قزوين» واعتبر أنّ هذه النسبة قد لحقته؛ لأنه «كان يتكلّم بكلام
اختلف في تحديد موطته الأول تكن موطنه لا ييقى مجهولاً حين
نسخة قديمة بكتاب المجمل. من تصنيف ابن فارس ما صورته:
تأليف الشيخ أبي الحسين» أحمد بن فارس» بن زكريًّا الزهراوي»
خلاف أنه قرويّ!'. ويردف
لكنّ ما نقله أبو الحسن الباخرزي عن أبي القاسم سعد بن
علي بن محمد الزنجاني يجعل موطنه الأول (همذان) وهو ما سنعود
إليه في الكلام على أخباره وجوانب من سيرته.
ليس في المراجع التي بأيدينا أية دلالة على مولد ابن فارس.
)١( معجم الأدياء: 47/4
() أي مجالس ابن فارس.
(©) التمائم: جمع تميمة؛ وهي خرزة أو نحوها كان الأعراب يضعونها على
أولادهم للوقاية من العين ودفع الأرواح ١١ 2
فنحن لا نعدم الوسيلة إلى تعيين زمن قريب من تاريخ ولادته ونشأته
بدليل أن بديع الزمان الهمذاني و «الصاحب بن عبّاد» كانا من تلامذته
الحسن علي بن إبراهيم القظطان. وأبو بكر أحمد بن الحسين الخطيب
وأبو عبدالله أحمد بن طاهر المنجم . فاستناداً إلى هذه الوقائم ومنها أن
ليس مستبعداً أن يكون ابن فارس من مواليد العقد الثاني أو الثالث من
القرن الرابع للهجرة. وهذا الإستنتاج يتلاءم مع ما أثبته الزركلي في
«الأعلام» حين جعل ولادة ابن فارس سنة (78* ه). ولئن كان مثل
هذا التاريخ ليس مستغرباً إلا أننا نتساءل كيف تم لصاحب الأعلام أن
مصدر في هذا فلماذا لم يذكره لا سِيّمَا أن كبار مصنْفي كتبٌُّ
التراجم كياقوت وابن خلكان قد أغفلوا سنة مولد ابن فارس لعدم
توفر أسباب ذلك.
فإذا تجاوزنا هذه المسألة حول تاريخ مولد ابن فارس» للعناية
بتحديد سنة وفاته وجدنا في «معجم الأدياء» تاريخين متباعدين أوردهما
ياقوت.لا شك أن أحدهما مغلوط ومستبعد. ففي مستهل ترجمته لابن
فارس يذكر أنه «مات سنة تسع وستين وثلاثماثة؛؛. وفي سياق هذه
الترجمة يثبت ما قاله مجمّع بن محمد من أن وفاته كانت «بالريّ سنة
خمس وتسعين وثلاثماثة؛ - وأنه دفن بها مقابل مشهد قاضي القضاةء
أبي الحسن علي بن عبدالعزيز. . الجرجاني». وممًا لا ريب فيه أن ما
عيّنه مجمّع هو التاريخ الصواب» لإجماع المؤرخين عليه أمثال
أورد خلاف ذلك فقال في موضع: إنه مات سنة «تسعين وثلاثماية؛ ثم
أردف عبارته: «وقيل إنه توفي في صفر سنة خمس وسبعين وثلاثماثة
نش ابن فارس محباً للعلم راغباً في التحصيل تواقاً إلى مناهل
المعرفة وموارد الفكر في عصره. وإذا صحّ أنه قروي من «كرسف
مقدار ما كان يجيش في نفسه من شغف بزاد العقل ومؤونته من
الأصول والفروع في المساثل الدينية واللسانية وأهم معطيات العلوم
العقلية .
ونحن واجدون في «معجم الأدباء» مما نقله ياقوت عن الحافظ
السلفِي - أسماء عدد من شيوخه الذين كان لهم شأن في تكوين
شخصيته العلمية» دون أن يفوتنا أن أعظم أساتذته وأولهم في بداية
() انظر هامش معجم البلدان (87/4)-
(©) أمثل: أفضل وأحسن.
(4) اليعملات: جمع يعملة وهي الناقة الناشطة في العمل
الحسن علي بن إبراهيم القطًانَ. وأبو عبدالله أحمد بن طاهر المنجُم
وعلي بن عبدالعزيز المكيّ؛ وأبو عُبَيْد. وأبو القاسم سليمان بن أحمد
الطّبراني .
ولعل ابن فارس قد خصٌ أحد شيوخه بالمزيد من الثناء
والتقدير» وفاء واعترافاً بالفضل حين قال «ما رأيت مثل أبي عبدالله بن
للحديث وانه حضر مجلس بعض أصحاب الحديث. . دون أن يسني
لو أنه شغف ببعض هؤلاء على نحو ما أعجب بابن طاهر المنجم. واي
فارس بتثقيف عقله وركوبه الصعب سعياً وراء موارد العرفان الثرّة
)١( الجدى: العطاء
() انظر: شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي (ج * ص ؟©).
إذا كت تأذى بحر المصيف . وكرب الخريف وبردالنمَا
فهذا البيان عن الهمة القعساء واللامبالاة بوطآة الفصول والأيام
في سبيل أخذ العلم مثال صادق للفضول العلمي الذي ير لابن
فارس طول الباع في العديد من المسائل العلمية على اختلاف ألوانها
الذين مارسوا دور الأستاذية ببراعة. والذين تألق من تلامذتهم العديد
من المشاهير والأعلام. فقد اعتبره الزنجاني «من أئمة أهل اللغة في
فهو صاحب مجملها”". وعندي أن تصنيفه ذلك من أحسن ما صنّف
وحدّث الباخ
)١( انظر معجم الأدياء: حاشية ص 8 (الجزء الرابع)
©) المجمّل: من كتب ابن فارس في اللغة.
(4) معجم الأدباء: هامش صفحة 80 (الجزء الرابع).
على اختصاره جمع شيئاً كثيراً. وله كتاب حلية الفقهاء وله رسائل أنيقة
ومسائل في اللغة. . منه اقتبس الحريري صاحب القامات. . ذلك
وله أشعار جيّدة ذكرها ياقوت»0.
وقد أفرد الثعالبي في يتيمة الدهر حيّراً مرموقاً ترجمٌ فيه لابن
«كان - أي ابن فارس - بهمذان من أعيان العلم وأفراد الدهرء
يجمع إتقان العلماء. وظرف الكتاب والشعراء. وهو بالجبل كابن
.)*7 -78/1( ابن خلكان: وفيات الأعيان )١(
() ابن لنكك: هو محمد بن محمد بن جعفر البصري المتوفى اسنة (1730ه 7
7 م) من الشعراء المجيدين اعتبره الثعاللي صدر أدباء البصرة وقال: أكثر
شعره ملح وطرف. جلها في شكوى الزمان وأهله وهجاء شعراء عصره وهو
(©) ابن خالويه: من علماء اللغة في عصره (توفي اسنة 7/6 هج 980م)+
أخذ العلوم اللسانية عن أئمة عصره أمشال ابن دريد وابن الأثباري
والسيرافي. وكان في مسائل اللغة والنحو ذا مذهب معتدل بين الكوفيين
(9» ابن العلاف: هو الحسن بن علي بن أحمد النهرواني» المكتى بأبي بكر
(؟ - 8ا© ه » 87# 70 م). عاش في بغداد وكان شاعرا يحسن
دأبي بكر الخوارزمي”') بخراسان وله كتب بديعة؛. ورسائل مفيدة؛
وأشعار مليحة» وتلامذة كثيرة منهم بديع الزمان. وأنا أكتب من رسالة
لأبي الحسين كتبها لاي عمرو محمد بن سعيد الكاتب فصلا في نهاية
الملاحة يناسب كتابي هذا في محاسن أهل العصر يتضمن أنموذجاً من
ملح شعراء الجبل وغيرها من العصريين وظرف أخبارهم»9).
بديع الزمان الهمذاني عليه فقد أجمعت المصادر على أن الصاحب بن
رزق حسن التصنيف. وأمن فيه من التتصحيف».
ومن الأخبار القميئة بتأكيد جليل مكانته وعظيم منزلته في
عصره؛ وسعي أركان السلطان إليه آنذاك. للإفادة من سعة اطلاعه
وعميق إلمامه بلغة العرب وآدابهم» أنه استوطن بالحرّة «وكان سبب
فخر الدولة فسكنها واكتسب مال وبلغ ذلك بتعليمه في
ووجود ابن فارس في الريٍ هو الذي جمع بينه وبين
بينهما أواصر الصداقة وبات ابن فارس موضع حفاوة الصاحب
)١( أبو بكر الخوارزمي: من الكتَّابٍ والشعراء المرموقين في القرن الرابع
الهجري (774- 3ه »- 435 - 447 م)؛ عاش في الشام قرب حلب
ومن آثاره رسائل مسجّعة في المدح والهجاء والرثاء.
(©) معجم الأدياء: 80/6
(4) م 0: هامش اص 81 ومن ص 89
وتكريمه؛ كما بات الصاحب الوزير موطن إعجاب أبي الحسين الذين
فالف كتابه «الصاحبي»» رمزاً للمودة القائمة بينهما ووفاء للوزير
الصديق» وهكذا أفادت اللغة وبالتالىي المتأدبون وأرباب العلم من
وأصحاب المقامات من الخلفاء والوزراء.
© باقة من أخباره:
نستهل هذه الباقة؛ بما يتناسب واطراد السياق الذي تقدّم
ويكشف عن طبائع الزمن إذا تصرّم. فبعد أن كان الصاحب وابن
وأهواء المناصب والسيادة فانحرف الوزير الصاحب عن ابن فارس -
كما أثبت ياقوت والعالبي - لانتساب العلامة أبي الحسين - إلى
خدمة آل العميد وتعضّبه لهم». وعندما «أنفذ - ابن فارس - إلى -
الصاحب من همذان كتاب ١ من تأليفه: قال الصاحب رد
وواضح من كلام ياقوت أنّ الصاحب هو الذي انحرف عن ابن
فارس للأسباب التي ذكرناهاء ولم يكن ابن فارس المبادىء بالجفاء
بدليل كتاب الحجر الذي أنفذه إليه. هكذا تتجلى شيمة كريمة من
شيم مصنف «الصّاحبي» ألا وهي الترفع عن العصبية والإخلاص لعهد
)١( واضح أن اسم الكتاب إنما هو نسبة إلى «الصاحب» بن عبّاد
() معجم الأدياء: 4/لام.
الأصحاب والخلآان. فقد كان معروفاً بكرم الأصالة وسمة النبالة.
واشتهر عنه الإيثار لا الآثرة:
جسمه وفرش بيته. واعترف له الصاحب بن عباد نفسه بهذا الفضل
رجل على مذهب هذا الرجل؟ المقبول القول عن جميع الألسنةم»
وأيّد الزنجانئي هذه الصفات حين قال: «كان ابن فارس كريم النفس
جواد اليد لا يكاد برد سائلا».
أما شخصيته كأديب ناقد وعالم باحث فتميّز بإدراك أثر البيئة
والعصرء والاعتقاد ببواعث التحول والتطوّر» فلم يكن تقليدياً متزساء
وإنما كان ذا وجدان يقظ» ذوّاقة للشعر. فاعترف للمتأخرين بالكثير
من أسباب تألقهم على نحو ما نجد في رسالته التي كتبها لأبي عمرو
محمد بن سعيد الكاتب وهي الرسالة التي أثبتها الثعالي في يتيمة
فارس» فقي هذه الرسالة مثال للناقد المتبحر في اللغة والأدب الملم
بافانين الكلام والشعر غير المنحاز للقديم بوصفه قديماً ولا للحديث
لمجرد كونه جديداً. فالذي يعلو عنده حسن الصياغة وجودة الأداء
وطرافة المعنى ومذهبه في النقد والرأي إنما يرتكز على أن البراعة
والإجادة ليستا وقفاً على زمن أو عصر وإنما هما في متناول الشعراء
والأدباء على كرّ الدهور.
() انظر: أنباء الرواة (83/1). أيضاً: معجم الأدباء (41/4)