وأن يوفقني لما فيه الخير والفلاح في الدّنيا والآخرة؛ وأن يجعل أحسن
دمشق في غرة شهر رجب لعام 1661 ه
محمود الأرناؤوط
أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن رافع بن
حسن بن جعفر الجماعيلي!» المقدسي ثم الأمشقي .
ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة؛ وكان قدومه مع أهله من
بيت المقدس إلى مسجد أبي صالح» خارج الباب الشرقي لمدينة
بناء أول مدرسة في الجبل وهي المعروفة ب «العمرية»"» وعرفت
من أرض فلسطين. انظر
«معجم البلدان» لياقوت (154/7)
() مر المدرسة كانت من خيرة المدارس الإسلامية؛ وقد خرجت عدداً
أوقاف كثيرة جنا اختلستها أيدي المختلسين ولا حول ولا قوة إلا بالله.
انظر خبرها في كتاب «القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية» لابن طولون
الدمشقي؛ ب الأستاذ الشيخ محمد أحمد دُهْمَانَ صفحة (8) الطبعة
الثانية. الصادرة عن مجمع اللغة العربية بدمشق.
تلك الضاحية بالصالحية نسبة لأولئك المقادسة الذين عرفوا لعلمهم
وقد نشر المقادسة المذهب الحنبلي في الشام. فانتشرت
مدارس هذا المذهب لا في الصالحية فحسب؛ بل في مدينة دمشق
ذاتهاء وكثر أتباع هذا المذهب في ضواحيها كدُونَفا.. والرحيية
والضميرء وبعلبك. وأثرت هجرتهم هذه في مذهب الإمام أحمد
فقد استطاعوا بدراساتهم وتاليفهم الفقهية أن يوجدوا كتباً قيمة في
مذهب هذا الإمام أصبحت عمدة المذهب الحنبلي حتى أيامنا
هذه. وأثروا أيضاً في علم الحديث وظلوا نحو مئة عام يعدون من
فطاحل علماء الحديث؛ وانتشرت في عصرهم دور الحديث في
لها أثر كبير في تنسيق علوم الحديد وتصنيف أبحائه المتعددة"».
ومن مشاهيرهم في علوم الحديث الإمام الحافظ عبد الغني
)١( دومة: بالتاء لا بالألف كما اشتهر اسمها في هذا العصر المتأخرء وهي
في الأصل من قرى دمشق» وقد تحولت اليوم إلى مدينة قائمة بذاتهاء
علمائها المتأخرين الأستاذ الفاضل الشيخ عبد القادر الحتاوي رحمه الله
الذي أسهم في تصحيح بعض كتب الفقه الحنبلي التي طبعت في
المكتب الإسلامي بدمشق بإشراف وتحقيق والدي الشيخ عبد القادر
الأرناؤوط» بالاشتراك مع زميله الشيخ شعيب الأرناؤوط. انظر خبر
«دومة» في «معجم البلدان» لياقوت (483/7 - /ا4/8)
(1) عن مقدمة الشيخ محمد أحمد دهمان لكتاب «القلائد الجوهرية» لابن
طولون صفحة (4- )٠١ بتصرف
المقدسي موضوع هذه الدراسة» الذي نعود فيما يلي لاستكمال
وقد أخذ الحافظ عبد الغني مبادىء علومه في صغره عن
عميد أسرته العلامة الشيخ أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي؛ ثم
تتلمذ على شيوخ دمشق وعلمائها. فأخذ عنهم الفقه وغيره من
العلوم» ثم رحل إلى بغداد سنة (9760) ه ونزل عند الشيخ
عبد القادر الجيلاني فقرأ عليه شيئاً من الفقه والحديث» وأقام عنده
نحو أربعين يوماً؛ بعدها مات الشيخ الجيلاني» فأخذ عن الشيخ
أبي الفتح بن المني في الفقه والخلاف» ثم رحل إلى أصبهان
فمكث فيها وقتاً طويلا يدرس ويدرّس إلى أن عاد مرة ثانية إلى
بغداد سنة (8/اه) ه» فحدث بهاء وانتقل من ثم إلى الشام فاخذ
يقرأ الحديث في رواق الحنابلة في مسجد دمشق الأموي؛ فاجتمع
الناس عليه وكان رقيق القلب سريع الدمعة. فحصل له قبول من
الحَنبلي!ا» فتكلم تحت قبة النسر في المسجد الأموي» وأمروه أن
يجهر بصوتة ما أمكنه؛ حتى يشوش على الشيخ عبد الغني ؛ وعند
ذلك حول عبد الغني ميعاد درسه إلى ما بعد العصرء فذكر يوماً
)١( هو عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب الجزري السعدي المْبَادي؛
كانت له حرمة عند الملوك والسلاطين خصوصاً ملوك الشام من بني أيوب»
وحضر فتح القدس مع صلاح الدين الأيوبي. له مصنفات عديدة؛ منها:
«أسباب الحديث» في عدة مجلدات. و«الاستتعاد بمن لقيت من
صالحي العباد في البلاده» توفي سنة (174) ه. انظر «الأعلام»
عقيدته؛ فشار عليه القاضي ابن ص الذين"»» وضياء الدين
الدُولي 6 فعقدا له مجلساً في القلعة يوم الاثنين الرابع والعشرين
من ذي القعدة سنة (845) ه» وتكلموا معه في مسألة العلو»
ومسألة التزول. ومسألة الحرف والصوت» وطال الكلام. وظهر
عليهم الحافظ عبد الغني بالحجة. فقال الصارم برغش والي
وصار يقرأ الحديث» فنفق بها سوقه. وصار له حشد وأصحاب»
فئار عليه الفقهاء بمصر أيضاًء وكتبوا إلى الوزير صفي الدين بن
مغر فأقر نفيه إلى المغرب» غير أن الحافظ عبد الغني مات قبل
وصول الكتاب إليه.
)١( هو محمد بن علي بن محمد؛ المعروف بابن زكي الدين الدمشقي؛ فقيه
عنه - كانت له عند السلطان صلاح الدين الأيوبي منزلة عظيمة؛ ولما
ملك السلطان حلب فوض إليه الحكم والقضاء فيها سئة (57/4) ها ثم
ولي قضاء دمشق سنة (588). توفي سنة (48) ه. انظر «الأعلام»
للزركلي (18*/5).
أهل «الدولعية» من قرى الموصل» تفقه ببغداد» وانتقل إلى الشام فولي
الخطابة وتدريس الغزالية بدمشق؛ توفي سنة (48ه) ه. انظر «الأعلام»
للزركلي (194/4).
(©) هو صارم الدين برغش العادلي» توفي سنة (108) ه. انظر «القلائد
الجوهرية» لابن طولون (777/1 77
() هو عبد الله بن علي بن الحسين الشيبي الدميري؛ المعروف بالصاحب <
رافظ عابني لتسع هف وا يصلي
التنفل إلى قبيل الظهرء ثم ينام سويعة» ثم يصلي الظهر ويقبل على
التسميع والتسبيح إلى صلاة العصر فيصليها ويتابع ما كان عليه إلى
الغروب فيفطر إن كان صائماء ويصلي المغرب» وينتقل إلى العشاء
قبيل الفجر بي قليلاً. ثم يستيقظ لصلاة الفجرء وهكذا دواليك.
أذ العم عن الشيخ أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي»
وأبي المكارم بن هلال وغيرهما في الشام؛ وعن الشيخ عبد القادر
الجيلاني» وأبي الفتح بن المني» وهبة الله بن هلال» وابن البطي
ببغداد. وأبي طاهر السلفي في الإسكندرية وأقام عليه ثلاثة أعوام
وكتب عنه الكثير» وعن أبي محمد بن بري النحوي في تمصرء
وأبي الفضل الطوسي بالموصل» وعبد الرزاق بن إسماعيل
القومساني بهمذان» والحافظ أبي موسى المديني وأقرانه بأصبهان؛
وأخذ العلم عنه ولداه أبو الفتح. وأبوموسى» وعبد القادر
- ابن شكرء وزير مصري من الدهاة. اتصل بالملك العادل أبي بكر بن
أيوب» فولاه مباشرة ديوانه سنة (9897) ه. ثم استوزره» فعمد إلى
سياسة العنف والمصادرة واستبد بالأعمال. فعزله العادل. توفي سنة
(117) ه. انظر «الأعلام» للزركلي .)٠١6 1٠06/6(
الرهاوي» وموفق الدين بن قدامة المقدسي» وابن خليل»
واليونيني ؛ وابن عبد الدائم. وعثمان بن مكي الشارعي» وأحمد بن
حامد الأرتاحي» وإسماعيل بن عزون» وعبد الله بن علاق. ومحمد
بن مهلهل الجيتي وهو آخر من سمع منه.
أقوال العلماء فيه:
لقد وصفه جمع من مشاهير العلماء بأوصاف كثيرة تنبىء عن
تمكنه من علم الحديث؛ وتحليقه في إطار علم الرجال» وصفاء
لانتهاك حدود الله عز وجل.
قال ضياء الدين المقدسي: «كان لا يُسأل عن حديث إلا
في الحديث. جاء رجل إليه فقال: رجل حلف بالطلاق أنك تحفظ
مئة ألف حديث؛ فقال: لو قال أكثر من هذا العدد لصدق».
عبد الغني جالس والإمام البخار:
وكأن الحافظ عبد الغني يرد عليه
وقال تاج الدين الكندي: «لم ير الحافظ عبد الغني مثل
وقال ابن النجار: «حدث بالكثيرء وصنف في الحديث
تصانيف حسنة؛ وكان غزير الحفظ من أهل الإتقان والتجويد» قيماً
بجميع فنون الحديث».
وقال موفق الدين بن قدامة المقدسي : «كان رفيقي؛ وماكنا
باذى أهل البدعة وقيامهم عليه؛ ورزق العلم وتحصيل الكتب
وقال سبط ابن الجوزي: «كان عبد الغني ورعا زاهداً»
عابداً؛ يقوم أكثر الليل» وكان كريماً جوادا» لا يدخر شيئاً. يتصدق
على الأرامل والأيتام حيث لا يراه أحدء وكان يرقع ثوبه؛ ويؤثر
بثمن الجديد» وكان قد ضعف بصره من كثرة المطالعة والبكاء؛
وكان أوحد زمانه في علم الحديث والحفظ».
وقال الحراني: «كان الحافظ عبد الغني يخرج من بيته
فيصطف الناس في السوق ينظرون إليه؛ ولو أقام بأصبهان مدة وأراد
وقال ابن كثير: «رحم الله عبد الغني فقد كان نادراً في زمانه
في الحديث وأسماء الرجال».
وقال السيوطي : «كان غزير الحفظ والإتقان» وقيماً بجميع
وكان لا يسأله أحد عن حديث إلا ذكره له. ولا عن رجل إلا قال:
هو فلان ابن فلانة ونسبه» .
وكان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آية بينة؛ يكسر
الشبابات والطنابير!"؟ ويريق الخمور..
قال ضياء الدين المقدسي : «رأيته مرة يريق خمراً فأخرج
وأخذ السيف من يده قهرأ».
وقال تاج الدين الكندي : «كان بالأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر لا تأخذه في الله لومة لاثم».
صنف- رحمه الله - تصانيف كثيرة في مختلف العلوم
مجلد أو رسالة صغيرة؛ وجميعها مفيدة نافعة منها: «المصباح في
عيون الأحاديث الصحاح». و«الكمال في أسماء الرجالم"»
)١( هذه الفقرة قبلها من مقدمة الشيخ رضوان محمد رضوان - رحمه
الله لطبعته من كتاب «النصيحة في الأدعية الصحية».
(3) يعد هذا الكتاب من أجود كتب تراجم الرجال التي خلفها علماء
الحافظ المتقن جمال الدين أبوالحجاج يوسف المزي المتوفى سنة
(147) ه» وسماه «تهذيب الكمال في أسماء الرجال»» ولقد كتب الله -
عزوجل لكتاب المزي الشهرة والانتشار عند علماء المسلمين فيما
بعدء ولكنه بقي في عداد المخطوطات المحصور وجودها في عدد من
المكتبات العامة في بعض البلاد الإسلامية» إلى أن تولت دار المأمون
للتراث بدمشق طبع إحدى نسخه الخلية في ثلاثة مجلدات كبيرة بطريقة «