في الفقه لا يتعرض هذا الجانب الحيويّ ومن هنا ايضاً تتوضح أهمية كتاب الايضاح
والتبيان في معرفة المكبال والميزان لابن الرفعة . الذي نقوم بدراسته ونشره .
وما تجدر الاشارة إليه أن العمل بوحدات التعامل الإسلامية ظل جارياً في
ونيف من الزمن إلى أن تم إلغاء التعامل بها قسراً وبصورة تدرييّة منذ بداية النصف
الأول من هذا القرن . مما أدى إلى طمس سريع وعجيب لمعالم هذه الوحدات حتى
مشخصة المعالم معروفة المقادير والأعيان , يعرفها العام والخاصٌ من المدن والأرياف
حفظتها الشريعة الإسلامية , ولا يستخدم الناس منها سوى ما له صلة بأمور
العبادات كمقادير الزكاة وصدقة الفطر ومسافة القصر في الصلاة ورخصة الصائم +
وقد كان هذا نتيجة لتسلط الدول الاستعيارية «عسكريا وسياسيا واقتصاديا» على
الخلافة الاسلامية .
وبدأت ثروات الوطن الاسلاميّ تنهب لتكون المواد الاولية لمصائع دول الاستعيار
أماتت فيه كل منافسة داخلية . ورافق هذا كله تسرب وحدات نظم الغرب والشرق
إلى داخل الاسواق الاسلاميّة وذلك بقصد إحداث ازدواجية في وحدات نظم
التعامل . وفعلا تم هذا ولم يض وقت طويل حتى تفوقت الوحدات الاستعيارية على
الوحدات الاسلامية . ثم حلت لها من التعامل على جميع المستويات . وكان ذلك
القوانين الاستعارية .
مدعوماً بقوة
الفرنسي . وصار الحال كذلك في الاقطار التي نكبت باستعيار بربطانيا أو البرتغال أو
غير أن وحدات نظم التعامل الفرنسية كانت لا الغلبة في معظم أجزاء العالم
الاسلامي ؛ واليم وقد غدت وحدات نظم التعامل الاسلامية رموزا لمصطلحات لا
الفقه والتفسير والحديث النبوي الشريف ؛ وتاريخ الحضارة العام كالتاريخ
الاقتصادي والاداري . وفيا حوته كتب الخراج والحسبة والاموال والاحكام والخطط إلى
جانب كتب الادب واللغة والجغرافيا والرحلات والصيدلة والحساب ووثائق الاحباس
والوقف وعقود الانكحة والسجلات الحكومية .
لهذا فإن الدراسة الجادة لنظم وحدات التعامل عند المسلمين من جانبها الحضاري
النظري والجانب الاثري كدراسة آلاتها وصناعتها والمواد المستخدمة في هذه الصناعة
وأشكالها واتساع أحجامها ونقوشها وكتابات اختامها إلى جانب ما هوأهم من هذا وهو
استقراؤها زمنيا بقصد دراستهادراسة تستهدف تشخيص مقاديرها مقارنة بوحدات
النظام المتري الفرنسي على الأقل ؛ تعتبر اليوم ضرورة يحتاج إليها الباحثون لتفسير
كثير من مسائل الاحكام الشرعية والظواهر الاجتاعية والاقتصادية في عصور مختلفة
ورغم أن البعض قد قام بدراسات مقارنة , إلا أن بحوثهم كانت تنقصها النظرة
الشاملة لوحدات التعامل عند الأمة الاسلامية في جميع أقطارها وعصورها المختلفة +
فقد كان البحث الذى نشره «علي باشا مبارك» قبل مائة عام على الرغم من أهميته
وقيمته . يصطبغ بالصبغة الاقليمية لمصر وحدها دون غيرها من الاقطار الاسلاميّة
هذا فإن المكتبة الإسلامية ما زالت بحاجة الى مُؤلْففِ شامل من الدراسات المقارنة
لوحدات التعامل الاسلامية .
وأسأل الله عز وجل أن أتمكن في القريب العاجل من نشر بحني الذي سرت فيه
على الخطة الشاملة للأمة الإسلامية منذ تكوين الدولة الإسلامية إلى أن تمّ إلغاء
التعامل بالوحدات الإسلامية في أوائل هذا القرن .
ولي في الله أمل أن يكون هذا البحث ثواة لتلك الدوحة المباركة .
والعبادات والحياة الاقتصادية والاجماعية عند المسلمين . فإن نظمها مترابطة ترابطأً
جد وثيق . ذلك أن وحدات نظم الكبل ترتبط بوحدات نظم الوزن لأنها تقدر على
أساسها وهي بدورها ترتبط بوحدات القياس . خاصّة الوحدات المستعملة من
الأحجام أو المكعبات . وهي كلها في بجموعها يكن أن تنقسم إلى نوعين :-
الأول : الوحدات الشرعية التي تتميز بثبات مقاديرها زمنيا ومكانيا رغم تعدد
مسمياتها ورغم التفاؤت الطفيف بين آراء المذاهب الفقهية بالنسبة إلى مقاديرها
ولعلّ السبب في هذا واضح كما سبق ذكره وهو ارتباطها بالأحكام الشرعية على
وجه الخصوص . فمؤسس الدولة الإسلامية والمطبق الأول للشريعة الإسلامية عليه
أفضل الصلاة والسلام قرر مقاديرها فثبتت واكتسبت الصفة الشرعية لدخوطا فى
أحكام التشريع . فلا يجوز المساس بها قطعاً وكما جاء على لسان الفقيه اين |
قوله : «لا يجوز تغيير ما قزر الشرع من الكيل والوزن بنقص ولا زيادة ؛ كما دلّ
على ذلك قول من أوجب علينا العبادة وأرشدنا بلطفه للإفادة . وحضنا على اتباع
الأوامر الظاهرة وما دلت على أنه إرادة (أي حكم الوجوب) : قال تعالى في كتابه المبين
ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا
اف الأرض مفسدين»""
وبهذه الوحدات الشرعية تقدر مقادير الوحدات العرفية لتكتسب الأخيرة الصفة
الرسمية في التعامل والتداول في الأسواق الإسلاميّة -
ومن أمثلة هذه الوحدات الشرعية الدينار الشرعي كوحدة نقد من الذهب الخالص
ثابتة الوزن ؛ وكالمثقال الشرعي كوحدة للوزن في كلنا الحالتين ؛ وزن النقد والوزن
المجّرد «وزن الكيل» والرطل الشرعي والصاع الشرعي والذراع الشرعي وخلافها .
الثاني : أما النوع الثاني من وحدات التعامل الإسلامية فهي ما نصطلح على
والمكان . ِ
حاكياً عن شعيب المأمور بالإنذار وا
قبعض هذه الوحدات تتفاوت مقاديرها تفاوتاً كبيراً في مدن القطر الإسلامي الواحد
رغم تقارب تلك المدن والقرى جقراقياً . وهوما عبر عنه ابن الأخوة أحد علماء القرن
الثامن المجرى عند حديثه عن إحدى هذه الوحدات وهو الرطل قائلاً : «لم أسمع أن
الذى نالت عليه درجة الدكتوراة قائلة : «يقف الإنسان مبهوراً تتملكه الحيرة
والدهشة أمام مقادير الأوزان والمكابيل والمقابيس المختلفة اختلافاً عجيباً حتى في
نفس المدينة الواحدة وما يحيط بها من أطرافا"".
وهذا فعلا ما يجده الباحث في كثير من كتب التراث الاسلامي وتقارير التجار
وكتب الرحّالة مثل كتاب «نهاية الرتبة في طلب الحسبة» لعبد الرحمن الشيزري ؛ أو
)١( سورة هيد الآية ف
() مالم القربة في أحكام الحسية 8٠:
(©) مالك وزارع در ايان - 3417
كتاب «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» للمقدسي البشاري ؛ أو«العقد الثمين فيا
يتعلق بالموازين» لحسن ال أكبرى» لأبي الفضل علامي .
وغيرها من المؤلفات التي تضم في ثناياها معلومات مبعثرة عن وحدات التعامل
ومن أمثلة هذه الوحدات العرفية درهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ ودينار عبد
الملك بن مروان الذي ضرب بأقل من الوزن الشرعي للدينار بيقدار ٠,١8 غرام
التبريزي والمنّ البغدادي والجريب الفساوي وجريب الريّ والفدان المصري والشامي
وخلافها . فإنها وإن اتحدث في مسمياتها إلا أنها تختلف في المقادير ١
أما عن القيمة العلمية لكتاب «الإيضاح والتبيان في المكيال والميزان» فإنها تتجل
في كون مؤلفه من كبار فقهاء الشافعية في القرنين السابع والثامن من الهجرة . مارس
عمليا نيابة الحكم في القضاء , وشغل وظيفة المحتسب . وأشرف على دار العيار في
مصر ؛ وظل في منصبه الأخير حتى وافاه الأجل رحة الله عليه .
المؤلفات ؛ فقد قام ابن الرفعة من موقع المسؤولية الشرعية في الحكم وشؤون الحسبة
بالإشراف عن كئب على الشؤون العامة في المجتمع ؛ وخاصة وحدات التعامل
الجاري العمل بها في الاسواق المحليّة , ثم عاين بنفسه وأجرى تجارب علمية -
المحفوظة بدار الحسبة حتى يتين من صحتها , ذلك أنه كان يتوجب عليه ختمها
بخاقه «خاتم العدل» لتكتسب الصفة الرسمّة في الاستعمال قبل أن تطرح في
الأسواق للتعامل بها .
أضف إلى ذلك أن هذا الكتاب يعتبر من بحوث التراث ذات الاختصاص في
موضوع وحدات نظم التعامل الشرعية عند السلمين ؛ فقد اقتصر فيه صاحيه على
البحث في وحدات أوزان النقد . والوزن المجرد - الذىسمَّاه«وزن الكيل»
والمكاييل . ووحدات المقابيس الشرعية . ا
في السوق المحلية في مصر مقارنا بالوحدات الشرعية ؛ ويتضح هذا فيا ذكره عن
تتحدث عن الوحدات العُرفية والشرعية معا .
ثم إن هذا الكتاب يعتبر فتوى شرعية هامة صدرت عن فقيه وعالم جليل من
أكابر فقهاء الشافعية في عصره ؛ بينّ فيها الحكم الشرعي الذي يعتبر أساساً وأصلا
يِ المعاملات . وعبّر عن ذلك بقوله «وهو أصل عليه يُبنى» ولقد كان الداقع لإصدار
هذه الفتوى هو ضرُورَةٌ معرفة القائمين على شؤون القضاء والحسبة في عهده لمقادير
الزمان - وهو عام ثلاثة وسبعيائة من الهجرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام -
اختلاف بين أهله المتولين لبعض الامرة في شيء وقع فيه الباس الفتوى طلباً للتزود
بزاد التقوى» . فالعلاءً من أهل التقوى والورع لا يُصدرون الفتاوئ جزافاً ,إل إذا
كانت هنالك حاجة ماس لضرورة بيان رأي الإسلام . أو الحكم الشرعي فيها ؛ حتى
ينجلى الأمر للعامة والخاصة على حد سواء +
فعل الرغم من أن الكتاب يُْل وجهة نظر الشافعية بصورة عامة , الآ أنه
مذهبه ؛ فقد أخذ برأي الفقيه المالكي عبد الحق بن عطية فيا يتعلق بتعداد حبّات
الدرهم الشرعي لوزن الكيل . والأهم من هذا أنه ضَتْتَهُ آراء فقهاء الحنفية . وأخذ
بها وأيّتَها بالتجربة العملية . خاصةٌ في مسألة تقدير الرطل «البغدادي» العبامي
هذا الرطل بتكون من 358,017 درفاً كيلاً .
وهذه لفتة تسترعي الانتباه . كيا أنها جديرة بالاهيام . والمؤلف بهذا يشبه موقفه
موقف قاضي القضاة يعقوب بن إبراهيم «المعروف بأبي يوسف » في القرن الثاني
الهجري . الذي اعتمد رأي «المالكية» القائل بأن الصاع الشرعي يزن 8,3 ظلاً
بغدادياً مقاط عن بأي أستاذه الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان . القائل بأن هذا
الصاع انية أرطال بغدادية .
وينبغي اعتبار هذا الكتاب _ بالإضافة إلى ما ذكر_ ونيقة شرعية وحضارية ذات
قيمة خاصة . يعود تاريخها للسنين الأولى من القرن الثامن الهجري . تبر هذه
لوثيقة تعبيراً صادقاً عا كان يدور في المجتمع الإسلامي في مصر في ذلك القرن
الإسلامية ويدافعون عن حياض الإسلام .
ولعل أقدم ذكر لكتاب الإيضاح والتبيان هذا ما جاء على لسان تلميذ ابن الرفعة
جمال الدين عبد الرحيم الاسنوي المتونى في سنة ؟؟لا ه . عندما ترجم لأستاذه في
طبقات الشافعية' طن قال : «وله تصنيف لطيف في الموازين والمكابيل» .
كذلك ذكره ابن: حجرالعسقلاني بقوله : «إن له كتاباً في حكم المكيال والميزان !م"
أما جلال الدين السيوطي فأورد «أن له تألياً في المكيال واميزان»”"' . واعتمد عليه
الإفصاح وا معرفة المكيال والميزان .»
707/1 (؟ - الدرر الكامئة
(- حسن المحاضرة 170/1
(9) - العقد التمين فيا يتعلق بالوازين . ورقة م (مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 188 رياضيات تيمور) +
رئيس ديوان الخديوي إمبباعيل (1144 - 1143ه/ 1837 - 14904م) - يستفر
فيه عمًا إذا كان درهم مصر الشرعي قد حصل فيه تغيير أم لا .؟وعمّاإذا كان مكيال
الشيخ «شهاب الدين» الذي عاينه ابن الرفعة في «دار العيا» بمصر موجوداً أم لا؟
وأن صورة الجواب الذي أجاب به «طلعت باشاه على هذه التساؤلات قد حصل
عليها . وجاء بها ما نصه : «ابن الرفعة نجم الدين أبو العباس أحمد بن علي بن
مرتفع الأنصاري الشافعي متولي حسبة المسلمين بمصر ذكر في كتابه المسمى :
«الإفصاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان ...م"
ثم جاء بعد محمود الفلكي تلميذه اللواء محمد مختار باشا فأورد ما ذكره أستاذه
وأما العلامة على باشا مبارا”” فقد ذكر الكتاب باسمه الوارد على عنوان المخطوط
ونقل عنه النص الخاص المنقوش على «مكبال الشيخ شهاب الدين» وصحح تاريخه
إلى رمة الله ها الدكتور بحسن الحسيني في مقالته «اختلاف المناقيين والمدنيين في
الصاع النبوي .» والدكتور ضياء الدين ال في كتابه «الخراج ومالية الدولة
كنت أقوم فيها بإعداد بحثي لنيل الدكتوراه بين بداية عام 15470١ ونهاية عام141/8م.
!! رسالة في - ١
بيس والمكابيل العسلية بالديار المصرية - ترجمة زبور افندي من 9
17: رسالة في تحديد أطوال المقابيس والموازين المستمملة بمصر طيعة بولاق 1708 هاص 5١
لبان في -
والأوزان - مستخرج من جريدة الأنفر طبع بولاق 11837 من 16
فكان مصدراً هاماً من مصادر بحثي . وقد قويت عندي فكرة
القناعة التامة بأهميته . ورجوت أن يكون عملي مساهمة مني في جزة من تراط
المخطوطات . وتحتاج إلى جهود جادة ومخلصة لتحقيقها ونشرها "١!
ابن الرفعة (7146- ١٠ل ه/ 11677 ١اطام) "١
عاش أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن حازم بن إبراهيم بن العباس
الأنصاري البخاري الشافعي في مصر في الفترة الواقعة بين سنوات النصف الثاني
من القرن السابع وأوائل النصف الأول من القرن الثامن الهجري . وقد كانت
(١)-أذكريتها على سبيل المثال ٠١ كتاب العقد الثمين فيا يتعلق بالوازين - لحسن الجبرتي تحت رقم 384 رياضيات
تيمور بدار الكتب الصرية - قسم المخطوطات
؟ - كتاب تحرير الديهم والشقال والرطل والمكيال وبيان مقادير النقود المتداولة بمصر - لمصطفى الذهبي . نحت رقم
'؟* رياضيات تيمور بدار الكتب الصرية . قسم المخطوطات +
- كناب القوانين في صفة القبان والوازين - مؤلف جهول بدار الكتب الصرية نحت رقم 114 رياضيات
© - وكتاب الجواهر الحسان في علم القبان لخضر الزائري القباني نحت رقم ؟؟ رياضة بدار الكتب المصريق
والمخطوطتان الاخيرتان تعتبران ميذجاً نادراً في موضوع صناعة آلاث الوزن والموازين +
(؟) - (وهو غير أحمد بن عيد الحسن بن عيسى بن الرفعة .).
وقد ترجم له تلميذه مال الدين الاسنوي (م: 117 ها في طبقاته 101/1 وعيد الوهاب السبكي (م : 10901 ه)
نجل تلميذه في طبقاته الكبرى 177/8 وابن جحرالصقلانيام : 801 ه) في درره الكامنة 3/1*؟ واين هداية في
اطبقانه صفحة 194 . «حيث ذكر بأنه يكتى بأبي يحبى وأنه توني 178 هه بهذا غير صحيح . وترجم له الباقي
اليإني (م : 114 ها في مرآة الجن 144/4 وابن العاد في شذراته 13/7 . وابن كثير (م : 10048 ه) في البدا
7 والسيوطي (م : 133 ه) في حسن المحاضرة 190/9 . وحاجي خليفة في كشف الطنون . الصحيفتين
41 :1833 . هحيث ذكر خط أنه توي سنة 717 هه . وطاش كبرى زانه" في مفتاع السعادة 7010/1
دبردكليان في تاريخ الأدب العربي «الأصل الألماني» 177/1 وخير الدين الزركلي في أعلامه 18/8 . ومن الجدير
بالذكر أن هذه المراجع لم تمدنا بعلومات وافية عن أسرة الرجل ونشأته الأول والمدارس الني تلقى علوبةٌ فها