ينبغي تحقيق الحادثة والتثبت من صحتهاء فإذا ثبتت صحتها رجعنا إلى
الأصل الذي بين أيدينا دون أن نتهم المؤرخين بالتزوير أو التاريغ
ونحيل الحادثة إلى خطأ البشر في الاجتهاد. ونذكر قول الرسول قَقةِ أن
المجتهد المخطىء له أجر والمصيب له أجران فهو إذا على كل حال
مأجور فلا ننتقصه وقد آجره الله وهكذا يكون موقفنا من مثل هذه
الأحداث مهما كان فاعلوها.
لح أن نعلم أن أحداث التاريخ ووقائعه قد كتبت في ظروف تختلف
تماما عن الظروف التي ندرسه فيها فبينما تلقى المؤرخون الأحداث تلقيا
عن طريق الرواة؛ بينما نحن لا نقبلها إلا بعد أن تمر بفحص دقيق؛
المسلمين يروجون أخباراً لم تتبت صحتها ويتلقفها المؤرخون في غمرة
نحن تلمح فيها سمة الوضع ونرى عليها بصمات الوضاعين؛ فنقف
أمامها في حذرء وندرس الحادثة في تجرد؛ ونحلل الشخصيات بإنصاف
حتى نتحقق من صحة الحادثة أو بطلانها .
إن كثيراً من الأحداث التاريخية كان لها من الظروف ما يبرر فعلها في نظر
أن يحكم عليها حتى يكون حكمه أقرب إلى الصواب في تلك الجزئية التاريخية .
وينبغي أن نعلم أن بعض تلك الاحداث لا يبررها غير ظروفها التي
مبررات» وبالتالي تكون نظرة الحاكم إلى هذه الوقائع لم تستكمل وسائل
الحكم الصحيح؛ فيصدر الحكم غير مطابق للواقع.
من العقبات التي تهز نفوس الدارسين» وتعطي انطباعاً غير صحيح عن فترة
الرجال في مكانها الطبيعي من نفس الإنسان ووجدانه؛ فلا تسقط شخصيات
لها مكان الصدارة لمجرد حادثة لم توافق الحس الإنساني» ولم يتقبلها العقل
البشري» أو على الأقل لم يتصور حدوثها من تلك الشخصيات التي كان ينظر
إليها من قبل بكل إعجاب واحترام وتقدير.
ولس ذلك من قبيل تبرير الأخطاء أو التغاضي عن السيئات» فإن ذلك
مناف ثماماً للمنهج الإسلامي في دراسة الوقائم فإن القران الكريم خاطب
المسلمين يوم احد بأسلوب يختلف تماماً عن مخاطبتهم في غزوة بدر فعن
يوم بدر يقول لهم الله سبحانه: «ؤولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا
إن الله مع الصابرين». وفي يوم أحد يقول لهم هم: إحتى إذا فشلتم
وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون».
في يوم بدر توجيه وتحذيرء وفي يوم أحد تقرير لمواقع بعيد عن
المجاملة والتحريف» في يوم بدر يحذرهم مغبة التنازع» وفي يوم أحد يقرر
أن ما حذرهم منه قد وفعوا فيه إن هذه الصراحة في تقرير أحداث التاريخ
المؤلم في صراحة لا تنقصها جرأة. وفي وضوح لا تشوبه مجاملة في
الحديث عن الغزوتين اللتين أصيب فيهما المسلمون لأسباب اقترفوها (وهما
الصراحة؛ وبدون تجاملة في استعمال الألفاظ المعبرة يقرر القرآن الكريم
الحقيقة التي يجب ألا تغرب عن بال المزمن ليتجنب الوقوع فيهاء وييتعد
عن الأسباب المؤدية إليهاء
إن القرآن الكريم وهو يعالج تلك المشكلة النفسية صارح فيها المؤمنين
العلاج» وهناك يفيد التعليم؛ ولعل القرآن الكريم قد تناول الموضوع بهذه
الدارسين ولأن نتائجها تسب للواقعين فيها مشكلات نفسية؛ وأنجع ما تعالج
به المشكلات النفسية هو القدرة على المصارحة ومواجهة الحقائق بشجاعة؛
وتحمل نتائجها بصبر.
إن القرآن الكريم الذي بحث هذه الموضوعات بتلك الصراحة على
أهميتها وحساسيتهاء لا يقبل منا تبرير أخطاء المخطئين» ولا السكوت عن
سيئات المسيثين وهناك فرق واضح بين الخطأ المتعمد والخطأ الذي أوقعت
ولما كان خطأ المؤمنين في الغزوتين من النوع الأخير فإن القرآن
الكريم مع تذكيرهم به ومعاتبتهم عليه يقبل عذرهم؛ ويعفو عن سيثاتهم؛
فيقول - سبحانه - في أصحاب أحد (ولقد عفا عنكم) ويقول في أهل حنين:
ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين*.
ٍ: + ولا يفوتني هنا أن أذكر بأن الغرض من دراسة التاريخ هو
جعله ميداناً تعرض فيه أحداث الماضي البعيد على صفحات الحاضر الذي
يعيشه الإنسان؛ وترسم فيه سياسة المستقبل على ضوء ما يمليه الحاضرء
وبذلك نخرج التاريخ من حيز النظريات الضيق إلى ميدان التطبيق العملي
الفسيح؛ وتكون أحداث التاريخ نمافج للأجيال لا فلسفة يجترها المعلمون؛
ويهيم في خاليها المتعلمون
دراسة التار
د. محمد السيد الوكيل
اليف الول
هو عبدالله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو القرشي التيمي+
ويلتقي مع رسول الله ف في مرة وهو الجد السادس له - عليه الصلاة
وكان أبو بكر يلقب بعتيق لحسنه وجماله وقيل لعتفه من النار» قال
مصعب بن الزبير: واجمعت الأمة على تسميته بالصدِّيق لأنه بادر بتصديق
الرسول ولازم الصدق.
ولد بعد الرسول بسنتين وأشهر. ونشأ بمكة. وكان لا يغادرها إلا
للتجارة وكان من رؤساء قريش واهل مشورتهم في الجاهلية. ومن المشهور
أخرج ابن سعد عن عائشة أن رجلا قال لها: صفي لنا أبا بكر فقالت:
+3 تاريخ الخلفاء ص )١(
كان أبيض نحيفاً. خفيف العارضين» أجنا- أي في ظهره أنحاء - لا
ينتمسك أزاره؛ يسترخي عن حقويه - أي خاصرتيه - معروق الوجه -
قليل لحم الوجه - غاشر العينين» ناتىء الجبهة - أي مرتفعها - عاري
وكان رضي الله عنه أبيض الشعر يخضب بالحناء والكتم .
هو أول من أسلم من الرجال. وأول من صلى مع الرسول #؛ وكان
بينهما برباط وثيق حتى روى البيهقي عن أبي ميسرة أنه # كان إذا خرج
سمع من يناديه؛ يا محمد فإذا سمع الصوت ولى هاربال فاسر ذلك إلى أبي
بكر ركان يق اهن الجاماي
وروى ابن عساكر في سبب إسلامه قال: قال أبو بكر الصديق: كنت
جالاً بفناء الكعبة وكا زيد بن عمروبن نفيل قاعداًء ريه بين أي
كل دين يوم القيامة إلا .ما قضى الله في الحقيقة بور
كثير النظر في السماءء كثير همهمة الصدر فاستوقفته؛ ثم قصصت عليه
ينتظر من أوسط العرب نب ولي علم بالسب - وقومك أوسط العرب نجيا.
+5 78 تاريخ الخلفاء من )١(
بعض فضائله:
أجمع أهل السنة أن أفضل الناس بعد رسول الله قَقَةِ أبو بكر ثم عمر
ثم عثمان ثم علي ثم سائر العشرة؛ ثم باقي أهل بدرء ثم باقي أهل أحدء
روى البخاري عن ابن عمر قال: كنا نخير بين الناس في زمان رسول
اللهء فنخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ويضيف الطبري في الكبيرء فيعلم
من أهل الأرض فأبو بكر وعمر».
وأخرج أبو يعلى عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله 8: «أتاني
عمر حسنة من حسنات أبي بكر».
ني ساعدة بالقرب من دار سعد بن عبادة؛ وتشاوروا
يرعى شؤونهم ويسوس أمورهم» لانهم يعلمون أن
أمر المسلمين لا يستقيم إلا بخليفة يقودهم بكتاب الله وسنة رسوله؛ وقد
المبادرة إلى اختيار الخليفة.
وكان اللقاء الأول في سقيفة بني ساعدة وقد بادر إليه الأنصار وأدركهم
أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح» فدخلوا السقيفة والانصار يتهيئون لاختيار
المهاجرين أميرء ومن الأنصار أمير.
وانتظر أبو بكر حتى انتهى المتحدث باسم الأنصار ثم قال: أما بعد قما
من قريشء هم أوسط العرب نبا وداراً. وقد رضيت لكم أحد هذين
الرجلين فبابعوا أيهما شثتم - يريد عمر بن الخطاب وأا عبيدة بن الجراح -
رضي الله عنهما.
رضي الله عنه أن يختلف الناس» فقال: يا معشر الانصارء ألستم تعلمون
أن رسول الله ةٍ قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس؟ فايكم تطيب نفسه أن يتقدم
فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أيا بكر.
في تلك الصحوة النفسية للانصار قبل أن يطرأ عليها ما يعكرها أو يغير
اتجاههاء لقد كان الموقف حساساً للغاية. وماذا عسى أن يكون لو لم يهتبل
عمر تلك البادرة من الأنصار؟ .
يحدث الأنصار ببعة لاحدهم وحينئذ لا يكون المصير إلا إلى أحد أمرين:
إما أن يتابعوهم على من بايعوه غير راضين وإما أن يحدثوا بيعة أخرى فتكون
التفرقة ويكون الفساد.
وانحسم الأمر واجتمعت كلمة الأمة على الرجل الذي ضحى في سبيل
الإسلام وعرف له المسلمون هذا الفضل فقدموه.
وكان اللقاء الثاني لأبي بكر مع المسلمين في المسجدء وكان في اليوم
المنبر» وقام عمر بين يديه وقال: إن الله قد جمع أمركم على خيركم»؛
ونظر أبو بكر وهو فوق المنبر فلم ير الزبير بن العوام» فدعا به فجاء؛
فقال أبو بكر: ابن عمة رسول الله وجواريه» أردت أن تشق عصا المسلمين»
فقال الز تثريب يا خليفة رسول الله؛ فقام فبايع؛ ثم تفحص وجوه
)١( الطبري (107/7) وابن الأثير (74/7؟)