المفُرطين والمفرّطين» أو الغلاة والجفاة كما قال الحسن البصري رحمه الله: بيع
لهم كل شيء
نجد من هؤلاء من يوجب التقليد لمذهب بعينه ويغلق باب الاجتهادء وفي الجهة
الأخرى من يطعن في المذاهب كلهاء ضاربًا بجهودها واجتهاداتها عرض الحائط
نجد من هؤلاء الحرفيين المتمسكين بظواهر النصوص» دون نظر إلى المقاصد» أو
رعاية للقواعد؛ ونجد في مواجهتهم المؤولين الذين حولوا النلصوص في أيديهم إلى
والصنف المطلوب المامون: هو الصنف الوسط المعتدل بين الغلاة والمتسيبين»
الذي يجمع بين عقل الفقيه وقلب التقيء ويلائم بين الواجب المطلوب» والواقع
المعاش؛ ويميز بين م يرجي ا مخواص وما يعانيه العوام» ويعرف أن لحالة الاختيار
والسعة حكمهاء وللضرورات أحكامها» ولا يدقفعه التيسير إلى إذابة الحواجز بين
الحلال والحرام» كما لا يدفعه الاحتياط إلى التشديد والتعسير على عباد الله؛
ورحم الله إمام الحديث والفقه والورع» سفيان الثوري حين قال: إنما العلم الرخصة
وانصح هؤلاء الشباب ثالقًا: أن يتخلوا عن التشدد والغلو؛ ويلزموا جانب
الاعتدال والتيسير» وخصوضًا مع عموم الناس الذين لا يطيقون ما يطيقه الخواص من
أهل الورع والتقوى؛ ولا بأس بأن يأخذ المسلم في مسألة أو جملة مسائل بالأاحوط
والأسلم» ولكن إذا ترك دائمًا الأيسرء واتبع دائمًا الاحوط» أصبح الدين في النهاية
والناظر في نصوص القرآن والسئة وهدي النبي لغ وصحابتهء يجدها تدعو
إلى اليسر ورفع الحرج؛ والبعد عن التنطع والتعسير على عباد الله
وفي آية القصاص وإجازة العفو والصلح فيه: لؤذلك تخفيف من زَبَكُم
والغلو في الدين؛ فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين»!)
وهو يشمل التنطع في القولء أو في العمل أو في الرأي
وقال لمعاذ لما أطال القراءة بالقوم» أفتان أنت يا معاذ؟! وكررها ثلاثًا ومعنى
هذا أن التشديد على الناس وأخذهم بالعزيمة دائمًا فتنة لهم
وإذا جاز للإنسان أن يشدد على نفسه طلبًا للأكمل والأسلم؛ فلا يجوز أن
يشدد على جسهور الناس فينفرهم من دين الله من حيث لا يشعرء ومن هنا كان
النبي م أطول الناس صلاة إذا صلى لنفسه»؛ وأخفهم صلاة إذا م غيره؛ وقال
وعن أبي قتادة أنه مغ قال: (إني لأقوم إلى الصلاة؛ وأريد أن أطول فيها نأسمع
بكاء الصبي» فأتجوز (أي أخفف) في صلاتي» كراهية أن أشقى على أمه»" وقد بين
مسلم في صحيحه صورة هذا التخفيف في رواية له: أنه كان يقرأ السورة القصيرة
في الصيام) رحمة لهم» فقالوا: إنك تواصل قال: إني لست كهيثتكم» إني أبيت
بطعمث: ربي و يد 0"
ولئن كان التيسير مطلوبًا في كل زمن» فإنه في زماننا ألزم وأكثر تطلبًاء نظرً لما
ثراه وثلمسه من رقة الدين» وضعف اليقين» وغلبة الحياة المادية على الناس»
وعموم البلوى بكثير من المنكرات حتى أصبحت كأنها القاعدة في الحياة؛ وما
التسهيل والتيسير» ولهذا قرر الفقهاء: أن المشقة تجلب التيسيرء وأن الأمر إذا ضاق
انسع ؛ وأن عموم البلوى من موجبات التخفيف
؛- ادعوا بالحكمة والحستى:
وأنصح هؤلاء الشباب المتدينين» رابعًا: أن يتبعوا المنهج الذي رسمه القرآن في
الدعوة إلى سبيل الله وجدال المخالفين؛ وهو ما جاء في خواتيم سورة الل عمل
ومن تأمل الآية الكريمة وجد أنها لا تكتفي بالأمر بالجدال بالطريقة الحسنة» بل
)١( متفق عليه
(؟) رواه البخاري
(7) متفق عليه
حسنةء والأخرى أحسن منهاء؛ وجب على المسلم أن يجادل بالتي هي أحسن»
جلبًا للقلوب الثافرة؛ وتقريبًا للأنفس المتباعدة
وإذا كان هذا أسلوب جدال المسلم لغير المسلم؛ فكيف يكون جدال المسلم
للمسلم وقد أظلتهما وحدة العقيدة والأخوة في الدين؟
إن بعض الإخوة يخلطون بين الصراحة في الحق والخشونة في الأسلوب؛ مع أنه
لا تلازم بينهماء والداعية الحكيم هو الذي يوصل الدعوة إلى غيره بألين الطرقء
وأرق العبارات»؛ دون أدثى تفريط في المضمون
والواقع المشاهد يعلمنا: أن الأسلوب الخشن يه يقني اللجسزة الحسن»؛ ولهذا ورد
وقال الإمام الغزالي في كتاب «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» من «الإحياء» :
لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا رفيق فيما يأمر به؛ رفيق فيما ينهى عنه»
مقام مقالا يناسبه؛ وكان الأمون ذا فقه فقال له: يا هذاء ارفق»؛ فإن الله بعث من
وبهذا حج المأمون ذلك الرجل وخصمه»؛ فلم يجد جابًا ومما علمه الله لموسى
أن تكون دعوته لفرعون بهذه الصيغة اللينة الرقيقة: ( فَقل هل لك إل أن ترك
ومن اطلع على حوار موسى مع فرعون في القرآن الكريم» يجده قد وعى
وصية الله له؛ ونفذها بكل دقة برغم تجبر فرعون واستعلائه؛ وتهجمه واتهامه
وتهديده» كما يتبين ذلك من سورة الشعراء
ومن درس سيرة رسول الله تعالى َم وسنته في هذا الجانب رأى في هديه:
الرفق الذي يرفض العنف؛ والرحمة التي تنافي القسوة» واللين الذي يأبى
ولوى بعض اليهود لسانه في تحيته لم فقال: السام عليكم (أي: الموت) بدل
متفق عليه )١(
(7) رواء مسلم
مقدمرٌٌ الطبعة الأولى
الحمد لله وكفى ؛ وسلام على عباده الذين اصطفى
فقد كنت قدمت دراسة سابقة استغرقت مقالين في مجلة «الآمة» الغا (عددي
رمضان وشوال سنة ٠140ه) تحت عنوان (صحوة الشباب الإسلامي ظاهرة صحية
من الحوار العلمي؛ والتعاطف الأبوي»؛ حتى تكون ثمرة هذه الصحوة للإسلام
أو لفثة منهم
ومما ينبغي الإشادة به:
أن الجماعة الإسلامية بجامعة القاهرة حين أقّامت معسكرها الإسلامي التاسع في
وعي محمود من هذا الشباب» ومناصرة لخط الاعتدال
شأنه»!'؟ بهذا التعميم الذي يشمل كل شيء
وعن جرير بن عبد الله قال: سمعت رسول الله لم يقول: «من يحرم الرفق
يحرم الخير كله»!"؟ وأي عقوبة أشد وأقسى من أن يحرم الإنسان الخير كل الخير؟!
وأحسب أن في هذا القدر من النصوص ما يكفي لإقناع أبناثنا الذين اتخذوا التجهم
والعنف سمة لهم - بالعدول عن طريقتهم الخشنة إلى طريق الحكمة والموعظة الحسئة
في أدب الدعوة والحوار:
أولاً: يجب مراعاة حق الأبوة والامومة والرحم؛ فلا يجوز مواجهة الآباء
والأامهات بخشونة؛ ولا الإخوة ولا الأخحوات بغلظة» بدعوى أنهم عصاة أو
مبتدعون أو منحرفون» فإن هذا لا يسقط حقهم في لين القول» وخاصة الأبوين
وحسبنا أن الله قال في حقهما: ون جَاهَدَالكَ على أن شرك بي ما ليس لك به
ل ل ان ولاج
وليس هناك ذنب أعظم من الشرك؛ إلا المجاهدة لتحويل المؤمن إلى مشرك؛ ورغم
صدور هذا من الوالدين» نهى الله عن طاعتهما فيه؛ وأمر بمصاحبتهما بالمعروف
ومن قرأ حوار إبراهيم عليه السلام لأبيه في القرآن في سورة مريم - رأى
كيف يكون أدب الأبناء في دعوة الآباء» ولو كانوا مشركين
ثانيًا: مراعاة حق السن» فلا ينبغى إسقاط هذا الفارق» ومخاطبة الكبير مخاطبة
الصغيرء ومعاملة الشيوخ كما يعامل الشباب» بزعم أن الإسلام يسوي بين الناس
(١)رواء مسلم
(1) رواه مسلم
حقوق: القرابة والزوجية والجوار وولاية الأمر وغيرها
ومن أدب الإسلام هنا: أن يحترم الصغير الكبير» كما يجب أن يرحم الكبير الصغير»
دفي الحديث النبوي: اليس منا من لم يرحم صغيرناء ويوقر كبيرناء ويعرف لعالمنا» أي
وفي الحديث الآخر: «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيية المسلم»!""
ثالًا: مراعاة حق السابقة» فمن كان له فضل سبق في الدعوة إلى الله؛ وتعليم
الناس الخير» أو كان له بلاء حسن في نصرة دين الله تعالى» فلا ينبغي جحود فضله؛
وإهالة التراب على سابقته؛ أو الطعن فيه» لفتوره بعد نشاط» أو ظهور ضعف منه
بعد قوة» أو تفريط بعد استقامة» فإن رصيده من الخير وسابقته في الجهاد تشفع له
حرصه عليه الصلاة والسلام على سرية التحرك وهذا ما جعل عمر بن الخطاب
يقول: دعنى يا رسول الله أضرب عنقه فقد نافق: فكان الجواب النبوي الكريم «ما
إن سابقة الرجل وجهاده يوم بدر يوم الفرقان جعلت النبي الكريم طم
يقبل منه اعتذاره» ويقول لأصحابه عن أهل بدر عامة ما قال
وأنصح الشباب خامنًا أن ينزلوا من سماء الأحلام والمثالية المجنحة إلى
أرض الواقع» ليعايشوا الناس» الجماهير من المواطئين والحرفيين والفلاحين والعمال
وغيرهم من الجاهدين والمجاهدين؛ في الأحشاء الدقاق من المدن الكبيرة؛ إلى
(1) رواه أحمد عن عبادة بن صامت بإسناد حسن بلفظ : ليس من أمتي والطبراني والحاكم
(7) رواه أبو داود عن أبي موسى بإسناد حسن؛ كما في التيسير للمناوي: 7417/١
الحارات والأرقة في القرى الكادحة؛ وسيجدون هناك الغطرة السليمة؛ والقلوب
الطيبة؛ والأجسام المكدودة من العمل
أوصي الشباب أن ينزلوا إلى هؤلاء في مواقعهم؛ ليسهموا في تعليم الآميين
حتى يقرأواء وفي علاج المرضى حتى يصحواء وفي تقوية المتعثرين حتى ينهضواء
وفي مساعدة المتبطلين حتي يعملواء وفي معاونة المحتاجين حتى يكتفواء دفي
توعية المتخلفين حتى يتطورواء وفي تذكير العصاة حتى يتوبواء والاخذ بيد
المتحرفين حتى يستقيمواء وكشف المافقين حتى يختبتواء ومطاردة المرتشين حتى
يرتدعواء وإنصاف المظلومين حتى ينتعشوا
على الشباب أن ينشئوا لجانًا لمحو الأمية؛ وجمع الزكاة وتوزيعهاء ولإصلاح
ذات البين» ولمحاربة الأمراض المتوطئة» ولمعالجة الإدمان على التدخين أو المسكرات
وما أكثر الميادين التي تحتاج إلى جهود الشباب» وعزائم الشباب؛ وحماس الشباب!
يا شباب الإسلام» لا تتقوقعوا على أنفسكم» تاركين الشعب وهم آباؤكم وأمهاتكم
داووا جراح القلوب الحزينة؛ بموقف عملي» أو بكلمة طيبة؛ أو ببسمة صادقة
إن القيام بخدمة المجتمع» وتقديم العون له وخصوصًا للفئات الضعيفة فيه -
عبادة رفيعة القدر لم يحسنها كثير من المسلمين اليوم» برغم ما ورد في الإسلام من
تعاليم تدعو إلى فعل الخيرء وتأمر به؛ وتجعله فريضة يومية على الإنسان المسلم
ولقد بينت في كتابي «العبادة في الإسلام»: أن الإسلام قد فسح مجال العبادة
ووسع دائرتهاء بحيث شملت أعمالاً كثيرة لم يكن يخطر ببال الناس أن يجعلها
الدين عبادة وقربة إلى الله
إن كل عمل اجتماعي نافع يعذه الإسلام عبادة من أفضل العبادات» مادام قصد
فاعله الخيرء لا تصيد الثناء» واكتساب السمعة الزائفة عند الناسء كل عمل يمسح