام ؛ لا تعدو حدوده » ولا تبعد عنه ؛ إلا
ريثما تعود إليه
وهذا التفكير يعتمد على فهم معين » لنصوص الإسلام وقواعده العامة
ولا عيب فى الفهم » ولا فى إصدار الفتوى على أساسه + لو ان الحالة عندنا تشبه
الجماهير المستمتعة بأكمل الحقوق وأطيب المعايش وحيث لا تجد الشيوعية معوقا
مصطنعا أمامها
لكن الحالة فى الشرق الإسلامي » تناقض فى أساسها وفى ملابساتها ؛ أحوال
الولايات الملتحدة
ومن هنا جازلنا القول بأن هذه الفتوى رما لا تحتاج إلى تعقيب ؛ فى وصفها الإسلام
أما إرسالها على هذا النحو إلى شعوب الشرق المستضعفة » وإلى أهل البلاد
المغلوبة على أمورها وأرزاقها ؛ فإنه يحتاج إلى تعقيب طويل وهذا ما سنقوم به إن
شاء الله
والعالم المسلم يشعر بحرج بالغ » عندما يخط حرفا فى هذا الموضوع
وعندما نقارن بين ما جاء به الإسلام من تعاليم وبين ما استحدثته هذه المبادئ من
أفكار وقوانين , نجد أننا أمام معضلات شائكة
فإن الإسلام كدين ترفض عقيدته ونظامه « الشيوعية » رفضا باتا ؛ لأنها فلسفة
مادية الكيان » وفكرة ملحدة العقيدة !"
ثم ينظر بعد ذلك إلى ثمراتها الاقتصادية » ليسيغ منها ما يشاء ؛ على حسب قربها
والإسلام كذلك ؛ يرفض « الرأسمالية » رفضا باتا ؛ لأنها آفة اجتماعية ؛ وظاهرة مفسلة
غير أن الشيوعية والرأسمالية وغيرهما من المذاهب تعرض نفسها كلا لا يتجزا
وأصحاب هذه المذاهب يريدون فرضها على الناس بما فيها من خير وشر
وعلى هذا النهج سنناقش مبدأ الملكية فى الإسلام
ويضاف إليها العلمانية لما بينهما من تقارب من حيث تجنيب أحكام السماء ونبذ الخضوع لذى الجلال )١(
والإكرام «المحقق»
استدراك :
أما الكلام فى الناحية الاقتصادية من حياة « أبى ذر » ؛ فقد مر بك آنفا وجه الحق
فيه ؛ ومنه نرى أن وصف الصاحب الجليل كما يفهم البعض - بالشيوعية ؛ ثم
الاعتذار عنه بأنه اجتهد فأخطأ ؛ قول مجانب للصواب
إن كانت الشيوعية تعنى جحد الدين ؛ والكفر بالله والمرسلين ؛ فليس الرجل
شيوعيا وإن كانت تعنى إنكار حق التملك والتوارث ؛ فليس شيوعيا
وإن كانت تعنى التأثر بأفكار غريبة على الفقه الإسلامى ؛ نزحت إلى أرض الجزيرة
من فارس أو من غيرها ؛ فليس شيوعيا
وكل ما قيل من انخداع « أبى ذر » بدعوة « عبد الله بن سبأ » » فمحض كذب !
ولقد أثبت التمحيص التاريخى أن « أبا ذر » » مات قبل أن يلقى « عبد الله » هذا
فأنى له التأثر به ؟ !!
إن الذين يصفون « أبا ذر » بالشيوعية » يريدون إيهام الناس » أن النقمة على
المكتنزين » والعطف على المظلومين ؛ ونقد طواثئف الحكام من المستغلين والمترفين لا
تنبجس من نبع الإسلام الحنيف فيما يزعمون -
ولكنها أعراض شيوعية كامنة أو سافرة ؛ تجعل صاحبها موضع اتهام ؛ ومثار لجاجة
وخصام !
وقديما ضاق شاعر بهذا العبث فى تصوير الحقاثئق فقال :
إن كان رفضا حب آل محمد فليشهد الثقلان أتى رافضى
ما ذنب « أبى ذر » ؟ عندما عرض بالحالة الاجتماعية المختلة ؛ اعتقلوه ! ولم ؟
لأنه لما كان بالشام ؛ طالب أن يعيش المسلمون - حكومة وشعبا على النحو الذى
كانوا عليه فى صدر الخلافة
فكان إذا صلى الناس ال جمعة ؛ وأخذوا فى مناقب الشيخين - أبى بكر وعمر -
يقول :
«لو رأيتم ما أحدثوا بعدهما ؛ شيدوا البناء » ولبسوا الناعم » وركبوا الخيل ؛
وأنت خبير بأن الإسلام لا يُحرِّم هذا وإنما استنكره « أبو ذَرْ » لأنه من بيت مال
وليس للحاكم فى الإسلام ؛ أن يستغل مال الأمة فى متعه وملذاته ؛ ولا أن يجعل
له خاصة من وسائل التشبع ؛ ومظاهر الترف ؛ ما يتميز به تميرًا فاضحًا على سواد
الناس ؛ وخصوصًا فى البيئة الخشنة » والمجتمع ا محروم
روى عن أنس أنه قال : قال رسول ل 0 أَرَحَمٌ أمتى بأمثى أبو بكر : وأشدهم
فى أمر الله اتتي ا ات حياء عثمان ؛ وأقضاهم على ؛ وأعلمهم بالحلال والحرام
معاذ بن جبل ؛ وأفرضهم' '" زيد بن ثابت ؛ وأقرؤهم أ عي ا الاق
وأمين هذه الأمة ابن الجراح
وما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من « أبى ذرٌّ» «+أشية
عيسى عليه السلام فى ورعه
فقال عمر : أنعرفً ذلك له ؟ قال : نعم فاعرفوه له »!"؟
أو ضد الحكم القاء كما هو منطق الشيوعية فى إثارة حرب الطبقات برغم أنه لما
دخل المديئة » تجمع الناس حوله كأنهم لم يروه قبل ذلك مؤيدين لا معارضين
أفهذا المنطق البعيد عن تيار الفتنة » ومظانٌ الاستغلال » هو الذى يُسوّعْ اتهام « أبى ذر »
بالشيوعية ؟ ! !
)١( من الفرائض ؛ وهوعلم المواريث ن
)١( حديث صحيح : ورد بنص : « أرحم أمتى بأمتى أبو بكر وأشدهم فى أمر الله عمر » وأصدقهم حياء عثمان ُ
وأقرؤهم لكتاب الله أبى بن كعب » وأفرضهم زيد بن ثابت ؛ وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ٠ ولكل
أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح » صحيح سا ل وا
وفى صحيح ابن حبان والحاكم فى مستدركه والبيهقى فى سننه عن أنس