قال النووى رحمه الله فى المجموع ( فرع ) فى صفة الطواف
الكاملة : وإذا دخل المسجد فليقصد الحجر الأسود وهو فى الركن الذى يلى باب
البيت من جانب المشرق ويسمى الركن الأسود ويقال له وللركن اليمانى الركنان
الحجر الأسود فيمر بجميع بدنه على جميع الحجّر وذلك بأن يستقبل البيت ويقف على
منكبه الأيمن عند طرف الحجر ثم ينوى الطواف لله تعالى ثم يمشى مستقبل الحجر
ويمينه إلى خارج ؛ ولو فعل هذا من الأول وترك استقبال الحجر جاز لكنه فاتته
بين الركن الذى فيه الحجر الأسود والباب سمى بذلك لأن الناس يلزمونه عند الدعاء +
ثم يمر إلى الركن الشانى بعد الأسود ثم يمر وراء الحجْر بكسر الحاء وإسكان
الجيم - وهو فى صوب الشام والمغرب فيمشى حوله حتى ينتهى إلى الركن الثالث
ويقال لهذا الركن مع الذى قبله : الركنان الشاميان ؛ وربما قيل المغربيان +
ثم يدور حول الكعبة حتى ينتهى إلى الركن الرابع المسمى بالركن اليمانى ثم
يمر منه إلى الحجر الأسود فيصل إلى الموضع الذى بدأ منه فيكمل له حينثذ طوفة
واحدة ثم يطوف كذلك ثانية وثالثة حتى يكمل سبع طوافات فكل مرة من الحجر
الأسود إليه طوفة والسبع طواف كامل ؛ هذه هى صفة الطواف الذى إذا
هذا وقد ترجم الترمذى بهذه الترجمة ( باب ماجاء كيف الطواف ) ثم قال
حدثنا محمود بن غيلان اخبرنا يحيى بن آدم اخبرنا سفيان عن جعفر بن محمد عن
أبيه عن جابر قال : ( لما قدم النبى #ه مكة دخل المسجد فاستلم الحجر الأسود ثم
مضى عن يمينه فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً ثم أتى المقام ... ) الحديث , وفى الباب عن
ابن عمر قال ابو عيسى : حديث جابر حديث حسن صحيح ؛ والعمل على هذا عند
أهل العلم .0
() . المجموع شرح المهذب النووى ١3/4 وانظر المبسوط ٠١/8 , ويدائع الصنائع ١4/5 , وايضاً
بداية المجتهد 4///1؟ , وانظر : كشاف القناع ر1104 +
() سنن الترمذى ؟/177
المبحث الثاني
فى حكمة مشروعية الطواف
وبيان فخله
وفيه مطلبان +
المطلب الأول : فى حكمة مشروعيته
قبل أن نبدأ بذكر حكمة مشروعية الطواف ؛ يجب أن نعلم تمام العلم وأن
نعرف تمام المعرفة أن أصل عبادة الله هى طاعته بامتثال أوامره واجتتاب نواهيه »
وأن هذه هى العبادة هى التى أوجد الله الخلق لها قال تعالى : «وما خلقت الجن
قال تعالى : « تبارك الذى بيده الملك وهو على كل شئ قدير * الذى خلق
الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغقور 4 0)
وحكمة قطعاً ؛ لان الشرع لا يأمر بالعيث ولا بما ليس فيه مصلحة , ومعنى العبادة
وكنهها قد يفهمه المكلف , أو يفهم بعضه أو لا يفهمه ؛ فمثلاً الحكمة من الصلاة
التواضع والخضوع وإظهار الإفتقار إلى الله تعالى , والحكمة من الصوم كسر النفس
وقمع الشهوات . والحكمة من الزكاة مواساة المحتاج , والحكمة من الحج اقبال العبد
على ربه أشعث أغبر من مسافة بعيدة إلى بيته تعالى , طاعة لله وإقامة لذكره +
وهكذا فى كل عبادة تعبد الله بها عباده , وما ذكرناه هو بعض الحكمة لتلك العبادات
لأن المخلوق قاصر لايدرك كنه وسر ما أمر الله به أو نهى عنه إلا ما أطلعه عليه فى
كتابه أو على لسان رسوله #ة ؛ أو بسبب مما وهبه الله له من الفهم المقتبس متهما
)١( سورة الذاريات آية رقم (3ه)
* سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم 4( وما أوتيه المخلوق من
العلم بجانب علم الله قليل قال تعالى : « وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً * ©
هذا وإذا كان سر وجودنا فى هذا الكون هو لتوحيد الله وطاعته بامتثال
جات من لدن حكيم عليم لا يسال عما يفعل وهم يسألون , فله الحكمة البالغة فى
أمره ونهيه فى كتابه أو على لسان رسوله # ؛ ولهذا كان سلفتا الصالح وفى
مقدمتهم الصحابة الكرام أسرع الناس إلى امتثال أوامر الله وأوامر رسوله #؛
ظهور الحكمة , لعلمهم أن ما جاءت به الشريعة الإسلامية من أوامر ونواهي هو عين
الحكمة لأنها من عند الله العليم الحكيم , ولعلمهم أن عقولهم قاصرة عن إدراك ذلك »
فقد جاء فى صحيح مسلم وغيره عن معاذة , قالت : سألت عائشة رضى الله عنها
() . قولها ( أحرورية أنت ) قال النووي : هو بفتح الهاء المهملة وضم الراء الأولى وهى نسبة إلى
حرورة » وهى قرية بقرب الكوفة . قال السمعاني : هو موضع على ميلين من الكوفة كان أول
اجتماع الخوارج به » قال الهروي : تعاقدوا فى هذه القرية فنسبوا إليها ؛ فمعنى قول عائشة
رضى الله عنها ان طائفة من الخوارج يوجبون على الحائض قضاء الصلاة الفائتة فى زمن
الحيض وهو خلاف اجماع المسلمين , وهذا الاستفهام الذى استفهمته عائشه هو استفهام انكار +
النووي على شرح مسلم 7/4
أحالت ذلك إلى أمر الرسول # وهو وجوب قضاء الصوم دون قضاء الصلاة » وكان
بإمكانها وهى العالمة الفقهية أن تجيب بالفرق بين الصوم والصلاة , وهو أن الصلاة
كثيرة تتكرر فى اليوم خمس مرات ؛ فيشق قضاؤها بخلاف الصوم فإنه إنما يجب
فى السنة مرة واحدة , ولكنها رضى الله عنها - أرجعت ذلك إلى الأمر الشرعي
وجاء فى صحيع مسلم أيضاً عن ابن عمر أن عمر - رضى الله عنه - قبل
الحجر الأسود وقال إنى لأقبلك وإنى لأعلم أنك حجر ولكنى رأيت رسول الله ة يقبلك
فانظر رحمك الله إلى سرعة امتثال سلفنا الصالح لأوامر الله وأوامر رسول
الله #ة وتسليمهم لذلكِ سواء ظهرت لهم الحكمة أو لم تظهر فعمر - رضى الله عنه -
قد يدل قوله السابق على عدم ظهور الحكمة له فى تقبيل الحجر الأسود ولكنه فعل
لا تضر ولا تنفع لئلا يغتر بعض قريبى العهد بالإسلام والذين ألفوا عبادة الأصنام
وتعظيمها , ورجاء نفعها أن تقبيل الحج ينفع بذاته لأنه لا قدرة له على جلب نفع أو
دفع ضر فهو حجر مخلوق كسائر المخلوقات التى لا تضر ولا تنفع ٠ وليس معنى
بالجزاء والثواب ولهذا قال : ولولا أنى رأيت رسول الله ل يقبلك ما قبلتك . فمجرد
+ 54/58 صميع مسلم بشرح النووي )١(
صميع مسلم بشرح التووي 11/9 ؛ ومايعدها )(
امتثال أمر الرسول ه فى هذا يحصل به الثواب والأجر من الله ؛ قال تعالى « لقد
كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله
هذا ومما تقدم تعلم أن أي أمر أو نهى جاءت به الشريعة الإسلامية يجب
امتثاله ولو لم تظهر لنا الحكمة منه ؛ لأن هذه الشريعة من عند الله الحكيم العليم +
وليس معنى هذا أننا ننكر التماس الحكمة للأمر أو النهى ؛ ولكتنا ننكر توقف الإمتثال
أو الإجتناب على ظهورها لنا . وإذا عرفنا هذه المقدمة الجليلة بين يدي ذكر الحكمة
فإليك بيان ما وقفت عليه من حكمة هذه العبادة أعنى عبادة الطواف ٠
أولا ؛ هناك حكمة عامة للطواف ولكل عبادة بل ولكل أمر أو نهى وهى
طاعة الله فيما أمر به سبحانه فى كتابه أو على لسان رسول الله 8# أو بفعله لوجوب
به » ومن ذلك الطواف بالبيت فيكون الإتيان به طاعة لله يثاب عليها العبد ٠
ثانياً , الحكمة الخاصة بالطواف :من حكمة الطواف بالبيت أنه إقامة
لذكر الله تعالى وهذه الحكمة قد نصت عليها السنة المطهرة فقد روى أبو داود فى
سننه قال : « حدثنا مسدد حدثنا عيسى ابن يونس حدثنا عبيد الله بن أبى زياد عن
القاسم عن عائشة رضى الله عنها . قال: قال رسول الله 4# : إنما جعل الطواف
بالبيت وبين الصفا والمروة ورمى الجمار لإقامة ذكر الله 0 فعلم من هذا الحديث أن
شرح المهذب 1/4ه بعد سياقه للحديث المذكور ما نصه : هذا الإستاد كله صحيح إلا عبيد الله
الترمذى هذا الحديث من رواية عبيد الله هذا . وقال : هو حديث حسن وفى بعض التسخ .2 <
حكمة الطواف هى من أجل إقامة ذكر الله تبارك وتعالى , ومن حمكة الطواف أنه
طاعة قربة لله , قال تعالى * وطهر : والقَامين والركُّ السُجيدِ » 0
فيكفى فى فضل الطواف بالبيت إضافة هذا البيت الذى شرع الطواف حوله إليه
سبحانه وهذه الإضافة تقضى وتستلزم علو مكانته ومنزلته عند الله تعالي بل إن الله
على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين 0
وقد أجمع العلماء على عدم صحة من حج ولم يطف بهذا البيت ؛ فالطواف ركنه
الأعظم الذى لايسقط بحال ومن عجز عنه طيف به محمولاً , ولقد أمر الله سبحانه
بعض أهل العلم فى تضعيف عبيد الله بن أبى زياد صحيع لكن قد وثقه جماعة أخرى من أهل
العلم . فقد جاء فى تهذيب التهذيب لابن حجر 2/9 ما معناه : عبيد الله بن أبى زياد القداح أبو
الحصين المكى + روى عن أبى الطفيل والقاسم بن محمد وشهر بن حوشب ومجاهد ... إلى أن قال
بن الأسود ولا سيف بن سليمان , ومحمد بن عمر أحب إلى منه , وقال : عبد الله بن أحمد عن
أبيه : صالح . قلت تراه مثل عثمان بن الأسود قال : لا , عثمان أعلى , وقال أحمد مرة ليس به
بأس ؛ وقال الدورى ومعاوية بن صالع عن ابن معين ضعيف ؛ إلى أن قال . وقال أبر حاتم ليس
بالقوي ولا المت هو صالح الحديث يكتب حديثه . هذا وقد ذكر ابن حجر بعد ما تقدم جماعة وثقوه
وجماعة ضعقوة
ذه : والذى يظهر لي - والله ألم - أن الحديث حجة لاسيما وأن أكثر أهل العلم قالوا فى عبيد
الله بن أبى زياد : بأنه صالح مع أن أيا داود قد سكت عنه . كما تقدم بيائه ومعلوم أن ما سكت
)17( سور المع جزء من الآية رقم )١(
من الآية رقم 50)
() سور ال عصران جه
العتيق 4 (» كما أن فى الطواف حوله تأسياً برسول الله ع الذي طاف حوله .
قال تعالى:3 لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله
واليوم الآخر وذكر الله كثيراً * 0 ؛ هذا وبيت الله والطواف حوله هو أعظم مكان
للتضرع والدعاء . ففيه يلتجئ الطائف إلى حمى الله تعالى ويقرع باب احساته
فيه العثرات وتتنزل فيه الرحمة على العباد من الرب الكريم
)( سودة المع آية رقم (0؟)
9 سودة الاحزاب آية رقم (1؟)
المطلب الثاني : فى فضل الطواف
الأدلة على فضل الطواف كثيرة نقتصر منها على ما يتناسب مع البحث : -
العتيق 4 ( وقال تعالى :3 إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركاً وهدى
وروى الترمدى قال : حدثنا قتيبة أخبرنا جرير عن عطاء بن السائب عن
ابن عبيد بن عمير عن أبيه : أن ابن عمر كان يزاحم على الركنين فقلت : ياأيا
يزاحم عليه فقال إن أفعل فإنى سمعت رسول الله 4# يقول :إن مسحهما كفارة
له بها حسنة
قال أبو عيسى : وروى حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن ابن عبيد بن
عمير عن ابن عمر نحوه ولم يذكر فيه عن أبيه وهذا حديث حسن ٠ 0
سورة المج جزء من الآية رقم (١؟)
'سورة الحج جزء من الآية رقم (9؟)
سورة آل عمران الآية رقم (45)
يحصيه كتبت له بكل خطوة حسنة ومحيت عنه سيئة ورقعت له درجة وكان له معتق من الثار +
ويلفظ آخر : من طاف سبعاً وركع ركعتين كانت له كمتاق رقبه ؛ قال البيهقي : واختلف فيه على