الفصل الحادى عشر
بقلم : روبير مانتران
يتطابق ما نسميه ب «المسالة الشرقية» مع جملة من الوقائع التى تدور بين
السمتان الأساسيتان لهذه الوقائع فى التمزق التدريجى للامبراطورية العثمانية
وتنافس الدول العظمى بهدف فرض سيطرتها أى نفوذها على اورويا البلقانية
والبلدان الواقعة على الجانب الشرقى للبحر المتوسط (حتى الخليج الفارسى
والانجليز يسعون الى حماية طريق الهندء ومن ثم إلى السيطرة على الممر الذى
يفصل البحر المتوسط عن المحيط الهندى, ومن هنا الاهتمام الذى يبدونه بالبلدان
لدى مسيحيي المشرق ويجدون أنفسهم فى تعارض, بحسب الظروف, مع الروس
يحاولون اقامة سد هناكء خاصة فى البوسنة والهرسك. وفيما بعد سوف يهتم
الألان هم ايضاً بالامبراطورية العثمانية من منظور سياسة الدرانج ناش اوستين
(الادفاع نحو الشرق).
والحال ان الحروب التى سيخوضها العثمانيين خلال القرن التاسع عشر
قطعة؛ من شبه اجمالى اراضيها فى حين أن انتقال جانب كبير من مواردها تحت
سيطرة الشركات الغربية سوف يسهم فى اختزالها وفى تاكيد تبعيتها .
على أن القادة العثمانيين يجتهدون فى تعزيز الاصلاحات (التنظيمات) فى
المجالات الادارية والاجتماعية والسياسية والثقافية. لكن لعبة الدول الكبرى قد أدت
كوتشوك - كاينارجاء عمل السلطان عبدالحميد الأول (179/8 - 1785) ثم
خليفته سليم الثالث (1744 - 18-1), على تحديث الدولة العثمانية و , فى المقام
الأول على انشاء جيش قادر على حماية حدود الامبراطورية. كما يمر هذا
التحديث عير انفتاح العالم العثمانى على التقنيات كما على الأفكار الغربية. وخلال
خاص؛ أن بالامكان إدخال تجديدات على الفكر الاسلامى, لكن هؤلاء المثقفين
قلائل ولا يجدون تفهماً واسعاً. إلاّ انه ليس من المؤكد أن عملهم كان عديم النتائج
عبدالحميد الأول (11/172 - 11189)
بعد ارتقائه العرش العثمانى فى ظروف صعبة؛ أدرك عبدالحميد الأول بسرعة
جديدة مدقوعة بتصور واقعى لوضع الأمبراطورية : فهو يوجه هذه السياسة
شخصياً بالاعتماد على رجال تولوا منصب الصدر الأعظم يتميزون بالكفاءة
ويشاركونه مفاهيمه ويظل بعضهم فى المنصب فترة طويلة نسبياً كمحمد باشا
جيبجى زاده (يناير 117/77 - سبتمبر )١7178 ومحمد باشا السيد (اغسطس
1 - قبراير 1781) وخليل حميد باشا (ديسمير 1787 - مارس م178)
ويدسف باشا كوجا (يناير 1783 - يوني 1744).
الوضع الداخلى
إذا كان عبدالحميد الأول يمسك بزمام الحكومة المركزية, وإذا كان الهدوء
يسود فى العاصمة على مدار عهده. فإن سلطته تتمتع بالاعتراف التام بهاء من
كان بعض الأعيان قد اكتسبوا فيها مكانة داخلية جد قويةء مستفيدين من
المصاعب التى واجهتها الحكومة على المستوى الخارجى.
ولبنان وفلسطين؛ بعد أن سحق التمردات المحلية؛ وتلك هى الحالة فى العراق حيث
تمكن عمر باشا (1746 - )١751 وسليمان باشا (.178 - 18:7) من اعادة
البدى الى الطاعة؛ ولكن ايضاً مع ابدائهما لتباعد معين عن حكومة اسطنبول -
وتلك هى الحالة فى مصر حيث يتمكن المماليك على بك الكبير (1771/4 - 11777)؛
ثم مراد بك وابراهيم بك (من عام 177/4 حتى حملة بونابارت» 1748) من
السيطرة على البلد ويكسبون موافقة الحكومة بعد فشل هذه الأخيرة فى استعادة
سلطتها. أما ولايات المغرب (دايالات البرير) فهى تواصل التمتع بدرجة جد كبيرة
من الاستقلال وتتجنب قطع الصلات مع اسطنبول. وفى الولايات الأوروبية؛ فإن
التوتر ليس أقل شأناً حيث توجد حركات استقلالية الى هذا الحد أو ذاكه إن لم
ولا يحاول السلطان عندئذ, إلاّ فى حالات استثنائية نادرة, استعادة سلطة
الاستعراضى لهذه المحاولات المعارضين الى الاعراب بشكل أقوى عن ميولهم
الاستقلالية. خاصة فى المجال المالى والاقتصادى : فهم يحتفظون لأنفسهم
تشق طريقها الى خزانة الدولة, ويتعاملون بشكل مباشر مع التجار الأجانب فيما
يتعلق بالتبادلات التجارية. قما الذى يتبقى عندتذ من السلطة الحكومية؟
بعد معاهدة كوتشوك - كاينارجا , نجد أن عبدالحميد الأولء المنشغل
بالحرص على تاكيد الدفاع عن امبراطوريته بامكانات حديثة (كانت الهزائم البرية
الموقف)ء قد كرس جهوده لانشاء مدفعية وبحرية جديدتين بالكامل. وقد وكلت أمور
المدفعية الى البارون دى توت وهو نبيل مجرى كان قد انتقل الى خدمة فرنسا وجاء
فى عام 1755 إلى تركيا مع فيرجان الذى عهد اليه بمهمات مختلفة لمجمع
المعلومات فى الامبراطورية العثمانية وفى القرم. ونا كان قد راقب حرب 1714 -
6 الروسية - التركية. فقد استخلص منها عدداً من الاستنتاجات واقترح
اصلاحات شدت انتباه مصطفى الثالث ثم عبدالحميد الأول : وهكذا فإنه ينظم»
منذ عام 17074؛ بمساعدة الاسكتلندى كامبيل والفرنسى أوبير؛ قوة مدفعية جديدة
سريعة الطلقات (سَرْعَة تويتشولارى) ذات عدد أقل من الجنود؛ الا انهم أحسن
تدريباً وأحسن تنظيماً ومزودين بمدافع قدمت فرنسا جانباً منها؛ وهو ينشىء
ورشة سباكة جديدة للمداقع فى هاسكوى ويعيد الحياة الى مدرسة المهندسين
القديمة (هندسة خانه) التى كان بونفال باشا قد أسسها. وعلى الرغم من أن توت
قد غادر تركيا فى عام 1776؛ فإن عمله قد استمر تحت قيادة كامبيل - الذى
تحول الى اعتناق الاسلام - وأوبير.
ويرجع تحديث البحرية الى حسن باشا الجزايرلى الغازى. الذى نجا من
معركة تشيكم ورقى الى رتبة الاميرال الأكبر فى عام 177/4. فهو مستفيداً من
دمار جانب كبير من السفن العثمانية؛ يدشن فى مختلف ترسانات الامبراطورية
بناء سفن حديثة ويستعين فى ذلك بفنيين أجانب يرأسهم مهندسان فرنسيانه
لوروا ودوريه. ويجرى بذل جهود لتجنيد وتدريب رجال البحرية. كما يجرى انشاء
مدرسة لمهندسى البحرية السلطانية. لكنها لن تتوصل الى تأهيل عدد كبير من
لنوعية أطقم البحرية. لكن التحرك الى الآمام كان قد بدا و , خلال وزارة خليل
حميدء سوف يصل التحديث الى حد التأثير على فيلق الانكشارية وفيلق السباهيين»
دون انقلابات عميقة, ولكن مع خلق مزاج جديد على الأقل يتميز بالطاعة
والانضباط : فالانكشارية يرضخون لممارسة تدريب عسكرى متواصل؛ وحائزو
التيمارات يتعهدون بالاقامة فى اراضيهم. وياختصار, فإن عهد عبدالحميد يشهد
انشاء جيش من نوع حديث؛ غربى فى عدد من جوانبه. وسوف يستكمل سليم
والى جانب اعادة تنظيم القوات التقليدية للجيش, يوجه خليل حميد اهتمامه
وجهوده الى تحسين الأحوال الاقتصادية : فهو يشجع الصناعات المحلية. ويسعى
الى تنشيط صناعة النسيج, التى تتعرض لزاحمة قوية من جانب المنتوجات
الأوروبية. ويشجع الحرف ويحقق انطلاقة جديدة للطباعة ولنشر الكتب. وهذه
الاعادة لتنظيم الدولة تستثير معارضة من جانب المحافظين ومن جانب عدد من
العلماء وعدد من القادة العسكريين الذين شلت حركتهم. والمصلحون الحازمون
ليسوا كثيرين وهم علاوة على ذلك متهمون بتخريب الأسس الدينية والاجتماعية
للاصلاحات تلقى تآييداً خفياً من جانب الروس والنمساويين. الذين لا يجدون
مصلحة لهم فى أن تغلب الدولة العثمانية على مظاهر ضعفها وتصبح مرة أخرى
ومما يدعى للدهشة أن من بين خصوم خليل حميد حسن باشا الجزايرلى
الغانى الذى» رغم كونه من دعاة الاصلاح, يتميز بالطموح ويسعى الى ان يصبح
ويجرى تنحية خليل حميد عن مناصبه فى 7١ مارس 1780 واعدامه بعد ذلك بأقل
من شهر. ويبلغ انتصار خصومه منتهاه بترحيل الفنيين الأجانبء فى عام /1787.
يتزايد الاحساس بضرورة انشاء جيش عثمانى قوى بقدر ما ان الامبراطورة
كاترين الثانية تفصح عن تواياها: فهىء فى يناير 1179/7, تتدخل فى خانية القرم
وتزيل الخان دولة جيراى وتنصب على العرش شاهين جيراى. وعلى مدار عامينء
يتنازع الروس والعثمانيون على السيادة على القرم من خلال الخانات؛ وفى نهاية
وبالرغم من جهود حزب الحرب العثمانى» الذى يقوده حسن باشا الغازى. فإن
السلطان. بدعم من خليل حميد؛ يعترف بضم القرم من جانب الروس بتوقيع
معاهدة آينالى كاواك (يناير 17184)
ملموساً اكثر باحتلال جيورجياء فى اتجاه هدف اوسع بكثير : تشكيل دولة
ارثوذكسية, يرأسها عاهل روسى تشمل جميع البلدان البلقانية. فيما عدا الجزء
الغريى من البلقان الذى يجب تسليمه فى المقابل للنمساء فى حين يجب البندقية ان
سوريا ومصر. وهكذا فإن الأمر يتعلق بمشروع تمزيق - واعادة اقتسام -
للامبراطورية العثمانية فى أوروياء لحساب الامبراطورية الروسية أساساً. وتقتصدى
لهذا المشروع انجلترا وبروسياء المنزعجتان من الانفاع الروسىء واللتان
تحرضان الحكومة العثمانية على مقاومة هذا الضغطء وذلك بقدر ما أن الروس قد
الأسود العثمانى.
ويتتصر حزب الحرب فى اسطنبول مع تعيين الصدر الأعظم الجديد يوسف
الحرب دون خسائر بالنسبة للعثمانيين. وذلك بسبب احداث فى بواندا وخاصة فى
فرنسا تحول انتباه النمساويين والروس صوب الغرب: ويؤدى صلح تم توقيعه مع
النمسا فى سفيتشوف (سيستوفاء ؛ أغسطس 1741) الى الحفاظ على الوضع
القائم بين الامبراطوريتين اللتين لن تتحاريا مرة اخرى حتى عام 1414. ومع
الروس, ويصبح نهر الدنيستر خط الحدود الجديدة بين الامبراطوريتين. وعلى مدار
اكثر من عشرين سنةء سوف تحيا الدولة العثمانية فى سلام نسبى مع جارتها
الشمالية : فالثورة الفرنسية, ثم نايوليون الأوله يمثلان عندئذ خطراً أكبر بكثير
بالنسبة للدول الأوروبية.
وفى تلك الاثناء» كان قد ارتقى العرش العثمانى سلطان جديد. هو سليم
الثالث. الذى سوف يستآنف ويعزز مشروع الاصلاحات الذى دشنه عبدالحميد
سليم الثالث (11/89 - /1/0-1)
إن سليم الثالث , المولود فى عام 171١ قد أبدى, باكثر مما ابداه محمود
الأول وعبدالحميد الأول عزماً على تحديث الدولة العثمانية جعل منه السلف
الحقيقى لمصلحى القرن التاسع عشر من السلاطين والرجال الذين تولوا متصب
الصدر الأعظم. كما أن نهاية عهده المأساوية قد رسخت فى الأذهان الفكرة القائلة
بأنه قد خلع وأعدم بسبب المفاهيم السياسية التى تمسك بها وطورها بعد ذلك
خلفاؤه. خاصة محمود الثانى : وقد زاد ذلك من سم مكانة شخصيته. ويما أن
عهده قد تزامن, علاوة على ذلك. مع عدد من الأحداث الكيرى فى أواخر القرن
الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشرء فإن بالامكان القول أن مرحلة جديدة من
تاريخ الدولة العثمانية تبدا معه. والواقع ان سليم الثالث, حتى وإن كان قد وقف
والحال ان سليم الثالث لا ينبهر فحسب بالتجديدات التى يجرى ادخالها على
الجيش العثمانى؛ بل انه يرغب ايضاً فى تكوين دراية بنظم الحكم الأخرى فى
العالم؛. خاصة فى فرنساء وذلك بسبب المكانة التى يحتلها فى اسطنبول الفنيون
سلطان عثمانى يرسل سفراء دائمين الى العواصم الأوروبية الكبرى. ولا كان قد
تأخير تدشين الاصلاحات. ولكن لحساب وضع انصاره فى مناصب المسئولية حيث
سوف يمضى بعض هؤلاء الأنصار الى حد التفكير فى اتخاذ تدابير ذات طابع
الى الانتصار فى عام /18-1, لكن انتصارها لن يدوم طليلاً.