في الأناجيل تضع على لسان عيسى أجوبة أو أقوالاً غير مفهومة البتة
أما الملاحظة الثانية قهي مبطنة بغموض أشد إذ يقول عيسى: (لا يوجد ابن أنشى أعظم
من يحيى المعمدان؛ ولكن أقل من في مملكة السماء أعظم شأناً من يحيى) (متي ١1/1١)؛
فهل قصدّ عيسى المسيح أن يحيى وجميع الأنبياء والأتقياء جميعاً كانوا خارج مملكة السماء؟
ومن هو ذلك الأقل الذي كان أعظم من يحيى؟ وبالتالي أعظم من كافة البشر الذي يعتبر
يحيى أعظمهم؟ فهل قصد عيسى نفسه بكلمة الأقل؟ أم هو الأقل بين النصارى المعمدين؟
المشكلة وذلك الحل هو أن أقل مسيحي مغسول بدم عيسى من خلال طقس المعمودية يصبح
أعظم من يحيى ومن كل البشر بمن فيهم آدم ونوح وإبراهيم وموسى وداود وإيليا ودائيال!
وسيب هذا الادعاء العجيب أن المسيحي مهما كان خاطئاً أو مجرماً أو منحطاً فله حق التمتع
من الخطيئة الأصلية عن طريق المعمودية والاعتقاد بالثالوث والأكل من لحم عيسى ودمه في
طقوس القربان المقدس ورسم إشارة الصليب؛ وامتياز مفاتيح الجنة وجهنم الموضوعة تحت
تصرف الكاهن الكبير؛ والنشوة العارمة لطوائف الييوريتان والكويكرز والإخوان وبقية الؤحل
سوف يصبح يوم القيامة كعذراء طاهرة تقدم نفسها ل(ِلحَمّل الله)؛ فهل يعقل أن يصدق
النصارى أن (أقل) واحد منهم هو (أعظم) من كافة الأنبياء؟ وكيف يمكن الاعتقاد أنهم أعظم
مكانة من آدم وحواء _لمجرد أنّ لغز الثالوث قد انكشف لهؤلاء الحمقى ولم ينكشف لآدم
لمجرد أنهما مسيحيان؟ أليس هذا الاعتقاد أبعد ما يكون عن الحصافة في هذه الأيام المتميزة
بالرقي وتقدم العلوم والعقول؟
الأناجيل تكقينا نحن المسلمين لاكتشاف الحقيقة عن عيسى الحقيقي وابن خالته يحيى
يحيى المعمدان تنبأً بمحمد
-١ حسب شهادة عيسى لا يوجد ابن أنثى أعظم من يحيى ولكن (أقل) من في مملكة
السماء أعظم من يحيي؛ إن المقارنة هي بين يحيى وجميع الأنبياء في مملكة السماء؛ وحسب
الترتيب الزمني فإنّ آخر الأنبياء هو أصغرهم جميعاً؛ وإنّ كلمة (زعيرا) الآرامية مثل كلمة
(صغير) العربية تعني الصغير أو اليافع؛ وتستخدم البشيتا وهي نسخة الكتاب المقدس الآرامية
كلمة (زعيرا) مقابل كلمة (ربًا) التي تعني الكبير أو كبير السن؛ إن كل نصرائي يعرف أن
عيسي ليس آخر الأنبياء ولذلك لا يمكن أن يكون أصغرهم إذ إنه بحسب سفر أعمال الرسل
عصرهم تمتعوا بها أيضا (ستر أعمال الرسل ١١/7؟ حم “درن مرا /7١ -
»)٠ وبما أنئا لا تستطيع أن نحدد الرسول الأخير من بين رسل الكنيسة الكثيرين فإننا
مضطرون لأن نبحث عن نبي يكون الأخير قطعاً ويكون خاتم الأنبياء؛ هل نستطيع أن
نتصور ما هو أقوى وأبلغ في الدلالة على نبوءة محمد من تحقق بشارة المسيح المدهشة في
شخص محمد وحده دون غيره من الأنبياء؟
صفوتهم وسلطانهم وسيدهم؛ وإن إنكار نبوة محمد هو إنكار لكل الوحي الإلهي وكافة الرسل
فترة قصيرة لم تتجاوز ثلاثة وعشرين عاماً من بعثته النبوية
إن لغز الوجود المسبق لأرواح الأنبياء لم يكشف لنا ولكن المسلم يؤمن به؛ ويروي إنجيل
برنابا على لسان عيسى أن روح محمد خُلقت قبل كل شيء ومن هنا يقول يحيى عن النبي
يفعل مؤلف الإنجيل الرابع
وفي كتاب "حياة المسيح' لمؤلفه إرنست رينان يوجد فصل هام عن يحيى المعمدان وقد
قرأته بإمعان منذ أمد طويل وتبيّن لي أنه لو كان لدى الكاتب الفرنسي المذكور أدنى درجة
من الاعتبار للنبي محمد من بين جميع الأنبياء لكانت أبحاثه ودراساته قد أوصلته إلى نتيجة
مغايرة تماما لما توصل إليه؛ ولكن للأسف فإنه مثل غيره من نقاد الكتب المقدسة الذين بدلا
من أن ينجحوا في الوصول إلى الحقيقة فإنهم ينتهون إلى انتقاد الدين - لألهم يحصرون
اهتمامهم بدراسة الكتاب المقدس فقط دون القرآن - فيساهمون في إضلال قرائهم
ويسعدني ويشرفني أنئي تمكنت بعون الله من كشف الغموض الذي خَيّم على عبارة
(الأقل في مملكة السماء)
*- لقد أدرك يحيي المعمدان أن خاتم الأنبياء والرسل محمد سيكون أعلى منه قدرا وأكثر
فالها جدهم الأكبر يعقوب الذي استعمل صفة (شيلوه) بمعنى (رسول الله) وهي صفة كثيراً ما
وصف عيسى بها محمد كما ورد في إنجيل برنابا وعند كتابة حلقتي السابقة عن (شايلوه)
قلتُ: إن الكلمة قد تعني تحريفاً ل (شيلواح) والتي تعني (رسول الله) وأضيف الآن أن القديس
جيروم قد فهم الصيغة العبرية بذلك المعنى أيضاً لأنه ترجمها بعبارة (ذلك الذي أرسل)
عندما أتخيل النبي يحيى وهو يوجه مواعظه بصوت عال في البرية أو على ضفاف الأردن
إلى جماهير اليهود الذين وراءهم حوالي أربعة آلاف عام من التاريخ الديئي؛ ثم أستعرض
الأسلوب الهادئ المنظم الرزين الذي كان يعلن فيه محمد الآيات السماوية من القرآن على
العرب الجاهليين؛ ثم عندما أتفحص تأثير كل من هاتين الدعوتين في ضوء النتيجة النهائية
لكل منهما حينئذ أتفهم ضخامة البعد الشاسع بينهما وأدرك أهمية الكلمات القائلة (إنه أقوى
مني) وعندما أتخيل قصة القبض على يحيى المعمدان الأعزل من قبل هيرودس أنتيباس!
ثم قطع رأسه بصورة وحشية وعندما أتابع الروايات المضطربة والمأساوية لجلد عيسى (أو
في كالفاريء وبالمقابل أتأمل الدخول المظفر لسلطان الأنبياء إلى مكة وتدميره جميع الأصنام
وتطهير الكعبة؛ ومنظر أعدائه المدحورين بقيادة أبي سفيان وهم على قدمي (الشيلواح) رسول
الله المظفر يطلبون منه العفو والرحمة ويعلنون إيمائهم بالدين الجديد وعندما أفكر قي خطبة
الوداع لخاتم الأنبياء (الررأكناتلكمدنك)؛ عندتذ أفهم تماماً معنى كلام يحيى
حين قال: (إنه أقوى مني)
بيدره) أو عندما مسخ لقب لأبناء إبراهيم) إلى لا شيء!
الذين أنكروا القيامة الجسدية أصلاًء هل كان بإمكانه أن يقنمهم بغضب الله القادم في الآخرة؟
وبنار جهنم التي سوف تحرقهم كالأشجار اليابسة؟ إن نبي التوبة والبشارة لم يتحدث عن
)١( ثمة خلط في الأناجيل في رواية استشهاد يحيى وفيما يتعلق بعائلة هيرودس الكبير (متّى ٠4 وغيره)
الغضب البعيد الذي لا شك أنه ينتظر الكفرة الفاسقين في الآخرة ولكنه تحدث عن الكارشة
الوشيكة للأمة اليهودية وقد هدّد بغضب الله الذي ينتظر اليهود في الدنيا إذا ما استمروا في
دمار القدس وتشتت بني إسرائيل نهائياً؛ وهو ما حدث تماماً بعد ذلك بثلاثين سنة خلال حياة
كثير من الذين حضروا موعظة يحيي؛ لقد أعلن كل من يحيى وعيسى عن قدوم رسول الله
العظيم الذي تنبأ به يعقوب وأنه عند قدومه سوف تُنزع السلطة والنبوءة من اليهود الأمر
الذي تحقق بعد ستة قرون عندما قام محمد بتدمير آخر معاقلهم وأخرجهم من جزيرة العرب
؛ - دأب اليهود والمسيحيون على أتهام النبي محمد أنه أقام دين الإسلام بالقوة والإكراه
ويحاول المسلمون دوماً دحض ذلك ولكن هذا لا يعني أن محمد لم يستخدم القوة مطلقاً؛ لقد
اضطر لاستخدامها للدفاع عن دين الله لأن الفرصة الي تكرم الله بإعطائها لليهود ولغير
اليهود وللعرب دامت أكثر من أربعة آلاف سنة ثم أرسل الله رسوله الأخير بعد هذه المدة
ومعه السلطة والسيف واننار والروح لمجابهة الكفرة الأشرار وأبناء إبراهيم الجاحدين سواء
إن العهد القديم بكامله ليس سوى قصصاً عن الحكم الديني مع قصص الارتداد إلى الوثنية
وبين الحين والآخر كانت تلمع شرارة صغيرة للإسلام (أي دين الله) في القدس وفي مكة؛
ولكنها كانت دوماً موضع اضطهاد قوى الشيطان فقد تعاقبت الوحوش الشيطانية الأربعة في
وبإمكان القارئ الرجوع إلى (جوزيف فلافيوس) في كتابه (11901065/) حول الموضع (المؤلف):
اضطهاد القلة المؤمنة ثم جاء محمد ليسحق الأفعى السامة ويعطيها اللقب الكريه (إيليس) أي
(الشيطان المقهور) ومن المؤكد أن محمد كان نبياً محارباً ولكن الهدف من حربه كان النصر
لا الانثقام» وهزيمة العدو لا إبادته؛ وباختصار: إقامة دين الإسلام كمملكة الله على الأرض؛
والحقيقة أنه عندما نادى المنادي في الصحراء: (مهّدوا الطريق للسيد واجعلوا طرقه مستقيمه)
كان يشير إلى محمد الذي سيحقق ملكوت الله في الأرض بعد أن أقترب موعده
لقد زال الزيف والأوثان أمام هدي محمد وانهارت الإمبراطوريات أمام سيفه وأصبح أبناء
مملكة الله متساوين وشكلوا الجماعة المؤمنة التي تمثل (أولياء الله تعالى) ذلك أن المساواة
بين البشر لا تتحقق إلا في الإسلام حيث لا كهنوت ولا طقوس ولا طبقات؛ جميع المؤمنين
سواسية لا يتفاوتون إلا بالفضيلة والتقوى وفي ذلك فقط يمكن أن يتفوق بعضهم على بعض؛
إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي لا يعترف بأي وسيط بين الله وبين الإنسان
باص
الفصل الخامس عشر
من المحزن أن الحواريين لم يتركوا لنا تفصيلاً عن موعظة يحيى وعلى فرض أنهم فعلوا
فإن الكنيسة قد أغفلتها؛ إذ من المستحيل على أكثر المستمعين علماً أن يفهموا العبارت
والقضاة اليهود أن يشرح لهم أقواله في عدة نقاط (يوحنا 77-١9/١ و 7/5؟) ولا شك أنه
قد أوضح هذه النقاط الهامة لسامعيه ولم يتركهم ضحية للغموض لأنه كان (الشمعة المحترقة
الحقيقة التي شهد لها؟ إن ما يزيد الأمر غموضاً هو اختلاف نصوص الأناجيل فيما يتعلق
عنه يعقوب؟ (سفر التكوين )٠١/69 وماذا كانت النصوص الدقيقة لشهادته عن عيسى؟ وعن
نبي المستقبل الذي كان أعلى منه قدراً؟
)١( سورة البقرة» الآنية 1174 الصبخة اللدومن أحسن من الله صبخة ونحن له عأبدون)-
المسيح عليه السلام وهي مختلفة عن بعضها البعض بحيث لا يتشابه منها اثنان؛ ومن
طابع الترجمة السبعينية للعهد القديم إذ يبدو تأثيرها على كتاباتهم جليًا وهكذا فإن بولس
مؤسس المسيحية الحالية؛ والذي تنسب إليه أجزاء كبيرة من العهد الجديد والذي لم يشاهد
بالنسبة له أي رسالة ذات مغزى؛ ومع ذلك تنسب إلى عيسى المسيح أقوال من قبل أتباعه
تجعل منه مسيحيا يؤكد معتقداتهم رغم التباين الكبير بين أراء ومنظور عيسي المسيح عليه
السلام وبين الآراء المسيحية والمنظور المسيحي؛ وهذا يفسر ما يطلق على المسيحية الحالية
إن أقدم إشارة إلى الإنجيل الشفهي؛ أي الذي كان يتداول شفاهة؛ هو ما ذكره بولس في
رسالته الأولى إلى كورنثوس 7/١5( - *) وقد كان هذا الإنجيل الشفهي متداولا حين كنتب
مرقص الإنجيل المنسوب إليه وفيه مثلا النبوءات عن الآلام المنسوبة إلى السيد المسيح
والمذكورة في سفر مرقص )7٠١/8( و(5/١”) و(١٠/73)؛ وقد اقتبسها مرقص من الكلام
المتداول وكتبها بصياغة ((مسيحانية)) يظهر منها واضحا أنها كتبت بعد حدوث الوقائع بزمن
عيسى الأقوال والأفكار التي يريدون الترويج لها ويعتقدون أنها مناسبة لما يجب أن يقال
(انظى كتاب الأسفار الخمسة 1167 00 عمنطمتاطئط ممللتصعاة ,قا2ط08 دجا عط