موا من أنواع النبض أربعًا وعشرين حالة؛ واستخدموا اللقاح في معالجة الجدري؛ وإن
للعلاج من الزهري ويلوح أن هذا المرض الأخير قد ظهر في الصين في أواخر أيام أسرة
تقيهم أشد عواقبه خطورة
ولم يتقدم علم الطب تقدمًا يستحق الذكر من أيام (شي هوانج- دي) إلى أيام الملكة
إلى عهد باستير وضزا الطب الأوروبي بلاد الصين في صحبة المسيحية؛ ولكن المرضى
عداها فهم يفضّلون أطباءهم وأعشابهم القديمة عل الأطباء الأوروبيين والعقاقير
10909 ول ديورانت: مصدر سابق )١(
المبحث الثاني
دور العلم في بناء الحضارة الرومانية
تعد الحضارة الرومانية من أعظم حضارات أوروبا بعد الحضارة اليونانية؛ ولم يكن
لحضارة أن تقوم وتتقدم بذلك القدر دون أن يكون فيها من العلماء؛ والحريصين على نهضتها
فنجد مثلاً أن دراسة الجغرافيا كانت لديهم أكثر واقعية؛ وكان الغرض منها أن يُستَعان
سطح الأرض إلى منطقة حارة في الوسط» ومنطقتين معتدلتين شيالية وجنوبية؛ وكان
الجغرافيون الرومان يعرفون أوروبا وشمالي آسيا الغربية؛ وشماليها الشرقي» أما ساثر أجزاء
العالم فكانت لديهم عنها أفكار غامضة»؛ وأقاصيص خرافية غريبة وقد وصلت السفن
وكان أكبر المتتجات العلمية الإيطالية؛ وأكثرها دلالة على الجد في ذات الوقت كتاب
وقائدًا للأسطول الروماني في غربي البحر المتوسط؛ ولكنّّه رغم هذه المشاغل كلّها ألّف
رسائل في الخطابة؛ والنحو» والحرب» وكتب تاريما لروماء وتاريمًا آخر لحروب روما في
ألمانياء وسبعة وثلاثين «كتابًا» في التاريخ الطبيعي هي كل ما بقي من هذا الفيض العظيم من
المؤلفات
ما نعرف أنه موجود على سطح الأرض»؛ فهو يبحث في عشرين ألف موضوع؛ ويعتذر عما
ويعترف بِذَيْيِه إلى من رجع إليهم من الكتاب ويذكر أسماءهم جيعًا بصراحة لا نظير لها في
الأنوفيل كانت في ذلك الوقت مستقرة في مناقع بنتين (©00010)؛ وانتشر داء النقرس
بانتشار الترف»؛ وتدل بعض الفقرات في كتابات الهجائين الرومان على ظهور الزهري في
القرن الأول بعد الميلاد واجتاحت الأوبشة الفتاكة إيطاليا الوسطى في عام 77 قم وفي
أعوام 640 074 117 ميلادية”"
وكان الناس من أقدم الأزمنة يحاولون التغلب على المرض والطاعون بالسحر
والصلوات»؛ وكانوا يجملون مرضاهم وقرابينهم إلى هيكل إيسكلبيوس 85001801108/
ومنيرفاء وكان الكثيرون منهم يتركون فيهيا الهدايا شكرًا على نعمة الشفاء فليا أن حل القرن
ويبيعونا للناس
تعترف بهم الدولة وتؤدّي إليهم رواتبهم» وكانت اللغة اليونانية لغة التعليم في هذه المعاهمد
خريجي هذه المعاهد اسم: أطباء الجمهورية» وكانوا هم وحدهم الذين يستطيعون ممارسة
(7) ول ديورانت : قصة الحضارة 7/8 ص 144
تشرف الدولة على الأطباء» كما نص فيه على وجوب تحملهم تبعة إهمالهم وكان قانون كرئليا
نلك00© ومآ يفرض أشد العقوبات على من يتسببون في موت المرضى بسبب إهم الهم أو
وقد وصل الطب العسكري في عام (١٠٠م) إلى أرقى ما وصل إليه في الزمن القديم؛
فكان في كل فيلق أربعة وعشرون جراحًاء كما كان له هيئة للإسعاف الأولي ونقالات ميدان
منظمة أحسن تنظيم» وكانت الدولة تعين الأطباء لمعالجة الفقراء مجانًا وتؤدي لهم أجورهم؛
الأسر تتعاقد أحيانًا مع بعض الأطباء على أن يعنوا بصحتها ويداووها من أمراضها مدة
وبلغت مهنة الطب في ذلك الوقت درجة عظيمة من التخصص؛ فكان في البلاد
أخصائيون في المسالك البولية» وفي أمراض النساءء وكان فيها أطباء مولّدون؛ وأطباء رمد
وأخصائيون في أمراض العين والأذن» وأطباء بيطريون» وجراحو أسنان؛ وكان في وسع
الرومان أن تكون لهم أسنان صناعية من ذهب» وأسنان مرتبطة بأسلاك»؛ وكباري وأسنان
الإجهاض كانت واسعة الانتشار بين سيدات الطبقات الراقية؛ وكان الجراحون يتخصصون
في فروع الجراحة المختلفة؛ وقلََّا كان يوجد جراح غير متخصص في فرع خاص وكان
الأتروبين يُستَعمَل في التخدير» وقد وُجِدَ في خرائب مدينة (بمبي) أكثر من مائتي أداة
جراحية ختلفة وكان تشريح جثث الآدميين عملاً غير مشروع؛ ولكنهم كانوا يستعيضون
عن ذلك بفحص عن أجسام المجروحين أو المحتصرين
وكان العلاج بمياه العيون واسع الانتشارء وكانت العيون الحارة الكبرى معاهد للعلاج
والاستشفاء وقد جمع شارميس 008:38 المرسيلي ثروة طائلة بإدارة حمامات باردة وكان
147 ول ديورانت : قصة الحضارة 168 () السابق )١(
في خمسة مواضع متفرقة ذاكرًا آراء ابن سيناء ومكررًا أقوال جالينوس التي اعتمد عليها ابن
التاق
إنه الفقيه الطبيب العلامة علاء الدين علي بن أبى الحزم» القَرْشِي (نسبة إلى قرية قَرْش)
الدمشقي؛ الملَّ بابن النفيس» وهو سوري ولد في قرية «قَرْش» بالقرب من دمشق سنة 0100 1ه /
نشأة ابن النفيس العالم:
كغيره من علماء المسلمين بدأ ابن النفيس حياته العلمية بحفظ القرآن الكريم» وكذا
درس النحو واللغة» والفقه والأصول والحديث؛ والمنطق والسيرة وغيرهاء ثم وفي سنة
( 1ه / ١77م) وهو في الثانية والعشرين من عمره اتجه إلى دراسة الطب» وذلك بعد
وكان تعليمه الطب في دمشق على يد طبيب العيون البارع مهذب الدين عبد الرحمن
المشهور باسم الدخوار» وهو أحد كبار الأطباء في التاريخ الإسلامي» وكان في ذلك الوقت
كبير الأطباء في البييارستان النوري العظيم» الذي أنشأه نور الدين محمود واجتذب إليه أمهر
الإسرائيلي» ورضي الدين الرجي
(١)انظر جلال مظهر: حضارة الإسلام وأثرها في الترقي العالمي ص 7476 7117 علي عبد الله الدفاع: رواد علم
الطب في الخضارة الإسلامية ص١ 16؛ محمد الصادق عفيفي: تطور الفكر العلمي عند المسلمين ص9١
١٠ 7«مصطفى لبيب عبد الغني: دراسات في تاريخ العلوم عند العرب ص١7 محمد علي عثان: مسلمون
علموا العالم ص١ 0» 57» أحمد علي الملا: أثر العلماء المسلمين في الحضارة الأوروبية ص*4٠
() انظر ابن قاضي شهبة: طبقات الشافعية ٠١٠ /١ الباباني: هدية العارفين /١ 7178 إدوارد فينديك: اكتفاء
القنوع با هو مطبوع ص 74 - كحالة: معجم المؤلفين /١ 58؛ الزركلي: الأعلام؛ 4/ 7771؛ محمد الصادق
عفيفي: تطور الفكر العلمي عند المسلمين ص ٠٠١9
وكان رفيق دراسته ابن أبي أُصَبعة (صاحب طبقات الأطباء)؛ وقد رحلا ممّا إلى
القاهرة سنة 7177ه وعملا في البييارستان الناصري الذي شغل فيه ابن النفيس منصب
الرئاسة؛ وعميدًا للمدرسة الطبية الملتحقة به» وشغل ابن أبي أصيبعة رئيس قسم الكحالة
أيضًا على كتب ابن سينا وأبقراط وجالينوس وغيرهم» وقال البعض: إنه كان يحفظ كتاب
القانون في الطب لابن سينا عن ظهر قلب
كما أنه اهتم أيضًا بدراسة الفلسفة والمنطق والبيان؛ وتعمق في دراسة الفقه؛ وعلوم
ل يكن ابن النفيس مجهولاً في عصره؛ فقد أطنب في الحديث عنه العمري في مسالك
ذلك بسبب عدم التقدير أو عدم الإحاطة بهذه الاكتشافات في ذلك الوقت
وقد تناول ابن النفيس من المستشرقين الأجانب لكذير في كتابه (الطب العري)؛
والمستشرق الألماني مايرهوف في كثير من مقالاته؛ ووضع الدكتور بول غليونجي كتابًا وافيًا؛
ُعَدُّ اج كتاب عن ابن النفيس!"
(شرح تشريح القانون) لابن النفيس في مكتبة برلين» وقام بإعداد رسالة في الدكتوراه عنهاء
)١( راجع في ذلك: ابن قاضي شهبة: طبقات الشافعية ٠١١/١ الباباني: هدية العارفين 7778/1 كحالة: معجم
المؤلفين 58/١ الزركلي: الأعلام 64 ؟ أكرم عبد الوهاب: ٠٠١ عالم غيروا وجه العالم ص11؛ محمد
الصادق عفيفي: تطور الفكر العلمي عند المسلمين ص ١8 7 محمد علي عثمان: مسلمون علموا العام ص 44
() انظر: ابن النفيس (أعلام العرب؛ رقم 817)
ولجهلهم باللغة العربية بعثوا بنسخة من الرسالة إلى الدكتور «١مايرهوف» المستشرق
مايرهوف الدكتور التطاوي؛ وأبلغ حقيقة ما كشفه من جهود ابن النفيس إلى المؤرّخ «جورج
سارتون»» فنشر هذه الحقيقة في آخر جزء من كتابه المعروف «تاريخ العلم»»؛ ثم بادر
مايرهوف إلى البحث عن مخطوطات أخرى لابن النفيس وعن تراجم له؛ ونشر نتيجة بحوثه
في عدة مقالات ومنذ ذلك الحين بدأ الاهتمام بهذا العالم الكبير وإعادة اكتشافه”'"!!
ابن النفيس والدورة الدموية:
اقترن اسم ابن النفيس باكتشاف الدورة الدموية الصغرى» والتي سجلها بدقة في كتابه
وفاة ابن النفيس بأكثر من ثلاثة قرون؛ وظل الناس يتداولون هذا الوهم حتى أبان عن
الحقيقة الدكتور محبي الدين التطاوي في رسالته كما أشرنا سابقًا
وكان الطبيب الإيطالي ألباجو قد ترجم في سنة 4 40ه/ 047٠م أقسامًا من كتاب ابن
النفيس «شرح تشريح القانون» إلى اللاتينية؛ وهذا الطبيب أقام ما يقرب من ثلاثين عامًا في
«الُّها» وأتقن اللغة العربية لينقل منها إلى اللاتينية؛ وكان القسم المتعلق بالدورة الدموية في
الرئة ضمن ما ترجمه من أقسام الكتاب؛ غير أن هذه الترجمة فُقِدّت» واتفق أن عالما إسبانيا
الجامعة» وتشرّد بين المدن» وانتهى به الحال إلى الإعدام حرفا هو وأكثر كتبه في سنة 8ه
/ 861 ام على أن الله فد شاء أن تبقى بعضن كتبه دون حرق» وكان من بينها ما نقلنه من
)١( محمد الصادق عفيفي: تطور الفكر العلمي عند المسلمين ص ١8 ء علي عبد الله الدّفاع: رواد علم الطب في
الحضارة الإسلامية ص١1 49
ترجمة ألباجو عن ابن النفيس فيا يخص الدورة الدموية؛ واعتقد الباحثون أن فضل اكتشافها
الطبيب المصري هذا الوهم» وأعاد الحق إلى صاحبه
وقد أثار ما كتبه الطبيب التطاوي اهتمام الباحثين؛ وفي مقدمتهم مايرهوف المستشرق
بعض الجمل الأساسية في كلمات سيرفيتوس لأقوال ابن النفيس التي تُرجمت ترجمة حرفية
أي أن سرفيتوس» وهو رجل دين متحزّر وليس طبيبًا؛ قد ذكر الدورة الدموية في الرئة بلغة
ابن النفيس الذي عاش قبله با يزيد على القرن والتصف»!!
ولما اطلع «ألدو ميلي» عل المتنين قال: «إن لابن النفيس وصمًا للدوران الصغير تطابق
كلماته كلمات سيرفيتوس تامَّاء وهكذا فمن الحق الصريح أن يُعْرَى كشف الدوران الرئيسي
والكبرى للدورة الدموية» وواضع نظرية باهرة في الإبصار والرؤية؛ وكاشف العديد من
الحقائق التشريحية؛ وجامع شتات المعرفة الطبية والصيدلانية في عصره؛ وقد قَدِّمْ للعلم
قواعد للبحث العلمي» وتصورات للمنهج العلمي التجريبي
-١ (شرح تشريح القانون)» وهو من أهم كتب ابن النفيس» وقد نشر في القاهرة سنة
١ه - 948١م بتحقيق الدكتور سلمان قطابة؛ وتبرز قيمته في وصفه للدورة الدموية
الصغرى» واكتشافه أن عضلات القلب تتغذى من الأوعية المبثوثة في داخلها لا من الدم
)١( راجع علي عبد الله الدفاع: رواد علم الطب في الحضارة الإسلامية ص١ 40؛ محمد الصادق عفيفي: تطور الفكر
العلمي عند المسلمين ص4 ١١١١١٠١ أكرم عبد الوهاب: ٠٠١ عالم غيروا وجه العام ص١4
الموجود في جوفه» كما يظهر في الكتاب ثقة ابن النفيس في علمه؛ حيث نقض كلام أعظم
"- (الشامل في الصناعة الطبية)؛ ويُعَّد أعظم مؤلفاته؛ كما يعتبر أضخم موسوعة طبية
يكتبها شخص واحد في التاريخ الإنساني» وقد نجح الدكتور يوسف زيدان في مصر في جمع
أجزاء الكتاب المخطوطة» كما تطلّع المجمع الثقافي في أبو ظبي إلى تلك الموسوعة؛ وأخذ على عانقه
نشر الكتاب محققًاء حتى خرج إلى النور ثلاثة أجزاء منه؛ وذلك في سئة 477 1ه - ٠١ م
وكان ابن النفيس قد عكف على إعداد هذه الموسوعة وهو ينوي أن يجعلها مرجعًا طببًا
شاملاً لولا أن وافته المنية بعد أن أعذٌّ منها ثمانين جزءًا؛ وهي تمثل صياغة علمية لجهود
المسلمين في الطب والصيدلة على مدى خمسة قرون من العمل المتواصل
*- (الموجز في الطب)؛ ويعتبر هذا الكتاب مرجعًا لكل من أراد دراسة الطب» وممارسة
هذه المهنة العظيمة؛ وقد تناقله العلماء بعضهم من بعض؛» وكَتْرّت شروحه والتعليقات عليه
لما نال من منزلة بين علماء العصور كلها حتى يومنا هذاء ويذكر بول غليونجي في كتابه (ابن
النفيس) أن كتاب الموجز في الطب لابن النفيس عبارة عن شرح مختصر جد لكتاب القانون
بالطب لابن سيناء تناول كل أجزاء القانون بلغة علمية سهلة ما عدا الجزء الخاص بالتشريح
ووظائف الأعضاءء الأمر الذي جعله محبوبًا محبة بالغة من الوجهة العلمية لممارسي الطب
الجدير بالذكر أنه يوجد نسخ منه على شكل مخطوط في كل من باريس وأكسفورد
وفلورنسا وميونيخ والأسكوريال» ويقع (الموجز في الطب) في أربعة أجزاء؛ وقد نال تقدير
سنة 1487ه - 989١م في القاهرة بتحقيق عبد المنعم محمد عمر» وكانت قد سبقته نشرة ماكس
مايرهوف ويوسف شاخت ضمن منشورات أكسفورد سنة 7/48 7ه - 37/4 ام
؛- (شرح فصول أبقراط)؛ وقد طبع في بيروت سنة 4804 1ه - 988٠م بتحقيق
ماهر عبد القادر ويوسف زيدان
-٠ (المهذّب في الكحل المجرب)» ونشر في الرباط سنة 481 1ه - 1487م بتحقيق
ظافر الوفائي ومحمد رواس قلعة جي