الفلسفة الأوربية لقد ناقضت النزعة المادية لكنها اتسقت مع النزعة
الدنيوية؛ لاختصاصها بخلاص الروح ومملكة السماء» وتركها الدنيا بكل
لقيصر وما لله لله» حتى لقد عبر قاضى القضاة عبد الجبار بن أحمد
الهمدانى [416ه 4 7١٠م] عن هذا التحول الذى طوّعت به النصرانية
للحضارة الأوربية» فقال : « إن النصرانية عندما دخلت روماء لم تتنصّر
روما ولكن النصرانية هى التى تَركّمت»!!
ولقد ظل هذا الاتساق بين النصرانية وبين الفلسفة « الإهية الدنيوية»
الإنجيل «دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله» وعدوانا على « النزعة الدنيوية»
التى ميزت الفلسفة الأوربية منذ طورها اليونانى القديم
ولما كانت النصرانية لا تمتلك ١ شريعة للعمران الدنيوى»» بل تركزت
تعاليمها ووصاياها على خلاص الروح وهى « ثوابت» ليس فيها المرونة
التى تقتضيها ١ شريعة العمران المتطور دائما» فلقد « تبت» الحكم
الدين» الأمر الذى أوقف التطور والتقدم والعلم والفلسفة؛ فدخل الحكم
فى ضوء هذا السياق وهذه الخصوصية ؛ جاء التنوير الأوربى : فلسفة
رافضة لتجاوز الكنيسة حدودها التى رسمها الإنجيل خلاص الروح ونملكة
السماء - ومدافعة عن « النزعة الدنيوية» - [ العلمانية] - للفلسفة
«سوقا تبارية» راجت فيها مفاسد القساوسة والبابوات!! ففى مواجهة
«الفعل» - الذى تمثل فى تحالف الكنيسة والإقطاع - كان «رد الفعل»
فالأمة؛ فى دولة الإسلام» هى مصدر السلطات» فى ظل سيادة الشريعة
وحاكميتها وحدود الحلال والحرام الدينى
وهذا النمط الوسطى المتميز - فى النسق الإسلامى هو الذى ميز جميع
فافترق «التجديد الإسلامى » عن «التنوير الغربى العلمانى»؛
لاختلاف السياق والملابسات والمشكلات والتحديات
© ولاختلاف الملابسات + فى السياقين الحضاريين الغربى
والإسلامى كان اختلاف مهمة «التنوير الغربى» عن مهمة «التجديد
الإسلامى» فالتنوير الغربى قام ليزيح حقبة البابوية ولااهوتها من مجرى
سلسلة تواصل مراحل الحضارة الغربية» فأسقط الحقبة الدينية النصرانية من
مع الطور والحقبة التى سبقت تدين أوربا بالنصرانية الحقبة «الإغريقية -
أوربا قبل النصرانية فكأنه قد حذف من مكونات حضارته تلك «الجملة
المعترضة» النصرانية؛ على الأقل فى شئون الدنيا وميادين العمران
الاجتماعى بينيا مثل «التجديد الإسلامى؟» العكس تاما فكانت مهمة
المجددين» على مر تاريخ الإسلام» تجديد خيوط الاتصال وتوثيقها بالمنابع
الجوهرية والنقية للإسلام و إزاحة الشوائب والعقبات والبدع من قنوات
الارتواء من تلك المنابع» لضمان التواصل الحضارى» وحتى يكون الإحياء
هكذاء؛ جعلت الفروق بين «التنوير الغربى - العلمانى» وبين «التجديد
الإسلامى» جعلت منهما من حيث الفلسفة والمنطلقات والمقاصد
- نموذجين من نماذج الإحياء يقفان على طرف نقيض! !
يرون هذه الحقائق بل لقد بلغ بهم الأمر إلى حد خلط الأوراق على نحو
ليواجهوا به « المشروع الإسلامى» فى النهضة والتغيير زعموا أن «المجددين
أعلام التجديد الإسلامى » الذين ارتادواء فى عصرنا الحديث؛ ميادين تجديد
الإسلام ليجددوا به دنيا المسلمين وضعرهم فى سلة واحدة مع النخبة
«جيل الرواة» من أمثال [ الإسلام وأصول الحكم] لعلى عبد الرازق
-7450١ه6٠80١--1817م]؛ وجمال الدين الأفغانى -١"764[
8٠17ه» /187--/8451١عم] » والإمام محمد عبده ١77661 1777ه
الذى سعى زمن التنوير إلى تأكيده هو نموذج رفاعة الطهطاوى وجمال
الدين الأفغانى ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبى ومحمد فريد وجدى
وتمشل التراث التنويرى فى كتب الطهطاوى وفرح أنطون وشبلى شميل
وإسماعيل أدهم ولطفى السيد 98!!
(7)د جابر عصفور: [ محنة التنوير ]ء ض ١ طبعة القاهرة؛ سئة 457١م
والذى يخلط «التنوير الغربى العلمانى» ب (التجديد الإسلامى»؛ هو
صنيع يرقى فى نظرنا إلى مستوى «التزوير»» الذى يستدعى وقفة علمية
موضوعية نتحقق فيهاء بالرجوع إلى كتابات أعلام «التجديد الإسلامى»؛
من صدق وصحة هذه الدعوى! هل حقا يقف محمد عبده مع فرح
الأفغانى» المنافح عن «الاستقلال الحضارى» مع دعاة استعارة النموذج
يُكره؟! وهل يقف الطهطاوى : السنى الأشعرى صاحب رسالة
[القول السديد فى الاجتهاد والتقليد] مع إسماعيل أدهم صاحب اذا أنا
ملحد؟]202؟1: هل يقف «المجددون لدين الإسلام؛ كى تتجدد به دنيا
المسلمين!؛ مع دعاة النهضة العلمانية التى تطوى صفحة الإسلام من دنيا
وشئون وميادين العمران؟!
تلك هى القضية التى تستدعى «تحقيقًا» نتبين به حجم ما فى دعواها من
«تزوير» وهو (التحقيق» الذى سنقف بوقائعه عند نياذج ثلاثة من فكر
هؤلاء الأعلام المجددين الطهطاوى والأفغانى والأستاذ الإمام!
-١ باع الطبطاوى
دين التنويمالفري والتجري ارك
كان رفاعة الطهطاوى [ 1717 7490١ه 18816 - 8177 م] أول
عين للشرق على الغرب فى عصرنا الحديث ورغم الخلل فى صور المقابلة
بين حال الشرق وحال الغرب يومئذ» إلا أن التكوين الإسلامى - الأزهرى -
للرجل» وأيضا تمثيله لمصر الناهضة بقيادة محمد على باشا [ ١١84 -
الحضارة الغربية ذلك الموقف النقدى الذى جسد أدق المناهج وأكثرها
علمية فى علاقات الحضارات المتميزة بعضها بالبعض الآخر منهج
اكتشاف ميادين الفكر التتى تمثل «المشترك الإنسانى العام»» والدعوة إلى
استلهامها وتلك التى تمثل ١الخصوصيات الحضارية» » والدعوة إلى
الاحتفاظ بالهوية الخاصة والمتميزة فيها !!
فالطهطاوى» الذى قرأ أعمال فلاسفة التنوير الغربى العلمانى» رأيناه قد
سبل المعرفة عند «العقل والتجريب!» رافضة«الوحى والتشرع" وبين
«علوم التمدن المدنى الطبيعية التجريبية» فقبل الثانية » لأنها «مشترك
«العقل والتجريب» وهذا هو منهج الإسلام؛ الرافض المتهاج «التنوير
المجرد والنواميس الطبيعية» وحدهما «العلمانية»» التى تجحل «العقل ٠
والدنيا؛ مرجعية للقانون» دون الشرع الإقى فرأيناه يدعو إلى التتلمذ على
هى المشترك الإنسانى العام بين كل الحضارات؛ مع [حياء وتجديد
مستجدات «الوقت والحال» فتأخذ عن أوربا علوم «التقدم
الوطنى»» ونغترف فوانيننا من «بحر الشريعة الغراء » الذى لم يدع صغيرة ولا
«كست» الدين والتدين فعزلته عن شئون الحياة وميادين العمران رفض
«الشرع والعقل والتجريب»» بدلا من مرجعية («العقل المجرد
«ابإسلامية القانون» كما دعا إلى إقامة العمران البشرى والمعارف الإنسانية
الإسلامى» عن «التنوير الغربى العلمانى؟
وإذا كانت كتابات الرجل عبر أعمال ومراحل مشروعه الشكرى-هى
فى باريس» جاعلة فيها تلك «المفارقة» بين «التقدم فى العلوم المدنية» وبين
الفلسفة اللادينية» فلسفة «البدع والضلالات» يرفض الطهطاوى
هذا بل ويصوغ هذا الرفض شعرا يبدا به هذا الموقف النقدى؛ المحتكم
للمعايير الإسلامية؛ فيقول :
«أيوجد مثل باريس ديار شموس العلم فيها لا تغيب
وليل الكفر ليس له صباح ما هذاء وحقكم؛ عجيب!
فهذه المدينة؛ كباقى مدن فرنسا وبلاد الإفرنج العظيمة؛ مشحونة بكثير
من الفواحش والبدع والضلالات؛ وإن كانت من أحكم بلاد الدنيا وديار
العلوم البرانية التى تجلب الأنس وتزين العمران
إن أكثر أهل هذه المدينة إنيا له من دين النصرانية الاسم فقط » حيث لا
فزْكّة من الإباحيين الذين يقولون إن كل عمل يأذن فيه العقل صواب
الطبيعية إن كتب الفلسفة بأسرها محشوة بكثير من البدع المخالفة لسائر
الكتب السماوية»!
ثم يبلغ الطهطاوى قمة الحسم فى رفض ١التنوير الغربى -
العلمانى»» الذى أقام المعرفة الوضعية على «العقل المجرد» والنواميس
الطبيعية» وحدهما » قائلا إنه لا عبرة بتحسين العقل والتجريب أو تقبيحهيا
الموقف النقدى قمة الحخسم؛ فيقول : «إن تحسين النواميس الطبيعية لا يُعْتَدٌ
العام ؛ مؤسسة على التكاليف العقلية الصحيحة» الخالية عن المواذ
والشبهات» لأن الشريعة والسياسة مبنبتان على الحكمة المعقولة لنا 7
والذى يرشد إلى تزكية النفس هو سياسة الشرع ومرجعها الكتاب
العزيز الجامع لأنواع المطلوب من المعقول والمنقول؛ مع ما اشتمل عليه
من بيان السياسات المحتاج إليها فى نظام أحوال الخلق» كشرع الزواجر
الحاجة على أقرب وجه يحصل به الغرض » كالبيع والإجارة والزواج وأصول
أحكامها
فكل رياضة لم تكن بسياسة الشرع لا تثمر العاقبة الحسنى
فينبغى تعليم النفوس السياسة بطرق الشرع لا بطرق العقول المجردة
ومعلوم أن الشرع لا يجظر جلب المشافع ولا درء المفاسد» ولا يدافى
المتجددات المستحسنة التى يخترعها من منحهم الله تعالى العقل وألهمهم
الصناعة 198)!
7/7 دراسة وتحقيق : د محمد عيارة طبعة بيروت » سنة 1577م
فعلى حين رفع فلاسفة التنوير الغربى شعار : «لا سلطان على العقلٍ إلا
عقوشم» المجردة وحدهاء دون الشرع!! ا
وعلى حين قال «التنويريون العرب» » من جيل «الرواد» : إن الدين لا
الطهطاوى : إن السياسة » كالشريعة؛ مبنيتان على «الحكمة المعقولة لنا» أو
«التعبدية» التى جاء بها الوحى عن الله» سبحانه وتعال «وكل رياضة لم
تكن بسياسة الشرع لا تثمر العاقبة الحسنى»!
وعلى حين قال ١تلاميذ التنوير المعاصر»؛ عندنا : «إن العقل قرين
التجريب والعقل ضد النقل١! قال الطهطاوى : ١ ينبغى تعليم
النفوس السياسة بطرق الشرع» لا بطرق العقول المجردة»!!
«وفى الوقت الذى أقام فيه «التنوير الغربى العلمانى؟ معارفه على
ساق واحدة»؛ هى «كتاب الكون المنظور»» رافضا اعتماد الوحى كتاب الله
المقروء مصدرا لهذه المعارف رأينا الطهطاوى منافحا عن المنهاج
الإسلامى الذى يقيم المعارف الإنسانية على كتابى : الوحى» والكونء
لتجمع بين علوم الشرع والطبيعة؛ فيتحدث عن الآمال المعلقة على أهمل
الأزهر الشريف» فى أن يضيفوا «المعارف البشرية المدنية» إلى «المعارف
الشرعية»» فيقول : «إن مدار سلوك جادة الرشاد والإصابة؛ منوط - بعد ولى
الأأمر بهذه العصابة [ عصبة طلاب الأزهر وعلمائه] التى ينبغى أن
(أ) السنة الشريفة؛ ورفع أعلام الشريعة المنيفة