من جمهور الناس ولا من العلماء والمفكرين
فكان التمرد السياسي على الكنيسة من قبل بعض الملوك كما فعل
فريدريك الثاني الذي أقام إمارة علمانية في جنوب إيطاليا؛ وكان
معاصروه بأنه أعجوبة العالم
ثم كان التمرد العلمي من قبل كثير من العلماء الذين أعلنوا
إيمانهم بحقائق العلم التي تخالف مقررات الكتاب المقدس, والذين
ووجهوا بالحرمان الكنسي وبأحكام مختلفة انتهت ببعضهم إلى
الإعدام حرقاً
ثم تتابعت صور التمرد ضد الطفيان الكنسي تتصاعد حينا
موفف الإسلام مر العلمانية ببسيس __١١
موقف الإسلام من العلمانية :
العلمانية والإيمان نقيضان فإن الإيمان يقتضي الانقياد والاذعان
لما جاء من عند الله والعلمانية تقتضي التمرد على الوحي والكفر
بمرجعيته في علاقة الدين بالحياة وإطلاق العنان للأهواء البشرية
بلا حدود ١
الإيمان يقتضي تعظيم شعائر الله وتقديس كتابه والتعبد بطاعته
الدينية والتعامل معها باعتبارها مواريث بشرية بحتة تخضع لما
تخضع له سائر المفاهيم البشرية من النقد والتعديل أو الإلغاء بالكلية
في ضوء ما تقتضيه المصلحة البشرية البحتة
والعلمانية بهذا النحو لا تجتمع مع أصل دين الإسلام؛ بل إن
شتّت الدقة لا تجتمع مع أصل دين سماوي بوجه من الوجوه؛ فهي
شرك في التوحيد ونقض للإيمان المجمل وهي ثورة على النبوة وهدم
لأصل الدين وحقيقة الإسلام
وليس هذا التقرير من مجازفات الأقوال ولا من شطحات
الأقلام؛ بل هو الحقيقة التي تحتشد لاثباتها حقائق الكتاب والسنة
وفيما يلي تفصيل القول في ذلك :
« العلمانية شرك في التوحيد :
العلمانية شرك في التوحيد في جانبي الربوبية والألوهية:
(أ) أما كونها شركاً في التوحيد في جانب الربوبية فلما تتضمنه من
متازعة الرب جل وعلا في جانب الهداية والأمر الشرعي ذلك
أن الذي تفرد بخلق هذا الكون تفرد كذلك بحق هدايته وتوجيه
الخطاب الملزم إليه
فالخلق والأمر من أخص خصائص الربوبية وأجمع صفاتها؛ » كما
[الأعراف ::*]
والأمر في لغة الشارع يأتي بمعنيين:
الأول : الأمر الكوني وهو الذي به يدبر شئون المخلوقات وبه
يقول للشيء كن فيكون ومنه قوله تعالى: «إنما أ إذا أراد شنا أن
الْبَصرٍ » [القمر : ]*٠
والنهي وسائر الشرائع؛ ومنه قوله تعالي وجعلنا منهم م َهُدُونَ
وإذا كانت البشرية لم تعرف في تاريخها من نازع الله في عموم
الخلق أو الأمر بمفهومه الكوني فقد حفل تاريخها بمن نازع الله في
جانب الأمر الشرعي وادعى مشاركته فيه؛ فقد حكى لنا القرآن
الكريم عن من قال :# ومن قال مأنزل شُِ ما أترل الله :«
الرَشَاد » [غافر: 8“] ورأينا في واقعنا المعاصر دعاة العلمانية وهم
الأولى تمثل الحضارة والمدنية؛ والثانية تمثل البداوة والرجعية !!
ولا يتحقق توحيد الربوبية إلا بإفراد الله جل وعلا بالخلق والأمر
بقسميه: الكوني والشرعي وإفراده بالأمر الشرعي يقتضي الإقرار له
وحده بالسيادة العليا والتشريع المطلق فلا حلال إلا ما أحله ولا
حرام إلا ما حرمه؛ ولا دين إلا ما شرعه؛ ومن سوغ للناس اتباع شريعة
غير شريعته فهو كافر مشرك
وقد اتفق الأصوليون أجمعون على أن الحاكم لجميع أفعال
المكلفين إنما هو الله عز وجل فهو وحده مصدر جميع الأحكام
حتى الأصوليون الذين قالوا باستقلال العقل بمعرفة بعض
الأحكام الشرعية لم يتازعوا في هذا الأصل السابق وإنما كان نزاعهم
حول كيفية التعرف على حكم الله عز وجل فدور العقل عندهم هو
دور التعرف على حكم الله الكاشف عنه أحياناً؛ مع اتفاق الجميع على
أن الحاكم الذي يصدر الأحكام وينشئها إنما هو الله عز وجل ومن
هنا كان اتفاقهم على تعريف الحكم الشرعي بأنه: (خطاب الله المتعلق
بأفعال المكلفين طلباً أو تخييراً أو وضاً)
وقد كانت ربوبية الأحبار والرهبان في بني إسرائيل في باب
التشريع فقد أحلوا حرام الله وحرموا حلاله فتابعهم الناس على
ذلك فلم تكن الربوبية فيهم في جانب الخلق أو الأمر الكوني بل كانت
في جانب الهداية ولا الشيضي
قال: « أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله
فحقيقة الإقرار بالربوبية لا تتمثل في إفراد الله جل وعلا بالخلق
والتدبير الكوني فحسب بل تمتد لتشمل إفراده تمالى بالأمر والقضاء
الشرعي وقبول ما جاء به رسوله كَةٍ من الهدى والشرائع؛ وذلك لأن
المنازعة في الأمر الشرعي كالمنازعة في الأمر الكوني ولا فرق؛ فإن
الذي أوجب الرضا بقدره هو الذي أوجب التحاكم إلى شرعه؛ وهو
والإقرار المقصود في هذا المقام هو الإقرار الانقيادي الذي يعني
إنشاء الالتزام؛ وليس مجرد الإقرار الخبري الذي لا يتجاوز دائرة
الأحوال
(ب) أما كو نها شركا في التوحيد في جانب الألوهية؛ فلما تمهد في
حقائق التوحيد من أن توحيد العبادة ينتظم جانبين رئيسين:
توحيد الإرادة والقصد وتوحيد الطاعة والاتباع
- أما توحيد الإرادة والقصد فيراد به إفراد الله بالشعائر التعبدية
كالصلاة والحج والدعاء والنذر والذبح ونحوه
- وأما توحيد الطاعة والاتباع فيراد به إفراد الله بكمال الخضوع
والطاعة وإخراج المكلف عن داعيه الهوى حتي يكون عبداً لمولاه؛
وذلك بتحكيم شرعه وحده والقبول التام لكل ما جاء به نبيه كي
والبراءة من كل ما سوى ذلك من الأهواء البشرية
موقف الإأسلزم من العلمائية
وإلى هذين الجانبين يشير قوله تمالي في سورة الأنعام: 0 لي
فالآية الأولى تشير إلى توحيد الطاعة والاتباع؛ فلا يتلقى الهدى
فلا يتوجه بالأعمال إلا إلى الله
فالانقياد لله عز وجل والتزام طاعته هو أحد ركني العبادة فمن
زعم حب الله عز وجل وتصديقه ولكنه رفض الطاعة له أو الانقياد
لأمره ورسم لنفسه طريقاً آخر مضاداً للصراط المستقيم الذي أمر
ذلك وعادى عليه؛ وشرح بهذا التمرد صدراً؛ وأقسم على احترامه
والتمسك به؛ وصب ويله وبطشه على كل من دعا إلى خلافه من إقامة
الدين والتزام شرائعه كما هو ديدن الطواغيت في واقعنا المعاصر,
فقد شهد على نفسه بما لا ينبغي أن يختلف عليه من الإشراك والردة
١ - وقد روى الحافظ ابن كثير عن سعيد بن جبير قال: خاصمت
اليهود النبي جََيةٍ فقالوا: نأكل مما قتلنا ولا ناكل مما قتل الله؟!
فأنزل الله هذه الآية
اسم الله » أرسلت فارس إلى قريش أن خاصموا محمداً
عز وجل بشمشير من ذهب يعني الميتة فهو حرام؟! قنزات هذء
هو الشرك كقوله تعالى: انَّخَذُوا أخبارهم ورهبانهم أربابا من دون
الله 6 [التوبة: »]
والملقصود في هذا المقام أن الله عز وجل قد جعل عدولهم إلى
غير شريعة الله يعد إشراكاً بالله
العلمانية ثورة على النبوة :
لا يخفى أن الإيمان بنبوة محمد تَيةٍ هو المدخل إلى الإسلام؛ فإن
الشهادة لله بالوحدانية ولمحمد كِيةٍ بالرسالة هما أول واجب المكلف
وأول ما يخاطب به الناس عند الدعوة إلى الإسلام؛ كما قال جَيةٍ لمعاذ
أول ما تدعوهم إليهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول
اللّه) الحديث رواه البخاري ومسلم
وحقيقة الإيمان بنبوته يتمثل في تصديق خبره جملة وعلى الغيب؛
والتزام هديه جملة وعلى الغيب فما آمن بمحمد كَلةٍ وما ارتضى
نبوته من كذّب بخبره أو رد عليه شرعه؛ لأن حقيقة الإيمان هي
التصديق والانقياد ومن لم يحصل في قلبه التصديق والانقياد فهو
كافر باللّه العظيم
يقول ابن القيم رحمه الله: ( وأما الرضى بنبيه رسولا : فيتضمن
كمال الانقياد له والتسليم المطلق إليه بحيث يكون أولى به من نفسه؛
فلا يتلقى الهدى إلا من مواقع كلماته ولا يحاكم إلا إليه ولا يحكم
وصفاته وأفعاله ولا في شيء من أذواق حقائق الإيمان ومقاماته ولا
في شيء من أحكام ظاهره وباطنه؛ لا يرضى في ذلك بحكم غيره ولا
يرضى إلا بحكمه) ( مدارج السالكين )١77/7
أي إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا
مما حكمت به وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك
تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة كما ورد في
جتّت به» (تفسير ابن كثير )70/١
ويقول الجصاص رحمه اللّه: ( وفي هذه الآية دلالة على أن من
الإسلام؛ سواء رده من جهة الشك فيه أو من جهة ترك القبول
والامتناع من التسليم؛ وذلك يوجب صحة ما ذهب إليه الصحابة في
حكمهم بارتداد من امتنع من أداء الزكاة وقتلهم وسبي ذراريهم؛ لأن
الله تعالى حكم بأن من لم يسلم للنبي ةِ قضاءه وحكمه فليس من
أهل الإيمان) (أحكام القرآن للجصاص )١8٠١/١
فأين هذا من ترك التحاكم إلى شريعته ابتداء؛ واتهامها بالبداوة
والرجعية؟ أو الجمود وعدم الصلاحية للتطبيق؟
لقد نّهِي الصحابة في القرآن عن أن يرفعوا أصواتهم فوق صوته
وأن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض وجعل من هذا الفعل
يقول ابن القيم - رحمه الله - (إذا كان رفع أصواتهم فوق صوته
وسياساتهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه؟ أليس هذا أولى أن
يكون محبطاً لأعمالهم؟) [ إعلام الموقعين لابن القيم١/01]
على سنته؛ ونبذاً لما جاء به من شرائع الإسلام بالكلية6!
« العلمانية نقض لعقد الإيمان المجمل :
فقد تمهد في أصول أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول وعمل
يزيد وينقص وأن أصله تصديق الخبر والانقياد للأمر وإن لم يحصل