رسائل عظماء الملوك في الشرق الأدنى القديم
هذه الدراسة الشيقة تضم دراسات عن خمس ممالك فى عالم الشرق الأدنى القديم ,
خلال العصر البرونزى المتأخر , وهى تلقى الضؤ على سؤال جوهرى ذى أهمية
وحيوية قصوى , إلى أى حد يمكن للديبلوماسية أن تحقق سلاما دائما واستقرارا
فى تلك المنطقة بديلا عن الحرب والعنف .
من خلال رسائل كثيرة قاومت
الفناء حتى عصرنا , نعلم أن عظماء ملوك الشرق الأدنى القديم كانوا يكتبون
ويراسلون بعضهم بشكل منتظم , ويبدو الملوك من خلال تلك الرسائل مغرورين
وعنيدين , فى معاملاتهم لبعضهم البعض , إلا أن مراسلاتهم لعبت دورا مهما
على مستوى الدبلوماسية الدولية فى تلك المرحلة , واأسهمت فى إرساء كثير من
التحالفات التى تمت بينهم.
إرتكز البروفيسور برايس على تلك المراسلات
في إعادة رؤية احداث تلك المرحلة ، في المنطقة دائمة التغير والتبدل
السياسي ، في الممالك التي انتعشت من 3500 عام مضت. ويحتوي الكتاب على مادة
غزيرة متنوعة ، من زواج التحالفات ، إلى تبادل الهدايا ، إلى مراسلات
الملوك مع كبار موظفيهم في مناطق الحدود الحساسة من مملكتهم ، والسعي إلى
حل المشاكل بالوسائل الدبلوماسية قبل أن تتفاقم وتفضي إلى حروب عظمى شاملة.
وحتى لو كف أحد الملوك عن إرسال مبعوثيه إلى مملكة ماء فإن ذلك
كان يعد كعمل من أعمال العدوان ويبلغ أثر ذلك السلوك مبلقًا قد يؤدى
إلى إفساد العلاقات بين المملكتين, أو على الأقل بين الملكين نفسهما حدث
ذلك حين انزعج حاتوسيلى الثالث بعد إرتقاء كاداشمان- إنليل الثانى
وكتب إليه حاتوسيلى يسأله عن سبب ذلك؛ ورد كاداشمان على رسالته
المبعوثين الملك الآأشورى يمنع رسلى من المرور عبر بلاده» ورد عليه
حتى إن الأحلامو يمنعون رسلك ومن هى ذلك الملك الآأشورى حتى يمنع
رسلك من المرورء بينما يمضى رسلى جيئة وذهابًا عبر بلاده دون
الذى تركته الآلهة يعيش طويلاًء والذى لا يتوقف لسانه عن ذكر السوء
«انتبه؛ لا يتوقف ملكان عن تبادل المبعوثين إلا إذا كانت بينهما
مبعوثون يعاملون بقسوة
كانت معاملة الملوك لبعض المبعوثين سببًا فى كثير من الشكاوى حتى
فى الحالات التى تكون فيها العلاقات بين ملكين على أفضل ما يراد لها
من ود وتقدير متبادل
فكبار المبعوثين الأجانب لم يكونوا ليثقوا على الدوام فى حصولهم على
التقدير والاحترام؛ الذى يكفله لهم وضعهم المتميز كان من الممكن أن
يعاملوا بطريقة مهينة فى مملكة أجنبية أو يتم تجاهلهم؛ وكان ذلك يعود
فى بعض الأحيان إلى أن الملك المضيف قد ضايقه سلوك ما من ملكهم؛ أو
فى أحيان أخرى لاعتبار الملك الملضيف أن ملك المبعوث لم يعد صنو ولا
لزيارة أميرة بابلية فى مصر فمما ذكرناه قبل ذلك عن مسودة الرسالة
يتولد لدينا انطباع بأن رمسيس لم يعد يعتبر إن حاكم بابل يستحق لقب
«ملك عظيم» (29), وإن كان قد قز فى نفسه هذا الانطباع عن ملك بابل
الصنف من الممكن أن يؤدى إلى قطع العلاقات الودية
كان ممثلو ومبعوثو الدول الصغرى لا يأملون ولا يمنُون أنفسهم
بمقابلة أحد كبار الملوك ,غض النظر عن مدى إصرارهم وإلحاحهم على
وأحيانًا ما كان الرسل يخاطرون باحتمال تعرضهم إلى مصير سئ
فى بلاد الملك المضيف وكان ذلك سببًا غى الاعتراض والاحتجاج شديد
اللهجة الذى أرسله الملك الأشورى أشور- أو باليت إلى الملك أخناتون
مسئولو المراسم المصريون يتركونهم واقفين لساعات طويلة تحت شمس
مصر الحارة؛ حتى يوشكوا على الهلاك والموتء وتساءل فى رسالته: (30)
«لماذا يجبر رسلى على الوقوف تحت أشعة الشمس لفترات طويلة,
«إذا كان فى وقوف رسولى لأوقات طويلة تحت شمس حامية أى فائدة
الفرعون مذنبًا فى الإساءة عن عمد لضيوفه الأجانب وقد يكون الأمر على
عكس ذلك إذا أخذنا فى الاعتبار تفسير بروفيسور ردفورد بعيدًا عن
كانوا مساهمين- حتى لو كان رغم إرادتهم- فى طقوس طويلة لعبادة
الشمس, التى كان يمارسها الفرعون المصرى مع كبار رجال الدولة (32)
والفقرة التى تثير تلك التساؤلات مازالت مطروحة للبحث ولو كان
ردفورد محقًا فيما ذهب إليه؛ فإن تلك الفقرة تعد المصدر الوحيد (وهو
غير مباشر تمامًا) في كل نصوص رسائل تل العمارنة التى تشير إلى
وراحة مبعوثيه
وفى مناسبة تالية لما سبق بعقود كثيرة كتب حاتوسيلى الثالث إلى
«أرسلت مبعوثى زيووا إليك فى مهمة ليحظى بمقابلة أخى الملك
الذتب الذى اقترفه المبعوث زيووا ليلقى ذلك المصير البائس, إلا أن المؤكد
أنه أوقع نفسه فى مشاكل خطيرة مع السلطات المصرية بل بلفت تلك
المشكلة حدًا من الخطورة جعلته يواجه احتمال الحكم بإعدامه؛ فقد سجل
حاتوسيلى: «ليس من الصواب قتل مبعوث» إلا أن رأى رمسيس لم
يتغير إلا أنه طمن أخاه الملك أن المبعوث الحثينى الآخر الذى كان بمصر
ويبدو من رفض رمسيس لطلب حاتوسيلى فى هذا الشأن أن
الحصانة الدبلوماسية لم تكن لتعنى شيئَا فى عالم العصر البرونزى
ويحتمل أن ذلك لم يكن ليشمل كل المناسبات والظروف المماظة ففى
وعسلى اللذين خالفا القانون أثناء مهمة لهما بمصر بالعودة إلى بلدهماء
خطاب من الملك الميتانى توشراتا لأخناتون أكد له أن العدالة ستأخذ
المذنبان أمام توشراتا مكبلين بالأغلال والأصفاد وتم نفيهما إلى مدينة
حدودية من بلاد الميتانيين ولم يقدم توشراتا علي إعدامهما؛ علي الأقل
حتى تصله معلومات تفصيلية عن طبيعة الجرم الذى ارتكباه (34)
مزايا و مخاطر العمل الدبلو ماسى قديمًا
انضوى فى عالم الدبلوماسية القديمة بعض الأشرار وحثالة البشر»
كما سنرى قيما يلى إلا أن عالم الدبلوماسية القديم ضم أيضا بين
صفوفه كثيرًا من الشرفاء أصحاب المراكز المرموقة والذين نالوا احترام
وثقة الملوك الأجانب, بنفس القدر الذى حظوا به من ملوكهم وقد قاموا
بالفعل بمهام فى غاية الأهمية فى مجال العلاقات بين كبار الملوكه حتى
بلغ الأمر أن أحد الملوك كان يطلب من أخيه الملك أن يوافيه بمبعوث معين
بالاسم؛ للاستفادة من خدماته وهكذاء نجد أن بارنا بورياش الثانى طلب
من أخناتون أن يبعث إليه بعظيم القدر حاياء ليرأس الوفد المرافق للأميرة
البابلية القادمة من بابلء لتصبح زوجة أو إحدى زوجات فرعون
مصرؤ(كة) كذلك أصبع المبعوث المصرى (مين) من أقرب المقربين
والمفضل لدى توشراتا ملك الميتانيين وذلك أثناء وجوده هناك أثناء
تجهيز ابنة توشراتاء قبل انتقالها إلى مصر للزواج بالفرعون وذكر
«لا يوجد مثيل له فى العالم كله»
إرسال مبعوث مصرى لمصاحبة رسله العائدين من مصر إلى بلادهم,؛ لم
يترك طلبه دون أن يذكر من يريده على وجه التخصيص:
لا أريده كلاء لا ترسل سوى مين»(37)
كان المبعوثون يتلقون أيضنًا هبات ثمينة من الملوك المرسلين إليهم
مهنتهم؛ كان نمط الحياة التى يحيونها في خدمة سادتهم يلقي عليهم أعباء
لاجتياز بلاد ومناطق غير مضمون سلامتهم فيها؛ حتى لو كانت تصحبهم
حراسة عسكرية ١ (انظر الصفحة التالية) كانت الأحوال البيئية القاسية
والطقس القائظ الحرارة وشح مصادر المياه أو انعدامها فى بعض
مخاطر الحيوانات المفترسة؛ وبنفس القدر من الأفراد الخارجين على
أن ذلك يعود إلى رفضه الاعتراف بالصفة الشرعية لابن أخيه بعد أن
تيشوب؛ وكان آخرون يشيرون إليه باسمه الأول ومنهم رمسيس بعد أن
استمرار خط وراثة العرش فى نسله(20) والنتيجة لما أسلفنا فى شرحه
قد تبدو واضحة الآنء وهى أن أيا حرتابو مورسيلى المذكور فى النقش
تيشوب(21)؛ هى حقيقة لا تقبل الشك أنه لا يوجد ملك محلى فى جميع
أرجاء الإمبراطورية الحثينية كان يجرؤٌ على وصف نفسه بصفة «ملك
عظيم» فى الوقت الذى يشغل فيه العرش الحثينى ملك عظيم آخر(22)؛
إلا أن ذلك لا ينطبق على من كان يؤمن أنه صاحب الحق الشرعى فى
رمسيس على حاتوسيلى بالأماكن التى يحتمل تواجد أورحى - تيشوب
بها بعد فراره من مصر؛ كان رمسيس أقرب كثيرًا إلى الحقيقة فقد كان
أورحى - تيشوب قد توجه فعلاً إلى داخل البلاد الحثينية
وبمجرد أن أصبعح داخل البلاد؛ بدأ فى جمع شمل مؤيديه من شمال
سوريا وجنوب الأناضول وأدت جهوده إلى تكوين مملكة بالمنفى امتدت
على مساحة معقولة من جنوب الأناضول كانت مملكة تارحونتاسا جزءًا
منهاء وهى المملكة التى كان يحكمها كورونتا شقيق أورحى - تيشوب,
وبمجرد أن استقر فى تلك المملكة الوليدة؛ بدأ يستخدم اسمه الملكى
لمغتصب عرشه فى حاتوساء ذلك العرش الذى لم يغفل لحظة عن أحقيته
واجه آخر ملوك الحثينيين تمردًا كبيرًا من جنوب الأناضول ووجد
نفسه مضطرًا لتسيير حملات عسكرية إلى تلك المنطقة التى ظهرت
كمنطقة قلاقل واضطرابات فى آخر أعوام المملكة الحثينية ومن الممكن أن
يكون أورحى - تيشوب وابنه حرتابو قد أشعلا نيران التمرد فى جنوب
لم يتمكنا من استعادته أبدًا بل إن المملكة التى أسسها أورحى - تيشوب
أن تختفى وتنهار بسرعة فقد ابتلعتها هى الأخرى الأحداث العظمى التى
أدت موجات الجفاف الطويلة؛ والمجاعات؛ والزلازل وانهيار الانساق
الحاكمة؛ وانتشار وتفشى جماعات الغزو والنهب الجوالة وانتفاض
إلى انتشار الفوضىء من بلاد اليونان القديمة حتى منطقة ما بين
النهرين ومن شمال الأناضول حتى سواحل مصر الشمالية والتى أدت
إلى اضمحلال وانهيار مراكز عديدة من مراكز القوة؛ وانهيار مدن عظمى
وممالك كبرى فى العقود الأخيرة من العصر البرولزى المتأخر
لذلك لا يثير دهشتنا أن تكون مصادر المعلومات عن تلك العقود
شحيحة ونادرة؛ بسبب الاضطرابات التى سادتها وندرة ما دون خلالها
فقد كانت البنى الإدارية تنهار يوم بعد آخرء كما كانت منظومة الممالك
التابعة والخاضعة لنفوذ قوة كبرى ينفرط عقدها والإمبراطوريات تتداعى
لذلك لا يوجد إلا القليل من التسجيلات عن أحداث تلك الأيام الأخيرة
العسكرية لكبار الملوك, انتصارات على سواحل قبرص؛ وانتصارات على
أعلن عنها بفخر الحكام الحثينيون فى نهايات العصر البرونزى
المتأخر(1) أحرز أولئك الحكام انتصارات بحرية ويرية على الأقوام الذين
أطلق عليهم اسم شعوب البحرء وهم جحافل بشرية تدفقوا على أطراف
الشرق الأدنى؛ حتى وصلوا إلى سواحل مصر الشمالية: وكان الانتصار
الملصرى عليهم من بين الأعمال التى توجت إنجازات آخر عظماء الفراعنة
المصريين الملك رمسيس الثالث(2)
ولا يمكننا بالطبع التوصل إلى مدى الصدق التاريخى لتلك الإعلانات