لاقى تاريخ القرامطة في العصر الحديث وما زال عنابة كبيرة من
قبل عدد كبير من الباحثين» وقد كثر عدد العرب بينهم في الآونة الأخيرة؛
ومع أن هذه العناية أمر يبعث على الارتياح » إلا" أنه من الملاحظ أن
بعضآ من الانحراف قد ألم ببعض الكتابات » خاصة العربية منها » فقد
أراد بعض الكتاب « عصرنة حركة القرامطة » بجعلها تشبه بعض حركات
عصرنا الذي نعيشه ؛ يضاف الى هذا أن بعض الكتاب بحث في تاريخ
القرامطة اعتمادا على المشهور المتيسر من المواد الإخبارية » واقتصر
على معالجة أحداث العراق والشام وأخيرا دولة الأحساء +
لا شك أن في هذا تقصي » إذ ينبغي على الباحث الالتزام بالتعليل
التاريخي حسب معطيات عصر الحادثة ؛ وليس حسب متطلبات العصر
الحاضر » فصرخة احتجاج ونداء بالمساواة في عصر كان فيه الانسان
يباع وبشرى؛ تعدل ؛ إن لم تفق» كل أصوات ثوار الحركات الاجتماعية
في آيامنا هذه ؛ ثم ان قواعد البحث التاريخي تقضي على الباحث التقصي
في عمله والتفتيش عن مصادر مهملة » مع تقديم رؤى جديدة تحليلية
للنصوص المتوفرة » ولنتذكر هنا أن خزائن الكتب العربية ما تزال
تحوي عدداً غير معروف من كتب التاريخ ومصادر الماضي » فيها ما يزيل
الحجاب عن كثير من الأمور » ويساعد على رسم صورة للماضي العربي
اكثر وضوحآ واشراقا » ولا شك أن معرفة الماضي بشكل أصح ؛ يساعد
كثيراً على فهم الحاضر ومن ثم التخطيط للمستقبل » ونزيد على هذا أن
نشاط القرامطة لم يقتصر على الشام والعراق والأحساء » بل انتشر في
إن دراسة تاريخ قرامطة اليمن ليس فيه اضافة فصل جديد للتاريخ
العام لهذه الحركات فقط » ولكنه بفتح باب جديد في البحث عن أصل
القرامطة ومنشا دعوتهم » ففي الماضي ذهب الباحثون الى جمل العراق
مهد القرمطة » ودار نشأتها » وقد اعتادوا الربط بينها وبين الدعوة
لا شك أن البحث هنا يوجب علينا أولا” التعرف الى تاربخ الدعوة
الاسماعيلية أو بالحري تاريخ الدعوات الاسماعيلية» والبحث في تاريخ
الاسساعيلية يحتاج بدوره الى البحث في قيام التشيع وتطور حركاته *
لقد واجه المسلمون أولى أزماتهم يوم وفاة النبي عل ؛ فقد سبقت
بالقلق ودنو المخاطر ؛ وبدأ الناس يتساءلون عن المستقبل » ويطرحونذ
مشكلة الحكم والزعامة بعد غياب النبي يَثْ » ويبدو أذ صدى هذه
التساؤلات والأبحاث قد وصل الى النبي يم ؛ وهنا تذهب بعض
الروايات الى أن النبي يِف أراد إيجاد حل » عن طريق كتابة وصية +
لكنه لم يُمككن من رغبته هذه » وتذهب روايات أخرى الى أنه لم يفعل
الاسلامية ولا مشرعها بالمعنى المتعارف عليه للحكم ؛ بل كان رسول الله
وله هو الحاكم المشرع عند المسلمين » والله اختار نبيه وأوحى اليه
النبي يي تسميه حاكم من بعد » ثم إن منطق التاريخ وقواعد الاسلام
هي ضد قيام أسرة حكم مقدسة ؛ على أساس ان في نسمية النبي يكم
لرجل يتسلم السلطة من بعده تشريم لا تجوز مخالفته » بل له صفة
الديمومة » وهو توريث لجزء من النبوة » والانبياء لا يورثون والنبي
محمد عل هو آخر الأنبياء وخاتم الرسل 66+
يكتب وصية ولم يفكر بكتابة وصية يوم مرضه الأخر ؛ لأنه سبق له
أن أوصى تلميحاً وحتى تصريحا بالسلطة من بعده لابن عمه علي بن أبي
خشية منه أن يقف البعض ضد علي ؛ فيحول دونه ودون تسلم سدة
الوصاية؛ قام قبل وفاته بتشكيل جيش كبير أوكل قيادته لاسامة بن زيد»
وجند فيه كبار الصحابة جميعهم ؛ فيما عدا علي بن أبي طالب ؛ وأمر
أن يتوجه هذا الجيش نحو الشام » وبمودة هذا الجيش يكون النبي ثم
توفي ؛ وعلي قد تسلم مقاليد الامور » لكن هذا الجيش لم يتوجه
بالاستيلاء على السلطة مستغلين انشغال علي وآله في غسل النبي عِكِمِ
هذا ما تورده المصادر الشيعية » خاصة الاسماعيلية منها ؛ ونجده
هذه المصادر بأبحاث مستفيضة حول قضية الإمامة واستمراريتها دون
انقطاع منذ الخليقة وحتى نهاية الحياة +
الات
نشات فكرة الإمامة وتطورت خلال مالا يقل عن قرنين من الزمن » تمك
خلالهنا الاطلاع على العديد من الديائات والفلسغات فاستعير الكثير
الكثير منها +
كل ما في الأمر أنه عندما توفي النبي يهن » سارع أهل المدينة من
الانصار من الأوس والخزرج الى الاجتماع خارج المدينة في مكان
عرف باسم سقيفة بني ساعدة ؛ وقرروا اختيار سعد بن عبادة أميراً »
وما أن علم أبو بكر بخبر وفاة النبي علد وتاكد منه وباجتماع الأتصار
حتى أسرع بالتوجه نحو سقيفة بني ساعدة مصطحباً معه صاحبيه عمر
وأبي عبيدة عامر بن الجراح *
وفي السقيفة استطاع أبو بكر اقناع الأنصار » وجعل اجتماعهم
يرففش دوذ تحقيق ما تمناه البعض»بل على الحكس من ذلكتم فياجتماع
السقيغة كما هو معلوماختيار أبي بكر ازعامة الأمة » وساعد على ترسيخ
هذا الاختيار تلاحق الأحداث وتطور الأمور +
واليه أوكل النبي يِه إمامة الصلوات أثناء مرضه ؛ ثم كان قرشياً له
مكاته السامية ؛ ولديه كل المؤهلات للقيام بواجبات المسؤولية التي
ودون التوسع في هذا المجال ؛ محيلا” القارىء الكريم على كتابي
«تاريخ العرب والاسلام» ودمائة أوائر من تراثناءريكفي أن نذكر أنفسنا
بان تجهيز الميت لا يعتاج الى لام ثلاث + فمن لمعلوم أن وناة النبي تي
توفي حَمِْ كان الذكور من أسرته. ب بني هاشم قليلو العدد ؛ قوانهم
علي وعمه العباس » ولم يكن هناك وفاق بين الاثنين» وكان علي ما يزال
شاب في مقتبل العمر بدون تجربة سياسية » وبدون شعبية كافية وأعوان
لهم مكانتهم بين المهاجرين وسواهم +
لقد تمت بيعة الصديق » فأرسى قواعد مؤسسة الخلافة ؛ وقفى
على الردة وشرع في أعمال الفتوحات الكبرى » وبعد عامين توفي »
فخلفه من بعده . بناء على وصيته عمر بن الخطاب » الذي كان منذ
يوم اسلامه ثالث ثلاثة في سلم الزعامة لدى المسلمين!! » وقام الفاروق
بأعباء الخلافة خير قيام » وفي عصره تمت انجازات رائعة في جبيع
المجالات » وكاات علاقته بعلي بن أبي طالب ممتازة ؛ لعل أفضل شاهد
عليها زواجه من إحدى بنات علي من فاطمة الزهراء +
لقد كانت مشكلة الحكم واختيار الخلفاء من مشاغل عمر ابن
الخطاب الرئيسية » وقد سعى لوضع خطة دائمة يتم على أساسها اختيار
الخلفاء ؛ فقد رأى أن الخلافة حق محصور في قرش » ولا يجوز
لغير قرش » ويبدو أنه أيضاً رأى أن عشرة بيوت من قرش هي التي
يجوز اختيار الخلفاء منها » ومثكل هذه البيوت أبرز الصحابة الذين
عترفوا بالعشرة المبشرين بالجنة ؛ ثم إنه رأى أن الخلافة لا يجوز تناوبها
في البيت القرشي الواحد » فاذا مات الخليفة لا يجوز أن
من بيته حتى وإن كان المرشح هو الأفضل ؛ وهنا يقتضي الحال اختيار
المفضول مع وجود الأفضل +
ويمكن أن نرى ملامح هذه الخطة وأسسها العامة في وصيته يوم
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمسس بن الخطاب ؛ 9 نت معي فيه
* » الجنة ثالث ثلاثة من هذه الامة
طمن » وفي قيام ما يعرف باسم « شورى السئة © ؛ فبعدما انوفي عبر
اجتمم الباقون من الصحابة المبشرين بالجنة ؛ وكان أبرز المرشحين يينهم
كل من علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان » وبعد جدل طويل تم اختيار
عشمان بن عفان منصب الغلافة +
وهكذا أ*بعد علي بن أبي طالب مجدداً عن زعامة الأمة » والأمر
امثير للانتباه هنا أن جل قوى المهاجرين والأنصار من أهل المدينة أيدت
اختيار عثمان » لكن أصوات عدد من الرجال تجمعوا منذ أيام النبي لغ
حول علي جاهرت الآن ولأول مرة في تاريخ الاسلام بمعارضة اختيار
عثمان وابعاد علي » مما يوحي أن هذا التجمع أخذ يتحول الى شكل
حزب للمعارضة » وفي أيام عثمان ازداد عدد أفراد ذا الحزب وعم
دورهم المعارض *
وتسلم عثمان منصب الخلافة ؛ وكان آنئذ شيخ » فيه طيبة فس
وكرم وثبات وحب واثئرة لآله من بني أمية » ويمكن أن تقسم عهده
إلى قسمين : الأول كان حكمه فيه عبارة عن استمرار طبيعي لعصر
عمر بن الخطاب ؛ والثاني : عصره هوه وهذا العصر كان من حيث الواقع
ناية العصر الراشدي » وبداية لعودة بني أمية مع الأرستقراطية إلى
زعامة العرب والدولة الجديدة » كل ذلك رغم الهزيمة التي حلت بهذه
الأرستقراطية يوم فتح مكة وانتصار الاسلام ونبادئه ؛ وعودة
الأرستقراطية الأموية بعد هزيمتها كاات لكسة كبرى ؛ وضربة علمى
وجهت لثورة الاسلام ؛ ومن المدهش حقاً أن الأمويين في مستقبل
يتتمي إلى الأرستقراطية المالية لمكة فقد أسلم مع أبي سفيان في يوم
واحد » ومناسبة واحدة +
بدأ القسم الثاني من عصر عثمان حين عزل ولاة عمر وعماله ؛ وعين
بدلا منهم جماعة من أقربائه وذوبه من بني أمية ؛ وتسلط الأمويون
بشكل صريح على مقاليد الأمور في الدولة المترامية الأطراف » وقاموا
البلاد المنتوحة ؛ وبدأت الفتوحات تعطى ثمارها وتكوات الثروات عن
طريق الاستثمارات التجارية والزراعية وغير ذلك +
وأمام هذه الأحوال المستجدة ارتفعت أصوات الاستتكار
والمعارضة في كل مكان » إنما بشكل سلمي ناقد » وحدث أن قام عثمان
بجمع ولاية الشام لمعاوية بن أبي سفيان » ثم قام بعد فترة بإلحاق ولابة
الجزيرة به » فادى هذا الالحاق إلى خلل مريع ؛ حيث زالت أداة الفصل
والوصل والتوازن بين العراق والشام » وحرم أهل الكوفة من استقلالهم
ومواردهم ومجال نشاطهم +
لا ريب أن هذا الكلام يحتاج إلى شرح وتعليل ؛ ونحن نرى أن
أصل القضية يكن أن يظهر من استعراض حوادث تاريخ ما قبل
الاسلام » ثم فيما جرى إثر الفتوحات الكبرى في الشام والعراق +
فمن المعلوم أن أرض الجزيرة كانت عبر التاريخ مسرحاآً للصراع بين
الدول والامبراطوريات التي قامت شرقي الفرات » وبين دول الشام
حروب الاسكندر المقدوني ضد الفرس والأيام بين الغساسنة والمناذرة»
وانتصار هرقل سنة 17م » على الفرس وغير ذلك الكثير الكثير من
الممارك ممعمدة
وكان العرب الفاتحون للشام والعراق قد عسكروا إثر كل من
كم من بلدة نوى في حوران وفي البصرة المؤسسة حديثا في العراق +
وإثر مؤتمر الجابية الذيحضره عمر بن الخطاب ب سنة اه/١م
قام هذا الخليفة العبقريبادخال تعديلات أساسية على استراتيجية
الفتوح والادارة لدى العرب » فألغى جيش شرحبيل بن حسنة الشامي +
وأذن بتأسيس مسسكر جديد في العراق هو الكوفة » وأوجد اقليم
الجزيرة ليكون واصلا* فاصلا بين الشام والعراق » والحق هذا الاقليم
بالكوفة ؛ وههكذا عهد إلى جند البصرة بشؤون فتح خراسان والمشرق +
وإلى جند الجابية ببلاد الامبراطورية البيزطية » وإلى جند الكوفة
بالأقاليم الواقعة خلف أراضي الجزيرة بدا من أرمينية الصغرى أو
الدنيا ؛ كما عهد إلى جيش عمرو بن العاص بعد انجاز فتح القدس
بالتوجه الى مصر حيث سيقوم بتأسيس معسكر القسطاط بعد فتحه
لأرض الكنانة +
إذن بدأت الكوفة تشهد قيام معارضة فوضوية فردية ثم جماعية
منظمة لحكم عثمان » وجاءت المعارضة في البداية على شكل نقد لسلطان
دولة عثمان ثم ما لبثت أن ارتدت دثار العنف » وأثناء هذا كله برز
علي بن أبيطالب علىرأس جماعة المسلمين فيالمدينة وتصدر شخصياتهمة
وصار الناس ب وخاصة رجال المعارضة يفرون إليه ويلجأون له عند
احتدام الأزمات » ورأى فيه بعض جند الأمصار وخاصة من أهمل
الكوفة ؛ الرجل الذي على يديه يمكن تجاوز الأزمات 4 وبقيادته تسكن
العودة إلى الصراط النبوي المستقيم +
وتحوات المعارضة في الكوفة من حركة سلمية إلى عصيان مسلح
تطور إلى ثورة منظمة ذات مبادىء وأهداف ؛ وذلك ضمن مسلسل من
الأحداث ليس هذا بمكان عرضها » ويكفي القول بان هذه الثورة
فتشت عن زعامة قرشية لقيادتهاء فوجدت ضالتها في شخصية علي بن أبي
تم" اختيار علي بن أبي طالب خيفة جديداً +
عدد لا يحصى من المشاكل ؛ وعلى رأس جماعة من الثوار » جاؤوا من
المشاركين في تفجيرها ووضع مبادثها بشكل مباشر +
وحين جاء اختيار علي للخلافة لاحظ أن غالبية أهل المديئة مع
أكثر أهل الحجاز ليسوا معه » بل هواهم مع عائشة أم المؤمنين » والزبير
ابن العوام » وطلحة بن عبيد الله + وعندما توجهت عائشة نحو البصرة »
ترك هو الحجاز وذهب الى الكوفة +
سابقا يبدو في أن جند الفتوحات في آسية كانوا متمركزين في ثلاث
معسكرات رئيسية هي : الكوفة والبصرة والجابية .. دمشق ؛ وكان
كل معسسكر من هذه المعسسكرات لديه مطامع للاستيلاء على مقاليد
السلطة في العالم الاسلامي » أو على الأقل الانفراد بالاراضي التابعة كل
كان معسكر الشام في الجابية أكثر المعسكرات تماسكآ وأقلما
سادات الجاهلية وهو الآن يطمح أن يكون سيد أهل الاسلام» ومعروف
أن مماوية هو المؤسس الفعلي لمعسكر الشام وسيده منذ بداية
الفتوحات +