يسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثانية
وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه
فإن مما يهلك الأنم وقوعها فى أحد طريقين: طريق الغلو؛ وطريق الانحلال
والغلو يعنى : التشدد والتنطع والتعسير على عباد الله تعالى, وإيقاعهم فى
الحرج والشدة؛ بتوسيع دائرة الواجبات والمحرمات عليهم؛ ورفض الرخص التى
كان قبلكم بالغلو فى الدين»؛ «هلك المتنطعون» قالها ثلاث
ومثل الغلو: التسيب والانحلال والانفراط» بتضييع الأوامر والنواهىء
واستحلال المحرمات؛ والتفريط فى الواجبات» وعدم الوقوف عند حدود الله
والخير كل الخير فى المنهج الوسطء الذى يتجنب الإفراط والتفريط» أو الغلو
والتقصير وهو ما دعا إليه القرآن الكريم» والسنة النبوية؛ وحث عليه أمة الإسلام
الراسخون فى العلم
وهذا المنهج وحده منهج | لوسطية والاعتدال هو حبل النجاة وسفينة الإنقاذ
سبحانه : أن أصبح هذا النهج اليوم هو النهج الأول فى التوجيه والتأثير» بعد أن
كان فى بعض الأزمان موضع الاتهام؛ والغمز
من شاء بما شاء وقد تفضل المركز العالمى للوسطية بالكويت بنشر طبعته الأولى
وها هى ذى دار الشروق تتولى هذه الطبعة لينتفع بها المسلمون فى آفاق الأرض
والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
الفقير إلى عفو ربه
مقدمة
الذى أرسله الله رحمة للعالمين؛ ونعمة على المؤمنين»؛ كما قال تعالى : وما
بعث فيهم رَسُولاً من أنفسهم يتل عَليّهم آياته وركيم ويعلَمهُم الكتاب والحكمة
وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين
فقد كان من نعمة الله تعالى على : أن هدانى إلى تبنى فكرة الوسطية؛ ومنهج
الوسطية من قديم؛ وهو منهج تلاءم مع فطرتى وعقلى؛ وانسجم مع فهمى
للإسلام من ينابيعه الصافية» كما تواءم مع منطق العصرء وحاجات الأمة فيه؛
وعلاقتها بغيرها من الأنم فى عصر تقارب الناس فيه حتى غدا العالم قرية واحدة
الإيمانى والحضارى على الناس
رببت» فى كل آليات اتصالى بالناس : على المنبر فى المسجدء أو فى قاعة
وهذه صحائف كتبتها عن «الوسطية ومعالمها» راجيا أن يكون فيها بعض ما يعين
وإنى لأدعو الله تعالى أن ييسر لى فرصة شرح هذه المعالم التى بينتها اليوم-
الدوحة فى : محرم 11778ه الفقير إلى عفو ربه
مطهوم الوسطية
من قديم تعرضت لبيان مفهوم «الوسطية» وخصائصها ومظاهر تجليهاء وذلك
التعادل بين طرفين متقابلين أو متضادين» بحيث لا ينفرد أحدهما بالتأثير ويطرد
الطرف المقابل» وبحيث لا يأخذ أحد الطرفين أكثر من حقه؛ ويطغى على مقابله
ويحيف عليه
مثال الأطراف المتقابلة أو المتضادة: الربانية والإنسانية» الروحية والمادية؛
الواقعية والمثالية» الثبات والتغير» وما شابهها
ومعنى التوازن بينها: أن يُفسح لكل طرف منها مجاله؛ ويُعطى حقه
ف بالقسط » أو ف بالْقسْطَاسٍ الْمُسْتَقيم » (الإسراء :305 الشعراء: 187)» بلا
كتاب الله بقوله : ف والسَمَاء رَفعَها ووضع الميزانَ (5) ألا تطغوا في الميزان (2)
تقيم الوزن بالقسط ؛ بلا طغيان ولا إخسار
عجز الإنسان عن إنشاء نظام متوازن
وهذا التوازن العادل فى الحقيقة أكبر من أن يُقدر عليه الإنسان؛ بعقله المحدود؛
ولهذالايخلو منهج أو نظام يضعه بشر دفر أوجماعة من الإفراط أو
التفريط » كما يدل على ذلك استقراء الواقع وقراءة التاريخ
إن القادر على إعطاء كل شىء فى الوجود ماديا كان أو معنويا حقه بحساب
وأحصى كل شىء عَدّدا؛ ووسع كل شىء رحمة وعلما
وللاعجب أن نرى هذا التوازن الدقيق فى خلق الله؛ وفى أمر الله جميعاء فهو
صاحب الخلق والأمرء فظاهرة التوازن» تبدو فيما أمر الله به وشرعه من الهّدى
ودين الحق» أى : فى نظام الإسلام ومنهجه للحياة؛ كما تبدو فى هذا الكون الذى
ظاهرة التوازن فى الكون كله
ننظر فى هذا العالم من حولنا فنجد الليل والنهارء والظلام والنورء والحرارة
وكذلك الشمس والقمر والنجوم وللجموعات الكونية فى فضاء الله الفسيح؛
إن كلاً منها يسبح فى مدارف ويدور فى فلكه؛ دون أن يصدم غيره؛ أو يخرج عن
والإسلام يريد من الأمة المسلمة: أن تعكس ظاهرة التوازن الكونية فى حياتها
وفكرها وسلوكهاء فتتميز بذلك عن سائر الأنم
منهج وسط لأمة وسط منهج الاعتدال والتوازن الذى سَلم من الإفراط والتفريط ؛
أو من الغلو والتقصير ا
من مزايا الوسطية وفوائدها
ولقد كان من حكمة الله تعالى أن اختار الوسطية شعارًا مميزًا لهذه الأمة التى هى
رسولاً للناس جميعًا؛ ورحمة للعالين
الوسطية أليق بالرسالة الخالدة
فقد يجوز فى رسالة مرحلية محدودة الزمان والإطار : أن تعالج التطرف فى
قضية ما بتطرف مضادء فإذا كان هناك مبالغة فى الدعوة إلى الواقعية قوت بمبالغة
مقابلة فى الدعوة إلى المثالية وإذا كان هناك غلو فى النزعة المادية» رو عليها بغلو
معاكس فى النزعة إلى الروحية؛ كما رأينا ذلك فى الديانة المسيحية وموقفها من
النزعة المادية الواقعية عند اليهود والرومان» فإذا أت الدعوة المرحلية دورها
الإسلام بوصفها رسالة عالمية خالدة
على أن فى الوسطية معانى أخرى تميز منهج الإسلام وأمة الإسلام وتجعلها أهلاً
للسيادة والخلود
أ_الوسطية تعتى العدل
شهادتها على البشرية كلها: العدل» الذى هو ضرورة لقبول شهادة الشاهد» فما لم
وتفسير الوسط فى الآية بالعدل ثابت عن النبى حم فقد روى الإمام أحمد
والبخارى عن أبى سعيد الخدرى أن النبى يكم فسر الوسط هنا بالعدل!''» والعدل
والتوسط والتوازن عبارات متقاربة المعنى» فالعدل فى الحقيقة توسط بين الطرفين
المتنازعين أو الأطراف المتنازعة دون ميل أو تحيز إلى أحدهما أو أحدها وهو بعبارة
أخرى : موازنة بين هذه الأطراف بحيث يعطَى كل منها حقه دون بخس ولا جور
همو وسط يرضى الأنام بحكمهم | إذا نزلت إحدى الليالى العظائم
يصفهم بالعدل والقسط وعدم التحير
وقال المفسرون فى قوله تعالى : ف( قال أوسطهم ألم أقل لكم أولا تسبّحون»
ادال 2
ويقول المفسر أبو السعود: الوسط فى الأصل اسم لما تستوى نسبة الجوانب إليه
كمركز الدائرة؛ ثم استعير للخصال البشرية المحمودة؛ لكون تلك الخصال أوساطا
للخصال الذميمة المكتنفة بها من طرق الإفراط والتفريط!9)
)١( رواه البخارى فى أحاديث الأنبياء (7774)» وأحمد فى المسند »)١١771( والترمذى فى تفسير
القرآن (7431)؛ عن أبى سعيد الخدرى
() انظر : تفسير الطبرى ٠97 /١7( )» وتفسير ابن كثير »)07١/4( وتفسير القرطبى )٠48/7(
() انظر تفسير الفخر الرازى )٠١46٠8/4( المطبعة المصرية 84 7ه (1478م)
(4) تفسير أبى السعود )١77 /1١( طبعة صبيح
فالوسط يعنى إذن العدل والاعتدال وبعبارة أخرى : يعنى التعادل والتوازن
بلا جنوح إلى الغلو ولا إلى التقصير
ب الوسطية تعنى الاستقامة
المستقيم» وبتعبير القرآن: ف( الصّراط المستقيم # هو كما عبر أحد المفسرين-
الطريق السوى الواقع وسط الطرق الجائرة عن القصد إلى الجوانب فإذا فرضنا
خطوطا كثيرة واصلة بين نقطتين متقابلتين» فالخط المستقيم إنما هو الخط الواقع فى
وسط تلك الخطوط المنحنية ومن ضرورة كونه وسطا بين الطرق الجائرة: أن تكون
ومن هنا علَّم الإسلام المسلم أن يسأل الله الهداية للصراط المستقيم كل يوم ما لا
يقل عن سبع عشرة مرة؛ هى عدد ركعات الصلوات الخمس المفروضة فى اليوم
(الفاتحة ٠763:
والإسلام وحده ينفرد بهذه المزية «الوسطية» دون غيره من الملل جاءةْ فى التفسير
المأثور التمشيل للمغضوب عليهم باليهود» وللضالين بالتصارى”""» والمعنى فى
ذلك: المج ليرد والتباري عفرن الإ طبر التفريط كن كتيرجن التقا
الرسوم فى الشعائر والتعبدات» والنصارى تطرفوا فى إلغائها
)١( المصدر نفسه
(؟) رواه أحمد فى المسند (781١7)؛ وقال مخرجوه : إسئادء صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح غير
الهيشمى فى مجمع الزوائد : رواه أبو يعلى وإسناده صحيح (705/1)