الفضلاء وجدتها تتعارض مع فتاوى أخرى لهم في مسائل مشابهة أو قريبة لها. فلا
أجد قاعدة أو ضابطاً لمسائل الحج وأحكامه؛ مما زاد من إصراري للاستمرار في
البحث لتتضح لي القواعد والضوابط في أحكام الحج . فجمعت منها ما قدّر الله
جمعه من المسائل والأدلة عليها فاتضحت لي كثير من القواعد والضوابط الفقهية
والأصولية لأحكام الحج؛ وإن كان الراجح الذي قد ظهر لي من أقوال العلماء في
بعض المسائل قد أفتى به قليل من العلماء السابقين وربما خلاف المشهور . ولكن
دلت عليها الأدلة وانضبطت مع القواعد والضوابط التي ذكرها العلماء في كتب
القواعد وغيرها .
ولثلا يستعجل بعض الفضلاء في الرد على ماتم ترجيحه في هذا الكتاب من أقوال
العلماء في بعض المسائل فإني أطلب منه أن يتأنى ويقراً أدلة الأقوال بإنصاف
ويستحضر وقوفه بين يدي الله تعالى للمساءلة؛ وألا يستخف بالعلماء السابقين
على المخالف أمر جرى عليه الصحابة وأئمة السلف رضوان الله عليهم كما قالوا «ما
«إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات الصائم القائم الظمآن بالهواجرء””".
+)744( ؟- رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق وحسنه الألباني . السلسلة الصحيحةح
لذا أحيبت أن أقدم بين يدي الكتاب توطئة في هذا الشأن:
اولاً: الناس أصناف متهم العالم المجتهد الذي يستنبط الأحكام من الأدلة الشرعية
ومنهم العامي المقلد الذي لا يحسن البحث ولا النظر في الأدلة الشرعية»؛ ومنهم
طالب العلم الذي ينظر في أدلة المجتهدين فيتميز عنده الصواب والخطأً. قال الإمام
الشاطبي : «المكلف بأحكام الشريعة لا يخلو من أحد أمور ثلاثة: أحدها أن يكون
من العلم الحاكم جملة فلا بد له من قائد يقوده . . والثالث أن يكون غير بالغ مبلغ
المجتهدين لكنه يفهم الدليل وموقعه ويصلح فهمه للترجيح بالمرجحات المعتبرة فيه
تحقيق المناط ونحوه ؟("9,
ثائياً: طالب العلم لا يجوز له التقليد؛ إذ التقليد كلحم الميتة لا يلجأ إليه إلا
المضطرء فطالب العلم بعد النظر في أدلة المجتهدين يجب عليه كما قال الشافعي :
أن يصير إلى ما وافق الكتاب والسنة أو الإجماع أو ما كان أصح في القياس؟""".
«وقال مالك والليث بن سعد والأوزاعي وغيرهم إن الاختلاف إذا تدافع فهو خطأً
وصواب؛ والواجب عند اختلاف العلماء طلب الدليل من الكتاب والسئة
والإجماع والقياس على الأصول على الصواب منها وذلك لا يعدم» فإن استوت
الأدلة وجب الميل مع الأشبه بما ذكرنا بالكتاب والسنة»' َ
.)408/1( الجامع لابن عبدالير -7
إذ العالم إما مخطىء أو مصيب . وكما قال مالك في اختلاف الصحابة رضي الله
عنهم امخطىء ومصيب ٠ فعليك بالاجتهاد»"'". أي الاجتهاد في معرفة الحق
والصواب . وقال لابن وهب : « اعلم إنما هو خطأ وصواب؛ فانظر لنفسك فإنه كان
ثالثاً: من ظهر له الحق لا يعاتب على صدعه به وإن خالف القول المشهور أو قول
عالم آخر جهيذ .
قال الإمام مالك: ليس كل ما قال رجل قولاً يتبع عليه وإن كان له فضل لقول الله
الجهبذ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب زه في تيمم الجنب لما ثبت له من الحديث
لذااوصى العلماء طلبتهم بوصية جليلة في هذا الباب كما قال الإمام أحمد
وجد أوضح منه فهو أولى بالصواب * "بالرغم من شهرة الإمام أبي حنيفة في بلده
لاسيمابين طلبته. وقال العزبن عبدالسلام : «إن كان الرجل متبعاً لأبي حنيفة أو
مالك أو الشافعي أو أحمد رحمهم الله ورأى في بعض المسائل أن مذهب غيره
أقوى منه فاتبعه كان قد أحسن في ذلك ولم يقدح في دينه ولا في عدالته بلا نزاع؛
بل هذا أولى بالحق وأحب إلى الله تعالى ورسوله يم"
رابعاً: قد يظن البعض أن النص قطعي الدلالة في المسألة ولكن عند التدبر والنظر
في الأدلة الأخرى يتبين أنه لا يقطع به وحده في الحكم في المسألة. من ذلك قول
النبي يو للصحابة: « لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة؛""'. بالرغم من كونه
ظاهر القطع في الحكم ولكن بعض الصحابة رضي الله عنهم لم يروه قاطعاً لذالم
توفيقاً مع النصوص الآمرة بالمحافظة على الصلاة على وقتها «لذا أدرك بعضهم
نصلي؛ لم يرد منا ذلك . فذكر ذلك للنبي في فلم يعنف أحداً منهم »*". بالرغم
من أن أحد الفريقين مصيب . لذا قال ابن كثير : « الحاصل أن الذين صلوا العصر
في الطريق جمعوا بين الأدلة وفهموا المعنى فلهم الأجر مرتين» والأخرى حافظوا
فمن تيسر له النظر في الأدلة الجموعة في المسألة فحري به أن لا يستعجل في الجزم
بصحة أحد الأقوال وإن كان عنده دليل قوي حتى يقرأ أدلة الأطراف المذكورة حينثذ
- رواه البخاري (447)-
#-رواه البخاري (4547).
؟- تفسير ابن كثير (481/7)-
يجنح إلى أحدها .
خامساً: إذا تبين لطالب العلم بالأدلة أن أحد الأقوال هو الأصوب لقوة أدلته
لما استطاع القول به . لذا قال القاسم بن محمد أحد فقهاء المدينة السبعة: « لقد
أعجبني قول عمر بن عبدالعزيز كي : ما أحب أن أصحاب رسول الله َي لم
أخذ رجل بقول أحدهم كان في سعة ؟!".
ويتضح ذلك في المسائل التي توقف فيها العلماء على وجود قول سابق لهم . من
ذلك توقف شيخ الإسلام ابن تيمية في عدم دخول المصاهرة في محرمات الرضاع»
قال ابن القيم : ١ توقف فيها شيخنا وقال: إن كان قد قال أحدهم بعدم التحريم فهو
أقوى *'"'. فلو سبقه قائل به لكان شيخ الإسلام ابن تيمية في سعة للقول به
الاستبراء لا الاعتداد بثلاث حيض فهذا له وجه قوي . وليس في ظاهر القرآن ما لا
يوافق هذا القول لا يخالفه»”". ولكن توقف في ذلك واشترط للقول به عدم
ولكن نقل ابن القيم عدم الاجماع في ذلك وقال: « ليس في المسألة اجماع؛ فذهب
الزاد (ة/ لاف -"
.)*47/171( مجموع الفتاوى -7
ابن اللبان الفرضي وغيره إلى أن المطلقة ثلاثاً ليس عليها غير استبراء بحيضة » ذكره
تسويغه على ثبوت الخلاف فقال شيخنا : إن كان فيه نزاع كان القول بأنه ليس عليها
سعيد فيها : ١ ما برح المستفتون يفتون؛ فهذا يحلل وهذا يحرم؛ فلا يرى المحرم أن
المحلل هلك لتحليله» ولا يرى المحلل أن المحرم هلك لتحريه ؟!"'.
سادساً: الخلاف المبني على الأدلة المعتبرة لا يوجب عداوة ولا اتهاماً للطرف
وقال له ذلك .
يقول الإمام أحمد : « لم يعبر الجسر إلى خراسان خير من إسحاق وإن كان يخالفنا
وكان من سعة صدورهم وأدب نفوسهم عدم غرورهم بآرائهم وتواضعهم بقول
الواحد منهم : « قولي صحيح يحتمل الخطأ؛ وقول غيري خطأ يحتمل الصحة ؟.
وكان كل يحب أن أخاه يوفق ويظهر الح على لسانه.
وقال العنبري : « كنت عند أحمد فجاء ابن المديني على دابة فتناظرا في الشهادة
١-الزاد (ه/ 377)؛ إعلام الموقعين (1/ +41-4).
-١ الجامع (4:7/1).
لبعض الصحابة بالجنة وعلي يأبى ويدفع . فلما أراد علي الانصراف قام أحمد فأخذ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: « وكانوا - أي السلف من الصحابة وغيرهم-
يتناظرون في المسألة العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين ٠»
وقال: « وأما الاختلاف في الأحكام فأكثر من أن ينضبط» ولو كان كل ما اختلف
لذا يجب على المسلم - فضلاً عن العالم - إحسان الظن بالأثمة الكبار الذين أفتوا
بخلاف ما يراه.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : « وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين قبولاً عاماً
يتعمد مخالفة رسول الله في شيء من سه دقيق ولا جليل؛ فإنهم متفقون
اتفاقاً يقينباً على وجوب اتباع الرسول وَل وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من
قوله ويترك إلا رسول الله كَةٍ ». وكذا في حق طلبة العلم ممن ترجح عندهم صحة
قول أحد هؤلاء الجهابذة.
المبحث الأول
معتى حديث « خلاوعتي مناسككم»
روى مسلم "من طريق ابن جريج أخبرني أبوالزبير سمع جابراً تق يقول: «رأيت
لعلي لا أحج بعد حجتي هذه». وفي رواية ابن خزيمة: وقال لنا : «خذوا
مناسككم»""". وهي رواية مسلم عند القرطبي . :
وقال المباركفوري : «ورد عند النسائي والبيهقي بلفظ «اخذوا عني مناسككم»”"
للعلماء قولان في دلالة الحديث على وجوب كل فعل فعله النبي و8 في الحج مالم
القول الأول : وجوب كل فعل فعله النبي وَل في الحج مالم ترد قرينة .
القول الثاني : عدم وجوب أفعاله يَيةِ ؛ وإنمافعله ب للندب ما لم ترد قرينة تدل
على الوجوب.
تفصيل هذه الأقوال ما يلي:
-١ صحيح ابن خزمة (4 / /10م1).
البيهقي (* / )١١١ من طريق سغيان عن أبي الزيير عن جابر . ولكن
رواه النسائي في الكبرى (7+ 66ص © 4 ) بلفظ «خذوا مناسككم » من طريق ابن جريج أخبرني أبو
الزير الاسم ارايت
وهذا وقع في رواية غير مسلم . وتقديره : هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من
الأقوال والأفعال والهيئات هي أمور الحج وصفته وهي مناسككم؛ فخذوها عني
مناسك الحج؛ وهو نحو قوله 8 في الصلاة : «صلوا كما رأيتموني أصليء""".
قال ابن كثير عن الحديث : «كل ما فعله كي في حجته تلك واجب لابد من فعله في
قال القرطبي : «وهو أمر للاقتداء به وحوالة على فعله الذي وقع به البيان لمجملات
من هذين الأمرين : أن يكون الأصل في أفعال الصلاة والحج الوجوب إلاما خرج
بدليل كما ذهب إليه أهل الظاهر» وحكي عن الشافعيء!".
قال صديق خان : «واللازم من هذين الأصلين أن الأصل الأصيل والأمر الجليل ني
أفعال الحج والصلاة هو الوجوب إلا ما خرج بدليل. وهو الحق الحقيق بالقبول
أسوة لنا في أقواله وفي كثير من أفعاله التي أمرنا بالإقتداء به فيها كقوله بَة: «صلوا
١-شرح ملم (45/4)
- اللفهم (/ 44
- السراج (4/ 540
٠ - الحصول /١( 517).
+ - الحصول /١( 817