العلمانيين يحاولون أن يغالبوا الإسلاميين بالتهويل والتضليل والإرهاب الفكرى
والنفسى ؛ إنهم يلقون حبالهم وعصيهم معتمدين على الغرب وقوته ؛ ومساندته
أعين الناس ويسترهبوهم ؛ وربما أوجس بعض الإسلاميين خيفة ؛ من كثرة حبالهم
الشبهات فى ضوء العلم والبرهان علموا أنها كيد ساحر ؛ ولا يُغلح الساحر حيث
ولك لحرن 4 .
وصدق الشاعر الذى قال :
إذا جاء موسى وألقى العا فقد بطل السحر والساحر !
وعلى الدكتور فؤاد زكريا خاصة ؛ وهو كتاب « الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه »
وكلاهما يتمم الآخر ؛ وبيشد عضد أخيه .
وإن كانت مادة هذا الكتاب - فى معظم فصوله - قد أعدت من زمن طويل +
اللبنانية ؛ وما نُشِر فى مجلة « منار الإسلام ٠» انية ؛ وفى مجلة « الأزهر »
المصرية ؛ وفى مجّلة « الدوحة » القطرية , وكان الفصل المتعلق بالدولة الدينية
هو الذى لم أكتبه إلا مؤخراً ؛ كما أضفت الفصل المتعلق بالحدود . وكم من كتب
عندى شبه مكتملة لا ينقصها إلا جزء يسير ؛ ربما كان فصلاً أو بعض فصل +
أحاول أن أكملها ؛ فتأبى الواجبات الآنية ؛ والمشاغل العارضة ؛ إلا أن تؤخرها
إلى حين ؛ حتى يوفق الله لإقامها ؛ وكل شئ بأجل مسمى
)١( الشعراء : 16 )١( يونس 8٠: - كم
وأود أن أوضح نقطة هنا فهمها بعض الناس على غير ما أريد ؛ وهى معنى
« الحل المستورد » الذى أنكره . إننى لا أعنى الحل الجزتى لمشكلة من
الملشكلات العى تشكو منها مجتمعاتنا . مشل مشكلة المواصلات أو الإسكان +
أو غلاء الأسعار . أو انتشار المخدرات ؛ أو ضعف الإنتاج الحيوانى أو الزراعى
فإذا وجدنا حلا لمشكلة من هذه المشكلات فى دولة من الدول ٠ رأسمالية
نقتبس مما عند القوم ٠
يرفضون أى فكرة جزئية تقتبس من أى نظام آخر ؛ مثل فكرة الانتخاب
والاستفتاء . وصولاً إلى أهل الشوري أو أهل الحل والعقد ؛ وفكرة الترجيح
بالأكثرية العددية فى الأمور المباحة , وغيرها ؛ مما يمكن أخذه من الديمقراطية .
وقد زدت هذا الأمر بياناً فى هذا الجزء فى فصل « الجمود والتطور » حتى
ت أنه يجوز لنا أن نأخذ من تظريات أمثال « ماركس » أو « فرويد »
الكلية (") ,
)١( انظر : الحل الإسلامى فريضة وضرورة ء
(7) انظر : فصل « الجمود والتطور » فى هنا الكتاب .
بتبين للقارىء المتفحص أن « الحل المستورد » الذى نرفضه هو « الل
على كل حال ؛ لقد أصبح مفهوم « الحل الإسلامى » واضحاً بيِنَاً ٠ وأصبحت
كلمة « الحل الإسلامى » مصطلحاً شائعاً . فى كتابات كثير من الإسلاميين
وغير الإسلاميين , بل نقل بعضهم عنوان السلسلة ؛ وهو « حتمية الحل
الإسلامى » وجعلها عنواناً لكتاب , كما أن مصطلح « فريضة رضرورة » قد
)١( إشارة إلى الآية الخامسة من سورة فصلت + )١( فرد فم
لبن فىيعصراامام
عصر العلم ؛ لا فى عصر الدين ؛ فقد أدى الدين - فى رأيهم - دورة ١ ولم
يعد له فى الحياة الحديثة مكان !
أولاً : أن الحضارة لا قيام لها إلا بالعلم ؛ والدين يعادى العلم ؛ والغرب
الحديث لم يبلغ ما بلغ من الرقى إلا حينما رفض منطق الدين ؛ وآمن بُنطق العلم .
ونخلع ربقة الدين من أعناقنا ؛ وإلا بقينا فى نطاق التخلف والانحطاط .
ثانياً : التسليم بما ذهب إليه فيلسوف المدرسة الوضعية الفرنسية « أوجست
كونت » من القول بقانون الأدوار الثلاثة العى بدأت بالدين ؛ وثنّت بالفلسفة +
وانتهت بالعلم ؛ وهو غاية المطاف .
ومقاومته حتى يتخلص الشعب من الخنوع والتسليم والإذعان ؛ وينهض للمطالبة
بحقوقه ؛ ويشور على الأوضاع الظالمة الفاسدة .
» الحضارة والعلم :
أما أن الحضارة لا قيام لها إلا بالعلم فهذا صحيح . وأما الربط بين قبول
منطق العلم ورفض منطق الدين ؛ واعتقاد أن الدين يعادى العلم ؛ فهذا غير
صحيح .
الدين الذى عادى العلم ووقف فى وجهه ؛ وحكم على رجاله بالملوت أو
بالحرمان من ملكوت السماء ؛ هو دين الكنيسة الغربية , التى حجرت على
الفكر , وعارضت العلم ؛ وتبنت نظريات علمية قديمة أضفت عليها القداسة
والعصمة ؛ وحاريت كل من انتهى بحشه إلى مخالفتها ؛ ورمته بالزندقة والإلحاد .
هذا موقف دين الكنيسة ؛ ولا أقول دين المسيح +
© موقف الإسلام من العلم :
أما الإسلام .. فهو دين قام منذ بز فجره على احترام العقل ؛ والدعوة إلى
النظر والتعفكر فى الأنفس والآفاق ؛ فى ملكوت السموات والأرض وما خلق الله
من شئ . وخصوصا أن الله سخّر للإنسان ما فى السموات وما فى الأرض
جميعاً منه ؛ كما قام على رفض كل دعوى بغير برهان ؛ والإنكار على التبعية
والتقليد ؛ وعلى اتباع الظنون والأهواء ؛ وتجريم السحر والكهانة والعرافة
وما يلحق بها من الأباطيل .. وإلى جوار ذلك الإشادة بالعلم والعلماء +
وتفضيل درجة العلم على درجة العبادة ؛ والترحيب بكل علم نافع دينياً كان
أو دنيوياً ؛ بل فرضه فرض كفاية على الأمة بقدر ما يحتاج إليه المسلمون +
وأخذ الحكمة من أى وعاء خرجت . وبهذه المبادىء والتوجيهات الرائدة ٠ صنع
الإسلام « المناخ » النفسى والاجتماعى لازدهار العلم , وقيام حياة علمية
مضيئثة الجنبات .
و « العقلانية » في الإسلام أمر اعترف به كل منصف ؛ ولو كان من خصوم
الإسلام أنفسهم
القرآتية » 1١! : « القرآن كتاب مقدس تحتل فيه العقلانية مكاناً جد كبير .
فالله لا ينفك فيه يتاقش ويقيم البراهين . بل إن أكثر ما يلفت النظر هو :
)١( ص 36 وما بعدها من كتابه « الإسلام والرأسمالية » ترجمة نزيه الحكيم . نشر دار
الطليعة
الوحى نفسه - هذه الظاهرة الأقل اتساماً بالعقلانية فى أى دين ؛ الوحى الذى
أنزله الله على مختلف الرسل عبر العصور ؛ وعلى خاتمهم محمد - يعتبره القرآن
هو نفسه أداة للبرهان . فهو فى مناسبات عديدة , يكرر لنا أن الرسل قد جا عوا
« والقرآن ما ينفك يقد البراهين العقلانية على القدرة الإلهية : ففى خلق
السموات والأرض ؛ واختلاف الليل والنهار ٠ وتوالد الحيوان ؛ ودوران الكواكب
والأفلاك ؛ وتنوع خيرات الحياة الحيوانية والنباتية ؛ تنوعاً رائع التطابق مع
حاجات البَشر : لآيّاتٍ لأولى الألبآاب نحل بي
وفعل « عَقَل » ( بعنى : ربط الأفكار بعضها ببعض .. حاكم .. قهم
البرهان العقلى ) يتكرر فى القرآن حوالى خمسين مرة . ويتكرر ثلاث عشرة مرة
هذا السؤال الاستعتكارى ؛ وكأنه لازمة : « فلا تَعْقَلُونَ > ؟! ؛ والكقار
أولثك الذين يرفضون الاستماع إلى دعوة محمد ؛ يوصفون بأنهم : « قوم
لا يَحْقَلُونَ 6 لأنهم قاصرون عن أى جهد عقلى يهز تقاليدهم الموروثة ؛ وهم بهذا
كالعجماوات والأنعام , بل أكثر عُجمة ... ولذلك يكره الله هؤلاء الناس الذين
لا يريدون أن يعيدوا النظر فى أسس تفكيرهم .
« ولثن كان ( يعنى الله سبحانه ) يرسل الآيات « الدالة » على وجوده
وإرادته , وأهمها الآيات المنزرلة على نبيه محمد ؛ فلكى يفهمها الناس +
البرهان بقوله : ا نُفصل الآيّات لقو
)١ كان الأولى الاستشهاد بآية البقرة رقم 66 فهى المطابقة لكلام المؤلف هنا ؛ ويبدو من كلام
المؤلف : أنه تتبع مادة « عقل » فقط فى القرآن ؛ ولو تتبع كلمات أخرى فى الموضوع مثل :
« نظر » و « تفكر » و د فقه » و د علم » و « برهان » و ه لب » ونحوها لخرج بشىء كثير
وكثير جداً .
وييستمر الكاتب فى بيان عقلانية الإسلام مقارناً هذه بما جاء فى العهدين
القديم والجديد ؛ لليهود والمسيحيين ؛ إلى أن يقول : « فى مقابلة هذا تبدو
« العقلانية القرآنية » صلبة كأنها الصخر » 0١( .
ومثل هذا المناخ العقلى الذى صنعته آيات القرآن - كما اعترف به المفكر
الماركسى وغيره - يشكل أخصب بيثة لإنتاج علمى مثمر ؛ قائم على استخدام
أقصى الطاقات والمواهب البّشرية .
ولكنًا نضيف إلى ما ذكر أموراً مهمة فى موقف الإسلام من العلم . منها :
١ - إشارة القرآن إلى استخدام « التخطيط » فى السياسة الاقتصادية
والتموينية للدولة . كما هو واضح فى « الخطة الخمس عشرية » من قصة
يوسف الصديق - عليه السلام - فى القرآن الكريم . وكيف كانت هذه الخطة
الحكيمة سبباً فى إنقاذ مصر وما حولها من الأقطار من مجاعة مهلكة . فليس
التخطيط - إذن - منافياً لعقيدة الإيمان بالقدّر ؛ كما يفهم بعض السطحيين ١"! .
- استخدام النبى له لأسلوب « الإحصاء » منذ عهد مبكر من حياة
المسلمين فى المديتة , فقد روى البخارى أنه صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة
إلى المدينة , أمر بعض أصحابه أن يحصوا له عدد الذين يلفظون بالإسلام .
فأحصوهم ؛ فكان عددهم خمسمائة وألفاً 09١ .
ويهذا نعلم أن « الإحصاء » أسلوب إسلامى أصيل ؛ وليس سلعة مستوردة
من الغرب ٠
)١( انظر فصل « العقيدة القرآنية » من كتاب « الإسلام والرأسمالية » .
(7) انظر « الإسلام والمنهج العلمى » للدكتور عبد العزيز كامل .
() رواه البخارى فى كتاب « الجهاد » من صحيحه .
بعلا
فى حادثة تأبير النخل وقوله لهم فى ذلك : « أنتم أعلم بأمر دنياكم » (00 .
+ - تشجيع الاقتباس وأخذ النافع من الغير ؛ فى الأمور « التقئية »
والدنيوية ؛ التى لا تتعلق بالعقائد والقيّ والآداب والشرائع ونحوها ؛ مما تتمايز
سلمان فى حفر الخندق حول المدينة ؛ مع أنه من أساليب القُرس . وصنع له نجار
رومى منبراً يخطب عليه . وقد روى عنه قوله عليه الصلاة والسلام : « الحكمة
ه - إشادة القرآن الكريم بقيمة الصناعة ودورها فى الحياة ؛ حتى إن رسل
الله والمصطفين الأخيار من عباده كانوا أصحاب حرف وصناعات أتقنوها وتفوقوا
فيها . فنوح شيخ المرسلين يصنع السفن ؛ وإبراهيم أبو الأنبياء وابنه إسماعيل
بُناءان يرفعان القواعد من البيت ( الكعبة ) . وداود يصنع الدروع ويلين له
الحديد .. وسليمان يسيل الله له عين القطر , وبسح له الجن يعملون له ما يشاء
من محاريب وقاثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات . وذو القرنين يقيم الس
العظيم من الحديد والنحاس المذاب "١ .
وهذا كله يبيِّن لنا طبيعة « المناخ » الذى هيأه الإسلام لظهور « المنهج
العلمى » السليم ؛ الذى لم يملك باحو الغرب أن ينكروه .
يقول العلأمة « رينيه ميليه » : « لقد جاء المسلمون بمبدأ فى البحث جديد ؛
مبدأ يتفرع من الدين نفسه ؛ هو مبدأ التأمل والبحث ؛ وقد مالوا إلى العلوم
وبرعوا فيها ؛ وهم الذين وضعرا أساس علم الكيمياء ؛ وقد وجد فيهم كبار
(7) انظر فى تفصيل ذلك : فصل « الرسول والعلم التجريبى » من كتابنا : « الرسول والعلم »
نشر مؤسسة الرسالة ؛ ودار الصحوة .
ويقول الدكتور « فرنتو رونثال » : « إن أعظم نشاط فكرى قام به العرب
يبدو لنا جلياً فى حقل المعرفة التجريبية ٠ ضمن دائرة ملاحظاتهم واختباراتهم »
فإنهم كاتوا يبدون نشاطاً واجتهاداً عجيبين , حين يلاحظون ويمحصون ؛ وحين
يجمعون ويرتبون ما تعلموه من التجربة » ٠
ويقول المؤرخ الفيلسوف الاجتماعى الشهير « جوستاف لوبون » : « إن
العرب هم الذين عَلْموا العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين »
* أثر العلم الإسلامى فى الحضارة :
والإيمان , ومزجت بين الدين والدنيا ؛ حتى إن أورويا لم ثُقم نهضتها العلمية
إلا حين مسّها قبس من نور هذه الحضارة ؛ أخرجها من سجن التقليد والدوران
حول القديم ؛ من القياس الأرسطى ؛ والمنطق الصورى ؛ إلى باحة الكشف
والاستقراء والملاحظة والتجرية ؛ وكل ذلك من أثر المنهج العلمى الإسلامى الذى
اكتشفه المسلمون متأثرين بالإسلام قبل أى شئ آخر .
يقول المؤرخ والفيلسوف الاجتماعى الفرنسى الدكتور « غوستاف لوبون » فى
فصل له عن « مناهج العرب العلمية » من كتابه « حضارة العرب » :
« ليست المكتبات والمختبرات والآلات غير وسائل للدرس والبحث ؛ وتكون
قيمتها فى معرفة الاستفادة منها ؛ وقد يستطيع المرء أن يكون مطلعاً على
علوم الآخرين ؛ وقد يبقى عاجزاً عن التفكير وابتداع أى شئ مع ذلك فيظل
تلميذاً غير قادر على الارتقاء إلى درجة أستاذ ؛ وسيبدو من الاكتشافات التى
نذكرها فى الفصول الآتية ؛ مقدار ما اكتشفه العرب بما لديهم من وسائل
لم يليث العرب بعد أن كانوا تلاميذ معتمدين على كتب اليونان ؛ أن أدركوا
تله