فالتمسوا الحكمة فيه. ولم أصرف العناية لدراسة تاريخ التاريخ عند العرب» فهذا
م أكتب فى هذا الكتاب فى موضوعات هامة - مما يدخل فى صلب التاريخ مثل
الحضارة والتقدم والثقافة لأننى استوفيت الكلام فيها فى كتابى عن الحضارة.
وقد استعملت لفظ التاريخ - بدون هيز - للتاريخغ المكتوب أو الملقصرص كيا
تقول «تاريخ مصر» أو تاريخ النبضة الفرنسية. واستعملت لفظ التأريخ - بالهمز -
لصنعة التاريخ وتأليفه وماينبغى له.
وأسأل الله سبحانه أن ينفع به, فقد قرأت الكثير لأكتب القليل تيسيرًا على
القاهرة فى أغسطس 1186
د. حسين مؤنس
“بيد
كان ينبغى أن أبدأ هذا الكتاب بالكلام عن لفظ التاريخ وأصله ومعناه عند العرب
والمسلمين عامة, ولكن زميلا كريًا تناول هذا الموضوع بتفصيل فى كتاب حديث, وقد
أونى على الغاية فيا قاله فى هذا المجال وتحدث فيد باستفاضة وعن سعة اطلاع!أ,
فأغنانى ذلك عن إنفاق الصفحات فى تكرار نفس المعانى. خاصة والكتاب حديث
متداول بين أيدى الناس.
ولا أضيف إلى ما ورد فى ذلك الكتاب إلا ما يقال من أن أصل لفظ التاريخ العربى
مشتق من لفظ «0»ه الذى ينطق فى اليونانية (أرخ) ومعناه القديم أو القدم» ومن هنا
يسمى علم الأثريات القدية بالأركيو لوجية (0:0:80108, ويستعمل اللفظ اليونانى بعد
دخوله اللفات الأوروبية فى معنى الأصل أو الأصيل فيقال 6طعيم أى النموذج
الأرلى أو الأول, أو لفظ (00فاطند«ة بمنى الأسقف الكبير, وكان يراد به الأسقف
الأصيل ومن بعده يتبعه. وى مصطلح الديانة ١ يوصف جبريل عليه السلام
ممنى الحكاية, أو القصة, ومصطلح أساطير الأولين كثير الورود فى القرآن الكريم بهذا
وقد ألف فى علم التاريخ عند العرب ألفريد روزنتال كتابًا موسمًا وجعله تعليقًا
السخاوى. وقد نقل هذا الكتاب إلى العربية صديقنا العلامة الأستاذ الدكتور الصالح
)١( د. قاسم عبده قاسم؛ الرؤية الحضارية عند العرب والمسلمين. دار المعارف بالقاهرة سنة 149097 م
العلى, فأ فى ترجته بإحسان كثير, وأتى بنصوص الكتب الى ألفها العرب فى علم
التاريخ» وعلق عليها تعليقا ضافيًا فى سفر جليل حفيل عنوانه «تاريخ علم التاريخ
ما يطلب من العلم بالتاريخ عند العرب»ء
مدخل
التاريخ ومكانته بين العلوم
- مثال من اختلاف الناس حول طبيعة التاريخ ووظيفته.
- رأى ابن خلدون ونظرية هيجل.
التاريخ ومكانته بين العلوم
يحتل التاريخ بين فروع المعرفة الإنسانية مكاناً صدراً. وتشغل المؤلفات فيه نسبة
عالية من الكتب التق تصدر فى الشرق والغرب على السواء. وإلى ما قبل الحرب
العالمية الأولى. كانت المؤلفات فى التاريخ وما يتصل به من تراجم وقصص تاريخى
وآثار وسياسة ومذكرات, تكون مس المكتبة العالمية. وى أيامنا هذه - ورغم اتساع
ميادين المعارف, وغلبة الاهتمام بالعلوم الطبيعية والرياضية والطبية والهندسية على
الاهتمام مما عداها- لازالت مؤلفات التاريخ تحتل جانبا ضخااً مما ينشر كل عام
وخاصة إذا أضفنا إليها ذلك النوع الجديد من الكتب الذى يؤلفه نفر من أذكياء أهل
الصحافة والأدب عن حوادث التاريخ الجارى (8:0نقة0«8ن© ورجاله, ويكفى أن
نشير إلى العدد الضخم من المؤلفات التى صدرت خلال السنوات الأخيرة عن: قضايا
فلسطين. وفيتنام» والأمن الأوروبى. والاستعمار الجديد. والشيوعية والاشتراكية.
وتحرر العالم الثالث, وما إلى هذه من موضوعات التاريخ المعاصر ورجاله من أمثال
هذه كتب صحفية الطابع فى التاريخ المعاصر تنشر وتباع بعشرات الألوف؛ بل مثاتاء
مما يدل على أن التاريخ لازال من أكثر فروع المعرفة الإنسانية قرباً إلى قلوب الناس.
شك ونقاش طويل بين المؤرخين والفلاسفة والمفكرين عامة. وقد عرض شمس الدين
السخاوى (871 - 107ه / ١277 - 297١م) فى كتابه المشهور «الإعلان
بالتوبيخ لمن ذم التاريخ» بعض جوانب مشكلة علم التاريخ عند المسلمين. وأعطانا
علهم, وهو أم يوفق لا فى العرض ولا فى الدفاع؛ فقد كان أقصى ما قاله فى مدح
7 أحكام مختلفة على علم التاريخغ
التاريخ أن جعله أحد العلوم المساعدة لعلم الحديث. ولكنه على أى حال أعطانا فكرة
واضحة عن مشكلة علم التاريخ عند العرب والاختلاف بينهم فى تقديره والحكم عليه.
الإنسان بأخبار الماضين وأساطير الأولين. عما ينفع الإنسان فى أخراه من علوم الدين.
ثم إنه يعرّض صاحبه للكذب عن علم أو غير علم, فهو لايدرى إن كانت الأخبار
لأن المؤرخ يتناول الغائيين بالذم والنقد ويكشف عن عيوبهم, والإسلام ينهى عن
الكثير ون من أهل الخأّق والتصاون الكلام فى التاريخ حفاظاً على خلقهم.
ولكننا نعذر الماضين من أهل الفكر عندنا فييا وجهوه للتاريخ من نقد لأنه لازال
بين أهل عصرنا من كبار المفكرين - والفلاسفة خاصة - من ينكرون وجود التاريخ
فهى غير ذات وجود حقيقى, وهى لا تبعث إلى الحياة إلا فى ذهن المؤرخ. فالمؤرخون
وحدهم - فى رأى هؤلاء - هم الذين يشعرون بوجود التاريخ لأنه صنعتهم ومدار
حياتهم. أما من عداهم فلا وجود للتاريخ فى حسابهم, وهم لايجحسون بالحاجة إلى
معرفته, ويحلو لكثير من أهل العلم أن يرددوا قول هثرى فورد «التاريخ لفو
ولكن التاريخ كيا سنرى ليس لغواً. فهو لا يقتصر على أخبار الماضين وأساطير
الأولين. بل هو يدرس التجربة الإنسانية أو جوانب منهاء ويسعى إلى فهم الإنسان
طويلة وافية عن فائدة التاريخ وضرورة دراسته ومعرفته.
مناقشة تعريف ابن خلدون للتاريخغ 1
مثال من اختلاف الناس حول طبيعة التاريخ ووظيفته
رأى ابن خلدون ونظرية هيجل
ولازال تعريف اين خلدون للتاريخ فى فاتحة مقدمته يعتبر من أدق ما قيل فى هذا
العلم عند العرب؛ وهو تعريف أعجب به وأشار إليد نفر من كبار المؤرخين فى الغرب»
من أمثال: كولنجو ود وتوينبى,؛ برغم أنه لم يترجم إلى الإنجليزية ترجة دقيقة
قال ابن خلدون بعد مدخل بلاغى : «أما بعدء فإن فنّ الشاريخ من القنون الى
والأغفال. وتتنافس فيه الملوك والأقيال. ويتساوى فى فهمه العلباء والجهال, إذ هو فى
ظاهره لا يزيد على إخبار عن الأيام والدول. والسبوابق من القرون الأول, تنمو فيها
شأن الخليقة كيف تقلبت بها الأحوال, واتسع للدول فيها النطاق والمجال وعمروا
الحكمة عريق ».
وهذه عبارة تدل على فهم ذكى لطبيعة التاريخ ووظيفته فهو «فى باطنه نظر
وتحقيق» أى تفكير فى طبائع البشر وتكوين مجتمعاتهم, وبحث عن أسباب الحوادث
وتحليل لنتائجهاء فهو على هذا - كا يقول ابن خلدون - «أصيل فى الحكمة عريقء
وجدير بأن يعد فى علومها خليق». والحكمة فى المفهوم العربى هى أعلى مراتب العلم»
فهى الفهم العميق, وقد قرنها الله سبحانه وتعالى بالكتب السماوية فى القرآن الكريم
ثمانى مرات؛ وعبارة «الكتاب والحكمة» عبارة قرآنية لا تزال تتردد فى الأسماع
تن لماذا ندرس التاريخ
ولكن يسعوقف النظر أن اين خلدون ينظم التاريخ فى سلك الفنون لا العلوم»
والفن بمعنى « الضرب من الشىء» كما جاء فى «لسان العرب» أقل منزلة وأهمية من
العلم الذى هو معرفة أكيدة. نعم إن ابن خلدون عاد فعقد فصلا عن فائدة التاريخ
سماه «فى فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه والإلماع لما يعرض للمؤرخين من المغالط
وذكر شىء من أسبابها» ولكنه يبدأ هذا الفصل ذاته بقوله : « اعلم أن فن التاريخ فن
عزيز المذهب», فكأنه غير مقتنع تماماً بأن التاريخ علم مستكمل لأشراط العلوم.
وهذا الفصل الذى نشير إليه يدور حول وظيفة التاريخ أو فوائده, وهو يعطينا
فكرة عن رأى ابن خلدون الله فى نظر ذلك المفكر الكبير, قال:
« اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية. إذ هو يوقفنا على
أحوال الماضين من الأمم فى أخلاقهم» والأنبياء فى سيرهم, والملوك فى دوطم وسياستهم»
حتى تتم فائدةالاقتداء فى ذلك لمن يرومه فى أحوال الدين والدنياء فهو محتاج إلى
وينكبان به عن المزلات والمغالط».
التاريخ وة
وخلاصة هذا الكلام هى أن التاريخ ينفع فى العظة والعبرة. فنحن ندرس تواريخ
الدول والملوك لنتعلم» وندرس سير الأنبياء لنتأسى بهم؛ وندرس تجارب الأمم وثرى
هى أعظم فوائد التاريخ فى نظر دارسيه من العرب. ولهذا نجد ابن خلدون يسمى
تاريخه الكبير «كتاب العبر».
ولا ندرى كيف غاب عن ابن خلدون أن أَحداً لا يعتبر مما يقرأ من التاريخ. ولقد
كان الملوك فى الماضى من أكثر الناس مطالعة للتاريخ. ومع ذلك فيا اتعظ أحد متهم
با قرأء فنجدهم جيعاً يقعون فى نفس المغالط التى يقرأون عنها فى الكتبء وهم يرون
يحدثنا عن شغف نفر من سلاطين المماليك وأمراثهم بالتاريخ؛ ومع ذلك فقد كان
أولئك المماليك من أجهل الناس بالسياسة والحكم؛ وأقلهم معرفة بتجارب الأمم»
محاضرات هيجل فى فلسفة التاريخغ و
وأكثرهم إسرافاً فى العدوان على أموال الناس وأبشارهم. فأين استفادتهم ما قرأوه؟
والحق أن الكثيرين يقرأون التاريخ ليتعلموا منه, وليوعظوا به؛ ولكنهم لا يتعلمون
الموعظة لا دخل لا فى التجارب الإنسانية. فمهها حذرت ابتك من الاندفاع وراء
واسأل نفسك: إننا معاشر العرب من أكثر الأمم تأليفاً فى التاريخ وقراءة له حق
الدهر الأيد نقع فى نفس الأغلاط ببلاهة تدعو إلى العجب.
ثم إننا نرى فى كلام ابن خلدون عن فائدة التاريخ إيهاماً لا نرتضيهء فيا الممراد
مثلا بقوله إن التاريخ «عزيز المذهب شريف الغاية»؟ لقد اختلط أمر معنى «عزيز»
و«شريف» على فنسان مونتاى مترجم المقدمة إلى الفرنسية فى سلسلة الروائع
الإنسانية الى تنشرها منظمة اليونسكو, وترجهها بلفظ واحد هو 100016 وهو لفظ
ونحن لا نلوم ابن خلدون فى لجوئه إلى هذا التعريف غير الدقيق لطبيعة التاريخ
ووظيفته. فبعد وفاة اين خلدون بأربعة قرون وربع القرن (توفى فى ١١ مارس
فى شتاء سنتى 181-180 وقال فيها: « إن تاريخ البشر كله يكن أن يوصف بأنه
عملية طويلة استطاعت البشرية خلالها أن تحرز تقدماً روحياً, وهذا التقدم هو
ما استطاع العقل البشرى أن يجرزه فى طريق معرفته لنفسه », وقال : « إن التاريخ
ايسير وفقا لخطة 180 ومهمة الفيلسوف هى معرفة هذه الخطة». ولقد عجز الكثيرون
من المؤرخين المبرزين عن الكشف عن أى خطة واكتفوا برواية الأحداث؛ ووجد
آخرون مفتاح التاريخ فى قوانين مختلفة ذهيوا إلى أن الطبيعة تعمل بموجبها. أما تفكير
هيجل فيقوم على الإيمان بأن التاريخ هو تحقق الغاية التى أرادها الله من وراء الخلق