بين ختان الذكور وختان الإناث في الحكم. بل فيه التصريح بأن ختان الإناث ليس
بسنة؛ وإنما هو في مرتبة دونها. وكأن الإسلام - لوصح الحديث حين جاء وبعض
العرب يختنون الإناث أراد تهذيب هذه العادة بوصف الكيفية البالغة منتهى الدقة؛
تبيين أنه ليس من أحكام الدين ولكنه من أعراف الناس بذكر أنه (سنة للرجال. بات
وهى (أي السنة هنا بمعنى العادة لا بالمعنى الأصولي للكلمة - في الرواية الضعيفة
الثانية
ثم إن بعض الفضليات نبهتني إلى أن حديث أم عطية يناقض آخره أوله. ففي أوله أمر
بالختان وفي آخره بيان أن بعض ذلك الجزء المطلوب إزالته رأسرى للوجه وأحظى
والحظوة عند الزوج؟!
ولا تحتمل الروايتان. على الفرض الجدلي بصحتهما. تأويلا سائغا فوق هذا. و لو أراد
النبي صلى الله عليه وسلم التسوية بين الرجال والنساء لقال: «إن الختان سنة للرجال
الرواية فإن الحكم يكون مختلفاء وكونه سنة بالمعنى الأعم لهذه الكلمة أي معنى
العادة المتبعة لا الحكم الشرعي - يكون في حق الرجال فحسب. وهذا هو ما فهمه
الرواية الضعيفة وبين أن الإجماع منعقد على ختان الرجال.
ولمثل هذا الفهم قال الإمام ابن المنذر «ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع»[
0 وهو ما احتج به مقرًا له العلامة الشيخ محمد رشيد رضا في جواب سؤال
نشره في مجلة المنار(11].
وقال الإمام الشوكانى: «ومع كون الحديث لا يصلح للاحتجاج به فهو لا حجة فيه على
المطلوب لأن لفظة السنة في لسان الشارع أعم من السنة في اصطلاح الأصوليين...
ولم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب والمتيقن السنة... وسائر خصال الفطرة ليست
وفى بعض ما نشر مؤخرا في مصر حول هذا الموضوع ذكر امرأة سموها (أم حبيبة)
يوجد في كتب السنة وليس هناك ذكر فيها؛ ولا في كتب تراجم الصحابة. لامرأة بهذا
الاسم كانت تقوم بهذا العمل. فكلامهم هذا لا حجة فيه.؛ بل لا أصل له.
وقد احتجوا بحديث روي عن عبد الله بن عمر فيه خطاب لنساء الأنصار يأمرهن
بالختان. وهو حديث ضعيف كما في المصدر الذي نقلوه منه نفس+(14] فلا حجة لأحد
في هذا الأمر المزعوم كذلك.
الختانان فقد وجب الغسل»(15].
وموضع الشاهد هنا قوله صلى الله عليه وسلم: «الختانان» إذ فيه تصريح بموضع
ختان الرجل والمرأة؛ مما قد يراه بعض الناس حجة على مشروعية ختان النساء.
الشخصين أو الأمرين باسم الأشهر منهماء أو باسم أحدهما على سبيل التغليب. ومن
(الشمس والقمر) والنيران (هما أيضا؛ وليس في القمر نور بل انعكاس نور الشمس
عليه والعشاءان (المغرب والعشاء) والظهران (الظهر والعصر)؛ والعرب تغلب
الأقوى والأقدر في التثنية عادة ولذلك قالوا للوالدين: (الأبوان وهما أب وأم. وقد
يغلبون الأخف نطقا كما في العمرين (لأبى بكر وعمر) أو الأعظم شأنا كما في قوله
تعالى: «وما يستوي البحران هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج» فالأول النهر والثاني
البحر الحقيقي؛ وقد يغلبون الأنثى في هذه التثنية ومن ذلك قولهم: (المروتان) يريدون
جبلي الصفا والمروة في مكة المكرمة. وكل ذلك مشهور معروف عند أهل العلم بلسان
فلفظ (الختانين في هذا الحديث الصحيح لا دلالة فيه على مشروعية ختان الإناث»
والحديث وارد في أمر الغسل وما يوجبه؛ وليس في شأن الختان أصلاً. والحديث؛ بعد
ذلك؛ مؤول عند العلماء كافة؛ فهم لا يوجبون الغسل بمجرد التقاء الختانين؛ وإنما
وقد اعترض العلامة الشيخ القرضاوي على هذا التأويل بحديث عائشة رضي الله
فقال: «فلم يجئ بلفظ التثنية»1و1). وهذا الاعتراض لا يغير من الأمر شيئًا فإن الحديث
في موجب الغسل لا في وجوب الختان ولا جوازه. ومعنى «مس الختان الختان» وقوع
الجماع التام كما في شرح النووي على صحيح مسلم[09] والغسل يجب به ولو لم
يكونا مختونين(20] والاستدلال بعدم التثنية يكون له وجه لو أننا تأكدنا أن الرواية؛
باللفظ النبوي لا بالمعنى؛ وهو أمر لا يمكن التيقن منه مع إجازة الأئمة الرواية
ويحتج بعض مؤيدي ختان الإناث بحديث:
- في خصال الفطرة أنها عشر خصال. منها قص الشارب؛ وإعفاء اللحية.
الشارب وإعفاء اللحية خاص بالذكور دون الإناث؛ وأصل الحديث في شأن الفطرة هو
ما رواه مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أن إبراهيم عليه السلام كان أول من
فلا يجوز أن يقال إن ختان الإناث من أمور الفطرة أو من خصالها وفقا لما جاء في
بعض الأحاديث؛ ذلك أن الختان الذي يعد من قبيل خصال الفطرة إنما هو ختان الذكور
الفقهلة الصحيحة يقصد بها إباحة استعمال الأشياء التي خلقها الله لنا مثل المياه
والأشجار وموارد الأرض المختلفة. أما ما يمس جسد الإنسان وماله وعرضه
وسمعته فالأصل فيها التحريم وليس الإباحة. ولذلك يعتبر الاعتداء على الأموال
والتعرض لسمعة الناس بالتشويه والتجريح. وانتهاك الأجساد بالضرب أو الجرح أو
القطع من الجرائم التي تعاقب عليها الشريعة الإسلامية عقابا شديداً رادعاً. وختان
الإناث هو تعرض لجسد فتاة صغيرة بالجرح والقطع فلا يجوز أن نقول إنه من
الأشياء المباحة بل هو من المحظور والمجرم شرعا وقانونا والقاعدة الشرعية
المتفق عليها أن الأصل في الدماء والأموال والأعراض التحريم؛ لا الإباحة.
وهكذا يتبين أن السنة الصحيحة لا حجة فيها على مشروعية ختان الأنثى وأن ما
يكون عادة من العادات ترك الإسلام للزمن ولتقدم العلم الطبي أمر تهذيبها أو إبطالها.
نتحدث عنه ليس معنئ مجردًا نظريًا يجوز أن يتجادل فيه الناس حول الصحة والفساد
تخالف ما يدعو المؤيدون لختان الإناث إلى اتباعه فيها.
الذي ورد في نص الحديث الضعيف؛ أي إنه لا فائدة من الاحتجاج بما يحتجون به من
التجريم المقرر في قانون العقوبات(24].
والمسؤولية الجنائية والمدنية عن هذا الفعل يستوي فيها الأطباء وغير الأطباء لأن
المساس الجراحي بهذا الجهاز الفطري الحساس على أية صورة كان الختان عليها لا
يعد في صحيح القانون علاجا لمرض أو كشفا عن داء أو تخفيقا لألم قائم أو منعًا
لألم متوقع؛ مما تباح الجراحة بسببه؛ فيكون الإجراء الجراحي المذكور غير مباح
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تغيير خلق الله؛ وصح عنه لعن
«المغيّرات خلق الله»(26]؛ والقرآن الكريم جعل من المعاصي قطع بعض الأعضاء ولو
من الحيوان؛ بل هو مما توعد الشيطان أن يُضلٌ به بد آدم في أنعامهم وقرنه بتغيير
ولأضلئهم ولأمثيّنهم ولآمرثهم فليْبَتَكنَ آذان الأنعام ولآمرثهم فليغيرن خلق الله ومن
يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبين. [النساء 118 - 119؛ والتبتيك:
والختان بصوره التي يجري بها في مصر؛ وفى أجزاء أخرى من العالم الإسلامي؛ فيه
من تغيير خلق الله ومن قطع بعض أعضاء الإنسان المعصومة مالا يخفى. وإذا كان
هذا في الحيوان من إضلال الشيطان فكيف يكون في حق الإنسان؟؟
ومن المعلوم للكافة أن هذا الموضع الذي يجرى فيه الختان هو أحد المواضع شديدة
الحساسية للاستثارة الجنسية؛ وأنه يتوقف على كيفية ملامسته إرواء المرأة من متعة
التواصل الواجب مع الزوج أو حرمانها منهاء وعلى اكتمال الشعور بهذا الإرواء
يتوقف إحساس المرأة بالإشباع العاطفي؛ وهو يكتمل باكتماله وينقص بقدر نقصانه.
وكل مساس جراحي بهذا الجزء من الجسم ينتقص - بلا خلاف من شعور المرأة
بهذين الأمرين. وهذا عدوان صريج على حقها المشروع في المتعة بالصلة الحميمة
بينها وبين زوجها؛ وفى السلام النفسي المترتب على استيفائها لهذا الحق. وقد خلق
الله أعضاء كل إنسان على صورة خاصة به غير متكررة بتفصيلاتها في غيره؛ وهو
الوظائف عدوان عليه بلا شك.
والذين يدعون إلى استمرار ختان الأنثى يتجاهلون هذه الحقيقة ويؤذون النساء بذلك
أشد الإيذاء . وهو إيذاء غير مشروع, والضرر المترتب عليه لا يمكن جبره؛ والألم
النفسي الواقع بالمرأة بسببه لا يستطيع أحد تعويضها عنه.
وإذا كان الختان ليس مطلوبا للأنثى» ولا يقوم دليل واحد من أدلة الشرع على وجوبه
أمر قد يصوره لناء ويحذر من آثاره ما صرنا إليه في عصرنا من تداخل وتزاحم بل
وتلاحم بين الرجال والنساء في مجالات الملاصقة التي لا تخفى على أحد فلو لم تختن
أقول إن الأمر ليس كما يزعمون. لأن موضع الختان لا تتحقق قق الإثارة الجنسية فيه إلا
باللمس الخاص المباشر الذي لا يقع قطعا في حالات التداخل والتزاحم ومجالات
المجالات يجري فيها تلامس غير جائز بين الرجال والنساء في أجزاء شتى من الجسم
البشرى؛ فهل نعالج هذه الحالات بقطع هذه الأجزاء من أجسام الناس جميعا؟؟
ومعلوم أن كل عفيف وكل صائنة نفسها يكونان في غاية الألم والأسى إذا وقع شيء
الأسوياء من الناس نساء ورجالا تعساء آسفين مستغرقين حياء
استثارة جنسية أصلاء لأن مراكز الإحساس في المخ تكون معنية بشأن آخر غير هذا
الشأن الذي لا يكون إلا في طمأنينة تامة وراحة كاملة واستعداد راض, اللهم إلا عند
المرضى والشواذ وهم لا حكم لهم.
إن العفة والصون المطلوبان للنساء والرجال على سواء هما العاصم مما لا يحمد من
اللقاء المتقارب بين النساء والرجال. والتربية على الخلق ١
الحقيقي بين هذا اللقاء وبين إحداث آثار ممنوعة شرعا مستهجنة خلقا.
ومن واجب الدولة في مصر؛ وفى غيرها من البلاد الإسلامية التي تشيع فيها هذه
العادة السيئة؛ إصدار التشريع المانع لممارستها؛ لاسيما على الوجه ال تمارس به
الآن؛ ولا يجوز أن يمنع من ذلك جمود بعض الجامدين على ما ورثوه من آراء
السابقين. فقد نص الفقهاء على أن في قطع الشفرين (وهما اللحمان المحيطان
بعض منه يوجب هذه العقوبة التعويضية ومنع سببه جائز قطعا؛ بل هو أولى من
وهكذا يتبين حكم الشرع في ختان الأنثى: أنه لا واجب ولا سنة؛ ولم يدل على واحد
منهما دليل. وليس مكرمة أيضا لضعف جميع الأحاديث الواردة فيه. بل هو عادة؛
وهى عادة ليست عامة في كل بلاد الإسلام بل هي خاصة ببعضها دون بعض. وهى
عادة ضارة ضررا محضا لا يجوز إيقاعه بإنسان دون سبب مشروع؛ وهو ضرر لا
يعوض لاسيما النفسي منه. وقد أوجب الفقهاء إذا فاتت بسببه - أو بسبب الحيف فيه
على ما يجري الآن في بلادنا في جميع حالات الختان - متعة المرأة بلقاء الرجل؛
أوجب الفقهاء فيه القصاص أو الد: 3. ومثل هذا يدخل في باب الجرائم المحظورة لا في
وليذكروا وصية الرسول بالنساء: «استوصوا بالنساء خيرا»291 وليضعوا أنفسهم
والحق أن الختان شأن طبي بحت؛ حكمه الشرعي يتبع حكم الأطباء عليه؛ وما يقوله
الأطباء فيه ملزم للناس جميعًاء ولا يرد عليهم بقولة فقيه ولا محدث ولا مفسر ولا
داعية ولا طالب علم. فإذا تبين من قول الأطباء العدول الثقات أنه ضار ضررًا محضًا
التشريع فيجب الأخذ به في إباحته؛ ذلك لأن العرف الذي يعتد به يجب ألا يكون
مصادمًا لنص شرعي(:9] والختان مصادم لنصوص تحريم الجرح وقطع الأعضاء
والإضرار بالناسء فلا يبيحه جريان العمل به مهما طال زمنه. لأن استعمال الناس
- أي عادتهم ليس حجة فيما يخالف النصوص الشرعية[32 ولا يجوز الاعتداد في
مواجهة هذا كله برأي فقيه أو مذهب فقهي بعد ما تبين أنه ليس له من أصول
الشريعة سند يقوم عليه.
وقد نشرت بعض الصحف المصرية مؤخرا أن دار الإفتاء تبحث إصدار فتوى تتضمن
تحريم ختان الإناث. ولو فعلت دار الإفتاء ذلك فإنها تكون قد أسدت خدمة عظيمة
لصحيح الفقه؛ وأسهمت في الإعلام بالحكم الإسلامي الصحيح في هذه العادة القبيحة.
والله تعالى أعلم.
(*) الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
ضعيفة كما بين ذلك الحافظ زين الدين العراقي في تعليقه على إحياء علوم الدين
[3] المرجع السابق.
(] نقلا باختصار عن العلامة الشيخ محمد بن لطفي الصباغ في: الحكم الشرعي في
الختان. منظمة الصحة العالمية؛ الإسكندرية؛ 4وورص و
[5] يعني الشيخ محمد ناصر الدين الألباني؛ رحمه الله؛ الذي صححه في: صحيح
الجامع الصغير برقم 7475
[6] عون المعبود؛ ج 4رص 126
71 3 من طبعة دار الفكر بيروت 1977 وقد حذف الناشر المصري - سامحه الله -
هذه العبارة من الطبعة الصادرة بعد وفاة المؤلفن)
[] ابن حجرء تلخيص الحبير؛ ط حسن عباس قطب؛ مؤسسة قرطبة بالقاهرة؛ الطبعة
الثانية 2006 ج وص 162
[و] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد؛ و21/5.
[0] نقله عنه:شمس الحق العظيم آبادى في شرحه لسنن أبى داود؛ ج14 ص 126
1 مجلة المنارء العدد رقم (0؛ المحرم 1322ه - مارس 1904 ص 618-617
(12] نيل الأوطارء ج 1 ص 139
[3] الختان؛ للشيخ جاد الحق علي جاد الحق؛ شيخ الأزهر السابق رحمه الله؛ ملحق
مجلة الأزهر عدد جمادى الأولى 1415ه - 1994 ص 12 وص 16 وقد كان الشيخ رحمه
الله من أعلام الرجال خلقًا وكرامة ومحافظة على هيبة الأزهر ورجاله ومكانة العلم
[) نيل الأوطار للشوكانى؛ ج ص 199 حيث يقول: في إسناد أبى نعيم - أحد مخرجيه
مندل بن علي وهو ضعيف؛ وفى إسناد ابن عدي خالد بن عمرو القرشي وهو
أضعف من مندل
[15ارويئ هذا الحديث مسلم في صحيحه ومالك في الموطأ؛ والترمذى وابن ماجة في
سننهما وغيرهم من أصحاب مدونات الحديث النبوي.
[ من المراجع المشهورة بين أيدي الطلاب في هذا المعنى: النحو الوافي لعباس
[8 ورقة قدمها إلى مؤتمر (حظر انتهاك جسد المرأة الذي عقدته دار الإفتاء
المصرية بالمشاركة مع الاتحاد العالمي في ألمانيا في ذي القعدة 1177ه - نوفمبر
[0] ابن قدامة؛ المغني؛ الموضع السابق؛ وفيه: «ولو مس الختان الختان من غير
إيلاج فلا غسل بالاتفاق».
[2] رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة؛ البخاري رقم و588؛ ومسلم رقم 257
بختان الإناث؛ في ورقته سالفة الذكر؛ وإن أشار إلى أنه من سنن الفطرة في الذكور
والإناث في كتابه: فقه الطهارة ص 191؛ مكتبة وهبة بالقاهرة 2002. والصحيح ما قلناه