وصاحب الكتاب يتحدّث عن موجز تاريخ العالم بأكمله فإذا كان ما كتبه
عن الغابرين من أعلام التاريخ في الشرق والغرب يشبه ما كتبه عن نبي الإسلام؛
فقد ملا كتابه الضخم بالأباطيل؛ وقد تردّد ما كتبه (ويلز) عن نشأة نبي الإسلام
والإسراء وحادث الغرانيق» وزواج الرسول بصفيّة بنت حي في كتب كثيرة؛
أما الملحق الثاني فخاص بنقد الأستاذ ما كتبه الأستاذ محمود عزمي عن
الشريعة الإسلامية؛ إذ كتب في الأهرام مقالات يدعوفيها إلى ترك الشرينة
الإسلامية جانيا واتباع قوانين الغرب في مسائل الطلاق والميراث» وما يُعرّف
بالأحوال الشخصية ووجد من فح له مجال المحاضرة فيما ادّعاه فكتب
وحاضر وكاثر بشيعته التي تصفق له؛ فنشر الشيخ الدجوي نقداً عاصفاً بادّعاءاته؛
وبين أن الأستاذ د يتحدّث عن الشريعة الإسلامية دون أن يدرى عنها
بين محمود عزمي عن ٍ ًِ
وذكر موقف الإسلام من الرّبا والخمر والزناء وكيف ينتظم مساثل الحياة
ليرسم لها النهج الصحيح ؛ ثم دعا إلى إقامة مُناظرة فكرية بين مُناوئي الشريعة
وبينه في مجلس حاشد يؤْمّه أرباب الفكر في مصرء ليُدلي الأستاذ عزمي بآراثه؛
وطبيعي أن يُحجم الأستاذ عزمي عن مثل هذه المناظرة لأنه ألِفٌ أن يتحدّث في
وسط خاصّ يتابع هواه؛ ويصفق له, أخطأ أم أصاب
هذا بعض ما ناضل به الأستاذ الدجوي في سبيل الله» وقد نسيه أبناء اليوم
فلم يرجعوا إلى صحائف علمه ومصادر نضاله؛ وما أظن أحداً خصّه بالتحليل
الدكتور زكي مبارك كتب كلمة قصيرة في كتاب (الأخلاق عند الغزالي) قال
الأخلاق عند الغزالي ص714؛ ط دار الكتاب العربي )١(
صدق النظرة؛ وبارع الاستنتاج» فاق ما يسلّم به الناقد من غزارة المادّة ووفرة
الاستشهاد
لقد تعرض إلى موضوع شائك هو عقيدة أبي العلاء فهل اكتفى بِسَرُد
كانوا ذوي اختلاف بشأن الشاعر الفيلسوف» فمنهم من يكفّره» ويراه مث للمروق
يشفي لوعة في صدره حين بيخرج أبا العلاء من نطاق المؤمنين؛ ومنهم من يتعضّبٍ
له عن حَمِيّة واعتقاد فيأخذ من آثاره ما ينطق بصحيح الاعتقاد ويُبىء؛ عن صادق
سارع فاتجه إلى الشمال مرّة أخرى
انتهى إلى تبرثة الشاعر بعد مجهد علمي لا أدري كيف يكون بعده الباحث الضليع
مجرد ناقل يسود الصفحات
«إني لم أنتصر له في بعض المواقف ججنوحاً إلى عصبية؛ أو استرسالاً مع
هوى»؛ ولكني وقفت في الكثير من أقواله على اعتقاد صحيح؛ وإيمان ثابت؛ لا
«الأستاذ الشيخ يوسف الدجوي عالم من هيئة كبار العلماء» وهو ذو نفوذ كبير
في الأزهر والمعاهد الدينية» وأكثر العلماء الممتازين اليوم من تلاميذه ومن الخطأ
أن تعرفه من مؤلفاته؛ لأنها مع قلتها ضعيفة؛ ولأن الفرق بعيد بين ما يقوله في
إلى أفهام الجماهيره
من أن يتجاوز العقل ما له من حدود»
والدكتور في ظلي - يعني بالمؤلّفات الضعيفة ما نشره الأستاذ لهداية العامة
من مباحث خفيفة تلاثم وجهة أنظارهم؛ وميدان العامّة فسيح يجب آلآ نتركه لغير
الفاقهين» وإذا كان الدكتور زكي مبارك يرى أن الدجوي يُعْدَ خليفة للإمام الغزالي
نفحة غزالية تذكرنا بكتاب إحياء علوم الدين» وهو ما يلمسه الدّارس الحصيف
أديب إسلامي مُلتزم
تاريخ الأدب الإسلامي المعاصر في حاجة إلى تدوين كاشف يسججل
قضاياه ويتحدّث عن رجاله؛ إذ إن مدرسة الإمام محمد عبده التى ارتسمت خطاه
في تحليل المسائل الإسلامية ومعالجة المُعضلات الدينية لا تز ال تتطلب الدراسة
البصيرة من ذوي الأقلام الجادّة
ونحن نعلم أن أعلام هذه المدرسة من أمثال محمد فريد وجدي وعبد العزيز
جاويش ومحبٌ الدين الخطيب ومحمد مصطفى المراغي ومصطفى صادق الرافعي
قد كتبوا أنضر الصفحات الزاهرة في الدفاع عن مُمُل الإسلام ومبادثه كما أورثوا
بيانهم الحا طائفة من الخالفين هم اليوم أعلام الفكر الإسلامي
ونريد الآن أن نتحدّث عن تلميذ جهير من تلاميذ الإمام محمد عبده توا
زعامة البيان العربي في عصره؛ وكان صوته الأبي أرفع الأصوات الرنّانة في سماء
حين فاجأ القراء بأسلوب رقي نابض يتوج بالعاطفةي ويصدح بالموسيقى
ويتلوه القارىء منتشيا بروعته
الاحتلال البريطاني» ولم يكن سبباً من أسباب الثورة؛ بل ربما كان المانع من
الاضطراب لو جرى إلى غاية دون عاثق ثم إن الفرس والترنسفال واليونان
الدول» ففيها الرجال الأكفاء» ولكن الاحتلال لا يعترف بهم إلا إذا احتاج إلى
الاستشهاد بكفاءتهم في موقف يسند أغراضه الذاتية
ثم إن إنجلترا قد وعدت بالدستور النيابي في أول احتلالها فما بالها ترجع
مجالٌ لتصحيح الأخطاء ورسم الصحيح من المناهج؛ أما الادّعاء بأن مصر إذا
نالت حكومة نيابية فستلقي بنفسها في أحضان الدولة العليّة (تركيا) فهو ادّعاءٌ يُقصد
به ذرٌ الرماد في العيون لأنه لا يوجد مصري واحد يفكر في هذا الاتجاه وما
تطلب مصر حكومة نيابية إلا" لتسير في طريق الترقي دون تخبط
الكاشفة يليها التحليل الجوهري عرضاً لمناحي الموضوع؛ ولا سبيل إلى أن ننقل
مقالا برمّته لنبيّن منهج علي يوسف في كتابته؛ ولكننا نقول إن الرجل يعرض
الإقناع لدى الخاصّة والعامّة؛ ومقاله الشهير (السياسة الضعيفة العنيفة) مثل رائع
«يستغرب القرّاء أن نجمع بين هذين الوصفين (العنف والضعف) لموصوف
واحدء لما يظهر من أن العف يكون مع القوة» وهي لا توجد مع الضعف في
شيء غير متعدد؛ أما نحن فنقول: إن العنف قد يكون مظهراً كبيراً من مظاهر
والمعقول أيضاً ألا ينفرد الألوسي بأعباء التدريس وحده؛ بل يُسند إلى الأكفاء من
زملائه دروساً يُحبنون القيام بتفهيمها لا سيما والمجتمع البغدادي لعهد الالوسي
كان آلفاً لهذه الدروس المنزلية؛ لأن بيوت العلية من العلماء كانت مدارس خاصّة
لمن يقصدها من الطلاب»؛ وقد اشتهرت بعض العاشلات الكبيرة بتدريس علوم
معينة فاشتهر بيت الزهاوي بتدريس المنطق وعلم الكلام» واشتهر بيت السويدي
بتدريس الحديث؛ وبيت الواعظ بتدريس الوعظ ومناحي الإرشاد
ومثل بيت الألوسي وقد ورث العلم كارا عَن كابس الابدّ أن يشتهسر بذاً
بمواد خاصّة؛ فلما تسم عميده منصب الإفتاء بنى داراًء وانسع بالعلوم إلى مد
شامل محيط» وذلك فضل الله
وطبيعي أن يجهر الشيخ بالحق لدى الحاكم؛ وكان الوالي علي رضا يقبل
منه كل مُعارضة لأنه يعلم صدق نفسه وإخلاص اتجاهه؛ ولكن مذّته في بغداد
لم تطل» إذ جاء من بعده من شمخ بمركزه على المعارضة؛ ورأى في كلمته القول
لسان معشره؛ وصاحب القول الصريح الذي لا يتستّر بجمجمة؛ ولا يسكت أمام
إرهاب
وكان الوالي واسمه (محمد نجيب) يمت بصلة القرابة إلى السلطان
العثماني ؛ ويرى في هذه الصلة ما يجعله فوق المساءلة وقد ضاق بصراحة
الألوسي؛ وسمع من أعدائه ما أغراه به إذ جعل يتسقط أنباء زعامته الدينية؛
وهيبته القوية في بلده»؛ بضيق يُوغِر الصدر ويتربص المكيدة
وقد حدث شغب في مسجد من مساجد بغداد قامت بعده مظاهرة ناقمة؛
تتّجِه إلى منزل الوالي مُنادية بإحقاق الحق فغضب محمد نجيب باشا لضجيجها؛
وعدّه مظهراً من مظاهر الخروج على الحاكم؛ واعتقد أن الألوسي هو الذي أوقد
النار ودعا إلى التجمهر» فسارع بعزله عن الإفتاء» وحال بينه وبين الذهاب إلى
الآستانة حين دعى العالم الكبير لزيارتها في مناسبة سلطانية ثم كتب للباب العالي
يُخبره أن الشيخ قد رفض الزيارة تكبّراً ليكون صاحب حت في تنكيله والإيقاع به
الشراسة محلّه؛ ولذلك تجد أضيق الناس صدراً من يسبّ غيره» وأقلّهم مقدرة
على الإقناع الخطابي من يصيح في وجه محدّثه ليحمله على قبول رأيه
كذلك العنف والبطش في حكم الأمم يحل محل حُسْن السياسة وقدر
بعيدا عن فعال الظالمين»
ويمتد القول لو تنا ما قال علي يوسف في شُدّ شتى الأزمات السياسية على
قرابة ربع قرنء إذ له في كل يوم مقال ناقد؛ أو تعقيب هادف أو حوار كاشف»
وهو في شتى مناحيه لا يخرجٌ عن هدوئه العاقل الذي يجعله موضع التقدير مهما
خولفٌ؛ وسياسة الهدوء في الحوار السياسي تغيظ الخصم وتربكه لأن الافتعال
الصاخب في النقاش يترك أثراأ يوحى بالخْفّة والتعجّل» كما يترك العنان لألفاظ
حتى ليكاد يُلقي السّلم عن طوع
ولعلّ أكبر مثل لهذا الهدوء الحاسم ما كتبه الشيخ علي يوسف في مناقشة
خطاب الوداع الذي ألقاه كرومر في احتفال رحيله؛ حيث تورّط المعتمد البريطاني
أثلي : وكلهم سواء في مجاملته؛ ثم ارتفع ؛ بالأحداث إلى عهد إسماعيل» فذكر
وباطنها من قبله العذاب» وقد كتبت الجرائد المعاصرة نقداً للخطاب الموجع؛ لم
تسلك مسلك المنطق العاقل بل قادتها الحماسة الخطابية إلى ما يشبه الهجاء
أما علي يوسف فقد تناول الخطاب فقرة فقرة في أدب مهذّب؛ لين تضاربه
الواضح بين ما قاله اللورد من قبل وما أخذ يقوله الآن ثم ليكشف القناع عن
قد احتفلتم بمّن لم يعباً بمشاعركم في شيء وأدهى من ذلك أن يتصدّر الاحتفال
مجال الشكر الذي أضفاه على فريق دون فريق ولا يقف عند التجاهل» بل يوخزه
باطعن مع السنان حين ينقد أباه إسماعيل وأخاه محمد توفيق وابن أخيه عباس
للناس: : اتي لا اتزيد:بل أفشسن كما شاء أن فيج عن أسباب الإطراء الذي خص
الصادقة الذي يجعل شأن مصر فوق كل شأن
وأعظم ما فق إليه علي يوسف في نقده الباتر لخطاب الوداع أنه اكتشف بين
سطوره ما يُحرج كرومر أمام الوزارة البريطانية بنفسهاء وكأنه بذلك صعب مقدمه
المنكفىء إلى إنجلترا باعتباره قد أخفق في سياسته وقد عزل لهذا الإخفاق لا
ذلك غير صدى ران لإعجاب شديد!
أما ما كتبه علي يوسف بصدد حرية الصحافة التي شاء اللورد في آخر أيامه
يبيح اللورد لأصحاب المقظم وأضرابهم أن يسبُوا السلطان والدولة العثمانية صباح
مساء دون أن يكونوا موضع ملامة؛ لأن الصحافة حرّة تقول ما تشاء؛ ثم لا تمتدٌ
هذه الحرية لجريدتي اللواء والمؤيد حين تنقدان السياسة الإنجليزية؛ وكأنهما
جاءتا بموبقة آثمة تستدعي المصادرة؛ وتدفع إلى غياهب الاعتقال
ونحن نعلم أن الشيخ علي يوسف قد ألف حزباً سياسياً سمّاه (حزب
الحزب الوطني؛ ومحمود سليمان زعيم حزب الأمة ولكن مجد علي يوسف لم
الأنصار كما جذبت الحماسة الدافقة عند مصطفى كامل ويخيّل إليّ أن الرجل لم
يرد أن يكون زعيم جماهير قدر ما أراد أن يلفت إلى سياسة الإصلاح الدستوري
عن طريق النقاش المنطقي الذي يحدّد الأهداف ويرسم الاتجاه
لقد أصاب الكاتب الكبير الأستاذ عباس محمود العقّادا') حين وازنَّ بين
على يوسف ومصطفى كامل في اتجاههما السياسي موازنة دقيقة قال فيها:
«لقد كان لعلي يوسف ومصطفى كامل طريقتان مختلفتان في الكتابة
الصحفية» وفي الخطة السياسية؛ وفي الدعوة الوطنية ولقد فرّق النقاد بين
الطريقتين» فكان الفرق بينهما عند أناس» أن طريقة مصطفى كامل هي طريقة
التطزف والحماسة؛ وأن طريقة علي يوسف هي طريقة المحافظة والاعتدال وكان
الفرق يتهما عيد أناش: هو الفرق بين التعليم القديم والتعليم الحديث؛ أو هو
الفرق بين الشباب والكهولة» أو الفرق بين الكاتب الحصيف والخطيب المنطلق,
ولكن الواقع أن الفارق الوحيد الذي يحتوي جميع هذه الفروق هو شعور
العصامية في نفس الرجل الذي كان مثله الأعلى في الحياة أن يصل بحيلته
وكان من حق هذه العصامية الناجحة عند علي يوسف أن يتكلم مع ذوي الاعتبار
كما يتكلم ذوو الاعتبار ولا يخفٌ به القلم خفة الحديث المتعجّل؛ أو الحديث
«إن علي يوسف كان يصنع صناعته الصحفية ليتعلّمها الناس منه؛ ولم يكن
عليه كان يسمع ولا شك بالصحافة الأوروبية ويعرف منها بالسّماع أكبرها
وأشهرهاء ولكنه لم يعرف من صحافة الغرب صحيفةً واحدة لينهج نهجهاء ولم
)١( رجال عرفتهم للأستاذ العقاد (كتاب الهلال)