كم ذكر في أثناء المقال أنه ذهب إلى أوربا للعلاج
فرأى أن إعفاء اللحية صار شعاراً لطائفة الهيبيين الفاسدين
وأنها حلية المنحرفين .... ثم قال: أقول هذا مجرد البيان.
والجواب أن يقال: قد وقع في هذا المقال أخطاء كثيرة
بعضها أشد من بعض» وستنبه عليها إن شاء الله بالتفصيل»
فنقول: أمّا اشتراطه للحكم بالتحريم أن يكون النص
قطعي الورود والدلالة فهو مجرد دعوى لا دليل عليها
بل قول باطل من وجوه:
الوجه الأول: أن ذلك خلاف المعروف من سنة النبي
عله وسيرة أصحابه رضي الله عنهم وعمل العلماء
بعدهم. فلم يزل ع ببعث الواحد والإثنين وأكثر من
ذلك دعاة ومبلغين للإسلام وأحكام الشريعة؛ ولو كان
ذلك لا تقوم به الحجة لم يفعله عليه الصلاة والسلام»
ولم يزل أصحابه رضي الله عنهم يعملون بخبر الأحاد
ويحتجون به في العقائد والأحكام» ولا نعلم أن أحداً منهم .
أنكر ذلك وليس كل خبر من أخبار الآحاد يفيد القطع.
فعلم بذلك أن هذا الشرط لا أصل له عندهم» والوقائع
عنهم في ذلك كثيرة مشهورة؛ منها: عمل الصديق رضي
الله عنه بشهادة المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة في
ميراث الجدة؛ وعمل عمر رضي الله عنه بشهادتهما في
دية الجنين وعمله بشهادة أبي موسى وأبي سعيد رضي الله
سعد بن أي وقاص رضي الله عنه إذا أخبره عن الرسول
خبر الذي أخيرهم بنسخ القبلة من الشام إلى الكعبة ...
إلى غير ذلك من الوقائع الكثيرة. وقد أجمع الصحابة
رضي الله عنهم والعلماء بعدهم على العمل بحديث عمرو
ابن العاص وأني هريرة رضي الله عنهما في تحريم الجمع
ذلك أكثر من أن تحصى.
الوجه الثاني: أنه يترتب على هذا الشرط إلغاء الكثير من
الأحكام الشرعية الثابتة بالسنة المطهرة؛ لأن أدلتها ليست
من السنة عند أكثر المتأخرين هو المنواترء أما الأحاد
فليست قطعية عندهم وهذا اللازم كاف في إيطال هذا
الشرط وعدم اعتباره؛ فكيف وهو مخالف لجميع الأدلة
الشرعية؛ ولما سار عليه المصطفى عليه الصلاة والسلام
وأصحابه رضي الله عنهم وجميع العلماء بعدهي؛ كا سبق
بيان ذلك في الوجه الأول.
الوجه الثالث: ما قد علم من إجماع علماء الإسلام على
أنه يجب العمل بالأدلة الثابتة عن رسول الله عل في
جميع الأحكام من التحريم والإباحة وغيرهما وإنما اختلف
علماء الأصول في إفادة أخبار الآحاد العلم؛ فقال قوم:
الكريم والأحاديث التواترة؛ وقال آخرون: بل يستفاد
العلم من أخبار الآحاد ويقطع صحتها بالقرائن الدالة على
ذلك. أما العمل بها في إثبات العقائد والأحكام فلم
يختلف العلماء في وجوبه. وممن صرح بذلك الإمام أب عمر
ابن عبدالبر رحمه الله في كتابه: جامع بيان العلم وفضله
قال ما نصه بعد ما ذكر الضرب الأول من السنة وهو
الخبر المتواتر قال: والضرب الثاني من السنة خبر الأآحاد
الثقات الأثبات المتصل الإسناد فهذا يوجب العمل عند
جماعة علماء الأمة الذين هم الحجة والقدوة» ومنهم من
وقال العلامة التووي رحمه الله في مقدمة شرحه
لصحيح مسلم بعد ما ذكر قول العلامة ابن الصلاح:
إن أحاديث الصحيحين تفيد القطع والعلم النظري لتلقي
الأمة لحهما بالقبول ما نصه: وهذا الذي ذكره الشيخ
والآحاد إنما تفيد الظن على ما تقررء ولا فرق بين
البخاري ومسلم وغيرهما في ذلك؛ وتلقي الأمة لهما
بالقبول إنما أفادنا وجوب العمل ما فيهماء وهذا متفق عليه.
فإن أخبار الآحاد التي في غيرهما يجب العمل بها إذا
وإنما يفترق الصحيحان وغيرهما من الكتب في كون ما
وتوجد فيه شروط الصحيح. ولا يلزم من إجماع الأمة
على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه مقطوع بأنه كلام
وهذا الذي ذكره النووي رحمه الله من إجماع الأمة
على وجوب العمل بأحاديث الصحيحين وإن لم تفد
القطع لكونها أخبار آحاد موافق لما نقلناه آنفاً عن الإمام
ابن عبدالير ودال على أن الخلاف بين العلماء في أخبار
الآحاد إنما هو في إفادتها العلم لا في وجوب العمل بها
إذا صحت أسانيدهاء وهذا مطابق لما ذكرنا في الوجه
الأول والثاني من هذا الجواب» وهو معلوم من الدين
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في النخبة وشرحها ما
نصه: وقد يقع فيها أي في أخبار الآحاد المنقسمة إلى
مشهور وعزيز وغريب ما يفيد العلم النظري بالقرائن
على المختار» خلافاً لمن أنى ذلك؛ والخلاف في التحقيق
الحاصل عن الاستدلال» ومن أبى الإطلاق خص لفظ العلم
احتف بالقرائن أرجح مما خلا عنباء والخبر المحخحف
وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول» وهذا التلقي وحده أقوى
في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر؛
الكتابين مما لم يقع التجاذب بين مدلوليه مما وقع في
الكتابين؛ حيث لا ترجيح لاستحالة أن يفيد المتناقضان العلم
ذلك فالإجماع حاصل على تسليم صحته. فإن قيل: إنما
اتفقوا على وجوب العمل به لا على صحة معناه؛ وسند
لمنع أنهم متفقون على وجوب العمل بكل ما صح ولو
والإجماع حاصل على أن لهما مزية فيما يرجع إلى نفس
الصحة. ومن صرح بإفادة ما خرجه الشيخان العلم
النظري الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني؛ ومن أئمة
الحديث أبو عبدالله الحميدي وأبو الفضل ابن طاهر
وغيرهما. ويحتمل أن يقال المزية المذكوره كون أحاديئهما
سالمة من ضعف الرواة والعلل. وممن صرح بإفادته العلم
النظري الأستاذ أبو منصور البغدادي» والأستاذ أبو بكر
ابن فورك وغيرهما. ومنها المسلسل بالأئمة الحفاظ المتقنين
بالاستدلال من جهة جلالة رواته وأن فيهم من الصفات
اللائقة الموجبة للقبول ما يقوم مقام العدد الكثير من
غيرهم» ولا يتشكك من له أدنى ممارسة للعلم وأخبار
انضاف إليه من هو في تلك الدرجة ازداد قوة وبعد عما
يحصل العلم بصدق الخبر منها إلا للعالم بالحديث المتبحر
فيه العارف بأحوال الرواة» المطلع على العلل. وكون غيره
لا يحصل له العلم بصدق ذلك لقصوره عن الأوصاف
الملذكورة لا ينفي حصول العلم للمتبحر المذكور. ومحصل
ويمكن اجتاع الثلاثة في حديث واحد فلا ييعد حينفذ
القطع بصدقه. والله أعلم.
عن الإمام ابن عبدالير والعلامة النووي رحمة الله عليهما
في بيان أن الخلاف إنما هو في إفادة أخبار الأحاد العلم
صحت أسائيدها فأمر مجمع عليه بين أهل العلم»
وأحاديث الأمر بإعفاء اللحى وقص الشوارب أحاديث
مسلم في صحيحه؛ كا رواها غيرهما من أئمة أهل الحديث»
قالهاء عند جمع من أئمة الحديث منهم أبو عبدالله الحميدي
وأبو الفضل ابن طاهر وأبو عمرو ابن الصلاح وغيرهم
رحمهم الله.
فعلم بما أوضحناه أن تعليل أحاديث الأمر بإعفاء
اللحى وإرخائها وجز الشوارب بأنها ليست قطعية الورود
والدلالة تعليل باطل مخالف لما أجمع عليه أهل العلم» لا
يجوز التعلق به ولا التعويل عليه؛ بل يجب عل قائله أن
يترتب عليه أنواع من الباطل وطعن في كثير من أحكام
الشرع المطهرء والمنكر إذا أعلن يجب على صاحبه أن