الإصلاحي هو في وجه من وجوهه إسلام تجديدي غير أن التجديد
في الإسلام الإصلاحي ينضوي ضمن مفهوم الاجتهاد”" بالمعنى
المتداول للعبارة» فهو يسعى إلى تغيير ما هو سائد في الفكر والواقع
توسّلاً بأنموذج قديم ثاو في تراث الأمّة.
إننا واعون بأن وصل التجديد بالإسلام يخشى منه الوقوع في
الأصولية التي تنادي بتجديد الفكر الإسلامي ولا يعدو ذلك أن يكون
شعاراً يراد من خلاله الانخراط في منطق الحديث الذي يُنسب إلى
إن مفهوم الاجتهاد بدوره مفهوم ملتبس؛ فقد أحاطت به
استعمالات مختلفة ومتباينة. من هنا لا يمكن اعتبار كل اجتهاد تجديداً
ضروب من التجديد عليها حتى تكون ملائمة لمقتضيات الحال.
غير أن الإشكال الذي بدا لنا في المستوى المفاهيمي فيما
يتصل بالتجديد والاجتهاد ذو وجهين:
الوجه الأول أن الكثير مما ينتج تحت عناوين
بالتجديد من قبيل التراث والتجديد أو التراث والمعاصرة أو قرا
جديدة أو منهج حديث في فهم ذلك العلم أو تلك الظاهرة لا يعدو
أشهدني الله مع ابي قتل المشركين يري الله ما أجذ أي ما أجتهد. الأصمعي
جاد مجدّ أي مجتهد. وقال أجدّ يج إذا صار ذا جذّ واجتهاد (انظر: لسان
أن يكون شعارات أو هو في أفضل الحالات تقديم محتويات قديمة
في أشكال وقوالب جديدة؛ وهو مسعى لإحياء الشريعة من دون
مفارقة البنى والرؤى المتواضع عليهاء
أما الوجه الثاني فيتمّل في أن تعبيرات الاجتهاد والدعوة إلى
الاجتهاد لا تُعتمد فقط لدى العلماء التقليديين بل أيضاً لدى مفكّرين
علمانيين!'" وإن أكسبوها فهماً يتجاوز الحدود التي سيج بها هذا
المصطلح في الفكر الإسلامي. في المقابل فإن ندوة تحمل عنوان:
يد الفكر الإسلامي»"" ليس لها من وجوه التجديد فيما ثرى أي
صلة بالحدود التي ضبطناها لإسلام المجدّدين نظراً لانخراط البحوث
المدرجة فيها ضمن أفق تقليديّ محافظ.
ما معنى التجديد إذن وما معيار التمييز بين هذا الفكر وذالك؟ إن
التحديد ١ اه لمعنى التجديد يفارق هذه التصؤرات التي انبنى
عليها مفهوم التجديد في الإسلام الإصلاحي وهو ما يتعيّن علينا
لقد واجهتناء ونحن نتناول بالبحث هذه المسألة. مداخل عديدة
أهتّها تحديد هذا الإسلام بنقيضه ونقصد به الإسلام المحافظ. ما
الذي يتميّز به عن الإسلام المحافظ؟ هل الاختلاف متصل بأصحابه؟
المثال ندوة: «قفنية الاجتهاد في الفكر الإسلامي؛ التي عقت
تونس» جانفي/ كانون الثاني 14837
اتجديد الفكر الإسلامي» الني عقدتها مؤسسة الملك عبد العزيز آل
سعود بالدار البيضاء سنة :1447
المحافظ بتنويعاته الأصولي منها والجهادي هو وجوه لعملة
م على الاجترار والتكرار للمواقف القديمة ولا يتعى جانب
الإضافة فيها المسخ والتشويه في أفضل الحالات. وهذا يعني أن هذا
التفكير يحرّكه عقل واحد قد يختلف تعامله مع المرجع ولكن آليّات
القبول والرفض والتبرير والإخفاء والطمس والتضخيم والتعمية واحدة.
إن البدء بالإسلام وعطف المجدّدين عليه يقتضي حصر الاهتمام
بضرب من الإسلام ندّعي أن له من الخصائص ومن ضروب التفكير
ومن جدّة المنهج في التعامل مع قضايا الفكر الإسلامي والقطع مع
السائد من التفكير (وهذا هنو المعنى اللغوي للتجديد عند أهل
اللغة)"''؛ ما يميّزه عن ضروب أخرى من الإسلام ويستحقٌ من العناية
والاهتمام والرصد لمواقفه الجريثة والتبشير بما يمكن أن يغيّره من
الأطر الفكرية التي تعوّد المسلم التفكير في نطافها. وهو إسلام جديد
زمًاً؛ ذلك أنه تبلور في كتابات صدر جلها في العقود الأخيرة؛ على
الرغم من أن هذا الإسلام لا يحتكر وحده ساحة الفكر الإسلامي
باعتباره يتزامن مع إسلام محافظ لا يزال فاعلاً في فكر قطاع عريض
لقد كنا واعين بصعوبة حصر هذا الإنتاج الجديد باعتباره موزعاً
مختلفة إلى حدّ ما في أنماط التفاعل مع النص المؤسّس وباعتبار
إمكان تداخل هذا المحور أي هذا الإسلام مع إسلامات أخرى:
)١( يقال ملحفة جديد وجديدة حين جدّها الحائك أي قطعهاء وثوب جديد وهو
في معتى مجدود يراد به حين جذّه الحائك أي قطعه. والجذة تقيض البلى يقال
شيء جديد والجمع أجدة وجدد وجدد (انظر: لسان العرب» مادة «جددة).
كالإسلام الشيعي (عبد الكريم سروش ومصطفى ملكيان ومحتد
مجتهد شبستري)؛ والإسلام الآسيوي (أصغر علي انجنير)؛ والإسلام
الإفريقي (إبراهيم موسى وفريد إسحاق).
في العقدين الأخيرين من إنتاجات فكريّة تخصٌ الإسلام والفكر
لإسلام ما انفك ينتشر ويفرض نفسه على ساحة الفكر الإسلامي
وعند المختّين في دراسة الفكر الإسلامي الجديد مدرسة قائمة يذاتها
جديرة بالاهتمام والنظر والتاقل؛ تشكغلت في رحاب الجامعة
التونسية؛ ويمثّلها أعلام أبرزهم محمد الطالبي وعبد المجيد الشرفي
ومحتّد الشرفي من دون أن نهمل التعريج على جيل جديد من
وأنجزوا أطروحات عديدة تشمل حقولاً متنزعة من حقول الفكر
الإسلامي ومن قضاياه؛ مدرسة التجديد جل أعلامها من التونسيّين
وهي ظا ة في نظر أهل الاختصاص متفرّدة في مجال البحث في
العالمين العربي والإسلامي"' من حيث تخصّصها بدراسة الفكر
)١( راجع ما يقوله محمد أركون عن هذه المدرسة وعن الدور الذي يضطلع به
عبد المجيد الشرفي إشرافاً وتأطيراً. ضمن ندوة المسلم في التاريخ» الجزء
بختيدظ ,ممتمم مام تتمائل عله اميم مدنا لمانا ممافم ,متهم
21741 بوم ,2003 عام امف ها
الإسلامي على وجه الخصوص وبثراء المقاربات وتنزعها وانفتاحها
المفكّر المصري نصر حامد أبو زيد والجزائري الفرنسي محمد
أركون» رغبةٌ منا في الوقوف على تعدّد المقاربات والمناهج المعتمدة
في الفكر الإسلامي وعلى الوشائج القائمة بين المجذدين في مستوى
أفق التفكير والتشبّع بقيم الحداثة.
ولقد عملنا على تحديد محاور اهتمام أساسية يتمٌ من خلالها
الوقوف على أهمّ ما يمكن رصده من مظاهر الجدّة والتمايز في إسلام
المجدين. فنظرنا في خضائص هذا الإسلام الذي صار يش له طريقاً
وصارث كثابات أصحابه تحظى باهتمام متزايد من المختصّين في
متابعة ما يصدر في مجال الفكر الإسلامي الحديث؛ وحاولنا أن يكون
تناولنا لهذا المحور في نطاق قراءة تاريخيّة تربط بين انبثاق هذا الفكر
)١( يتحدث عبد المجيد الشرفي عن ريادة المدرسة التوئسية في دراسة الظاهرة
. أرست في العقود الأخيرة تكويناً و.
الموضوعية وبعد عن النزعتين التمجيدية الدعوية والسلبية العداثية في آن+ ومن
كسر صريح للأسيجة التي تكبّل المعرفة بكلّ أنواعها؛ في كنف الاحترام التام
للاختيارات والمعتقدات الشخصية وفي حوار بثاء معها. هذا الفهم الذي هو
الأساس المتين لكل بناء عقدي أو عملي غير قائم على السراب والأوهام»
كتاب : في الشأن الديني؛ دروس كرسي اليونسكو للأديان المقارئة؛ 14445 -
7 إشراف عيد المجيد الشرفي» نونس 1808؛ اص 6
فيها السياق التاريخي لظهور هذا الإسلام الجديد» معرّجين على بعض
خصائص الحداثة التي ستبلور لدى مفكرينا هذا الضرب من الفكر
اهتمت بإسلام المجدّدين والتي اعتبرناها ذات أهميّة في التعريف به.
أمّا المحور الذي وسمتاه ب«الموقف من النض» فقد أردثاه رضداً
للموقف النقدي الحديث وهو يُعمل أدواته ١| الجديدة على
الآليات بالمضامين التي تمت صياغتها في كتابات أصحاب هذا
استجلاء وجوه التجديد في تعامل المفكّرين الجدد مع النص التأسيسي
أمًا محور الموقف من القيم الحديثة؛ فلم نقصد به البحث في
مضامين خطاب التجديد ولا في القضايا التي يطرحهاء بقدر ما
أفمناه محاولة لفهم تفاعل الفكر الإسلامي الجديد الحيّ والواعي
مفكرون جدد والذي ينهض على نقد الأحكام التشريعيّة وتفكيكها
جاتب وعدم انسجامها مع تطلعات المسلم في العصر الحديث
والقيم التي يروم أن يحكُم حياته على ضوتهاء
أما التنبيه إلى آفاق هذا الإسلام الناشئ وإلى عوائقه» فأدرجناه
ضمن رؤية استشرافيّة تبحث في آفاق هذا الإسلام في الآتي من
خطابه في الفكر كما في الواقع المعيش +
لقد أضحى إسلام المجذدين يشقّ له طريقاً ثابة في الفكر
الإسلامي الحديث» والدليل على ذلك اهتمام الدارسين الأكاديميين به
مفكّرون جدد. وإذا كان حضور هذا الإسلام يعزامن مع إسلامات
أخرى؛ مع إسلام دفاعي وآخر حركي؛ وإذا كانت الإسلامات
خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 0٠٠0٠ فإن
الإسلام الجديد يحظى باهتمام متزايد من الدارسين الأكاديميين من
027 0ه /6:ه« عدداً خاصاً موضوعه «مفكرو الإسلام الجدد؟
واحتوى هذا العدد على دراسات لعدد من ممقلي هذا التيار الجديد
اندرجت تحت سؤال الإسلام وقابلية الإصلاح والسنيك!.
19 يمكن الرجوع على سبيل المثال إلى مقالات جان دنيال 0086 8ل محمد
الأنصاري لمسمخالط «عاطف رشيد بن زين ممم اعمال
الإيرانيّة واهتمام الغرب بالإسلام في اتصاله بتلك الإيديولوجيا أو
نظا الك ذاك. غير أنه قلّما تمت دراسة الإسلام بصفته عقيدة
وتعطي معنى لحياة مثات الملايين من المؤمنين
إن المطلع على ما يُكتب عن الإسلام في العالم الغربي يلاحظ
قلة الاهتمام بمقاربة الإسلام من خلال إنتاجاته الفكريّة الحديثة؛ وإذا
حصل ذلك فإن الاهتمام بالإسلام الحركي أو الإيديولوجي يغلّب
جوانب أخرى من الاهتمام؛ وهكذا راح الاستشراق الغربي يغذي
صورة ثابتة عن الإسلام بعيدة كل البعد عن استشراف إمكانات جد
للتجديد وللمواءمة مع الحاضر.
أمًا في نطاق الفكر العربي والإسلامي فقد أضحى تحليل مواقف
المفكّرين الحداثين من النصوص الدينية ونقد هذه المواقف وتقييم
دورها في عملية الحداثة من بين المواضيع التي تغري الباحثين في
الإسلام من حيث خصائصه العامة ومرتكزاته المعرفيّة ورصد اللحظة
إن الدراسات التي أنجزها دارسون عرب ومسلمون والمهتمة
)١( راجع أيضاً العدد الخاص من مجلة الاجتهاد حول «التجديد الديني والثقافي
بين التقدم والتحديث»؛ العدد 88 70+ 7٠٠7؛ وخصوصاً مقالات رضوان
السيد ونقولا زيادة وعبد الإله بلقريز وكمال عبد اللطيف ووجيه كوثراتي.
بالتعريف بهذا الإنسلام الجديد وبدراسة القضايا التي يطرحها تهتنا
بدرجة أساسية؛ ذلك أن أصحابها هم بدورهم متخرطون في
مقولات هذا الإسلام الجديد؛ وكتابتهم تعذ في نظرنا ضرباً من
التبشير به والإيمان بفاعليته وبانتصار مقولاته لا محالة.
إنهم من خلال دراسة هذا الوعي الإسلامي الجديد والتعريف به
لدى القارئ المسلم وغير المسلم يصيروت طرفاً في معادلة الانحياز
الإيجابي لهذا الإسلام الجديد ويقفون ضمنيًاً في وجه ضروب
العربي+ وذلك متصل في تصورنا بغايتين: أولاهما تعديل الصورة التي
تروج في | الغرب والثي لا يبرز فيها غير إسلام ماضوي أصولي ذي
صورة قاتمة أضاقت إليها الأحداث التي استجذت في السنوات
الأخيرات قتامة (أحداث ١١ سبتمير/ أيلول 00١ ؟). إن الجهود التي
تبذل لتعريف الغرب بهذا الإسلام الجديد والمختلف تمثل محاولة
للفت انتباه الآخر إلى أن الإسلام الجهادي ليس الوجه الوحيد للإسلام
وأن الحداثة الفكرية تخترق يدورها الضمير الإسلامي. وثانية هذه
الغايات أن هذا الإسلام بعيد عن مدار اهتمام الاستشراق في الغرب
مهروس بالإسلام الحركي وبرصد الإيديولوجات الجهادية التي يخشى
الغرب طائثلتهاء
ولعل من أهم ما صدر دراسة وتعريفاً بهذا الإسلام الجديد