خطابات تائهة - الجزء الأول
الوصف
خطاباتٌ تائهَة ،
يبدو أن الجميع غفل عن حقيقة هذا العالم ..
الكل يعيش فيه بنِية براغماتية نيئة ..
بداخل كل نفس بشرية .. نفس أخرى ..
شخصية أخرى ، أفكار أخرى ..
وداخل هذا الكتاب القصير بالذات ، تجدون شخصيتي ..
مبادئي ، أفكاري وأحاسيسي.
الخطاب الأول : قدرٌ على لائحة الانتظار !
ارتشف فنجان القهوة العنضوض أمامه ؛ وهو يتفحصن بعينيه المارة ؛ يلقي بين القينة والأخرى
بالداهية السُحنك ؛ يُميزه وجه مستدير ومُكفهر وثتاربان مُتدليان تتخللهما بعض تشعيرات القِيب.
عنفوان الوحدانية ونسماتها تحيط به الآن من كل ناحية ؛ وتلقيه بشذرات الاغتراب وتخزه دون
شفقة بإبر الوحدانية والاكتئاب بعد أن ترك كل ما يملكه وغادر وطنه صوب صقلية. تأزمت حالته
تحقيق هدفه المنشود الذي لا يعرفه من الأصل.
هواياته. همه الوحيد أن يُكمل ما تبقى له من العمر في هناء ويُسر إلى أن يُلقى به مُرغماً في حفرة
في خضم تأمله وهذيانه الأبكم أححس بأصابع باردة تمس كنفه ؛ التفت ليعرف من هذا الذي سولت له
نفسه أن يقطع خلوته النادرة ويمنع عنه نشوة وحلاوة القهوة. كان رجلاً ضخم البنية ناصع البياض +
له شعر كثيف ومنسدل حتى تكاد لا ترى عينيه ؛ انبرى صوته قائلاً :
- طيب ؛ لك ذلك أيها الرجل ؛ لكن عرف عن نفسك أولاً.
- دعك مني ؛ لن تفيدك معرفتي. أحتاجك في أمر مهم للغاية ؛ فا
- أن أتحرك من متعدي حتى أعرف من أن ٠١
سكت الرجل الضخم لبرهة ؛ ثم أردف :
- ستعرف قريباً ؛ قريباً جداً .. اتبعني فقط !
تكون آخر تحركاته ؛ بل قد تكون المسوغ لفنائه ودماره. والحال يبقى على طبيعته حتى وإن كنا
نعلم بقدرنا ؛ نحن نرضخ له رغم ذقنا به. فلا أحد يتجراً أن يتمرد على قدره مهما علت شجاعته
وهيبته ؛ وانقلع عن محياه الجُبن والخوف الباطني.
بعد ثوان ملا الكون صوثٌ مهيب ؛ منادٍ يُحدثه من أعالي السّماء :
فلترقد بستلام ملؤه الكآبة والحُزن.
الخطاب الثاني : مذكرات كائن !
أنا مُواطن غريب ؛ عالة على الوطن بزمته.
وجدت نفسي صُدفة حاملاً لبطاقة تعريف وطنية عليها صورتي البشعة ؛ حفروا عليها اسمي القثر
ضرائب تُغني ميزانيته ؟ وكيف يترك لي مساحة العيش على أرضه والانتساب له وأنا أستنزف
ثرواته وموارده دون مقابل ؟
اكتشفت اليوم بالذات أنني طالب ولا أطلب شيئاً ٠ غير صالح للدراسة أو التعلم. مشوشر الذهن
وجاهل المعرفة. تتراقص أفكار أبابيد على جمجمته وهو غافل عنها. وتتوالى عليه المصائب تباعاً
وترتعد فرائص الطفل قبل الشيخ عند أول نظرة ترقبه.
عائق على الكوكب بأكمله ؛ أشفط دون توقف كمية ثنائي الأوكسجين المتبقية وأساهم بشكل أساسي
في إشاعة ثقب الأوزون وإزاحته على سائر سماء الدنيا. أضيف كتلة قاربت ستين كيلوغراماً لهذا
الكوكب المَنحُوس. فكيف سمحت لي هذه الأرض بالعيش على سطحها ؟ رغم أنه بإمكانها أن تقذفني
بسهولة إلى أفق الكون الخارجي.
يُقال أن الإنسان يختار شخصيته وتفكيره ؛ فلم أرغِمث على الاختيار الأسود هكذا ؟ من الوهلة
الأولى تستشعر أنني مجرد دمية تكاد لا ثُرى الخيوط التي تحركها. لم يسبق لي أن استخدمث
قدراتي العقلية الباطنية ولا أود ذلك. أنا مجرد كائن يطبق ما يصله ..
أنا كائن يتنفس بدون هدف ؛ أعيش مترقباً مصيري وما سيفضي به ؛ ومنتظراً وفاتي لدف روحي
لا أرغب في تدوين أي شيء ؛ دعيني يا مذكراتي ..
دعوني وشأني !
حيثما حل الخراب تجدني ؛ أعيث في الأرض فساداً ومُتعة وهمجية. لا تفارقني ابتسامة العبودية
والانتقام البارد. أنتشي بتذوق دماء حيوانات برية ناطقة تشفي غليلي وعطشي الدائم وأستمتع برؤية
الهلع في عيونها وسماع صوث تدفق الرعب من ثنايا أجسامها الشاحبة ؛ المُسجاة أمامي.
باختصار ؛ أنا ال إنسان الذي لا ييعترف بإنسانيته !
الخطاب الثالث : نحو السعادة التعيسة !
تُعرف الأمور بأضدادها ؛ وأنا أهيم بحثاً عن السعادة بين أضدادها .. ولم أجد شيئاً !
انتابني أرق عُضال ؛ يُمسك جفوني من جوانبها ويرفعها للأعلى. يطلق صفيراً مُزعجاً في أذناي.
ويطقطق على جمجمتي بحجر افتراضي ؛ ببث في فِكري الفساد والألم.
أنا والسعادة على رأس جبلين شاهقين لا يلتقيان .. يفصل بينهما وادٍ عميق ؛ لا يستطيع العاقل أن
يفكر حتى في التطلع عليه أو مشاهدته وتأمله. فكيف لي أن أتمنى إيجاد سعادة غابرة في الأفق +
وأنا لم أستطع التنقيب عن ماهيتي وواقعي ؛ عن ماضي وحاضري .. عن ما يُحتمل أن يكون
مُستقبلي وقدري ؟!
سرابٌ غادر ؛ يخدعني ويستغل ضْعفي وتعاستي ليفرض وجوده في الواقع .. وكلما اقتربت منه
إنزاح إلى الوراء دون أن يخلف آثاراً مرئية أو ملموسة. أيقنت أنه يجذبني صوب مكان ما في هذا
والرغبة البّهيجة في العيش !
ينتهك الواقع عرض الخيال ؛ فيتمخض عنه ذهول ولخبطة بين المشاهدين.
وأنا أعلمٌ الناس بما يجري .. لا تتغير ملامح وجهي الخشن ؛ وتبقى التعاسة موطنه.
وصلث إلى مفترق الطرق ؛ وانسللت من اللعبة بخ
َ نظرث إلى نفسي » ولخلط كر
الخطاب الرابع : رحلة .. إلى اللانهائية !
تقدمت الشمس ببُطء ناشرة ثوبها الذهبي المتشح بالبياض ؛ تُدثر به ظلمة الليل وسواده. وتوقظ
الفجر من سباته ؛ لتداعب به العيون النائمة وتسهر على تفتحها حتى ترى نور هذا اليوم الجليل.
في هذه الأثناء ؛ وقف صديقنا على التل المشرف على قريته الدانية ؛ متأملاً منزله الصغير. نظرة
أخيرة ملؤها الخيبة والحسرة على ضياع كل ما يملك ؛ عائلته وماله ومنزله .. بل وسعادته ! لا
يدري آ هي رسالة وداع غير مرئية أم مجرد ترقب عابر يشفي به غليل فقدان منزله و ممتلكاته
المنال ؛ يُنير تارة .. ويغيب تارة أخرى.
كأوراق الخريف على أقدامه المُسودة.
شعوري يُمسك بتلابييه.
سوى خان سيجارته النتن ؛ يُتلف بها رتتيه المُختئقتين ويقترب رويداً ويداً من حاجز العوت
قرّر أن يُغادر قريته ومَنزله ؛ ينسى الخاضي وهفواته .. ويّنظر صّوب مستقبل ضبابي ينتظره.
الخطاب الخامس : رستالة أب !
نظر إليه بامتعاض وهو يُقلب كفيه على مَا أنفق عليه لسنوات مَديدة .. نعم إنه انه ؛ لكنه لا يعدو
يشتري له مااطاب من مَأكل وملبس وألعاب ؛ يُرفِه بها الابن عَن مَلله ويَنسى كل نواقصه وؤحدته ؛
ثمار الحنق والضجر أينعت ؛ وجنت على خياته ؛ الأب البسبيط تعب كل التغب من اتكال ابنه. ولم
بدأت أنظار الاحتقار تنبع من عيني الوالد ؛ شرارات السأم تتطاير من تعابير وجهه الذي اعتادت
الهدوء والابتسامة سابقاً. وتغيرت المفاهيم والتصرفات ؛ كأن الأب يُريد أن يوصل لابنه رسالة
لقد تعبث يا بُني ؛ لن أستطيع مُواجهة الصعاب بعدّ الآن !
وتتلى شاربي من جانبيه ؛ وتلون بيضاً ..
توقفت عن العمل وانخفض مَدخولي ؛ ولن أتمكن من تأمين مَطالبك ورتق حاجياتك ..
سوء سلوكي معك في الآونة الأخيرة لا يعكس كُرهي أو نفوري ..
لكنني أتمنى لو استشّرت ألمي بشيخُوختي ؛ وأنت مَا تزال في ريعان الشبّاب ..
أمهد لنجاح مُستقبلك وخياتك ..
فلن أبخل عَليك بدُعائي للمولى عز وجل أن ييسر أمُورك ويُحقق أمَانيك.
الخطاب السادس : هواجسن ليلية !
استفاق فجأة من نومه ؛ دفع الغطاء الثقيل عَنه ورمّاه على الأرض ..
خرج من مَنزله في متاعة مُتأخرة من ليل شتوي خالص ؛ لم يستوعب السب الذي
استطرد رغبته المثيرة في تأمل بُحيرة قريبة.
هل هو جُنون مفاجئ أم مجرد أحلام يقظة عبثت بوعيه ؟
قيلَ أن اكتمال البدر يُخفض عدار الثبات النفسي للشخص ...
استراح للفكرة ؛ فانم البدر .. وقضى !
وقف للحظات أمام البُحيرة ؛ يسمع صّوت ارتطام الرياح بمياهها ؛
ومّد الأمواج الصغيرة تأتي وتزوح في هدوء وستكينة.
أحس برغبة عارمة في مُحادثة أخيه الأصغر ؛ وفكر فعياً في ذلك ..
ابتسم بمرارة ثم أغلق عينيه لُرهة.
ليتساءل بصّوت جهري :
-" هل أنا شخص عادٍ ؟ وهل يُمكن لشخص طبيعي أن يُخرج في هذا الوقت
ويترك لذة النوم الجاذبة ليرى بُحيرة صامتة ؟ وهل يحدث أن يتكلم عَاقل
فكر ملياً وقل :
-" لعلها تخاريف الليل وتأثير التعب. "
ثم قفل عائداً وب بيته وقد اطمأن أنها شجرد هواجس ليلية ..
الخطاب السابع ٍِ مُطاردة !
انجّلى مِن الغتمة ظلٌ مُسرع ؛ مرّ بشرعة خاطفة ؛ بالكاد تستطيع لمحه وسماع صوت الشهيق
بأحدهم ؛ عبثاً .
تطلع للوراء ليراقب الشخص الذي يُطارده منذ يصف ساعة ؛ لكنه لم يجد أحداً. الشارع فارعٌ إلا
من بعض حاويات الثمامة والقطط التائهة التي تبحث عن طعام ومأوى. اقتنع أن مطارته قد تعب
وعاد أدراجه ؛ فتوقف ليلتقط أنفائته ويّسترجع مَخزونه الطاقي.
لم يعلم بعد سبب هذه الملاحقة المُرهقة ؛ ولمَ ضيعَ هذا الشخص وقته سُدى
وتراجع في الأخير عن مُلاحقته ؟
كان إياد يعمل مُديراً لشركة تصنيع العصائر ؛ وفي طريق عودته إلى المنزل ؛ قطع شخص مجهول
الصيادون ؛ فما سبب هذه المطاردة ؟ وما يريده هذا الشخص منه ؟ ولم يكلف نفسه عناء البحث
في خضم تفكيره وهذيانه ؛ أحس بيد تسنٌ كثفه وتُديره ؛ ثم بخنجر صغير يسلٌ بطنه ..
لم يكد ينتبه لما يجري حتى استلقى على الأرض ؛ وتدفقت الدماء حوله ..
الخطاب الثامن : مُناظرة عند اكتمال البّدر !
جافاني المثبات في ليلة حارة من ليالي الصيف +
وأنا أَهْمٌ ببدء القراءة ؛ سمعت همهمة في الشارع.
طبيعتي الفضوا ٌّ تمت علي أن أطل من شباك غرفتي ؛ ذهلت بضخامة الب وهو مُعلق في
السماء ء السوداء وأمتعني جماله ونوره اللامع. انتزعني من تخيلاتي صوت شخصين يتجادلان +
أالزمت شفتاي بالصمت حتى استمع لحديثهما :
- الوهم : دعنا نبداً حوارنا ؛ فالناس نيام ..
- الواقع : أنا البادي بالحديث ؛ ولا أحد غيري ..
- الوهم : ولم أنث بالذات ؟
- الواقع : لأنني واقع مفروض على الناس ؛ ولا مفر لهم منه ..
- الوهم : بل أنا .. فلولا وجودي ؛ لعاش الناس في كآبة وحزن ؛ أنا من بيني السعادة لهم بعد الحُزن
الذي ثلقيه عليهم وتوفره لهم. فهم في الأخير يلجؤون إلي ويتخيلون بفضلي أشياء تسعدهم وتغير
مزاجهم نحو الأفضل.
- الواقع : لكنهم في كل حال يعودون إلي ؛ وحينئذ يكتشفون واقعاً شديئاً.
- الوهم : تخيل فقط العالم بدوني ؛ كيف سيسعدُ الناس ؟
يستطيع الاندماج مع واقعه فيما بعد ؟
- الوهم : أنا أنفس على البشر كُربهم وكآبتهم ؛ وأنت تقذفهم إليها.
- الواقع : أنت تجعل البشر يعيشون سعادة عابرة ؛ ثم تتخلى عنهم. فييقون في حالة من العُزلة
والوحدة بعيداً عن المُجتمع والعالم.
- الوهم : لن نصل إذن لحل مُقنع.
- الواقع : بلى ؛ فنحن جزءان متكاملان. لا يستطيع أحدنا العيش دون وجود الآخر ؛ فهدفنا أن نسهر
على ثبات نفسية كل كائن بشري.
- الوهم : أصبت عين الصواب .. بل فقأتها.
هل ما رأيته قبل قليل واقع أم مجرد وهم ؟
لن يصدقني أحد .. لن يُصدقني أحد !
الخطاب التاسع : مُتخلف عن الحَرب !
لم أتعود ترويض قلم الكتابة هذا ؛ منذ صغري وأنا أهوى الخدمة العسكرية وذاك الزي الأخضر
المتبختر ؛ كلما رمقته أ ت برغبة في امتلاكه. وكلما تذكرت والدي المتوفى ؛ وددت لو خلفت
في مهنته كجندي دافع ببسالة عن وطنه ودينه.
منذ صباي وأنا أهوى مشاهدة والدي حاملاً سلاحه ومرتدياً اللباس الإجباري والحذاء الضخم. وكلما
استمعت لحديثه عن الثكنة العسكرية ؛ تمنيت لو أنني قصدتها وتجولت بين دهاليزها.
وهذا ما حدث بالفعل !
نصوص ادبية نثر و شعر عروض و بلاغة نحو و صرف ......
عدد المشاهدات : 4640
47
21
اللغة العربية تعليم الخط العربي باسلوب سهل وبسيط
اللغة العربية تعليم الخط العربي باسلوب سهل وبسيط
درس من سلسلة دروس قواعد اللغة العربية للصف السادس الابتدائي
اللغة العربية تعليم الخط العربي
اللغة العربية تعليم الخط العربي باسلوب سهل وبسيط