ذكر عبد الرحمن بن خلدون فى مقدمة تاريخية تحت باب ؛ ٠ الحروب
ثم يقسم هذه الحروب لين ستاك :
أ- حروب الانتقام التى تقوم على الغيرة والمنافسة والعصبية وتحدث
عادة بين القبائل المتجاورة والعشائر المتناظرة +
ب- حروب العدوان التى تقرم على الغارات والسلب والنهب وتحدث عادة
ومعاشهم فيما بأيدى غيرهم +
أما الصنفان الأخيران من الحروب ؛ فيسميهما حروب جهاد وعدل
أ- الحروب التى تجرى غضبًا لله ولديده وهوالمسمى فى الشريعة
ب- الحروب النى تقوم بها الدولة ضد الخارجين عليها والمائعين
وموضوعنا فى هذه الدراسة ؛ يدخل فى نطاق هذين الصنفين الأخيرين
وهما حروب الجهاد والعدل ؛ ويدور حول حياة الحرب والجهاد فى الأندلس وما
يتصل بها من إعداد الجيرش وتدريبها وتعبئتها ؛ وتطوير أنواع الأملحة.
وأماليب القتال ؛ ووسائل الدفاع والهجوم ؛ وطرق التجسس » ووسائل الإعلام +
وتقوية روح الجدود المعنرية ؛ وذلك على مر العصور الإسلامية فى الأندلس +
وأعطيته عنوان ٠: صور لحياة الحرب والجهاد فى الأندلس ؛ +
+ )114- 179 راجع ( عبد الرحمن بن خلدون : المقدمة ص )١(
وقسمته إلى أربعة فصول زمئية +
الأول : من الفتج الإسلامى حتى سقوط الخلافة الأموية ونهاية عصر
الطوائف .
والثانى : فى عصر دولة المرابطين +
والثالث: فى عصر دولة الموحدين +
والرابع والأخير : فى عصر دولة بلي نصرأوبنى الأحمر فى
ولقد تجلبت الكلام عن الأساطيل والقتال البحرى + لأننى سبق لى أن
)١( راجع كتابى ( دراسات فى تاريخ المغرب والأندلس ) وكتاب تاريح البحر الاسلامية
فى حوض البحر الأبيض المتوسط الجزء الثانى بالاشتراك مع د. السيد عبد العزيز
الفصل الأول
صورمن حياة الحرب والجهاد فى الأندلس
من الفتح الإسلامى حتى سقوط الخلافة الأموية
ونهاية عصرالطوائف
أولاأ : التقسيم الإدارى والعسكرى للأند لس +
المراد بالأندلس هو أسبائيا الإسلامية فى شبه جزيرة إيبيريا التى تقع فى
جنوب غرب أورويا ٠
ونلاحظ فى هذا الصدد ثلاثة أسماء متداخلة أطلقت على هذه الجزيرة أر
شبه الجزيرة وهى ؛
)١ إيبيريا 8ا:©:1 ؛ وهو الاسم القديم الذى أطلقه الفينديقيون
والإغريقٍ على شبه الجزيرة نسبة إلى العناصر الأيبيرية الحامية الليبية 108:05
أطلقه الرومان على شبه الجزيرة ؛ ولعله مشتق من مسبريا 11880208 أى
نجمة الغرب أو أرض الغرب المداخمة للمحبط الأطلئطى . أومن كلمة
5810 سفان أى أرض الأرائب الجبلية التى اشتهرت بها إلى اليوم +
اسم قارة أطلانتس الغارقة بجوارها فى المحيط غرياً أوأنها مشدقة من اسم
قبائل الوندال الجرمانية التى غزت أسبائيا من الشمال فى القرن الخامسن
جاء المسلمون وعربوا هذه الكلمة إلى أندلس +
وظلت كلمة أندلس تعنى أراضى الدولة الإسلامية فى شبه جزيرة إيبيريا
كانت عليه الدولة الإسلامية فى أسبانيا حتى صاراسم أندلس آخر الأمر قاصر)
على مماكة غرناطة وهى آخر مملكة عربية إسلامية فى جنوب شرق أسبان
ويلاحظ أن وضع الأندلس الجغرافى كثغر فى الأطراف الغربية البعيدة
للعالم الاسلامى ؛ وبجوار الغرب المسيحى فى قلب أوروبا ؛ قد جعلها فى
مواجهة مستمرة دائمة مع الدول اللاتينية ال هناك . وهذا جعلها بالتالى
تتأثر بمؤثرات محلية أرروبية بحكم البيئة التى نشأت فيها ٠
وهذا الوضع الأوروبى الجغرافى الذى تميزت به الأندلس ؛ وهذا التداخل
المستمر بين الإسلام و١ فى شبه جزيرة إيبيريا ؛ قد أعطى الأندلس -
وإذا طبقنا هذه الظاهرة على الققسيم الإدارى الحربى بعد الفتح
المسلمون ؛ وأن ولاة المسلمين لم يجدوا صعوبة فى إدارتها أو خراجها +
والواقع أن من يدرس جغرافية شبه جزيرة سيريا ء يجد أن حدردها
الطبيعية الجغرافية ؛ تصلح تماماً لأن تكون حدود إدارية وعسكرية . فسلاسل
الجبال ووديان الأنهار التى تقطعها فى خطوط مستعرضة من الشرق إلى
الغرب أو العكس ؛ قد قسمتها إلى أقسام طبيعية يمكن تحويلها إلى وحدات
إدارية وعكسرية واضحة المعالم .فعا كان على المنظم إلا أ حدود هذه
وكذلك ( حمين مؤنس ؛ فجر الأندلس مص 515 وما بعدها ) +
ولقد أطلق الرومان على بعض هذه الأقسام الإدارية الكبيرة اسم
الآخراسم كيفتاس 1165© بمعنى المدن الكبيرة ذات الأحواز الراسعة . ثم جاء
تعطيها الشكل الإسلامى المميزلها » كالمسجد الجامع ؛ وقصر الإمارة أو
الخلافة ؛ والقصبة والأسوار والأسواق والدروب والفيساريات... الغ )١( مما يدل
بالأندلس ؛ إلا أنهم أضافوا وعدلوا بما يناسب طبيعة دولتهم العربية الإسلامية
» ويتمشى مع ما عرفوه من نظم إدارية فى الشرق حيث كان نظام الكور
يلاحظ أن الكورة فى الأندلس كانت أوسع وأكبر من الكورة فى المشرق كما
يشير بذلك المقدس من حيث أنها كانت تنقسم إلى أقاليم وأعمال وأحواز ٠
المكان الذى يدوفر فيه العدل والأمن ؛ إذ أن المقطع دين فى الكلمة يدل على
معلى العدالة وهذا يعنى أنها مقرالسلطان أو من يمثله (7).
وعلى هذا الأساس كانت الأندلس فى مجموعها مقسمة إلى كور ومدن ؛
فالكور هى الولايات الداخلية التى شمل نظامها جئوب الأندلس وشرقها
وغربهاء ويحكم كل كورة منها وال بمرسوم خلافى +
أما المدن فهى أيضاً أقسام إدارية كبيرة تقع شمالاً بعرض الأندلس من
شرقها إلى غربها وتشمل منطقة الشغور العسكرية النى امتدت بين أنهار
+ ©858 الكورة تعلى المقاطعة أوالولاية وهى من الأصل اليونائى خوره واللاتيلى )١(
) 1 أنظر : . (1969 متصطكتلم6 ,2.74 مغثاات مغاممق م01نال : منقامما )(
:1ن ولة008. فكانت بمثابة السياج أو الدرع الحامى للكور الداخلية . ويحكم
المديئة قائد بمرسوم خلافى أيضاً +
ولقد انقسمت هذه الشغور أو الخطوط العسكرية إلى أربع جبهات أيام
الأمويين وهى :
)١ الشفر الأعلى » وهر الخط الدفاعى الأول فى الشمال ويمتد على
وادى الإبرو 50:0 الذى يصيب فى البحر المتوسط شرف . وقاعدته هى مديئة.
سرقسطة 2088028 .)١( وكان يواجه مملكة أراجون وقطالونيا فى شمال شرق
؟) الشغر الأوسط ؛ وقاعدته مديئة سالم ناء1460:000 شمالى مدريد
بنحو 163 ك.م فى مقاطعة سوريا فى أعالى وأواسط نهر دويره 108:0 الذى
سالم من قديم باسم 00111 قى العصر الرومانى . ولما فتح العرب أسبائيا عمّر
هذه المدينة زعيم مغريى اسمه سالم بن ورعمال المصمودى من قادة الرعيل
الأول فسميت باسمه مديئة سالم . وفى عهد الخليفة الأموى عبد الرحمن
الناصر صارت هذه المديئة قاعدة للشغرالأوسط سنة 175ه /147م فى
مواجهة إمارة قشتالة الناشئة 02800118 علد سفوح جبال وادى الرملة 08 516:52
:0200 التى تشق الهضبة الوسطى +
00 وكان يواجه مملكة ليون والجلالقة فى شمال غرب أسبانيا ٠
)١( سرقسطة مديئة رومانية اسمها الأصلى 805د:, 08508 على اسم القيصر الرومانى
أوغسلس ثم حرّفه الأسبان 2408020 وعربه المسلمون إلى سرقسطة +
(7) طليطلة اسمها اللاتينى القديم تولاط 70130070 ويذكر البكرى أن معناه ؛ فرح ساكتهاء
الكلمة ما يدل على معنى حافة أو سف الجبل وهوما يتفق مع وضعها الجغراقى +
المحيط الأطلسى غربًا عند مدينة قادس 080:2 . وتقع عليه عواصم الأنداس
مثل قرطبة واشبيلية . وكان يسمى فى الأصل بيطى 36005 . ويتفرع مله نهر
صغير يسمى شئيل 0801 يغذى مديئة غرناطة فى الجنوب الشرقى . وقد
مدحه الوزير الغرناطى لسان الدين بن الخطيب بقوله ؛ وما لمصر تفخر
بنيلهارأئف منه فى شيلها !! ( على اعتبار أن حرف الشين فى بداية العدد
يحسب بألف فى اللهجة العامية ) +
وهكذا صارت المدن الأندلسية فى هذه الخطوط الدفاعية أشبه بقوس
الدائرة الممتد من البحر الأبيض المتوسط شرا إلى المحيط الأطلسى غرياً +
على أنه يلاحظ أن مفهوم المديئة 1185© عند الرومان كان أوسع من
مفهومها عند المسلمين الأوائل بالشرق . إذ لم تكن المدينة عند الرومان مجرد
وأقاليم أخرى واسعة +
ولهذا حيئما فتح المسلمون أسبانيا ؛ أقروا التقسيم الرومانى القديم الخاص
بالمدينة كقسم إدارى كبير يحتوى على مدن وأحواز فُسيحة مثل الكورة أو
تتبعها مدائن كبيرة مثل : قلعة أيورب 100إةئةله© )١( ؛ ولاردة 0108ه1 +
وكذلك الحال بالنسبة لمديئة طليطلة قاعدة الذغر الأدنى ؛ التى كانت
تتبعها مدائن أخرى على ضفاف التاجو مثل مجريط 1480:10 ؛ ومديئة الفرج
1018652 وغيرها ٠
كذلك يفهم من كلام الجغرافيين أن قرطبة 0080058 العاصمة لم تكن
)١( نسبة إلى ا بن حبيب اللخمى الذى ولى إمارة الأندلس بعد مقتل ابن خاله
عبد العزيز بن موسى بن نصير سنة 11ه » والذى ينسب إليه بناء هذه القلمة التى
وهذا النظام لم يعرف فى المشرق الإسلامى حيث كانت المدن تتبع الكور
أوالأقاليم التى تقع فيها . أما فى الأندلس فالمدن مثل الكور عبارة عن أقسام
هذا ؛ ويلاحظ كذلك أن كلا من الكور أو المدن فى الأندلس كان لها
استقلالها الإدارى والعسكرى عن العاصمة قرطبة وهذا يدل على أن
الأندلسيين لم يحرصوا على نظام المركزية - الممروف فى المشرق - فى
جهازهم الإدارى ؛ لأن طبيعة البلاد إلجبلية الصعبة تتتافى مع هذا التركيز
سواء فى الكور أو المدن . فولاة الكور وقواد المدن كان لهم قسط كبير من النفوذ
المحلى؛ ومن حرية التصرف دون الرجوع إلى الخليفة فى قرطبة +
الإسلامية والمسيحية بوجه عام حتى اليوم . وقد ساعدت هذه اللامركزية على
قيام حركات استقلالية فى فترات ضعف الحكومة المركزية وهى المعروفة فى
التاريخ الأندلسى بعصور الطوائف أوالفرق +
كذلك يبدو أن ارتباط مدن الثغور بقواعدها وتجاورها ببعضها مع بعض
فى خطوط دفاعية ؛ قد ساعد على انهيار تلك الخطوط عقب سقوط قواعدها
الرئيسية . فسقوط مديئة طليطلة قاعدة الثغرالأدنى سنة 419ه/ 88١٠م أدى
جديدة فى قلب الأندلس وهى قشتالة الجديدة 10618 14 510112ة0 سَيِينًا لها
عن قشتالة القديمة وز1/18 18 0900118© )١( وبالمثل يقال باللسبة لمديئة سرقسطة
)١( عبر الشاعر الطليطلى ابن غرنون البحصبى المعروف يابن العسال عن هذا الوضع
بقوله ؛
ال فما المقام بها إلا من الغلط
الثوب ينسل من أطرافه وأرى .ثوب الجزيرة منسولاً من الوسط!
( ابن خلكان : وفيات الأعيان + 4 ص ١18 ) +
قاعدة الثغر الأعلى فى وادى الإبرو؛ ولمدينة قرطبة العاصمة قاعدة الوادى
الكبير .
ولهذا كانت كل من سرقسطة وطليطلة وقرطبة ؛ تعتبرمن أهم المدن فى
شبه جزيرة إيبيريا خلال عصورها الرومانية والقوطية والإسلامية لأن كلا
الوادى الكبير )١( +
هذا الوضع الجغرافى والعسكرى لأسبائيا ؛ جعلها ميدان صراع بين
المسلمين والمسيحيين فى تاريخها الوسيط . ولذا اعدبرت الأندلس فى نظر
المسلمين دار جهاد وموطن رباط ؛ ووصفوها بكلمات تعبر عن هذا المعنى
لتستدر العطف والتأييد والمؤازرة مثل اليتيمة والغريبة وأهلها الأيتام والغرياء +
ولعلها تتصل برواية الحديث النبوى القائل :؛ ولد الإسلام غريبًا وسيعود
غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء » +
ومن الطريف أن أمشال هذه الكلمات وردت منذ الفتح الإسلامى فى
الخطبة المنسوبة لطارق بن زياد فى قوله ٠: واعلموا أنكم فى هذه الجزيرة
أضيع من الأيتام فى مأدبة اللنام !1 كذلك وردت فى وصية الخليفة الموحدى
يعقوب المنصور حين حضرته الوفاة إذ قال لمن حوله : أوضيكم بتقوى الله
تعالى وباليتيمة والأيتام ؛ فسأله أحد الحاضرين ومن اليتيمة والأيتام ؟ فقال +
اليتيمة جزيرة الأندلس ؛ والأيتام سكانها المسلمون ) . كذلك فى قول الوزير
الغرناطى لسان الدين بن الخطيب +
٠ جعلنا الله تعالى ممن قابل الحوادث بالاعتبار » وأعاننا على إقامة دينه
فى هذا الوطن الغريب المتقطع بين العدو والطاغى والبحر الزخار :0 +
واستمرت فكرة الجهاد وجنة الخلد وارتباطها بالأندلس مختمرة فى نفوس
+ )136 راجع ( حمين مؤنس : فجر الأدلس ص )١(
+ ابن عذارى : البيان المغرب فى اختصار أخبار ملوك الأنداس والمغرب » القسم اثالث )١(
(") المترى : ننج الطيب من غصن الأندلس الرطيب ج 3 من 139 +
خلا