01 ماذا قسدم المعسلمون للعالم؟
تصحيح أخطائهم بسرعة تامّة؛ تداركًا للأمر» ومنعًا لانتشار ضرره بين العامّة؛ فقد ذكر
الإمام ابن القيم في كتابه «الطرق الحكمية» حكاية تُدلل على همة وذكاء صاحب شرطة
الخليفة العباسي؛ خاصة في وقت الأزمات» إذذَكرٌ أن اُصوص سرقوا في زمن الخليفة
المال؛ فكان صاحب الشرطة يركب وحده؛ ويطوف ليلاً ونهزاء «إلى أن اجناز يومًا في
واستسقى ماءٌ؛ فخرجت عجوزٌ ضعيفةً؛ فا زال يطلب شربة بعد شربةٍ؛ وهي تسقيه؛
طويلةٍ؛ ونرى الواحد منهم بخرج في الحاجة ويعود سريعًاء وهم في طول النهار يجتمعون
الصَِّيُّ ففتح فدخل الشُرط معه؛ فيا فاته من القوم أحدٌ فكانوا هم أصحاب الجناية
بعينهم؛'"؛ وهذه الحكاية دليل على نباهة صاحب شرطة بغداد» وإنفاذه لأمر الخليفة على
الفور
36 ابن القيم: المرق الحكمية ص 1)
الباب السادس ؛ المإسسات والنظم في العضارة الإسلامية 7
ولذلك حرصت مؤسسة الحكم على اختبار الأذكياء والنابهين لولاية الشرطة؛ ولم
تشترط أن يكونوا من أصحاب البأس والقوة فقط» ومما يّدلل على ذلك أن أحضر بعض
أصحاب الشرطة شخصين منّهمين بسرقة دفأمر أن يؤتى بكوز من ماءء فأخذه بيده ثم
ألقاه عمدًا فانكسر؛ فارتاع أحدهماء وثبت الآخر فلم يتغيٌّ» فقال لنَّذي انزعج: اذهب
وقال للآخر: أحضر العملة فقيل له: ومن أين عرفت ذلك؟ فقال: النْصٌ قري القلب لا
وقد غرفت وظيفة صاحب الشرطة في معظم الدول الإسلامية؛ واتخذت أسماء
الشرطة في الديار المصرية من أهمٌ وظائف الدولة؛ وكان صاحبها من عظماء الرجال؛
العادة أن والي (صاحب) الشرطة يستعلم متجددات ولاياته من قل أو حريق كبير؛ أو
نحو ذلك في كل يوم من تُرابه؛ ثم تُكُتَبٌ مطالعة جامعة بذلك» وتُحْمَلُ إلى السلطان
هذاء وكان أصحاب الشرطة يجملون آلة من السلاح تَُمَّى الطْرزِين؛ وهي عبارة
عن سكين طويل يجملونا مُعلقة في أوساطهم!""
وابتكر الأندلسيون لمنصب صاحب الشرطة قسمين مهمين؛ فأما القسم الأول:
فشُمّيت بالشرطة الكبرى؛ وكان هدفها الضرب عل أيدي أقارب السلطان ومواليه وأهل
الجاه؛ ولصاحب الشرطة الكبرى كرسى بباب السلطان»؛ وكان من المرشحين دائيا للوزارة
حضارة تحترم القوانين التشريعية؛ والأعراف المجتمعية؛ لا فرق فيها بين غني أو فقير» أو
)١( ابن القيم: الطرق الحكمية ص37
(7) الفلقشندي: صبح الأعشى 31/4
(4) آدم متز: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري 778/1
الباب السلاس؛ المؤسسات والنظم في الحضارة الإسلامية 4
والثالث: سلامة الحواسٌ من السمع والبصر واللّسان؛ لصم معها مباشرة ما يدرك
بهاء
والرابع: سلامة الأعضاء من نقصٍ يمنع عن استيفاء الحركة وسرعة اللهوض
والخامس: الرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح
والسادس: الشجاعة والنجدة المؤدّية إل حماية البيضة وجهاد العدوٌ
والسابع: النسب وهو أن يكون من فريش لورود النصٌ فيه وانعقاد الإجماع عليه”"
ومن دون شكٌ فإن مؤسسة الخلافة قد أخذت في عين الاعتبار هذه الشروط؛
عبد الملك بن مروان بن الحكم (ت87ه)؛ بصفه ابن قتيبة الدينوري في كتابه «الإمامة
مروان وعد الناس خيرًاء ودعاهم إلى إحياء الكتاب والسنة؛ وإقامة العدل والحق؛
قتيبة؛ وهذه الصفات هي من جملة الشروط التي وضعها فقهاء الإسلام فيمن تحل برتبة
استنبطوها من كتاب الله وسنة رسول الله كه - مجزّد كلام نظري عابر لا دخل للمجتمع
الإمامة الكبرى كما ذكر فقهاء الإسلام
00 الماوردي: الأحكام السلطانية ص9
(1) ابن قنبية الدينوري: الإمامة والسياسة ؟/ 187
م ماذا قسلم المسلمون للعالم؟
بين رئيس ومرءوس وكان القسم الثاني: الشرطة الصغرى» وهي مخصّصَّة للعامّة وسواد
الناس؛ وكان صاحب الشرطة في الأندلس يُلَقَب بصاحب المدينة!""
إن الحضارة الإسلامية حضارة بنّاءة مبتكرة» ولا شك أن منصب صاحب الشرطة
كان موجودًا بالفعل في الأمم السابقة؛ إذ أحوال المجتمعات وتشابك الأفراد يجعل مشل
المغايرة عما كان عليه عند الفرس أو الرومان؛ فقد أضاف المسلمون - كم رأينا - لهذا
المنصب كل جديد؛ وجعلوه متقيدًا بآداب الإسلام وتشريعاته
سفير الهند في مصر سابقًا باني كار: «من الواضح الْقَرَّرِ أن تأثير الإسلام في الديانة
الهندكية كان عميقًا في هذا العهد (الإسلامي)؛ إن فكرة عبادة الله في الهنادك مدينة
للإسلام» إن قادة الفكر والدين في هذا العصر وإن سَمَوَا آلهتهم بأسماء شتى قد دَعَرًا إلى
وقد ظهر هذا التأثير في الديانات والدعوات التي ظهرت في الهند في العهد الإسلامي
كديانة (13118811)؛ ودعوة (كبير)
وبعد أن يستعرض المؤرخ الفرنسي العلأمة سيديو أغلب وجوه الحضارة الإسلامية
ينتهي إلى أن يقول: «وهكذا تج تأثير العرب في جميع فروع الحضارة الأوربية
المستشرقين والمؤرّخين الغربيين على فضل وأثر الحضارة
الإسلامية وأخْتمُ هذا الباب بمحاضرة ألقاها الأمير
تشارلز وَل عهد بربطانيا- في مركز أوكسفورد
للدراسات الإسلامية تحت عنوان: (الإسلام والغرب)
لطبيعة الإسلام فإن هناك -أيضًا- قدرًا ماويًا من الجهل
وتوْسَّعَتْ بهاء وفَدَّمَتْ إسهامات مهمّة من جانبها في كشبر من مجالات البحث الإنساني في
العلوم؛ والفلك والرياضيات؛ والخير -الكلمة نفسها عربية- والقانون والتاريخ»؛ والطب؛
أكثر المدن تحضرًا في أوربا كما أن كثيرًا من المزايا التي تفخر بها أوربا العصرية جاءت أصلاً من
)0 ميديو؟ تاريخ العرب العام ص781
إسبانيا في أثناء الحكم الإسلامي؛ فالدبلوماسية؛ وحرية التجارة؛ والحدود المفتوحة؛ وأساليب
البحث الأكاديمي؛ وعلم الإنسان؛ وآداب السلوك؛ وتطوير الأزياء» والطب البديل؛
وفوق ذلك» فإن الإسلام يمكن أن يَُلَْنا طريقة للتغشاهم والعيش في العال؛ الأمر
نظرة متكاملة للكون؛ فالإسلام يرفض الفصل بين الإنسان والطبيعة؛ والدين والعلم»
والعقل والمادّة؛ إن هذا الشعور لمهم بالوحدانية والوصاية على الطابع القدسي والرُُوحي
للعالم من حولنا شيء مهم يمكن أن تتعَلّمه من جديد من الإسلام»”'"
أو ربا الحديثة فليراجع الباب السادس من (تاريخ العرب
العام) لسيديو» وهو نحت عنوان (وصف الحضارة العربية)؛
وكذا الباب الخامس بفصوله العشرة من كتاب (حضارة
تسطع على الغرب) لزبجريد هونكه؛ وهو كله في إقرار فضل
قائمة المصادر والمراجع التي جمعها العلأمة جورج سارتون
ميرت به من واقعية وانفتاح» وما بدا من إسهام عظيم في ركب الحضارة الإنسانية؛ ثم ما
كان من أساس للحضارة الغربية الحديئة!
ولعل الوقت قد حان لنستذكر تلك الحقائق» آملين الإفادة منها للنهوض من جديد
)١( محاضرة: (الإسلام والغرب) والتي ألقاها في مركز أ وكسفورد للدراسات الإسلامية في المابع والعشرين من تشرين
9 ماذا قسسدم المسسلمون للعالم!
اطبحث السادس
إسهامات المسلمين النظرية في نظام الحكم
لم بقف العلماء المسلمون مكتوفي الأيدي وسط الأحداث الصاخبة التي مرّت بها
الحضارة الإسلامية في أطوارها المختلفة؛ حيث رأينا أن التراث السياسي الإسلامي زاخر
في هذا المجال بمثابة المرايا التقي تكس حقبقة الوضع القائم» وتلفت نظر الخلفاء إلى
ومن هنا أدرك العلماء المسلمون قيمة التأليف في هذا المجال منذ فترة مبكرة في تاريخ
بالتطبيق الفعلي في المؤسسة الإسلامية نجد الفقيه أبا يوسف"' - تلميذ الإمام أبي حنيفة
العلاقة بين الحاكم والمحكوم» دون الخوض في لجة الاجتهاد المطلق في هذا الجانب؛ فهو
أهرية مسألة طافة الرعية للمخايفة؛ مسنتدلاً بقول الحسن البصرزي فبقئول: 7لا تسيا
وقد حضٌٌ أبو يوسف الخليفة على ضرورة سماع الرعية؛ والاقتراب منهم وتَقَبّل
)١( أبو برسف: هو يعغوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري البغدادي ١١7( - 181 ه/ 1748-177١ م) صاحب الإمام
والرراية؛ وهو أرل من دعي قافضي القفساة من أهم كتبه الخراج تذكرة الحفاظ /١ 1410747 الأعلام 147/8
معجم المطبوعات ١ لحما
(7) سنن ابن ماجه (18311)» والترمذي (177636)؛ ومسند أحمد ( 0 177) وقال الألباني: حديث صحيح
بعد هذه الرحلة السريعة في أعماق التاريخ الإسلامي؛ وبين دروب حضارتنا الرائعة؛
لا بد لنا من وقفة وتساؤل ماذا عسانا فاعلين بعد هذه المعرفة؟ وما هو دورنا كمسلمين
لعل أول هذه الأدوار أن نفهم بشكل عملي أن فلاح هذه الأمة ونجاحها هو في اتباع
يعرفون شيئًا عن واقعهم» إنيا هو كلام العقل والمنطق والحجة والبرهان لقد رأينا في
غير ملحوق؛ إنه مشال فريد أَبْدَع في العقيدة والفكر وفي الفنون والآداب؛ وفي العلوم
والتجارب؛ وفي الأخلاق والقيم؛ وفي النظم والمؤسسات؛ وفي السلام والحروب وهذه
فإذا أردنا عودة إلى هذا النسق الباهر من الحياة فلا بديل عن الشريعة؛ ولا خيار في
مهم وَمَنْ بَعْصٍ الله وَرَُولَهُ فَقدْ َل ضالاً ييئًا»''"؛ ولعلنا نلحظ أن الضلال المبين
ا عرض الجا مركا لجرا موجال نات
يقال رسف ا ورا ليسا زم
وهكذا فإن أول أدوارنا هو عودة صادقة غير متكلفة إلى الدين بمفهومه الشامل»
وهي عودة ستكفل لنا الهداية بعد الضلال» والقيادة بعد التبعية؛ والحضارة بعد الهمجية؛
)1 رواه مالك في المرطأً: كتاب القدره باب النهي عن القول بالقدر )١944( » واليهقي: السنن الكبرى (7877) +
والدار قطني (4118) ؛ والحاكم )7٠4( » وصححه الألباني انظر: صحيح الجامع (0747)
كا ستكفل لنا فوق سعادة الدنيا سعادة الآخرة» وصدق ري إذ يقول: فمَنْ عَمِلٌ صَالًِا
أمّا الدور الثاني بعد هذه الجولة فهو أن نبذل جهدًا كافيًا لمعرفة أصولنا وجذورنا
من المجلدات؛ أو سفر من الأسفار إننا نحتاج ببساطة إل تفريغ أوقات - بل أعمار-
والفكر» والاقتصساده والقضاء والفنون» والجمال» وغير ذلك من أبواب وفصول
تتتهي» وإذا كان هذا الكلام صحيحًا في رصف كل تاريخ؛ فهر في حق تاريخ الإسلام
أصم وأدقٌ وأعمق
حرب وعدوان والإنسان بطبعه عدو ما يجهلء فلماذا نجلب عداء الدنيا بجهلهم
حقيقتنا؟ بل حتى إن لم نجد منهم العداء والكراهية؛ ألسنا مُطَلَبينَ بدعوتهم إلى دين
إن الرسالة الإسلامية الخالدة لم تنزل لأهل الجزيرة العربية فقطء إنيا نزلت من يومها