جمعاء كتابةٌ تقدّم الدليل الناطق على عظمة الرسالة الإسلامية وصلاح الشريعة
القرآنية
أما سيرة الرسول فقد أوجزها في كتابه المعروف «تاريخ السياسة الإسلامية»
وهو بين مجموعة مؤلّفاته ورسائله التي أصدرتها مطبعة المنار عقب انتقاله إلى جوار
ربّه في *© يونية سنة 1475 م (9 من ذي الحجة سنة 17847 ه)
حيث أعجله الداء العضال في الفترة الأخيرة من حياته عن أن يهيّئها للنشرء وبقيت
بعد ذلك سِيّر الأعلام من أبطال الفترة اللامعة في عهود أبي بكر وعمر وعثمان
وهي التي انتظمت كتابه الذائع الصّيت الخالد الأثر: «أشهر مشاهير الإسلام في
الحرب والسياسة» بأجزائه الأربعة ذات الأسلوب السَلِس السهل والنفع المحقق
الأكيد
وإذا كانت كتابة التاريخ الإسلامي قد تعرضت في القديم لخطر الجمع
الحاشد لشتى الروايات المختلفة بين صحيحه وزائفه؛ كما تعرّضت في الحديث
لحذلقة بعض متكلفي التحليل البعيد ممّن يريدون إبراز مواهبهم العلمية؛
عن قطف الثمار الدانية من أقرب طريق» فإن كتابة الأستاذ رفيق العظم التاريخية
قد كانت بمنأى عن هذين الخطرين» إذ نخل الأستاذ روايات السابقين نخلا جيداً؛
ليختار منها الصواب في منطق العقل» وليقدّمه ناصع العبارة في سلاسة ميسرة؛
تمضي حلقاتها الذهبية في سلسلة متماسكة تسلم الألف منها إلى الباء» حتى تصل
إلى النهاية في دق وإيضاح» كما أنه قام بالتحليل الهادف والتعليل الكاشف دون
مُباهاة بعظمة فكرية؛ أو موهبة تحليلية
تقديم الأنموذج الرائع للحرية الإنسانية في أزهى فتراتها اللامعة فقد اضطره هذا
الهدف إلى الموازنة بين الماضي البعيد السَّار؛ والحاضر المشاهد المؤلم في كل
من ألقابهم العلمية م ا لهم مكان القيادة في دنيا المدارس والجامعة والتأليف
والصحافة والنشء ومكافحة ذلك تستدعي من الجهود ما قام به دُعاة الفكرة
الإسلامية الذين نُشير إلى جهادهم الكبير في هذا الكتاب عن حمية ويقين
وكلّنا يعلم ما حاوله «رينان» ودهانوتوه الفرنسيان أواخر القرن الماضي وأوائل
مقزرات العلئ والتاريخ والمنطق الاستدلالي الصريح
إذ زعم رينان: أن العرب يفتقدون الروح العلمية في البحث؛ وما يقال عن
علوم العرب وتمدّن العرب وفلسفة العرب خطأ صريح؛ لأن ذلك كله نتاج أمم غير
عربية قد اندمجت فى الأمة العربية»؛ لأن الإسلام في رأيه لا يشجع على العلم
والفلسفة والبحث الحرّ بما فيه من اعتقاد بالغيب» وإيمان تام بالقضاء والقدد ؛
رئيس البعثة المصرية الفرنسية إذ ذاك قبل أن يكرّ عليه جمال الدين بالتفنيد!
وموضع المغالطة في تهجّم الفيلسوف الفرنسي الذي لم يلتفت إليه من
وابن سينا وابن رشد كانوا مسلمين يتمسّكون بدينهم عن إيمان أصيل» فإذا كانوا
قد برضوا فيما زاولوه من مسائل الفلسفة والعلم فكيف يكون الإسلام مانعاً عن
دراسة الفلسفة وغير مشجّع للبحث العلمي؟
وماذا يقول في الحضارات العلمية الزاهرة التي أشرقت بنور الإسلام في كل
لقد اضطر الرجل بعد معارضته القويّة بالحجّة الدامغة أن يتراجع عن كثير
مناسبة تتيح ذلك» حتى بَعْدَ به الاستطراد بعض الشيء» وقد يظن أدعياء التأليف
المنهجي أن هذا المسلك التأليفي بعض ما يؤخذ عليه حيث يلتزمون بإطار معين
لا يُجيزون لأنفسهم أن يخرجوا عنه؛ وقد فاتهم مرمى المؤلف من كتابه؛ إذ أنه
رجل إصلاح تمثل في ذهنه وارتسم في نفسه؛ ووجد تطبيقه المشاهد في إحدى
حقب التاريخ؛ فرأى أن يخدم حركة الإصلاح الإنسانية ولا أقول الإسلامية
فحسب بتقديم أنموذج فريد لهذا الإصلاح المثالي الذي احتضن الواقع في
إحدى الفترات» وكان واقع الشسرق العربي من الانحدار والسقوطء بحيث دفع
الكاتب إلى إشعال بعض المصابيح التاريخية لتضيء
لقد أخذ الكاتب على أسلافه من المؤرّخين تدوين التاريخ الإسلامي في
صورة تهمل الجانب الخْلْقِي من تعاليم الإسلام؛ وتعرض في سلسلة مواقع حربية
تسيل فيها الدماء لاعن هدف حتى ليظن الجاهل والعدوٌ أن الأمة الإسلامية إنما
وُجدت لإزعاج العالم بالحرب والقتال» فشوشوا الحقائق الخلقية بما أهملوه في
أخبار الفتوح الإسلامية من مواقف العدالة والحرية والمساواة ولوعُنيَ المؤرّخون
بإيضاح المسلك الخلقي إيضاحا مكتمل الجوانب متصل الحلقات لكان عهد
استرجاع ما فات وقد قال المؤلف عن نفسه بهذا الصدد ص 4907 :
الأخبار التاريخية المهمة ما لم أردفه ببيان مفيد» لاسيما فيما يرجع للأخلاق
ويصوّر الفضائل والرذائل» ويفرّق بين السعادة والشقاء»
ذلك تعليلا سياسياً؛ كان أول من اهتدى إليه فيما أعلم من كتاب التاريخ
الإسلامي» إذ يقول في حرارة وإيمان ص 7/1/ا:
«اعلم أن أخبار الصحابة إنما حرم بعضهم الخوض فيها لأنها أخبار قوم
ملثت صدورهم بالحياة؛ ونفوسهم بالعزة وهم بالضرورة قدوة الأمة والمُنادون
بين
منذ نشأت الدولة بصوت العدل والحرية والحتى» فوقوف الناس على أخبارهم
والأخذ والردّ فيما حدث بينهم يُحيِي في القلوب روح الحرية؛ ويبعث على
استظهار عامة الناس للحجّة التى يصادمون بها آلات الاستبداد من الخلفاء والملوك
الذين حولوا الخلافة إلى امّلك العضوض؛ وأمعنوا في التمكن من رقاب الناس
لهذا؛ ولمّا كثر خوض الناس في أخبار الصحابة أرادوا إلهاءهم عنها بحججّة حرمة
الخوض فيهاء فأوعزوا إلى الوْضَاع والقصّاصين بوضع أخبار المغازي وقصة عتترة
وأشباههاء ليتلهى بها العامة عن التاريخ الصحيح الذي يبعث في النفوس روح
مناهضة أرباب العتو والجبروت» ومحبّى الاستبداد وآلهة الملك وهذا ما أراه في
هذا الباب والله أعلم بالصواب» ِ
وإذا كانت كتابة التاريخ تسير اليوم في ظلال المناهج الاقتصادية أو
الاجتماعية أو الجغرافية فلماذا لا يكتب التاريخ الإسلامي في ضوء المنهج
الخلقي للإسلام؟ وكيف يُعاب على العظم التزام وجهة نظر معينة يفسّر بها أحداث
التاريخ في عصر كثرت فيه المناهج التفسيرية في تأريخ الماضي وتعليله؛ وفق ما
أيكون التزام الكاتب الإسلامي بوجهة نظر واضحة موضع نقد لدى من
يقدّسون التزام المناهج الخاصّة إذا التزم بها كاتب أوروبي يُججف لا مؤرخ
عربي ينصف كصاحب أشهر مشاهير الإسلام؟
عليها مزيدا من الضوء» لتكون حافز الأمة الإسلامية إلى النهوض والتوثب؛
والمناداة بكرامة الإنسان وحرية الإخاء
١ كان جند الأعاجم من الفرس والروم إذا انتصروا على عدو أو استباحوا
حمى ملك أو أمير» يحملون رؤوس البشر إلى سُدَة ملوكهم كبشاثر للنصرء فرأى
بعض أمراء المسلمين أن يفعل ذلك فبعث عمروبن العاص برأس بنان أحد
الكتابة ضبطاً يرال قراءة الجملة كنا إزادها الكاتب وسَيّانَ عنده بعد أن يقراها
مضبوطة صحيحة وأن تكون معربة ومهملة»
صاحب فجر الإسلام عام مُصلِح وكاتّب غيور ولكنه يميل إلى التجديد والابتداع
في أكثر ما يقترح! ولا بد لصاحب المقترحات المتتابعة من طفرات متسرّعة تكون
ميدان المجاذبة؛ وعزام كاتب مطمئن يميل إلى الابتداع المعتدل دون شطط في
الابتداع! وقد كانت مُساجلته لأستاذه حول موضوع جناية الأدب الجاهلي على
الأدب العربي موضع ارتياح القارئين إذ أنها فُورنّت بمناقشة أخرى صاخبة أدارها
الدكتور زكي مبارك في الرسالة تحت عنوان جناية أحمد أمين على الأدب العربي
وقد سبق الأستاذ أحمد أمين صديقه وتلميذه إلى لقاء ربّه فكتب الدكتور
عزام ذكرياته عنه في مرارة وحزن وعرج على اختلافهما الأدبي في بعض الآراء
فقال: «(لا أذكر أنفي خاصمت الأستاذ أو نازعته أو نافرته ساعة واحدة في هذه
السنين الطويلة على اختلافنا فى الآراء أحياناً واختلافنا فى الطرائق والأساليب
ومما يحضرني الآن أنه كتب مقالات عن الأدب الجاهلي في مجلة الرسالة
الصحيح أنها مجلة الثقافة سنة 14738 فخالفته بمقالات في المجلّة نفهاء
الخالص من الشوائب الذي لا يقصد إلا الحق ولا يبخس المخالف حقّه ولا
يحيد قيد شعرة عن أدب المناظرة
وما طبع كتاب «فجر الإسلام»؛ كنت معه في لجنة التأليف فأرسلت المطبعة
اريف
غلوائه إذ يقدم على مهاجمته دون مبالاة أو اكتراث» وموقفه من عبد العزيز فهمي
بفقهه على الناس في شموخ لا يملك من مقوماته العلمية سوى الادّعاء والتطاول
فقد كان من آفة عبد العزيز فهمي حين ققدم اقتراحه الخاص باستعمال
الحروف اللاتينية مكان الحروف العربية إلى مجمع اللغة العربية أنه حيطا رسن
السياسيين وكبار الكتاب يمججدون عبقريته؛ ويرونه صاحب سبق لا يلحقه العصر
وذو رسالة مستقبلة ستقذّرها الأجيال القادمة حين ينضج التفكير في الشرق وقد
متحزر يعصف بالجمود المتخيّل ويد التزمت المتوهُم
وكان من مصادفات عرّام أنه ألقى محاضرة عن الخط العربي بسط فيها
الدكتور قضية الحروف اللاتينية؛ إذ سبق أن بسط القول فيها بالسنة الثالثة من نجل
الرسالة سنة 14705» أي قبل أن يتقدّم الباشا باقتراحه بتسع سنوات فلما فلما أنيح له
أن يعالج مشكلة الخط العربي سنة 1444 رجع بالقول إلى ما سبق أن أوضحه
بشأن هذه البدعة غير الطريفة دون أن يشير إلى عبد العزيز بشيء!
ولكن الباشا المتغطرس ظن نفسه المقصود بالنقد متخلا أنه وحده صاحب
الاقتراح الميت! إذ أوهمه ذلك من نافقوه مع أنه مقلّد متأخر لاصحاب البدّع
تتقارع بها الحجج
عبد الرشيد إبراهيم
من الناس من تقرأ حياتهم فتخالها أسطورة خرافية» لما وت من غرائب
الشجاعة وعجائب الجهاد مما يتعذِّر في العادة أن يقوم به فرد واحد» فأنت إذا
قرأت تاريخ جمال الدين الأفغاني ظننت أن الرجل معجزة خارقة» إذ كيف استطاع
وهو الأعزل الفرد يهزٌ أففان وفارساً ومصر وتركياء ويتنقل في شتى ربوع
أبناء الأمة الإسلامية ويطمس معاني أخرى من التواكل والجمود والاتعزال» كان
المعتقد أنها من لباب الدين وهو منها بَراء؟
هذا الرجل معجزة حقَاًء ولولا أنه زُنِيَ بالعين وسْمِعٌ بالأذُنء وألّفَ بالقلم
جمال الدين أسطورة أخرى شابهت الأساطير في غرائب ما أبدعت وعجائب ما
أثمرت! تلك هي أسطورة الداعية الرخّالة المجاهد الصابر الدؤوب: عبد الرشيد
بالرفيق الأعلى في 7١ أغسطس سنة 1444 م
وقد عمد إلى حشو صفحات من كتاب «الحروف اللاتينية للكتابة العربية»
الكتاب المُشار إليه؛ وقد ظنّ أن مكانته السياسية ستدفع الرجل الحازم عن
ولكن الدكتور المتواضع للمخلصين المتكبّر على الأدعياء المشرثرين قد
كشف البهتان في مقال صارم نشره بمجلة الرسالة بالعدد (9817) ١5 شؤال سئة
17 ه قال فيه بصراحة كاوية: «أبدأ بمجادلة الأستاذ في الخطة التي ارتضاها
لنفسه فأقول غير متردّد؛ إنها خطة جاشرة منكرة تكفل لصاحبها أل يهتدي إلى
صواب ولا يبتعد عن ضلال» خطة تعنى بأصحاب الآراء أكثر مما تعنى بالآراء؛ ثم
لا ينال أصحاب الآراء من هذه العناية إل الاستهزاء والبغي والافتراء؛ وسواء على
وقد وصفني بالترمت؛ ثم كتب صحيفتين في هذا التزمت كأن مقصده الكلام في
التزمّت لا في الدفاع عن بدعة الحروف اللاتينية وأنا أعرض على القارىء مقدمة
كلام الأستاذ إذ يقول:
فيبدو مقخّر الظهن محدب الصدنء سوا الأودا- محتقن الوجهة؛ بارز
الحدقتين» في الأوج هامته وفي الحضيض همّته؛ إن لم يكن كالمعلق بحبل
المشنقة فهو على الأقل ضابط صف معلّم بأورطة الأساس» يمشي متشامخاً مل
بكفايته بين أنفار القرعة المستجدين» هكذا يفعل التزمت؛ ثم هو يُخرجه في
تصرّفاته عن التعابير المألوفة بين الناس؛ يجعله متى أراد إخراج كلمة من فيه رطلاً
»0 افعنسس : مزج صدره ودخل ظهره خلقة
هراء طويل لا طائل تحته! ولكن الدكتور عزّاماً جعله حقيقة مريرة تدعو إلى
الرثاء والضحك معاً حين واجه الأستاذ عبد العزيز فهمي بهذا القَسَم المُحرج فقال
«وأنا أنشد الأستاذ الله الحقّ أن يسأل نفسه هادثاً إن استطاع : أهذه الأوصاف
تنطبق علي أو عليه خلقة وخُلْقا؟ ثم أنشده الله ألا يشعر بشيء من التناقض والتهاتر
والتهافت في أن يصف إنساناً في مقال واحد بأنه من أرباب الحناجر وأناشيد
الوطنية اللفظية» وبأنه متوتر متزمت؟ إنى لا أنال من سعادة الأستاذ بمثل أن أدعو
ووجه المرارة فى تعقيب عرّام أنه أكد الحقيقة الصارخة التي تؤكّد أن
الصفات الخلقية لتعابير الجسم من احتقان وانتفاخ الأوداج وما إليها هي أقرب إلى
صورة عبد العزيز وأبعد ما تكون عن صورة عزّام ! وليس بعد العيان بيان!