بسم الله الرحمن الرحيم
نه لمن دواعي الغبطة والسرور أن نقدّم إلى قرّائنا الأفاضل ترجمة
التونسية في نطاق الأطروحة الرئيسيّة المقدمة إلى جامعة السوربون سنة 1970
لنيل شهادة دكتوراه الدولة0. وبصدور هذه الدراسة تكتمل سلسلة البحوث
والدراسات الجامعية المتعلقة بتاريخ الدول الإسلامية التي تداولت على الحكم
وقد حرصت دار الغرب الإسلامي ببيروت على نشرها للمساهمة في إثراء
المكتبة التاريخية العربية والتعريف ببعض جوانب من الحضارة العربية الإسلامية
في هذا الربوع. فأصدرت على التوالي من هذه السلسلة الجامعية الكتب التالية:
1 - الدولة الأغلبية (800 - 909) تأليف محمد الطالبي وتعريب المنجي
2 - الخلافة الفاطمية بالمغرب (909 - 975) تأليف فرحات الدشراوي
وتعريب حمادي الساحلي» 1994.
3 الدولة الصنهاجية (من القرن 10 إلى القرن 12) تأليف الهادي روجي
إدريس وتعريب حمادي الساحلي؛ 1992.
«امتطهمكة ند مفنستد تلمع مل» .
4 - تاريخ إفريقية في العهد الحفصي» تأليف روبار برنشفيك وتعريب
حمادي الساحلي؛ 1988.
وقد أعدّ الأستاذ الدشراوي هذه الدراسة بإشارة من أستاذه المستشرق
الكبير المأسوف عليه ليفي بروفنسال» لتسليط مزيد من الأضواء على الفترة
المغربيّة من الخلافة الفاطمية» «تلك الفترة المظلمة والمجهولة بوجه خاص»؛
إن لم نقل غير المقدّرة حق قدرها؟ (التمهيد). وسار المؤلف على نفس المنهج
الذي اتبعه قبله بالخصوص روبار برنشفيك في أطروحته السالفة الذكر «تاريخ
إفريقية في العهد الحفصي». فاستهل كتابه بدراسة نقدية مستفيضة للمصادر التي
اعتمدها في تأليفه والمتمثلة أولاً وبالذات في كتب القاضي النعمان الآتي
1 - افتتاح الدعوة» تحقيق نفس المؤلف في إطار أطروحته التكميلية»
الشركة التونسية للتوزيع؛ تونس 1975
2- كتاب المجالس والمسايرات.
3 كتاب الهمّة وآداب أتباع الأكمة.
4- كتاب دعائم الإسلام.
كما تتمثل في المصادر الإسماعيلية التالية.
1- سيرة جٌؤذْر .
2- سيرة جعفر.
3 عيون الأخبار» للداعي إدريس عماد الدين.
وقد نقل المؤلف في سياق دراسته عدة فقرات من هذه المؤلفات
بحذافيرها. فرأينا من باب الأمانة العلمية إثباتها بنصها العربي الأصلي. ولكنه
لم يهمل بعض المصادر السنية الهامة مثل البيان المغرب لابن عذاري وائّماظ
الحنفاء للمقريزي ورياض النفوس للمالكي. فكان في كل مرة يقابل بين
«النصوص السنية المناهضة صراحة للفاطميين والمغرضة أحيانًا بصورة واضحة»
وبين نصوص المؤلفين الخوارج المشحونة بمعطيات خرافية والأشد مناهضة
للإسماعيليين والنصوص الإسماعيلية المسترابة لأول وهلةء لأنها تقدم رواية
رسمية للأحداث والوقائع» (التقديم) .
وفي سرده لتاريخ الفاطميين» دون تمجيد ولا تحقير» لم يقتصر صاحب
الكتاب على مقابلة المصادر الإسماعيلية التي اعتمدها بالأساس» بالمصادر
الأخرى» بل كان يقارن دوماً وأبداً بين مختلف الروايات ويبرز ما فيها من
تناقضات» بل يتجاسر في أغلب الأحيان على تأويل الأحداث حسب
الافتراضات التي اعتمدهاء متحلياً بروح نقدية عالية ونزاهة علمية جديرة
بالتنويه؛ رغم إعلانه بصريح العبارة عن تعاطفه مع الفاطميين وتقديره للجهود
التي بذلوها في سبيل «إقامة نظام عتيد وتشييد دولة قوية ومزدهرة بالمغرب».
ذلك أنه مهما اختلفت الروايات» فلا ينكر أحد قيمة الدولة العبيديّة التى بسطت
سلطانها على المغرب مدة تزيد على الستة عقود. ١
ومن الجدير بالذكر أن الأستاذ الدشراوي قد ركز على فكرتين أساسيْيّن:
المشرق» بل بالعكس من ذلك؛ «فقد فرض عليهم مذهبهم السياسي والديني
إرساء أسس الدولة العظيمة التي طالما حلم بها أنصارهم».
في تذليل جميع العقبات التي اعترضت سبيلهم وإخماد جميع الثورات والفتن»
أعلى مراتب الحضارة.
القسم الأول: وقد تناول فيه بالدرس تاريخ إفريقية من قيام الدولة ادي
بالدولة الفاطمية. كما سلط مزيد من الأضواء على علاقات الخلافة الفاطمية
القسم الثاني: وقد خصّصه لدراسة النظم الإدارية والسياسية ومختلف
المؤسسات التي أنشأها الخلفاء الأربعة الأوائل (المهدي والقائم والمنصور والمعز) أو
أعادوا تنظيمها على أسس جديدة» كالبريد وديوان الرسائل والقضاء والشرطة
والجيش والبحرية.
وكان الأستاذ الدشراوي ينوي تخصيص قسم ثالث لدراسة الحياة
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية خلال الفترة المعنيّة بالأمر. إلا أن
الظروف لم تسمح له وقتعذٍ بتحقيق رغبته؛ فاقتصر على إصدار القسمين الأول
والثاني من دراسته التي هي ثمرة سنين من البحوث الجادة والجهود المضنية؛
عاقداً العزم على إصدار القسم الثالث على جدّة في فترة لاحقة إن شاء الله
على نقله إلى اللغة العربية» نزولا عند .رغبة صاحب دار الغرب الإسلامي
وقمت بتعريب الكتاب بجميع أبوابه وفصوله وهوامشه وفهارسه؛ دون
زيادة ولا نقصانء ما عدا إضافة بعض العناوين الفرعية لمزيد الإيضاح»
والإحالة على بعض المصادر الهامة التي كالت مخطوطة ونشرت بعد تقديم
الكتاب للطبع. وقد وضعت تلك الإحالات بين حاصرتين [ ] للتمييز بينها
وبين الإحالات الواردة في النص الفرنسي. واعتمدت بالنسبة إلى المصادر
المذكورة على النشرات التالية:
- كتاب المجالس 'والمسايرات للقاضي النعمان؛ تحقيق الحبيب الفقي
وإبراهيم شبّوح ومحمد اليعلاوي» نشر كلية الأداب والعلوم "الإنسانية بتونس»
عيون الأخبار للداعي إدريس (القسم المغربي)» تحقيق محمد اليعلاوي
ونشر دار الغرب الإسلامي؛ بيروت ١1985
رياض النفوس للمالكي» تحقيق البشير البكوش ومراجعة محمد العروسي
المطوي» نشر دار الغرب الإسلامي؛ بيروت 1983
بواسطته إلى إزاحة الستار عن فترة حاسمة من تاريخ مغربنا العربي الكبير بكل
موضوعية وتجردء فله جزيل الشكر وبالغ التفدير.
والله الموفّق والهادي إلى سواء السبيل
تونس في 15 ربيع الثاني 1414
الموافق لأول أكتوبر (تشرين الأول) 1993
حمّادي الساحلي
إن هذا الكتاب لا يشبه من سوء الحظ إلا جزئياً التصنيف الذي كنت
وعدت نفسي بكتابته؛ حين شرعت في درس هذا الموضوع» بإشارة - بل قل -
كانت ترمي إلى النسج على منوال مؤرخ الغرب الإسلامي الجليل» حتى
أساهم كما فعل هو بنجاح فائق بالنسبة إلى الأندلس التي تمثل الجزء الخارجي
من المغرب الناشي - في إزاحة ستار الظلام والنسيان الذي أسدله تسلسل
الأحداث التاريخية على وجه المغرب عبر القرون» بعد أيام قرطاج الخالدة
والعهد الروماني والبيزنطي المشرق. ذلك أن طموحي الخفي والعظيم كان
يهدف من أول وهلة إلى تسليط كل الأضواء على العصر الفاطمي» تلك الفترة
المظلمة والمجهولة بوجه خاص» إن لم نقل غير المقدرة حق قدرهاء من تاريخ
هذه البلاد في العهد الإسلامي.
بنت الرسول كه قد بلغت درجة عالية من العظمة والحضارة الباهرة أثناء الفصل
الثاني من المغامرة الفاطمية التي جرت أحدائها في قطر آخر من أقطار العالم
قد أصبحت غزيرة وبليغة بالنسبة إلى التاريخ. ولذلك فقد اليت على نفسي؛ إثر
جسر الإسكندر وفي أرصفة نهر السين» أن أتولى مهمة تأليف كتاب كامل حول
لا غير من ذلك الكتاب» بعد انقضاء ثلاث عشرة سنة متذ ذلك العهد. ذلك أنه
لم يكن كافياً لا الوقت المخصص للبحث؛ رغم جميع مشاغل الحياة؛
الوسائل اللازمة للانتقال بسرعة ولكن بخطى ثابتة؛ من ميدان البداهة الحسية
وأضواء الاستقراء»؛ إلى ميدان التاريخ وحقيقته المبرهن عليها .
وبناءً على ذلك فإن أخشى ما أخشاه اليوم بعد هذه المسيرة الطويلة
والشاقة؛ أن تعوزني مثل تلك الوسائل مدة طويلة إلى آخر رمق من هذه الحياة
التي هي دائماً قصيرة بقدر ما هي فانية؛ في نظر الإنسان الذي يتأمل ويبحث.
على أنه من الضروري لفهم هذا الكتاب المخصص لدراسة التاريخ
السياسي والمؤسسات؛ والذي يحمل بالتالي عنوان «الخلافة الفاطمية
بالمغرب»ء أن نعتبره بمثابة الجزء الثاني من تصنيف يحتوي على قسمين النين؛
يتمثل أولهما في الأطروحة التكميلية التي تحمل بالضبط هذا العنوان:
فبقدر ما كان هذا الجزء الأول مليئاً بالحواشي والهوامش كان الجزء الثاني
المتمثل في الأطروحة الرئيسية خاليا من الحواشي المطولة والإحالات
الببلوغرافية التي يتعين على المؤرخ الحديث الحرص على إثباتها في أسفل كل
صفحة أو في آخر كتابه. ذلك أني قد اقتصرت» رغم خطر الإخلال بقواعد
المنهجية المتعارف عليهاء على إحالة القارىء في أغلب الأحيان على الأطروحة
التكميلية وإعفائه أيضاً من كثير من المراجع والحواشي المتوفرة بكثرة في
أولاهماء وهي الأقدم عهداًء تتعلق بالدولة سيا
والثانية تتعلق بالدولة الأغلبية©. حيث أن إثبات تلك المراجع والحواشي
بداية
كنا شرعنا في تحرير هذا الكتاب. [لبلاد البربر في عهد بني زيري #لقافعايه 5604668 ها)
١6 211068( نهو (جزآن)؛ الجزائر 1962. [الترجمة العربية «الدولة الصنهاجية؟. تعريب
حمادي الساحلي» دار الغرب الإسلامي؛ بيروت 1992]-
(2) لم نتمكّن من الاطلاع على أطروحة الدولة التي أعدها زمبلنا وصديقنا السيد محمد الطالبي إلا في <
مشتركة طوال عدة سنوات من البحث» قد يبدو مملاء بقدر ما هو غير ذي
على أن تقسيم هذا التصنيف إلى قَسمَيْنَ لم يستجب لغاية شكلية صرف
بل بالعكس من ذلك فهو نابع من نية مقصودة
المحتوى أو من حيث المنهجية . ألم تتطرق الدراستان المذكورتان إلى جزء كبير
من الموضوع الذي يشغل بالنا؟ فالدراسة الأقرب عهداً التي ظهرت في الوقت
الذي كنت فيه على وشك الانتهاء من تحرير الأطروحة الرئيسية» قد تطرقت
والخمسين. كما تطرقت الدراسة الأخرى إلى الموضوع ذاته بطريقة خاصة بهاء
ولكن بشكل مكثف»؛ من خلال رجوعها المتكرر إلى العصر الفاطمي الذي
أطلقت عليه اسم «فترة ما قبل العصر الصنهاجي».
إلا أن هناك سببًا آخر قد حتم ذلك الترتيب المتميز للأطروحتين. وهو
سبب داخلي مرده ما تكتسيه الأطروحة التكميلية من صبغة خاصة. ذلك أن
النادرةء» قد نقلت محتواه في الجملة إلى الأطروحة الرئيسية» فكان بمثابة
للعرض المقدم حول تاريخ الخلافة الفاطمية. إذ يندرج كتاب قاضي المعز
الذائع الصيت أبي حنيفة النعمان بصورة منطقية في إطار لذلك التصنيف
باعتباره النصف الأول من مجموع متكامل ومن كتاب واحد مقسم إلى مجلدَين .
< شهر مارس 1969 عندما انتهينا من عملثاء وبناءً على ذلك فقد تعذر عليئا استعمالها.
[«عذان هاطع ل3:ن5'ل»؛ باريس 1966 . الترجمة العربية؛ «الدولة الأغلبية» تعريب المنجي
الصيّادي» دار الغرب الإسلامي؛ بيروت 1985].