واقعه ؛ غير خاضعين للمؤثّرات التقليديّة؛ أرفع
لهم هذه الدراسة عن مؤتمر السقيفة على ضوء
العلم والتتبّع الجادً. آملاً أن تكون من وسائل
التصحيح لقضايا التاريخ.
إن المؤتمرات السياسيّة التي تعقد في معظم أنحاء العالم إنّما يُكتب لها النجاح ؛
ويخلد أعضاؤها في قائمة المخلصين لأوطانهم إذا تبنت الأهداف الأصيلة التي
إذا لم تعن بهذه الأهداف ؛ وانسابت وراء أغراضها الشخصيّة ؛ كالظفر بمناصب الحكم
وأوّل مؤتمر سياسي عقد في الإسلام هو مؤتمر السقيفة ؛ وقد انعقد بعد وفاة
النبي كلل مباشرة ؛ وقبل أن يوارى جثمانه المقدّس فى مثواه الأخير ؛ وقد بدا الصراع
بين أعضاء المؤتمر كأشدّه على الاستيلاء على السلطة من دون أن ينطلق صوت واحد
مطالباً بمصلحة الأمّة ؛. وضمان حقوقها بعد ما منيت به من هول الكارثة المدمّرة؛
وهي وفاة المتقذ العظيم النبي كل ؛ فلم تحدّثنا الوثائق التأريخيّة بموقف حاسم
لأحدٍ منهم حتّى في تأجيل الانتخاب حتّى تستقرّ الأوضاع ؛ وينظر إلى من ترشّحه
الأمّة باختيارها .
حلفت
ونظرة خاطفة في التأريخ يتضّح مدى الصراع الهائل على الحكم بين المهاجرين
بزعامة أبي بكر ؛ وبين الأنصار وزعيمهم سعد بن عبادة ؛ فقد دوى في ساحة المؤتمر
صوت أبي بكر مخاطباً الأنصار قائلاً : « نحن الأمراء وأنتم الوزراء؛ فقد متاهم ؛
أو أرشاهم » بالوزارة على رأي بعضهم .
بالصالح العام ؛ وما يضمن للأًمّة سلامتها .
الخطاب ؛ وتخلّف عن بيعته سيّد العترة الطاهرة الإمام أمير المؤمنين 388 ؛ وكوكبة
من أعلام الإسلام » أمثال الصحابي العظيم عمّار بن ياسر؛ الطيّب ابن الطيّب؛
والمجاهد الكبير أبو ذرّ الغفاري » والصحابي المحمّدي سلمان الفارسي ؛ وأمثالهم
من عيون الإسلام ؛ وقد حمل عمر النّاس بعنف وشدّة على البيعة لأبي بكر ؛ وسنعرض
إلى تفصيل ذلك في بحوث هذا الكتاب ببحث حرّ؛ جهد ما توضّل إليه تتبّعي في
وثائق التأريخ .
والشيء المحقّق أنْ مؤتمر السقيفة قد أخلد الفتن للمسلمين وألقاهم في شرّ عظيم
بتجرّد من كل هوى أو عاطفة مذهبيّة.
إنّ جميع الأحداث المروعة التي أبتلي بها المسلمون كانت من النتائج المباشرة
أبنائه وعترته ؛ فقد حصدتهم السيوف الأمويّة في صعيد كربلاء ؛ كما جرت على
مخذّرات الوحي من صنوف الذلّ والقهر ما لا يوصف لمرارته ؛ ورحم الله كاشف
الغطاء إذ يقول :
ويقول بولس سلامة :
إَِّ مؤتمر السقيفة كان فاتحة لجميع الكوارث المدمّرة التي مني بها المسلمون منذ
صحف
وليس من الوفاء للأمّة ؛ ولا للتأريخ ؛ ولا للعلم أن تظل بعض الأحداث الجسام
ومكوّناتها من دون أن تعرض للدراسة والتحليل ؛ فإنٌ إخفائها طمس للحقائق ؛ وإغراء
للأمّة بالجهل ؛ وإقصاء لحكم العقل ؛ وعزل للمناهج العلميّة الحاكمة في الأحداث.
إنَّ مؤتمر السقيفة من أهم الأحداث الحسّاسة في حياة المسلمين ؛ ويجب أن
تدرس بأمانة وإخلاص على ضوء الفكر والعلم بعيدة عن التبّارات المذهبيّة ؛ ومن
النافعة التي منها جمع الكلمة ووحدة الشمل .
وليس من المنطق في شيء القول بإلغاء البحث عن السقيفة وإهماله ؛ وعدم
الخوض بأي جانب من جوانبه ؛ لأنّه يمس كرامة بعض الصحابة ؛ ويسئٍ لمكانتهم
وقداستهم ؛ فإِنٌ هذا التعليل ليس بوثيق ؛ لأنّ البحوث العلميّة النزيهة بعيدة كل البعد
إنَّ الذي يضرّ ويفرّق ويسئ إنّما هو التدليس وإخفاء الواقع ؛ إلقاء الستار على ما
ينفع النّاس وتصحيح عقائدهم ؛ وما يدينون به.. . إن إبراز التأريخ على واقعه ؛ غير
مشفوع بالكذب والحقد ؛ ليس من مقولةالتفريق ؛ ولامن موجبات التصديع في شيء.
فى طليعة هذا الكتاب البحث عن موقف الإسلام من الخلافة ؛ وأنّها من صميم
حياة المسلمين ؛ وتأكيد النبئ كَل البالغ على ضرورتها ؛ وأنّها عنصر هامٌ في حياتهم
إيجابيّة موضوع الخلافة ؛ فأقام وصيّه وباب مدينة علمه الإمام أمير المؤمنين لل إماماً
ومن بحوث هذا الكتاب الفتنة الكبرى التى منى بها المسلمون وامتحنوا بها امتحاناً
لشملهم ؛ إنّما هي دراسة جادة لأخطر حدث سياسي في تاريخ الإسلام.
إن الخوض في أمثال هذه البحوث التي 7 ترتبط بعقائدنا بحب أن تكون نزيهة
ومجرّدة من كل نزعة طائشة تدفع إلى التضليل والتخريب وتصديع الكلمة وتمزيق
إنَّ الإسلام بكلّ اعتزاز يناهض الجمود الفكري ؛ ويدعو إلى تحرير العقل والنظر
في مجريات الأحداث ؛ وليس من الإسلام في شىء التقليد فى الشؤون الاعتقاديّة ؛
وإما الواجب على المسلمين أن ينظروا بوعي إلى واقع الأحداث ؛ ويفتحوا آفاق
أفكارهم للنظر فيما بخص عقيدتهم ؛ وتأريخهم ؛ فقد عمد الحكم الأموي والعبّاسي
إلى افتعال الأحاديث فيما يتّصل بعقيدة المسلمين وتأريخهم دعماً لحكمهم القائم
بوعي وتأمّل ؛ صيانة للإسلام وحفظاً لأصالته وكرامته منها .
٠ / شعبان المعظّم / 1476م
وبنى حياته الاقتصاديّة على الظلم والعدوان؛ فالقويّ يغزو الضعيف وينهب
بلغة عيشه . إِنّ ذلك المجتمع لا يملك أي بند من مقوّمات الحضارة ؛ وليس عنده
أي رصيد من القم الإنسانيّة . قد انساب شبابه وفتيانه وشيوخه في ميادين
اللهو والدعارة والمجون.
في عاداته وتقاليده... وأوّل بادرة من النور رفعها الني 8ل في مكّة هي كلمة
أدمغتهم ؛ وتزكية نفوسهم من عبادة الأوثان والأصنام الشائعة في مكّة التق
هي من صنع أيديهم.
أمير المؤمنين ل8ل قد اعتلى على كتف النى 88 وهو يأخذ الأصنام من على ظهر
١ من بين ما عنى به الإسلام إعلان حقوق الإنسان ؛ فقد رفع شعار العدالة
الكبرى بين النّاس » والتي من أبرزها المساواة الكاملة بينهم ؛ مساواة في الحقوق
والواجبات » ومساواة في الضيرائب والحقوق الماليّة التي هي للدولة أو لفقراء
الناس ؛ كالزكاة ؛ فلا فرق فيها بين أحد وأحد ؛ ومساواة أمام القانون» سواء
أكان رئيس الدولة أم غيره من سواد المجتمع وضعفائهم » وليس لأي أحد حصانة أو
امتياز إن اققرف خلاف حكم الله تعالى.
"كما أنّ من بنود الثورة الإسلاميّة إشاعة العلم . وإقضاء الجهل ؛ فالعلم فريضة
على كلّ مسلم ومسلمة . وقد عهد الن يك إلى بعض الأسرى من قريش بتعليم
بعض صبيان المسلمين عوضاً عن جزية فدائهم ؛ وكان الجامع النبوي مركزاً
لتعلم الأحكام والآداب الإسلاميّة . وقد ترىٌ فيه معظم الصحابة ؛ ورووا
ومن مشاعل الثورة الإسلاميّة تحريم الربا بصورة قاطعة ؛ وقد فشا في
مكّة ؛ وتكدّس الثراء العريض عند فئة من المرابين » كان منهم: أبو سفيان عميد
الأسرة الأمويّة ؛ وزوجته هند 0 معاوية » والعبّاس بن عبد المطّلب ؛ وأبو جهل ؛
وثيقة عندهم للحصول على المال الربوي.
)١( سورة الإسراء : الآية ام
العمود الفقري للاقتصاد السائد في مكّة ؛ وكان من نتائجه انتشار الفقر والفاقة
عند الكثيرين » وتكدّس الثراء عند المرابين.
4 وشيء آخر في الثورة الإسلاميّة بالغ الأهمّية ؛ وهو تحرير المرأة من العبوديّة
لقد بالغ المجتمع الجاهلي في إذلال المرأة ؛ والاستهانة بهاء فكانت سلعة
تباع وتُشترى كسائر السلع ؛ وقد عمدت بعض القبائل إلى دفن البنات وهنّ
أحياء ؛ وشاع المثل في ذلك: «دفن البنات من المكرمات» ؛ وكان الولد إذا توق
الإسلام فكان نعمة على المرأة ؛ وقد وجدت في رحاب تشريعه ؛ مالم تجده في
وكان 885 يشيد في فضل بضعته في بجلسه وعلى منبره ؛ وقد أثرت عنه كوكبة
من الأحاديث في سمو منزلتها وعظيم شأنها ؛ قال فيا أجمع الرواة على نقله:
)١( كنز العمّال: 68/17
(») مستدرك الحاكم: 197/9 أسد الغابة: 097/8 . الاصابة: 164/8. تهذيب التهذيب:
١7 . كنز العمّال : 114/7. فضائل الخمسة من الصحاح السدّة: 167/3. ميزان
الاعتدال : 76/1