القدمة
وكان من توفيق الله للإمام مالك أن ولد بالمدينة. بعد أن
انتقل جَنُّه أو أبو جده من اليمن إلى الحجاز - وكانوا ينتمون
إلى ذي أصبح من اليمن - ونشأ مالك بن أبيه وأعمامه» وكانوا
علماء محدّئين يروي عنهم الناس ووثقونهم» وكان في صباه
وأول من قصد من العلماء الكبار «ابن هرمزه وقد يكون
من توفيق الله أيضاً أن يكون أول شيخ له ابن هرمز؛ فقد كان
في. العلم مبلغ الكبار. فشرع يأخذ عن كبار شيوخ المدينة يزداد
بهم علماء فكان أن ظفر دبربيعة الرأي» وهو في مَيْعة الشباب؛
بل كان ما يزال القرط في نيج
الرأي» وهو ربيعة بن أي عبد الرحمن؛ وقد تأثر به الإمام
الحدٌّ المعقول برأي مالك» تركه ولم يعد يأخذ عنه ولكنه
واتصل «بابن شهاب الزُهري» التابعي المشهور الذي
يطمع أكثر العلماء أن يأخذوا عنه. حتى قال مالك: كنا ناتي
نه وكان ربيعة هذا تا
ابن شهاب في داره في بني الديل» وكانت له عتبةٌ حسنة كنا
نجلسن عآيهاء + نتدافع إذا دخلنا عليه؛ ويقول: ووكنا نزدحم على
َرّج ابن شهاب حتى يسقط بعضنا على بعض». وكان ابن
شهاب ثقةٌ كثيرٌ الحديث والعلم والرواية؛ جامعاًء أخذ عن
الفقهاء السبعة. وما زال مالك يتردد عليه حتى أخذ الكثير من
وقال مالك أيضاً: كنا نجلس الى الزهري وإلى محمد بن
وكان الزهريٌّ من كبار من كانت له مكانة العلم عند
ولست هنا بمعرض ذكر شيوخ مالك فهم من الكثرة
أشْهَرهم وإنما ذكرتُ هنا من له أعظم الأثر في شخصية مالك
على أنه قد استمر يسمع من كبار الشيوخ احتى اجمع
كثيراً من حديث رسول الله فَةِ - وخصوصاً الفقهاء السبعة -
وكثيراً من علم الصحابة وفتاويهم واجتهادهم؛ وعرف ما عند
التابعين من علم واجتهاد. وسمع علم أصحاب الرأي؛ كربيعة؛
ن أنه لم يترك من علم الناس
ا من رأي أهل لعزت فإن
أراك تمسح العرق عن تمع
صادق ونقد تام! وهذا يدل أن كلا من مالك وأبي حيفة سمع
بول
له أن يجلس هذا المجلسٌ إل بعد أن يشهد له سبعون من كبار
العلماء ممن تنى إليهم الأعناق. وغالب الظنٌ أنَّ المراد بقوله:
«سبعون» المبالغة لا الإحصاء.
أعظم منِ خَلَق شيوخه؛ وكان الناس يروون عنه الحديث غَرْضاً
وكان في مجلسه فقةٌ. يُسأل وثفتي؛ ولا يتعرض للدليل+؛
فإن حاول أحد أن يعرف الدليل أخذ بعضده رجال أشدّاء؛
تاليف الموطًاً - وهو أول كتاب في الإسلام رتب فيه الفقه على
الحديث. وشمل الأبوابٍ كلها على التقريب - فانتشر في
الأرض وقرأه الموافق والمخالف. وقصد الإمام من المشرق
والمغرب؛ وحمل إليه الناس وقائع ومسائل مختلفات في البقاع
والاصقاع والبيئات ليجِدَ حال لهاء وكان لا يجيب على الواقعة
أو المسألة إل بعد إمعان قد يستغرق الآيام أو الأشهر أو
السنوات» وإذا طُرحت عليه مسائل لا يجيب منها إلا القليل أو
شعاراً له. وما أيسر أن ينطق بهاء وسواءً أجاب السائل أم لم
يجب فلا بِدّ أن يبحث في المسألة حتى يظهر له وجه الحق
يها وبهذا فقد غني فقه مالك بالوقائع المختلفة احياناً المتباينة
رفضه وقد يسخر به.
وفي المذاهب الأخرى الفروض تزيد على الوقائع سواء
في المذهب الحنفي أو الشافعي» بل قد تصل الفروض عند
المتأخرين إلى المحال. فيفرضون مسائل يستحيل وقوعها. وة
تكون هذه الفروض عند أئمة المذاهب أقل بكثير.
فم شرع اللهء وعنده أن الشارع لم يقصد بنصوصة إل
أو من عموم ما ورد من النصوص» كقوله كلةٍ: دلا ضرر ولا
والمصلحة التي ليس لها في شريعة الله أمر أو نهي؛ وهذه
بَ أن في فقه مالك بمنهاجه وقصده إلى المصلحة
فيها من اليسر والمرونة والقّة وسعة الأفقء ما
جعلها تبقى وتستمر.
ومن عبقرية مالك أنه استطاع أن يجمع بين كونه أكبرٌ وأشهر
محدّث عُرف بعصره وبين كونه أكبر فقيه عرف ببضّره وعصره
والجدير بالذكر هنا أنه لا ينبغي أن يكون هناك فقيةٌ قبل أن يكون
أعطى فيه شرع الله سلطاناً أخضع له النّاس جميعاً. حتى
يراعوها في كتاب الله وس رسول اللهء وآداب في الدرس
والسؤال والجواب» ولكل ما يمت بصلة إلى دين الله وكان له
سجن» وله رجال أشدّاء ينتظرون أمر مالك ليأخذوا من خالف
الشفة من الشارب؛ واجتهدوا أن يلبسوا من الثياب ما يقارب ما
كان يلبس؛ وكان له وجود معنوي في كل بلد انتشر بها مذهبه
وخصوصاً بالمدينة. فقد كان الناس يتهيون أن يقوم أحد بمنكر
أو يرى منكراً .وسكت عليه ؛فقد جاء رجل إلى بائع عل يسأله
حوله» فما إن مات مالك؛ حتى عاد الرجل يسأل عن خلّ خمر
فلم يستنكر أحدء بل أعطاه البائع ما يريد.
وقد كان أثره بارزاً حتى على كبار الحكام» فقد كان
الحكم بن هشام - فحل ملوك بني أمية - يؤثر الفقيه زياد بن
عبد الرحمن؛ الملقب بشبُطون - وهو أول من أدخل فقه مالك
الأندلس فيما يقال - وحضر يوم عنده؛ وقد غضب الحكم فيه
وصوله. فأمر بقطع يده؛ فقال له زياد: أصلح الله الأمير فإن
مالك بن أنس حداني في خبر رفعه وأ من كم
جبابرة الملوك
كما يدل على أن الملك المسلم مهما يبلغ من غضبه
ومن قسوته وجبروته يسكت غضبه؛ ويسكن سكون الحمامة
عندما يسمع كلام رسول الله 38 وبعمل بمقتضاه اه قبل أن يسبق
ولمالك شأن كبير عند الأمراء والخلفاء والملوك. وحسبنا
أن نذكر انه حمل الخليفة هارون الرشيد - وكان ملك الدنيا -
على أن يجلس أمامه 3 الناس ليسمع حديث رسول اللهء
وهارون هو أحد رواة الموطأ.
ومن العسير أن نفيّ حقٌّ مالك في مقدمة؛ وفي الكتاب
من علمه وإمامته وفضائله قدر لا يتسع الكتاب لأكثر منه.
هذا وقد صف في الإمام مالك كثيرون؛ فمنهم من
ل متهم
صف به محدثاً وهم الأكثرء ومنهم من صف به
من صنّف في ترجمة حياته؛ ومن هؤلاء القاضي عياض فقد
كتب في ترتيب المدارك قسطأ كبيراً يصلح , وحده أن يكون
كتاباً؛ ومنهم ابن فرحون كتب في الديياج المذهب قسطأ كبيراًء
ومنهم الشيخ الزواوي له كتاب مناقب مالك. ومنهم الشيخ
العلامة السبوطي ألف فيه كتاباً أسماه «تزيين الممالك في مناقب
الإمام مالك» ومن صنف من المتاخرين الشيخ محمد أبو زهرة
وليس هناك كتابٌ في التراجم - إل القليل - لم يذكر
مالكاً. فقد شاع ذكره وترجمته والثناءً عليه؛ وكيف لاء وهو
دشق الشام